المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6689 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05

Stickland Reaction
25-3-2020
الميراث قديما
30-5-2022
Landen,s Transformation
25-4-2019
مثبطات الوراثة اللاجينية Epigenetic Inhibitors
19-3-2018
مفهوم المحاسبة عن تكلفة العمالة ــ الأجور (تطور النظر لعنصر العمل البشري) 
2023-10-07
الأرض
22-9-2016


العرب  
  
3678   12:02 مساءً   التاريخ: 14-1-2017
المؤلف : جواد علي
الكتاب أو المصدر : المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام
الجزء والصفحة : ج1,ص196-207
القسم : التاريخ / احوال العرب قبل الاسلام / عرب قبل الاسلام /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-17 299
التاريخ: 21-11-2019 3155
التاريخ: 6-11-2016 10281
التاريخ: 6-11-2016 2193

ليس من السهل علينا التعرض في الوقت الحاضر للصلات التي كانت بين العرب الشماليين وبين حكومات الهلال الخصيب في أقدم العهود التأريخية المعروفة التي وقفنا على بعض ملامحها ومعالمها من الآثار، فبينها وليننا حجب كثيفة ثخينة لم تتمكن الأبصار من النفاذ منها لاستخراج ما وراءها من أخبار عن صلات العرب في تلك العهود بالهلال الخصيب.

ولعل خبر "نرام - سن" "نرام - سين" "Naram-sin" الأكادي "2270-2223 ق.م."، عن استيلائه على الأرضين المتصلة بأرض بابل والتي كان سكانها من العرب "Aribu" "Arabu"، هو أقدم خبر يصل إلينا في موضوع صلات العرب بالعراق. وهو خبر ينبئك باًن عرب أيام "نرام -سن"، كانوا في تلك المنازل قبل أيامه بالطبع؛ وهي منازل كوّنوا فيها "مشيخات" و "امارات" مثل امارة "الحيرة" الشهيرة التي ظهرت بعد الميلاد.

ويحدثنا سفر " القضاة" بأن "المدينيين" والعمالقة وبنو المشرق، كانوا ينتزعون ما بأبدي الإسرائيليين من غلة زراعة، وما عندهم من ماشية، ويغيرون عليهم. كانوا يأتون إليهم بخيامهم "كالجراد في الكرة، وليس لهم ولجمالهم عدد" حتى ذل الإسرائيليون. وأصل المدينيين من جزيرة العرب، استقروا بأرض "مدين" جاءوا إليها من الحجاز، وأخذوا يغزون العبرانيين، ومنها هذه الغزوات التي يرجع بعض الباحثين تاريخها إلى النصف الأول من القرن الحادي عشر قبل الميلاد. أما العمالقة وبنو المشرق، فانهم مثل المدينيين من قبائل العرب.

العرب والآشوريون:

إن أول إشارة إلى العرب في الكتابات الآشورية، هي الإشارة التي وردت في كتابات الملك "شلمنصر الثالث" "شلمناسر" ملك آشور. فقد كان هذا الملك أول من أشار إلى العرب في نص من النصوص التأريخية التي وصلت إلينا، إذ سجل نصراً حربياً تم له في السنة السادسة من حكمه على حلف تألف ضده، عقده ملك "دمشق" وعدد من الملوك الإرميين الذين كانوا يحكمون المدن السورية وملك إسرائيل ورئيس قبيلة عربي، اسمه "جندب". وقد كان هذا النصر في سنة "853" أو "854 ق. م". وقد قصد "شلمنصر" بلفظه "عرب" الأعراب، أي البدو، كما شرحت ذلك في الفصل الأول. أما العرب الحضر، أهل المدر، أي المستقرون، فقد كانوا يدعون كما ذكرت ذلك أيضاً بأسماء الأماكن التي يقيمون فيها أو التسميات التي اشتهروا بها. ذلك لأن لفظة "العرب"، لم تكن قد صارت علماً على جنس، من بدو ومن حضر، بالمعنى المفهوم من اللفظة عندنا. ولم يكن هذا الاستعمال مقتصراً على الآشوريين بل كان ذلك عاماً حتى بين العرب أنفسهم وقد أدى ذلك إلى جهلنا بهويات شعوب ذكرت في النصوص الآشورية وفي النصوص الأخرى وفي التوراة، دون أن يشار إلى جنسيتها، فلم نستطع أن نضيفها إلى العرب للسبب المذكور.

وكان ملك "دمشق" "بيرادري" "Bir-Idr"" "Birdri"، المعروف باسم "بنهدد" "Benhaddad" في التوراة، قد هاله توسع الآشوريين وتدخلهم في شؤون الممالك الصغيرة والإمارات، ولم سيما بعد تدخلهم في شؤون مملكة "حلب"، وخضوع هذه المملكة لهم بدفعها الجَزية واعترافهم بسيادة آشور عليها. فعزم على الوقوف أمام الآشوريين، و ذلك بتأليف حلف من الملوك السوريين وسادات القبائل العربية، لدرء هذا الخطر الداهم. وقد انضم إليه "آخاب" ملك إسرائيل، وأمراء الفينيقيين، فكان مجموع من استجاب لدعوته اثنا عشر ملكاً من ملوك سوريا، "وجنديبو" ملك العرب"، وقد أمد الحلف بألف جمل وبمحاربين، وكل هؤلاء كانوا قد أصيبوا بضربات عنيفة من الآشوريين وتعلموا بتجاربهم معهم مبلغ قوتهم و غلظتهم على الشعوب التي غلبوها على أمرها، فأرادوا بهذا الحلف التخلص من شرهم و الانتقام منهم والقضاء عليهم.

وعند مدينة "قرقر"، الواقعة شمال "حماة" وعلى مقربة منها، وقعت الواقعة، وتلاقى الجيشان: جيش "آشور" تسيّره نشوة النصر، وجيوش الإرميين والعرب و الفينيقيين ومن انضم إليهم، تجمع بينهم رابطة الدفاع عن أنفسهم، وبغضهم الشديد للآشوريين. لقد تجمع ألوف من جنود الحلفاء في "قرقر" على رواية ملك آشور، لمقاومة الآشوريين و صدّهم مم التوسع نحو الجنوب، واشتركت في المعركة مئات من المركبات. أما النصر فكان حليف "شلمنصر"، انتصر عليهم بيسر و سهولة، وأوقع بهم خسائر كبيرة، وغنم منهم غنائم كثيرة، و تفرق الشمل، وهرب الجميع، وانحل العقد، ورجع ملك آشور إلى بلده منتصراً، مخلداً انتصاره هذا في كتابة ليقف عليها الناس.

وإليك بعضَ ما جاء في نص "شلمنصر" عن معركة "قرقر"، لتقف على ما قاله عنها: "قرقر: عاصمته الملكية، أنا أتلفتها، أنا دمرتها، أنا أحرقتها بالنار، 1200 عجلة، 1200 فارس، 20000 جندي لهدد عازر صاحب إرم... ألف جمل لجندب العربي... هؤلاء الملوك الاثنا عشر الذين استقدمهم لمساعدته، برزوا إلى المعركة والقتال، تألبوا عليّ 000".

ويلاحظ كثرة عدد العجلات المستخدمة في المعركة بالنسبة إلى تلك الأيام. وهذه الأرقام ليست بالطبع أرقاماً مضبوطة، فقد عودنا الملوك الأقدمون المبالغة في ذكر العدد، والتهويل في تدوين أخبار المعارك والحوادث، للتضخيم من شأنهم وللتعظيم، وتلك عادة قديمة، نجدها عند غير الآشوريين أيضاً.

و "جنديبو" اسم من الأسماء العربية المعروفة، هو "جندب". ويكون هنا الاسم أول اسم عربي يسجل في الكتابات الآشورية. ولم يشر "شلمنصر" إلى أرضه والمكان الذي كان يحكم فيه. غير إن القرائن تدل على انها كانت في أطراف البادية، ويرى "موسل" إنها كانت تقع في مكان ما جنوب مملكة "دمشق". وأرى إنه كان ملكاً على غرار الملوك سادات القبائل مثل ملوك الحيرة والغساسنة، حكم على قبائل خضعت لحكمه وسلطانه، وكان يتناول الإتاوات من الحكومات الكبيرة مقابل حماية حدودها من الغارات والاشتراك معها في الحروب.

وقد أبلغنا "شلمنصر" الثالث "858 - 824 ق. م." أيضاً، إنه زحف في الجنوب، نحو أرض "كلدو"، أي أرض الكلدانيين، فاستولى عليها وتوغل بعد ذلك نحو الجنوب حتى بلغ "البحر المر" "البحر المالح" "Nar Marratu" أي الخليج العربي، فقهر كل السكان الذين وصلت جيوشه إليهم. ويظهر إنه بلغ حدود الكويت فاتصل بذلك جزيرة العرب وبقبائل عربية ساكنة في هذه الأرضين.

