أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-2-2017
6369
التاريخ: 11-5-2017
7659
التاريخ: 15-2-2017
14912
التاريخ: 4-12-2016
4543
|
قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [البقرة: 67 - 73].
هذه الآيات معطوفة على ما تقدمها من الآيات الواردة في البيان لنعم الله تعالى على بني إسرائيل ومقابلتهم لها بالكفران والعصيان فقال واذكروا أيضا من نكثكم ميثاقي الذي أخذته عليكم بالطاعة {إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أ تتخذنا هزوا} قال قوم موسى له أ تسخر بنا حيث سألناك عن القتيل فتأمرنا بذبح بقرة وإنما قالوا ذلك لتباعد ما بين الأمرين في الظاهر مع جهلهم بوجه الحكمة فيما أمرهم به لأن موسى (عليه السلام) أمرهم بالذبح ولم يبين لهم أن الذبح لأي معنى فقالوا أي اتصال لذبح البقرة بما ترافعنا فيه إليك فهذا استهزاء بنا {قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} أي معاذ الله أن أكون من المستهزءين وإنما قال {من الجاهلين} ليدل على أن الاستهزاء لا يصدر إلا عن جاهل فإن من استهزأ بغيره لا يخلو إما أن يستهزئ بخلقته أو بفعل من أفعاله فأما الخلقة فلا معنى للاستهزاء بها وأما الفعل فإذا كان قبيحا فالواجب أن ينبه فاعله على قبحه لينزجر عنه فأما إن يستهزىء به فلا فالاستهزاء على هذا يكون كبيرة لا يقع إلا عن جاهل به أو محتاج إليه فإذا قيل لم أمروا بذبح البقرة دون غيرها فقد قيل فيه لأنها من جنس ما عبدوه من العجل ليهون عندهم ما كانوا يرونه من تعظيمه فيزول ما كان في نفوسهم من عبادته وإنما أحيا الله القتيل بقتل حي ليكون أظهر لقدرته في اختراع الأشياء من أضدادها فلما علموا أن ذبح البقرة فرض من الله تعالى سألوا عنها فبدأوا بسنها فقالوا {ادع لنا ربك} أي سل من أجلنا ربك {يبين لنا ما هي} ولم يظهر في السؤال أن المسئول عنه سن البقرة وإنما ظهر ذلك في الجواب « قال » موسى (عليه السلام) « إنه يقول » أي إن الله عز اسمه يقول {إنها بقرة لا فارض ولا بكر} أي ليست بكبيرة هرمة ولا صغيرة {عوان بين ذلك} أي هي وسط بين الصغيرة والكبيرة وهي أقوى ما يكون وأحسن من البقر والدواب عن ابن عباس وقيل وسط ولدت بطنا أو بطنين عن مجاهد {فافعلوا ما تؤمرون} أي اذبحوا ما أمرتم بذبحه فلما بين سبحانه سن البقرة سألوا عن لونها {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها} أي سل ربك يبين لنا ما لون البقرة التي أمرنا بذبحها « قال » موسى « إنه » سبحانه وتعالى {يقول إنها بقرة صفراء} حتى قرنها وظلفها أصفران عن الحسن وسعيد بن جبير {فاقع لونها } أي شديدة صفرة لونها وقيل خالص الصفرة وقيل حسن الصفرة وقوله { تسر الناظرين} أي تعجب الناظرين وتفرحهم بحسنها عن قتادة وغيره وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال من لبس نعلا صفراء لم يزل مسرورا حتى يبليها كما قال الله تعالى {صفراء فاقع لونها تسر الناظرين} ولما بين سبحانه سن البقرة ولونها سألوا عن صفتها ف { قالوا} يا موسى {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} أي من العوامل أم من السوائم {إن البقر تشابه علينا} أي اشتبه علينا صفة البقرة التي أمرنا الله بذبحها {وإنا إن شاء الله لمهتدون} إلى صفة البقرة بتعريف الله إيانا وبما يشاؤه لنا من اللطف والزيادة في البيان وروى ابن جريج وقتادة عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنهم أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم وأيم الله لولم يستثنوا ما بينت لهم إلى آخر الأبد « قال » يعني موسى (عليه السلام) « إنه » يعني الله تعالى { يقول أنها بقرة} أي البقرة التي أمرتم بذبحها {لا ذلول