و في السنة الثالثة من حكم "تغلث فلاسر" "تغلاتبلاسر الثالث" "Tiglath Pileser" "745- 727 ق.م." تقريبا، دفعت ملكة عربية اسمها "زيبي" الجزية إلى هذا الملك. و كانت تحكم "أريبي"، أي العرب. و لم يتحدث النص الذي سجل هذا الخبر عن مكان الاعراب أباع "زبيبي".

و قد ذهب "موسل" إلى انه "أدومو" "Adumu"، أي "دومة" "دومة الجندل"، و ذهب أيضا إلى إن الملكة كانت كاهنة على قبيلة "قيدار" "Kedar". و "زبيبي"، هو تحريف لأسم "زبيبة"، و هو من الاسماء العربية المعروفة.

و يحدثنا هذا الملك أيضا أنه في السنة التاسعة من ملكه، قهر ملكة عربية أخرى اسمها "سمسي" "شمسي" "Shamsi"، و اضطرها إلى دفع الجزية له بعد أن تغلبت عليها جيوش آشور. و يدعي أنها حنثت بيمينها وكفرت بالعهد الشي قطعته للإلَه العظيم "شماش" "Schamash" بألا تتعرض للآشوريين بسوء، وبأن تخلص لهم، فانتصر عليها، واستولى على مدينتين من مدنها، وتغلب على معسكرها، فلم يبق أمامها غير الخضوع والاستسلام وتأدية الجزية إبلاً: جمالاً ونوقاً.

والظاهر إنها انضمت إلى ملك دمشق في معارضته للآشوريين، وتعرضت لقوافل آشور، فجهز الملك عليها حملة عسكرية تغلبت عليها. ولضمان تنفيذ مصالح الآشوريين، قرر الملك تعيين "قيبو" أي مقيم أو مندوب سام آشوري لدى بلاطها، لإرسال تقاريره إلى الحاكم الآشوري العام في سورية عن نيات الملكة واتجاهات الأعراب، وميول قبيلتها، ولتوجيه سياسة الملكة على النحو التي تريده "آشور".

وقد ذكر النص الآشوري أن الملكة أصيبت بخسائر فادحة جداً، وهي ألف و مئة رجل، وثلاثون ألف جمل، وعشرون ألف من الماشية، وهي أرقام بولغ فيها جداً، ولا شلك.

ويذكرنا اسم الملكة "شمسي" "سمسي" باسم عربي هو "شمس" أو "شمسة". و "شمسة" من الأسماء العربية القديمة التي ما تزال حية. وقد كان في المدينة امرأة نصرانية اسمها "شمسة"، أسلمت على يدي الحسن بن علي بن أبي طالب فحرف الآشوريون الاسم وفْقَ لطقهم وكتبوه على هذا الشكل. وقد صوّر على اللوح الذي ورد فيه خبر الانتصار المذكور، منظر فارسين آشوريين يحملان رمحين، يتعقبان أعرابياً راكبا جملاً، وتحت أعقاب الفرسين وأمامهما جثث الأعراب الذين خروا صرعى على الأرض. وصوّر شعرهم طويلا وقد عقد إلى الوراء، وأما اللحى فكثة، وأما أجسامهم فعارية إلا من مئزر شدّ بحزام. وقد حرص الفنان على تصويره الأعرابي الراكب قريباً جداً من الفارسين" مادّاً يده اليمنى اليهما متوسلاً ومسترحماً ومستسلماً، وصورت الملكة "سمس" "شمسي" "سمسي" حافية، ناشرة شعرها، تحمل جرة من الجرار الاحدى عشرة المقدسة، بعد أن أضناها الجوع والتعب في فرارها إلى "بازو"، وقد خارت قواها المعنوية.

وورد في الكتابة الآشورية أن الملكة أرسلت وفداً إلى ملك آشور لمصالحته واسترضائه، ضم عدداً من سادات قبيلتها وأتباعها، منهم "يربع" "يربأ" "Jarapa"، وكان رئيس الوفد، و "تمرنو" "حترنو" "Hataranu" و "جنبو" "Ganabu"، و "تمرنو" "Tamranu".وهي أسماء عربية لا غبار عليها، كتبت بحسب النطق الآشوري. ف "Jarapa" مثلاً، يمكن أن يكون أصله "يرفع" أو "يربع" أو يربوع، و "Hataranu" جائُز إنه "خاطر" أو "خطر"، و "Ganabu" جائز إنه جناب أو "جنب"، و "Tamranu" جائز إنه "يمر" أو "تمار" أو ما شابه ذلك. ولا أرى بنا حاجة إلى ذكر أمثلة عديدة وردت فيها أسماء من مثل "يربوع" "جناب" و "جنب" وأمثال ذلك لدى الإسلاميين.

وبعد أداء "شمس" الجزية إلى ملك آشور، دفعت عدة قبائل وشعوب عربية الجزية إليه. وقد جعل بعض الباحثين ذلك في حوالي سنة "738 ق م" وجاء في الترجمة العربية لكتاب "حتي" إن ذلك كان في عام "728 ق م" و إذا كان أداء العرب المذكورين الجزية في السنة التاسعة من حكمه، فيجب أن تكون السنة سنة "736 ق.م." تقريباً، لأن حكم الملك كان في "745 ق.م.". وقد ذكر الملك إنه تسلم الجزية ذهباً وفضة وإبلاً وطيوباً من "مساى" "مسأى" "Mas'a" و "تيما" و "سبأ" "سبا" و "خيابة" "خيابه" "Hajappa" "Hayapa" "Hajappa" و "بطنه" "Batana" "Badana" و "خطي" "Hatta" "Hatti" و "أدبئيل" "Ibida'il". و قد ورد إنها كانت تقطن في أرضين تقع في الغرب في أماكن بعيدة. ويقصد إنها كانت غرب آشور، والغالب إنه كان يريد من قوله: في مواضع بعيدة، البادية حيث يصعب الوصول إليها.

ويرى بعض الباحثين إن "مسأى" "مسا" "Mas'a" هي قبيلة "مسا" "Massa" المذكورة في التوراة. وهي قبيلة إسماعيلية كانت منازلها في شرق "مرآب"، أو في جنوب شرقيها. ويظهر إنها لم تكن بعيدة جداً عن فلسطين. ورأى "ذورمه" "Dhorme" إنها قبيلة من قبائل العربية الجنوبية، وهو رأي بعيد الاحتمال، فلا يعقل وصول نفوذ الآشوريين في ذلك الزمن إلى تلك المواضع. ثم إن "مسا" وهو أحد أبناء "إسماعيل" كما ورد في التوراة. والقبائل الإسماعيلية لم تكن تسكن العربية الجنوبية، بل المواضع التي ذكرتها في أثناء حديثي عنهم. ثم إن أحد المقيمين الآشوريين كان قد كتب تقريراً إلى ملكه، يذكر فيه إن "ملك قهرور" "مالك قهرو"، وهو ابن "عم يثع" "عم يطع" "عمى يطع" "Amme'" من قبيلة "مسا"، غزا، بعد خروج الملك وارتحاله عن قبيلة "نبأ أتى" "نبي أتي" "Nabi'ati"، هذه القبيلة وذبح أفرادها، وسرقها وقد تمكن أحدهم من النجاة بنفسه، فبلغ الملك وأخبره بالحادث. ويشير المقيم السياسي الآشوري في تقريره هذا إلى الحادث، ليكون ملكه على علم به. وقبيلة "نبي أتي" "نبأ أتى" "Nabi'ati" هي قبيلة "نبايوت" "Nabajot" "Nebaioth" المذكورة في التوراة. وهي مثل "مسا" إحدى القبائل الإسماعيلية. ولهذا تكون منازل قبيلة "مسا" في الشمال أو في الشمال الغربي من منازل "نبايوت".

وأما "تيما" "Tema"، فإنها "تيماء" المذكورة في التوراة، والمعروفة حتى في الإسلام. وتقع على الطريق التجاري الخطير الذي يربط العربية الجنوبية والحجاز وللشام والعراق و مصر، ثم بموانئ البحر المتوسط، كما عرف التيمائيون باشتغالهم بالنجارة، فلعلهم دفعوا الجزية إلى آشور حفظاً، لمصالحهم التجارية ولكي يسمح لهم الآشوريون بمرور تجارتهم في الطرق التي تخترق العراق وبلاد الشام وموانئ البحر المتوسط بعد أن أصبحت تحت سيطرتهم.

وقد ذكرت "تيماء" مع "ددان" في مواضع من التوراة. وذكرت مع "ددان" و "بوز" كذلك. ومعنى هذا أن هذه المواضع كانت متقاربة لا يبعد بعضها عن بعض كثيراً، وأشير إلى "قوافل تيماء" و "سيارة سبأ"، ويدل ذلك على اتصال تجاري كان بين الشماليين والسبئين في ذلك العهد.

ويدل ورود اسم "سبأ"، بعد "تيما" في نص "تغلث فلاسر"، على أن السبئيين المقصودين كانوا يعيشون على مقربة من التيمائيين ومن بقية من دفع الجزية للآشوريين. ويرى "موسل" أنهم كانوا يقيمون إذ ذاك في "ددان" "ديدان"، وأنهم من السبئيين الذين أخذوا مكان المعينيين، وكانت لهم قوافل تنقل التجارة على الطرق البرية كما كانوا يقومون بتربية الإبل والماشية لمه.

وأما "خيابه" "Hajapa"، فإننا لا نعرف عنهم اليوم شيئاً غير الاسم. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنهم "عيفة"، المذكورون في التوراة. ومن هؤلاء "فرديش دلمج" و "شرادر" و "موسل" وآخرون. وهو على رواية نسابي العهد العتيق من نسل "مديان" "مدين"، ومن حَفَدة "إبراهيم" من زوجه "قطورة". ويفهم من "أشعياء"، أنهم كانوا يتاجرون مع "شبا" مثل "مديان" يحملون الذهب واللبان، ويظهر أنهم كانوا يقطنون منطقة "حسمي".

ومن الصعب تشخيص قبيلة "بطنه" "بطنا" "بدنه" "Batana" "Badana". ولم يرد في التوراة ما يقابل الاسم أو ما يقاربه. وقد قرأ "موسل" الاسم "بدنه" "Badana"، وذهب إلى إنه اسم قبيلة "بدون" أو "مدون"، بإبدال "الياء" ميما"، وهذا أمر مألوف. وتقع منازلها في "العلا"، أي في "ددان" "ديدان" القديمة. ويعتقد أفرادها أنهم من سلالة قديمة جداً، و ليست لهم صلات قربى بالقبائل الأخرى. وتسكن بطون منهم عند "البتراء" "Petra" أي الرقيم.

وأشار "موسل" أيضاً إلى اسم موضع ذكر إنه ورد في كتاب "بلينيوس"، وهو "Badanatha". غير إنه لاحظ أن هذا الاسم مشكوك في صحة ضبطه، فإن بعضهم قد قرأه "Baclanaza".فإذا كانت القراءة "Badanatha" صحيحة، فمن الممكن إذن أن يكون هذا الاسم علاقة ب "بدون"، أو "مدون" وبي "بطنه" "Batana"، الوارد في نص. ملك آشور. والموضع الذي ذكره "بلينيوس"، قريب من "Domata"، أي "دومة الجندل"، ومن "ثمود"، فهو في هذه المنطقة التي دفع أصحابها الجزية إلى الآشوريين.

وتقع ديار "خطي" "Hatti" على مقربة من "أدوم"، على رأي "موسل". وأما "كلاسر"، فيذهب إلى إنها كانت تسكن "الخط"، سيف البحرين، أي على ساحل الخليج. وهي منطقة قريبة من العراق، يرى أن من السهل الاستيلاء عليها. وقد ذكر "بلينيوس" موضعاً دعاه "خطيني" "Chateni" يقع على ساحل الخليج، ولهذا رجح "كلاسر" أن "Hatti" هم "خطيني" هؤلاء. و قد ذكر "ياقوت الحموي" جبلا بمكة دعاه الخط".

وقد يكون سكان المنطقة المجاورة له عرفوا باسم "الخطيون"، وقد مارسوا التجارة، وبعثوا كالقبائل الأخرى بتجاراتهم إلى اليمن وبلاد الشام والعراق، ولذا دفعوا الجزية إلى الآشوريين ليسمحوا لقوافلهم باجتياز الطرق البرية التي خضعت لسلطانهم وللإتجار في أسواق مملكة آشور.

ويظهر إن "ادبئيل" "ادبعيل" "Idiba'il"، القبيلة المذكورة في نص "تغلث فلاسر"، هي قبيلة "ادبئيل" "Adabeel" في التوراة. وهي إحدى القبائل الإسماعيلية على حسب رواية نسابي العبرانيين. وكانت منازلها في جنوب غربي البحر الميت على مقربة من غزة وإلى جنوب غربها عند حدود مصر، وفي طور سيناء. وكان يسكن إلى الشرق منهم ومن قبيلة "خطي" وكذلك إلى الجنوب الشرقي وشرقي "بئر السبع" "Beersheba"" "مبسام" "Mibsam" و "مشماع"، وهما ولدان من ولد "إسماعيل"، ويمثلان قبيلتين من القبائل الإسماعيلية. ويظهر من "أخبار الأيام الأول" أن بني "مبسام" و "مشماع" كانوا من بني "شمعون"، وكانوا من بطون "الشمعونيين" القوية ولهم أرضون واسعة. ويشير هذا إلى أن "المبساميين" و "المشماعيين" كانوا قد توسعوا وتصاهروا مع "الشمعونيين" واختلطوا بهم، فاختلط الأمر، وعدّ الذين تصاهروا مع الشمعونيين واختلطوا بهم منهم، مع إن أصلهم من الإسماعيليين، أي من العرب الشماليين.

وقد عينّ "تغلث فلاسر" في سنة "734 ق. م." عربياً "Arubu" اسمه "ادبئيل" "Idiba'il" في وظيفة "قيبو" "Kepu"، أي والياً على "مصري"، ليدير شؤونها. بالنيابة عنه، وجعل تحت تصرفه خمسة وعشرين موضعاً من "عسقلان". ويحتمل أن يكون هذا الرجل - على رأي "موسل" - شيخا من قبيلة "ادبئيل"، كان مقيماً مع قبيلته "في "طور سيناء"، وكان له سلطان. واسعا بلغ حدود مدينة "غزة". ولم يكن هذا الشيخ الذي اعتمد طليه ملك آشور فعينه والياً عنه، إلا سيد قبيلة كلف حماية الحدود وحفظ مصالح الآشوريين بحفظ الأمن والسلامة ومنع الغزو والتحرش بالحدود. ولما كان من الصعب على الجيوش النظامية ولوج البوادي وتعقب أثر الأعراب، فكرت الحكومات القديمة والحكومات الحديثة في القرن العشرين في حماية مصالحها بدفع، جعالات شهرية وسنوية وهدايا إلى سادات المشايخ، وتعيين بعضهم في مناصب كبيرة، ليولوا حماية الحدود، وكبح جماح البدو ومنعهم من الغزو، والاستفادة منهم في إزعاج خصومهم بغزوهم ومحاربتهم أو محاربة القبائل المتحالفة معهم، كالذي فعله الفرس واليونان والرومان والدول المستعمرة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين.

ويظهر إن بلوغ جيوش "تغلا تبلاسر الثالث" غزة كان في حوالي السنة "738 ق. م.". فسيطر الآشوريون بذلك على هذا الميناء المهم، الذي كان نهاية طرق القوافل التجارية الآتية بصورة خاصة من الحجاز، وهو ميناء كان مقصد تجار يثرب ومكة حتى عند ظهور الإسلام.

ويحدثنا "سرجون الثاني" "724 -705 ق.م" إنه في السنة السابعة من حكمه، سنة "715 ق م" أدّب "تمودي" "Tamudi" و "اباديدي" "عباديدي" و "مرسماني" "Marsimani" و "خيابه" "Hajapa"، وهزمهم، ونقل من وقع في يديه منهم إلى ""السامرة" "Samaria". ثم يذكر يعد هذا الخبر إنه تلقى الجزية من "سمسي" "Samsi" ملكة "اريبي" و من "برعو" "Pir'u" ملك "مصر ي" "Musuri" و من "يتع أمر" "It'amra" السبئي. وذكر أن الجزية كانت من الذهب وحاصلات الجبل والحجارة الكريمة والعاج وأنواع البذور والنبات والخيل والإبل.

ويتبين من أسماء المواضع والقبائل التي ذكرها "سرجون"، أن تلك المعارك كانت قد وقعت في أرضين تقع في الشمال الغربي من جزيرة العرب، وفي المنطقة الواقعة فيما بين خليج العقبة و "تيماء" والبادية. ولا بد وأن تكون الجيوش الآشورية قد هاجمتها من الشمال أي من فلسطين.

وقد ورد في بعض ترجمات نص "سرجون" إنه نقل الأعراب الذين ينزلون في مواضع نائية من البادية، ولم يعرفوا حاكماً رسمياً ولا موظفاً ولم يدفعوا جزية إلى أي ملك سابق، نقلهم إلى "السامرة" وأسكنهم فيها. ويظهر أن هذه الجملة لا تخص الجملة السابقة التي ذكر فيها "ثمود" وبقية الأسماء، وليست معطوفة عليها، لأنه وصف هؤلاء الأعراب بأنهم سكان بوادٍ نائية، ولم يدفعوا الجزية لأحد من قبل، على حين يقيم المذكورون في أرض معروفة ولمنازلهم أسماء، وهي ليست من البوادي.

وورد في هذه الترجمات بعد جملة "ويثع أمر السبئي" "ومن هؤلاء الملوك ملوك على الساحل، ومنهم ملوك في البادية. تسلمت منهم جزية: تبراً، وأحجاراً كريمة... الخ"، م! ا يدل على أن أولئك الملوك كانوا يحكمون أرضين واسعة تمتد من البادية إلى البحر الأحمر.

ووردت في نص "سرجون" المشار إليه أسماء مواضع هي "Uaidaue" و "Bustis" و "Agazi" و "Ambanda" و "Dananu"، ووردت معها جملة: "اريبي الساكنين في مشرق الشمس" "اريبي مطلع الشمس". ولهذا ذهب بعض الباحثين إلى آن الأسماء المذكورة هي أسماء مواضع في أرض "اريبي"، أي البادية. وهو رأي يعارضه باحثون آخرون، لغموض العبارة، ولتعذر القول إن أسماء هذه المواضع تعود إلى "أريبي الساكنين في مشرق الشمس".

أما "تمودي" "Tamudi"، فإنهم "ثمود"، الذين سبق أن تحدثت عنهم. وأما "أباديدي" "Ibadidi"، فشعب لا نعرف من آمره شيئاً. وقد ذهب "موسل" إلى احتمال كونهم "أبيداع" "Abida" المذكورين في التوراة. وهو فيها ابن "مديان"، أي "مدين". ويرى أن مساكنهم كانت في جنوبي شرقي "أيلة" "Elath" أي العقبة، على الطريق التجارية المهمة التي تربط ديار الشام بالحجاز.

ورأى "كلاسر" أن "الاباديدي" هم "Apataei" المذكورون في جغرافيا "بطلميوس"، وكانوا يقيمون في مكان يقال له "وادي العبابيد" أو "العباديد" على مقربة من العقيق، أو أن فرعاً منهم كان يقيم في هذا المكان. وذهب "فورستر" إلى أن شعب "Apataei"، هم شعب آخر، وأن الكلمة هي في الأصل "Nabataei"، وهو شعب كانوا يقيمون في موضع "نبت" على ساحل الحجاز.

ولا نعرف من أمر "مرسماني" "Marsimani" شيئاً يذكر، ولم يرد لهذه القبيلة اسم في التوراة. غير أن بعض الكتبة "الكلاسيكيين" ذكروا قبيلة عربية يظهر إنها كانت تقيم في جنوب شرقي "العقبة" سموّها "Batmizomaneis" "Banizomaneis"، وقد كانت في جوار قبيلة "Thamudenoi" أي ثمود. ويرى "موسل" احتمال كون هذه القبيلة هي "مرسماني"، تحرف اسمها في النص الآشوري أو حرفه الكتبة "الكلاسيكيون" حتى صار على نحو ما نرى. وعلى كل حال فإن على لفظة "Marsimani" طابع العروبة، فلا يستبعد أن تكون من "مرسم"، أو أسماء أخرى عربي قريبة منها.

ويظهر أن كراهية الأعراب للآشوريين كانت شديدة جداً، لم تخفف من حدتها لا سياسة القوة والعنف ولا سياسة التودد واللبن. لقد حملت هذه الكراهية القبائل على مدّ بد المساعدة إلى كل مبغض للآشوريين، أو متمرد عليهم، فقسمت المعونة إلى "مردخلبلدان" "مردخ بلذان" "مردخ بلادان" "Merodachbaladan" ملك بابل خصم وعدوّ "سنحاريب" "سنحريب" وأرسلت "ياتيعة" "يثعة" "يطيعة" "Ja'it'e"، ملكة "اريبي" جيشاً لمساعدته ومناصرته في كفاحه هذا مع الآشوريين وضعته تحت قيادة أخيها "بسقانو" "يصقانو" "Basqanu"، إِلاً إنه لم يتمكن من الوقوف أمام الآشوريين، فنزلت به خسارة فادحة، وأسر "بسقانو" وأسر معه معظم جيشه، وكانت هذه الهزيمة في موضع "كيش" "Kish". وقد كانت في حوالي سنة "703" أو "752" قبل الميلاد على رأي بعض الباحثين.

ويظهر أن لفظة "Iati'e" هي تحريف لاسم عربي من أسماء النساء لعله "بطبعة" أو ما يشابه ذلك. وقد كانت ملكة إذ ذاك، أي إنها كانت مثل "زبيبة" و "شمس" المذكورتين. وأما اسم "بسقانو" "Basqanu"، فالظاهر إنه "الباسق" فإنه قريب منه.

ويحدثنا "مرجون" في كتاباته عن أيامه وعن أعماله المجيدة أن الملك "أبيري" "Uperi" ملك "دلمون" سمع بقدرة آشور وبعظمتها فأرسل هداياه إليه. ومعنى هذا أن البحرين كانت إذ ذاك تحت حكم ملك اسمه "أبيري"، لعله "أبير"، وان الصلات السياسية كانت وثيقة بين آشور والبحرين في ذلك العهد. وقد ذكر "سرجون" إن "أبيري"، "ملك دلمون"، "كان يعيش كالسمكة في وسط بحر الشروق، البحر الذي تشرق عليه الشمس، وعلى مسافة ثلاثين ساعة مضاعفة، وكان قد سمع بجلال عظمتي فأرسل بالهدايا إليّ". وفي هذا الخبر اشارة واضحة إلى استقلال البحرين، أي جزيرة "دلمون" وخضوعها لحكم ملك لعله كان من أهلها. ولما كان القسم الجنوبي من العراق تحت حكم الآشوريون في هذا العهد. وللبحرين علاقات تجارية متينة مع هذا القسم، لذلك أرسل هدايا ثمينة إلى ملك آشور.

ويظهر من خبر آشوري يعود عهده إلى أيام الملك " سنحاريب" "سنحريب"، وهو ابن "سرجون"، أن ملك البحرين لما سمع خبر اجتياز هذا الملك نهر الفرات ودخوله الخليج ووصوله أرض جزيرة "دلمون"، أسرع فاعترف بسيادة ملك آشور عليه. وكان هذا الملك قد دك أرض بابل في حوالي السنة "689 ق.م."، وسار منها متوجهاً نحو ارض الخليج. وفي هذا الخبر إشارة إلى أن علاقة الآشوريين بالبحرين كانت وثيقة في هذا العهد أيضاً، وان ملك البحرين كان يخشى ملك آشور، لذلك اعترف بسيادته الاسمية عليه.

وأخبرنا "سنحاريب" "سنحريب" "705 - 681 ق. م." إنه تسلم هدايا من "كرب ايل" "كريبي - ايلو" "Karibi-ilu" ملك سبأ "Saba'i"، إذ بنى بيتاً أو معبداً "بيت اكيتو" "Bit-Akitu"، للاحتفال فيه بعيد رأس السنة والأعياد الأخرى. وكان من جهلة هذه الهدايا أحجار كريمة وأنواع من اًفخر الطيب ذي الرائحة الزكيه الطيبة "Rikke Tabutu"، وفضة وذهب وأحجار ثمينة أخرى، وهي أمور اشتهرت بها العربية الجنوبية، كما عرفت بتصديرها هذه المواد إلى الخارج، وقد تحدثت عنها التوراة في مواضع من الأسفاره.

وقد ذهب "هومل" إلى أن "كريبي - ايلو"، هذا هو "كرب ال" "كرب ايل" أحد "مكربي" "مقربي" سبأ، أي الكهان الحكام، ولم يكن ملكاً على عرش سبأ وانْ دعاه "سنحاريب" ملكا، ذلك لأن الآشوريين لم يعرفوا لقبه الرسمي، أو لأنهم لم يهتموا بذلك فجعلوه ملكاً. وهذه الهدايا لم تكن جزية فرضه عليه، بل كانت هدية من حاكم إلى حاكم، وقد بعث بها إليه مع القوافل الذاهبة إلى الشام بطريق غزة، أو طريق مكة، فالبادية إلى العراق. وعندي إن من الجائز أن يكون "كريبي - ايلو" هذا سيد قبيلة أو أميراً من الأمراء الذين كانوا في العربية الشمالية، من المجاورين لتلك القبائل التي تحدثت عنها وسبق لها أن قدمت هدايا لآشور، وكان من السبئيين النازحين إلى الشمال الذين حلوا محل المعينيين.

ولما قضى "سنحاريب" على مقاومة البابليين وعينّ عليهم ملكاً منهم، كان قد تربى في قصور الآشوريين فأخلص لهم، سار إلى بلاد الشام لإخضاع العمونيين والمؤابيين والأدوميين والعرب والعبرانيين، فقد كان هؤلاء قد انتهزوا فرصة قيام البابليين وقبائل إرم والعرب والعيلاميين على الآشوريين للتخلص منهم، فألفوا حلفاً بين هم في جنوب بلاد الشمام، أي في فلسطين والأردن، وانحدرا لمحاربة "سنحاريب". فلما وصل إلى ساحل البحر المتوسط، أخذ جيشه يستولي على المدن، الفينيقية والفلسطينية، ويتقدم نحو الجنوب حتى بلغ "عسقلان" "Ashkelon". ولما وصل إلى موضع "التقه" "علتقه" "Eltenkeh" "Altenkeh"، اصطدم بالعرب وبالمصريين، غير إنه تغلب عليهم واستولى على "التقه" و على "تمنة" "تمنث" "ثمنة" "Timnath" و "عقرون" "عاقر" "Ekron".

وفي أنباء الانتصارات التي سجلها "سنحاريب" لنفسه إنه قام في حوالي السنة "689 ق. م." بحملة على الأعراب التابعين للملكة "تلخونو" "Telhunu" ملكة العرب "Arabi"، أي أعراب البادية، وعلى الملك "خزا ايلي" "حزا ايلي" "Haza-ili"، ملك "قيدري" "Qidri"، أي القيداريين، فسارت جيوشه في اتجاه "أدوماتو" "دومة" "Adummatu"، فتغلبت على العرب وعلى القيداريين. ويقصد بي "أدوماتو" "دومة الجندل". وقد كانت "أدوماتو" "Adummatu" من مواضع "أريبي" "عريبي" الحصينة.

وهي في موضع بعيد عن عواصم الدول الكبرى، إلا إنها لم تنج مع ذلك من غزوات تلك الدول. وقد ذكرها "بطلميوس" باسم "Doumatha" "Adomatho".

وقد جاء في نص آشوري إن الملك "سنحريب" أرسل حملة إلى الخليج، فانتصرت وحققت رغباته، وقد فرّ ملك " أرض البحر" إلى أرض "عيلام". ويظهر إنه بني أسطولاً قوياً حمل جنوده إلى تلك الأنحاء، فلم يتمكن أهل الخليج من مقاومته و أضطر إلى الخضوع لآشور.

ويظهر إن "سنحريب" كان قد تمكن فعلا من إخضاع الأعراب له، ومن السيطرة عليهم، ويرى بعض الباحثين في نعت "هيرودوتس" له بأنه "ملك العرب والآشوريين" تعبيراً عن إخضاع "سنحريب" الأعراب لحكمه وان كان ذلك قد وقع لأمد محدود، وفي نص دونه "اسرحدون" "680-669 ق. م." عن أعماله وعن أعمال والده إن أباه "سنحاريب"، أخضع "أدومو" "Adumu" "معقل أريبي"، واستولى على أصنامها، وحملها معه إلى عاصمته، وأسر ملكتها "Iskallatu" التي كانت كاهنة للإله "دلبات" "Dibat"، وأسر الأميرة "تبؤة" "Tabua" كذلك. فهو يؤيد بذلك ما ذكره أبوه من انتصاراته على العرب.

ولم يتحدث النص الآشوري عن الجهة التي هاجم منها "سنحاريب" "دومة ا لجندل" أي "Adummatu" "Adumu". و ير ى "موسل" إنه هاجمها من إقليم "بابل"، وبرى أيضاً أن سلطان الملكة "تلخونو" كان يشمل منطقة واسعة نمتد من "أدومو" إلى حدود بابل. وقد كان أعرابها يمتازون ويبتاعون الطحين والملابس والمواد للضرورية الأخرى من بابل، فيسلكون البادية، ومن هذه البادية وصلت إمداد الملكة وقوامها إلى بابل لمساعدتها في مقاومة آشور، فاشتركت مع البابليين في الحرب، على حين هاجم فريق آخر من اتباع الملكة المقاطعات الآشورية في بلاد الشمام. فلما تغلب "سنحاريب" على بابل وانتصر عليها في سنة 689 ق. م، تفرغ لمحاربة الملكة والانتقام منها، فأمر قواته بالضغط على أتباع الملكة، وتعقبهم في البادية لحفظ الحدود. ثم حاصر "أدومو"، حتى تغلب عليها، وانتصر على هذا المعقل الذي التجأ إليه أتباع هذه الملكة وغيرهم للخلاص من الآشوريين.

ويظهر من النصوص الآشورية أن خلافاً وقع بين الملكة "تلخونو" والملك "خزا ايلي"، قد تكون أسبابه الهزيمة التي حاقت بهما ومحاصرة "سنحاريب" لهما في "دومة الجندل". وقد كان "خزا ابلي" على ما يظهر هو الذي تولى قيادة الجيش، وتنظيم خطط الدفاع والهجوم. فسببت الهزائم التي حلت بهما غضب الملكة عليه وعلى سوء قيادته "فغضبت تلخونو على خزا ايلي ملك ارببي". ولعلهما اختلفا أيضاً بسبب محاصرة "دومة الجندل" والدفاع عنها أو عدمه. ومهما يكن من شيء، فقد استسلمت الملكة "تلخونو" للآشوريين، وتغلبت جيوش "سنحاريب" على هذا المعقل، وأخذت الأصنام أسرى إلى "نينوى" كما أخذت الأميرة "تبؤة" "Tabua" أسرة إلى عاصمة آشور، لتربى هناك تربية يرضى عنها الآشوريون، ولتهذب تهذيبا سياسياً خاصاً يؤهلها أن تكون ملكة على "أريبي".

أما "خزا ايلي"، فقد تكن من خرق حصار الآشوريين على "دومة الجندل" ومن الاعتصام مع أتباعه بالبادية، حيث لم يكن في قدرة "سنحاريب" مطاردتهم و إيقاع خسائر بهم، وبقي في هذه البادية طول حياة "سنحاريب". فلما  توفي هذا الملك، وانتقل الملك إلى ابنه "اسرحدون"، وزالت أسباب الجفاء، قصد نينوى لمقابلة الملك الجديد، ومعه هدايا كثرة، سر" بها الملك واستقبله بلطف ورعاية، وسلمه الأصنام الأسرة السيئة الحظ التي كان عليها أن تشارك أتباعها الحياة الأرضية المزعجة، وتمكنت كل من "عتر سماين" "عثتر السماء" و "دبلات" و "دايا" "ديه" "Daja" و "نوهيا" "نهيا" "نهى" "Nuhaia" و "ابيريلو" "Ebirillu" و "عثتر قرمية" "عثر قرمي" "Atar Kurumaia"، وهي الآلهة التي كتب عليها أن تسجن، من استنشاق ربح الحرية ثانية، ومن استعادة مقامها بين عبادها، فوضعت في أماكنها، وسر أتباعها ولا شك بهذه العودة.

وفي أثناء وجود تلك الأصنام في الأسر، أصيبت ببعض التلف، فمنَّ "أسرحدون" عليها بالأمر باصلاح ما أصابها و إعادتها إلى ما كانت عليه، ثم تلطف فأمر بإرجاعها إلى "خزا ايلي" "خزائيل"، بعد أن نقشت عليها كتابة تفيد تفوق إله آشور على تلك الأصنام، وبعد أن نقش عليها اسم الملك.

وأراد "أسرحدون" تنصيب "تبؤة" "Tabua"، التي تربت تربية آشورية، ملكة على أشورية"، ليضمن بذلك فرض سلطان آشور على الأعراب.

وهو حلم تحقق، ولكنه لم يدم طويلاً، لأن العداء بين الآشوريين والعرب كان عميقاً، لا يقضي عليه منح تاج، ونصب ملك أو ملكة.

واعترف "أسرحدون" بعلا خزا ايلي" ملكاً على قبيلة "قيدار"، في مقابل إتاوة يدفعها، قدرها خمسة وستون جملاً. فلما توفي "خزا ايلي"، سنة "675 ق. م" اعترف "اسرحدون" بابنه "يايتع" "يايطع" "يطع" "يثع" "Uaite'" ملكاً مكان أبيه، على أن يدفع إتاوة سنوية كبيرة مقدارها ألف "من" "Minae" من الذهب، وألف حجر كريم و خمسون جملاً، وطيب، أي أكثر مما كان يدفعه أبوه. وقد رضي الابن بذلك على أمل أن ينعم عليه بتاج كيفما كانت الشروط. غير أن حسابه هذا لم يكن دقيقاً، فقد ثار عليه شعبه الذي أبى أن يخضع لرجل فرض عليه فرضاً، وأبى قبوله ملكاً عليه. وقام - وعلى رأسه الزعيم "اوبو" "وهبو" - "وهب"، "أوب" "Uabo" "Uaba" بثورة عامة للتخلص منه، ومن سلطان الآشوريين.

وأسرع الآشوريون فأرسلوا جيشاً لإخماد هذه الثورة، فاطفأها، وأسر "أوبو" "Uabo" وأخذ إلى "نينوى"، إلا أن الانتصار عله لم يقض على مقاومة العرب للآشوريين و ثورتهم عليهم، فقاد "يابتئ" "يثع" "Uaite'" الثورة هذه المرة، ورفع راية الحرب على الآشوريين، وغزا هو وأتباعه حدود الإمبراطورية الآشورية المحاذية للبادية، واضطر الآشوريون إلى تجهيز حملة جديدعة انتصرت عليه، وهاجمت مضاربه، و قبضت على أصنامه، وأخذتها معها أسرى للمرة الثانية. أما "يايتئ"، فقد فر "وحيداً إلى أصقاع بعيدة" على ما جاء في النص. والأصقاع البعيدة، هي البادية ولا شك، حيث يصعب على الآشوريين التوغل فيها للتوصل إليه. لذلك صارت مأوى لكل ثائر تحل به خسارة. فإذا نجا بنفسه، وتمكن من الفرار من ساحة الهزيمة إلى البادية، صار في حصن أمين، لا تمتد إليه الأيدي بسوء إلا إذا كان المهاجمون من أبناء جنسه، الأعراب.

وقام "أسرحدون"، بعد هذه الحملة، بحملة أخرى على قبائل عربية تنزل أرض "بازو" "Bazu" و "خازو" "Hazu". وقد ابتدأ بها في اليوم الثاني من شهر "تشرى" من السنة الخامسة من سني حكمه. وهي تقابل سنة "676 ق. م.". وقد قتل فيها ثمانية ملوك، هم: "كيوّ" "Kiau" "قيسو" "Kisu" و "Ki-I-su" ملك "خلديلي" "Haldilli". و "اكبرو" "Agbaru" "Ak-baru"، وهو ملك "ال بياتي" "البياتي" "ايل بباتي" "Ilpiati" "Na-pi-a-te"، و "منسكو" "منساكو" "منسك" "Mansaku" "Ma-an-sa-ku"، ملك "مجل اني" "مجلاني" "Magal'ani" "Ma-ga-a-ni"، و الملكة "يافأ" "ايفع" "يفع" "Iapa'" "Ja-pa'"، ملكة "دخراني" "دحراني" "دخر" "Dihrani" "Didhrani" و "حبيصو" "حابصو" "جيبسو" "Habisu" "Kha-bi-su" ملك "قدابأ" "Qadab'"، و "نخارو" "نيخرو" "نحارو" "نحر" "Niharu" "Ni-kha-ru" ملك "جأباني" "جعباني" "جعفاني" "Ga'pani"، و الملكة "با ايلو" "بائلة" "Ba'ilu" "Ba-i-lu" ملكة "اخيلو" "Ihilu" و "خبن امرو" "خبن عمرو" "حبن امرو" "حبان امرو" "Habanamru" "Kha-ba-zi-ru" ملك "بداء" "بدع" "Buda".

و أسر خلقا من اتباعهم أخذهم إلى أرض آشور كما حمل آلهتهم معه. و تمكن أحد الملوك، و هو الملك "ليلى" "Laili" "ليلة" "Laiale" ملك "يادئ" "ياديا" "يدع" "Idai" "Jadi'" من النجاة، غير انه ذهب إلى نينوى بعدئذ، حيث طلب العفو و الصفح عما بدر منه، فقبل "اسرحدون" منه ذلك، و تآخى معه، وأعاد إليه أصنامه، وعينه ملكاً على أرض "خازو" و "بازو" "بازي" على أن يدفع الجزية إليه.

وقد ورد في التوراة اسم "بوز" و "حزو". أما "بوز"، فهو ابن ناحور أخي إبراهيم، ويظن إن لاسمه صلة باسم أرض "بوز". وأما "حزو" فانه أحد أولاد "ناحور". وقد ذكرت كلمة "بوز" بعد "تيماء" في سفر "إرميا"، حيث ورد: "وكل اللفيف وكل ملوك أرض عوص، وكل ملوك أرض فلسطين وأشقلون وغزة وعقرون وبقية أشدود، وأدوم ومؤاب وبني عمون، وكل ملوك صور، وكل ملوك صيدرن، وكل ملوك الجزائر التي في عبر البحر، وددان وتيماء وبوز، وكل مقصوصي الشعر مستديراً، وكل ملوك العرب وكل ملوك اللفيف الساكنين في البرية". ف "بوز" في التوراة اسم موضع، واسم شعب، وقد ورد في التوراة اسم رجل من "بوز" سمي "اليهو" "Elihu" البوزي، وهو ابن "برخئيل"، وكان صديق "أيوب" وحكماً في المحاورة التي جرت بين أيوب وأصحابه الثلاثة الذين أتوا ليعزّوه في المصائب والبلايا التي نزلت به. وأيوب كان من سكان أرض "عوص"، وهو عربي على رأي عدد من علماء التوراة.

ولم يحدد موقع "بوز" في التوراة. ولكن ورود "بوز" بعد ددان وتيماء في الموضع الذي ذكرته من إرميا، وقبل جملة "وكل مقصوصي الشعر مستديراً"، يحملنا على التفكير في أن أرض "بوز" كانت في جوار تيماء، وليست بعيدة جداً عن "ددان" "ديدان"، وقريبة من الأعراب الذين كانوا يحلقون شعور رؤوسهم إلاّ دائرة تبقى في أعلى الرأس، أي غير بعيدة عن البادية وعن الأعراب الإسماعيليين. ولهذا ذهب "كلاسر" و "دلج" "F. Delitzsch" وغيرها إلى أن بوز، هي "بازو" الواردة في نص "سنحاريب"، وتقع في العربية الشمالية. ورأى "ذورمة" "Dhorme"، إنها في منطقة تقع في جنوب شرقي الجوف. وأما "موسل"، فيستند أيضاً إلى الوصف الذي جاء في النص الآشوري عن "بازو" التي تقع في موضع قاص، ويبدأ من السباخ وبادية مجدبة، "140 بيرو من الرمال"، وليس فيها غير الشوك ونوع من حجر يعرف ب "حجر فم الغزال"، ثم سهل فيه الأفاعي والعقارب مثل "إلزربابو" الجراد. تليه "خازو"، وهي أرض جبلية اتساعها " 20 بيرو" من حجر ال "Saggilmut". ويرى من هذا الوصف أن موضع "بازو" في غرب وفي جنوب "تدمر" وفي "وادي السرحان"، وأن الملوك الثمانية الذين قتلهم "اسرحدون" كانوا يقيمون في وادي السرحان عند الحدود. الشرقية لحوران وفي "الرحبة" و "قطة" إلى وادي "القطامي". ويرى أيضاً أن "يدىء" "ياىء" "يدي"، وهو موضع الملك "ليلى"، هو "الجاف"، أو "الودي" وذلك بإبدال الحرف الأول من كلمة "يدي" بحرف الواو. وهو أمر يرى إنه كثير الحدوث، فمن المحتمل أن يكون موضع "الودي" - على رأيه - هو "يدي" أو "يدىء" مقر الملك "ليلى" "Laili".

فرأي "موسل" أن "بازو" تعني النصف الشمالي من "وادي السرحان". وأما الأرض الواقعة في شرق "السرحان" وفي شمال السرحان في المنطقة الجبلية، فإنها "خازو" "حازو"، وقد سلك الجيش الآشوري كما يقول الطريق التجارية المارة من الحافات الشرقية لحوران إلى دمشق.

وقد صيرت أرض "بوز" و "بوزي" ب "أرض أوسيتس" "Ausitis" في الترجمة السبعينية للتوراة "العهد العتيق"، ولذلك رأى بعض العلماء أن المراد بها اسم "Aisetai" "ايسايتاي" "ايسايته"، وهو اسم موضع ذكره الجغرافي "بطلميوس" في داخل بادية بلاد العرب. ورأوا أن بوز هي هذا المكان.

ورأى آخرون إن "بازو" هي نجد، وأن البادية التي تحدث عنها "أسرحدون" هي "النفود". وأما "خازو" فإنها الأحساء. وذهب "رولنسن" إلى احتمال كون هذه المنطقة هي أرض ملكة الحيرة، وما يتصل بها إلى جبل شمر، لأن الوصف المذكور ينطبق - في رأيه - على هذا المكان.

وذهب "كلاسر" في مكان آخر من بحوثه المستفيضة عن "بازو" و"خازو" إلى أن "خازو" هي "حزو"، وإلى أن "بازو" و "حازو" في الأقسام الشرقية والجنوبية من "اليمامة" إلى أرض "مأكن" "Maken" إلى مرتفعات "رأس الخيمة". وأشار أيضاً إلى "حزوى"، وهي "السدوسية" لبني سعد في اليمامة، وقد ذكرها "الهمداني"، ويرى أن هذه اللفظة قريبة جداً من "حزو" التوراة ومن "خازو" النص الآشوري. وعلى هذا تكون أرض "خازو" في اليمامة، وهي أرض ذات آثار قديمة وعاديات وخرائب تقع بين وادي "ملهم" و "وادي حنيفة".

ورأى بعض الباحثين المحدثين إن أرض "بازو" هي الساحل المقابل لجزر البحرين، أي جزيرة "تلمون" كما كانت تعرف عند القدامى. وأما "خازو" أي "حازو" في قراءة، فهي "الأحساء". ونرى بين اللفظتين "حازو" و "أحساء" تقارباً كبيراً.

ولم يذكر "أسرحدون" كيف رجع إلى بلاده بعد حملته الطويلة هذه، ومن أي سبيل رجع إلى ملكه? غير إن بعض الباحثين يرون إنه سلك طريقاً غير الطريق الأول الذي سلكه في حملته على الشعوب والأرضين المذكورة. يرون انه سلك طريقاً موازياً لساحل الخليج، فاخترق أرض "بازو" و "خازو"، "حاسو"، ثم سار شمالاً إلى إقليم بابل. و "حاشو" عندهم هي الأحساء، وهي بين "نجد" والخليج، وكان "أسرحدون" قد سلك في حملته الأولى كما يروون طريقاً اخترق "نجداً". فلما قرر العودة سلك الطريق الثاني.

ويرى "موسل" إن اسم "دخراني" "Di-ih-ra-ani" هو "Dacharenoi" المذكور عند "اصطيفان البيزنطي" "Stephen of Byzantium". أما "كلاسر" فيرى إن قبيلة "Dachareni"، التي ذكرها "بطلميوس" بعد اسم قبيلة "Malangite" هي القبيلة المذكورة في نص "أسرحدون"، وان قبيلة "Malangite" هي قبيلة "Ma-gal-a-ni" المذكورة في نص "أسرحدون". ورأى احتمال كون "Gauuani" هي "جوجان" و "Ikhilu"، هي "أجلة" أو "أخلة"، وهما عند الخرج.

ويرى "كلاسر" احتمال وجود علاقة بين "Bi-i-lu"، وهو اسم الملكة، و "باهلة"، وهو اسم القبيلة المعروفة التي تقع منازلها منذ القديم في هذه المنطقة. وعنده أن حملة "أسرحدون" قد كانت في اليمامة، حيث ينطبق وصف هذه المنطقة على وصف الأماكن المذكورة في حملة "أسرحدون" أحسن انطباق. وبعد وفاة "أسرحدون" رأى "يثع" "يطبع" "يايطع" "Uaite'" أن من الأصلح مصالحة الآشوريين، فذهب إلى "آشور بانبال"، "آشور بنبال" وقابله وأرضاه، فأعاد إليه أصنامه، ومنها الصنم "عثتر السماء"، "أتر سمائين" "Atarsamain" "A-tar-sa-ma-a-a-in"، أي "عثتر السماوات"، وهو الإله "عثتر" إله السماء، الذي سأتحدث عنه عند كلامي على ديانة العرب قبل الإسلام، ورضي عنه وأعاده إلى منصبه.

ويذكر "آشور بانبال" أن "Uaite'" حنث بيمينه، وخالف عهده وميثاقه معه، لما أعلن "شمش - شوم - أوكن" "Schamaschschumukin"، شقيق آشور بانبال العصيان عليه، وخاصمه، فانضم إليه، وأيده بمدد يساعده، جعله تحت قيادة "اب يثع" "أب ينع" "Abjate'" و "ايمو" ابنا "تارى" "ثأر" "تور"، "Te'ri". وقام على رأس أتباعه بغزو الحدود الغربية لأرض بلاد الشام التي سبق أن استولى عليها الآشوريون، وأصبحت من المقاطعات الخاصة لهم، من "أدوم" "Adom" في الجنوب إلى جنوب "حماة" في الشمال. غير إن السعد لم يحالف "Uaite" في هذه المرة أيضاً، فتصدت الجيوش الآشورية للمدد الذي أرسل لمساعدة "شمش - شوم - اوكن"، وشتت شمله قبل وصوله إلى "بابل". أما الذين تمكنوا من العرب والوصول إلى "بابل"، فقد أبيد أكثرهم كذلك. وقد اضطر "اب يتيء" "اب يتع" "Abjate" أن ينجو بنفسه بالهرب إلى البادية خشية إن يقع في الأسر، وذهب من ثم إلى "نينوى" حيث مثل أمام الملك طالباً منه العفو وللصفح، وقبل الملك عذره وصفح عنه، ثم أصدر أمره بتعيينه ملكاً في مكان "Uaite'" الذي كان مشغولاً بغزو حدود الشام وفلسطين الشرقية المتاخمة للصحراء أي حدود أرض "أمورو" "Amurru" على رأي بعض العلم، وذلك بعد هزيمة "Uaite'" وتغلب الآشوريين عليه في حوالي سنة "648 ق. م.". وقد وافق "اب يتيء" "Abjate" أن يدفع جزية إلى الاشوريين، تتالف من ذهب وأحبار كريمة وجمال وحمير.

ولم يتمكن "Uaite'" من الثبات طويلا والاستمرار على مهاجمة الآشوريين، إذ كلف الملك "آشور بانبال" حرس الحدود والقوات الآشورية التي كانت هناك مهاجمة أتباعه، ومعاقبة "Uaite'" الذي نسي الجميل، وخاس بعهده على حد قول "آشور بانبال". وبعد مصادمات ومعارك وقعت بالقرب من "ازريلو" "Azarilu". و "خير اتكاسي" "Khiratakasi" و "ادومه" "Udume" في ممر "يبردو" "Jabrudu" في "بيت أماني" "بيت عماني" "Bit Ammani" في منطقة "خوينه" "Khaurina" و "موابه" "Mu'aba" و "ساري" "Sa'ari" و "خرجه" "Kharge" و "صوبيتي" "Subiti"، اضطر أتباع "اويتي" "Uaite'" إلى الرجوع إلى البادية للاحتماء بها. ويظهر أنهم أصيبوا في أثناء ذلك خسائر فادحة. وقد اكره "اويتيء" بعد هذه الخسائر على الالتجاء إلى الملك "نتنو" "Natnu" ملك "نبيتي" "نبيطي" "Nabaitai" "Nabaiti" تاركاً زوجته بين أتباعه من قبيلة "قيدار" "Qidri" "Kedar".

ولما هاجم "امولاتي" "عمولاطي" "امولاطي" "Ammulati" ملك قبيلة "قيدار" "قيدري" أرض مملكة "مؤاب" "Moab" أصيبت جيوشه بخسارة كبيرة، وسقط أسيرا - ومعه "اديا" "عادية" "عدية" "Adija" زوجة "Uaite'" ملك "اريبي" في أيدي الملك "Kamashkalta" "Kamaskhalta" ملك مؤاب "648 ق. م". فارسلا أسيرين إلى نينوى حيث سلما إلى "آشور بانبال". وكان "، قد ساعد "شمش - شوم - أوكن" في ثورته على أخيه، وهاجم أرض المغرب "أمورو" "Ammurru"، لذلك سر "آشور بانبال" ؛ بهذا الانتصار الذي أحرزه "مؤاب". وشد رسم منظر غلب "آشور بانبال" وأسر "Ammulti و "Adija" على جدار إحدى غرف قصر الملك "آشور بانبال".

لقد أثرت الانتصارات التي أحرزتها جيوش "آشور" في نفس "نتنو" "ناتنو" "Natnu" ملك "Nabaiti"، فأخذ يتقرب إلى "آشور بانبال"، ومن جملة ما فعله في التقرب إليه إنه أرسل "Uaite'" - الذي كان قد التجأ إليه - إلى نينوى حيث سلم إلى الملك الذي أمر بوضعه في قفص، ليعرض على الناس عند أحد أبواب المدينة. وذكر "آشور بانبال" في كتابه أن منازل "Nabaiti" قبيلة "Natnu" بعيدة، ولم يسبق لها أن أرسلت رسلاً إلى بلاط أحد من أجداده وإبائه في نينوى من قبل، وأن هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها من هذه القبيلة رسول.

وقد وصف "آشور بنبال" موقف الأعراب وصفا مؤثراً بهذه الكلمات: "اشتدت عليهم وطأة الجوع. ولكي يسدوا رمقهم، أكلوا لحوم صغارهم.. وقد سال أهل العربية بعضهم بعضاً: ما بال بلاد العرب قد أحدق بها هذا الشر? فعَان الجواب: تلك عاقبة من ينكث العهد، ويخرق المواثيق التي قطعناها لآشور".

وذكر "آشور بانبال" إنه عامل "Uaite'". على هذه الصورة، وذلك في عباراته التي أمر بتدوينها في النص: "حبسته في مربط الكلاب، وضعته مع بنات آوى والكلاب، وأقمته على حراسة الباب في نينوى".

وصف حملته على الأعراب و مطاردته لهم بهذه الكلمات: "في رمضاء البادية وقيظها، حيث لا ترى طيور السماء وحيث لا يرى حمار الوحش ولا الغزال". وذلك من شدة جدب البادية، وعدم احتمالها الأحياء.

لم تنفع الشدة التي استعملها الآشوريين في القضاء على مقاومة الأعراب شيئاً. فما كاد "آشور بانبال" يشغل نفسه بقتال ملك "عيلام" وحربه في عام "640-641 ق. م." حتى ثارت القبائل العربية على آشور بزعامة "أببتأ" "أبي يثع" "Abijate" ابن "تاري" "Te're" الذي تحدثت عنه سابقاً، و "اويتئ" "Uaite'" الثماني، وهو ابن "بير دادا" "Bir Dadda"، وأخذت تتحرش ثانية بحدود المقاطعات الآشورية المتصلة بالبادية. ولما أرسل الآشوريون جيوشاً قوية لصد هذه الهجمات، طلبت قبيلة "قيدري" "قيدار" مساعدة "نتنو" ملك "نبتي" ، فلبى الطلب، وتحالف معهم، وأخذوا يهاجمون الحدود، ومعهم قبيلتا "يسمع" "يسمأ" "Isamme'" و "عثتر سمين" "Atarsamain". غير إن الجيوش الآشورية تمكنت - مع ذلك كما تدعي كتاباتهم - من الانتصار على "قيدار" وعلى حلفائهم، فانتصرت على حلفائهم، فأنتصرت على "Isamme'" و على "Atarsamain" و "Nabaiti" في موضع في البادية بين "ياركي" "يركي" "Jarki" "أرك" شرق تدمر، و "ازلة" "Azalla"، وشتتت شملهم. ثم انتصرت في معركة أخرى على "Atarsamain" على "قيدار" وقعت عند "Qurasiti"، وغنمت فيها غنائم كبيرة من الحمير والجمال والأغنام، كما أسرت أصنام "Uaite'" وأمه وزوجته وعدداً كبيراً من أتباعه. وأخذوا إلى دمشق، وأسر"ابي يثأ" "Abjate"" وشقيقه "أيمو" "Aimnu" في المعركة التي وقعت عند "خوكرينا" "Khukkurina" "Khukruna" أما الملك "Uaite'"، فقد اعتصم مع عدد من أتباعه بالصحراء، غير أن الأمراض والأوبئة التي انتشرت بين أتباعه اكرهته على الذهاب إلى الآشوريين الذين نقلوه إلى نينوى، وعرضوه أمام الملك. وقد عوقب عقابا قاسيا، وعذّب عذاباً شديداً، ثم عفا عنه الملك بعد ذلك غير إنه لم يسمح له بالعودة إلى البادية، حيث أهله وأتباعه ومنازله، ولعله مات في نينوى.

لقد وردت في أخبار حملات الآشوريين على العرب، أسماء مواضع منها ما يمكن التعرف عليه، ومنها ما ليس في الإمكان تشخيصه الان، وقد تحدثت عن بعض مما. ويرى جل العلماء إن موضع "أزريلو" "Azarliu" المذكور في أخبار انتصارات "آشور بانبال" على العرب، هو موضع يقع في بادية الشام. وأما لفظة "أدومة" "Udume"، فيرى "موسل" انهسا تعني "ادوم" "Edom" أرض "الآدوميين" من ذرية "عيسي بن إسحاق" على رواية التوراة. وهم شعب استوطن في الأصل جبل "سعير"، ثم توسع فسكن في منطقة شملت كل تخوم كنعان الجنوبية من البحر الميت إلى الخليج الشرقي للبحر الأحمر، ومن ضمنها جبل "سعير". وقد كان الأدميون من أعداء العبرانيين.

ولما زاحم النبط الأدوميين على أرضهم، زحفوا نحو الشمال فسكنوا في "اليهودية" "Judah"، وتوسعوا حتى تجاوزا شمال "حبرون"، ولذلك دعيت هذه المنطقة باسم "الأدومية، "Idumaea". وذكر المؤرخ اليهودي "بوسفوس" إن من أصنامهم صنماً يدعى "Koze"، ويذكرنا اسم هذا الصنم باسم الصنم "قزاح"، وهو صنم كان يعبد على مقربة من مكة.

وأما "Mu'aba"، فيرى "موسل" إنها "مؤاب" المذكورة في التوراة، وهي أرض المؤابيين، أبناء "مؤاب".

وأسماء الأشخاص الواردة في النصوص الآشورية هي أقدم أسماء نعرفها وردت في نصوص تأريخيه عند العرب الشماليين، مثل "زبيبة" و "شمس" و "الباسق" الذي كتب "بسقانو" "Basqanu" في النص الآشوري، و "أيم" الذي هو "ايمو" في الخصوص الآشورية، و "جندب" الذي صار "جنديبو" "Gindibu" في اللغة الآشورية "Kiau" "Kisu" "Ki-i-su" الذي يحتمل إنه "قيس"، و "Agbaru" "Akbaru" القريب من أكبر أو "أخبر" أو "أجبر"، و "خييصو" "جيصو" "Habisu" "Kha-bisu" الذي يحتمل إنه "خبيص" أو "خابص" أو "حبيس" أو "حابس" أو "قبيصة" أو ما شابه ذلك من أسماء، و "نخرو" "نحرو" "Niharu" "Ni-kha-ru" الذي يحتمل إنه "نخر"، أو "ناخر" أو "نهار"، "وليلى" "Laili" "Laiale"، الذي هو "ليلي" إلى آخر ذلك من أسماء.

وورد في جملة الأرضين التي استولى عليها "آشور بانبال" في بلاد العرب، اسم موضع دعي "انزلكرمة" "Enzailkarme" "Al-en-zi-kar-me"، وهو كناية عن واحة، يرى "ديلج" "Delitzsch" إنها تقع جنوب حوران.

وقد افتخر "آشور بانبال، الملك العظيم، الملك الحق الشرعي، ملك العالم، ملك آشور، ملك الجهات الأربع، ملك الملوك، الأمير الذي لا ينازعه منازع، الذي يحكم من البحر الأعلى إلى البحر الأسفل، والذي جعل كل الحكام الآخرين يخرون له سجداً ويقبلون أقدامه"، بأنه ملك من البحر الأعلى حتى جزيرة "دلمون" من البحر الأسفل. ومعنى هذا أن ملكه امتد من أعالي العراق إلى البحرين.

يظهر من النصوص الآشورية الآشوريين قاموا بعدد من الحملات يزيد عددها على تسع للانتقام من الأعراب الذين كانوا قد تعودوا التحرش بهم، ومضايقتهم عند اجتياز البوادي، ومهاجمة قوافلهم وحدود إمبراطورتيهم، تحرضهم بابل في بعض الأحيان، أو حكومة مصر، أو يدفعهم إلى ذلك أملهم في الحصول على غنائم يتعيشون منها. وقد أزعجت هذه التحرشات الآشوريين كثيراً، وأغضبت، يتجلى غضبهم هذا فيما دوّنوه عنهم. وفي الصور التي رسموها للعرب في قصورهم، فصّوروهم يقبلون أرجل ملوك "نينوى" ليرضوا عنهم، مقدمين إليهم الهدايا فيها الذهب والحجارة الكريمة وأنواع الطيب والكحل واللبان والجمال. وصوّروا الآشوريين وهم يحرقون خيام الأعراب، وهم نيام، وصوّروا عساكرهم يقاتلون الأعراب ويطاردونهم، وهو على ظهور خيولهم المطهمة. أما العرب، فإنهم على ظهور الجمال لا يستطيعون الإفلات من الآشوريين. وترجع هذه الصور إلى أيام "آشور بانبال"، حيث عثر عليها في قصره ب "نينوى".

وقد صور العرب ولهم لحى وقد تدلى شعر رؤوسهم على أكتافهم ضفائر، وشد أحياناً بخيط. وأما الشوارب، فإنها محفوفة في الغالب. وقد صوّر العرب وهم يركبون الجمال عراة في بعض الأحيان، أو تمنطقوا بمنطقة ثخينة أو ائتزروا إزاراً يمتد من البطن إلى الركبتين. ولا تصور هذه الصور كل الأعراب بالضرورة بل هي يمثل أولئك الذين تحاربوا مع الآشوريين.

لقد أقام الآشوريون لهم مسالح في أقاصي الأماكن التي بلغ نفوذهم الحربي والسياسي إليها، كما أقاموا حصوناً في مفارق الطرق المؤدية إلى البادية، وذلك لحماية حدودهم من غزو أبناء البادية. كما وضعوا مراقبين آشوريين، أو مندوبين سياسيين في مواطن سكن سادات القبائل، وذلك لمراقبة حركات القبائل وأخبار حكوماتهم بنوايا وبأعمال ساداتها وللتأثير على أولئك السادات لحملهم على تنفيذ ما يريده ملوك آشور. وهي خطة قلدها من جاء بعد الآشوريين من أجانب. ولم يكن الآشوريون هم أول من ابتدع هذه السياسة، فلا بد وأن يكون من سبقهم قد سار على هذا الدرب، ومهد أرضه للآشوريين ولمن جاء بعد الآشوريين من حكام.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).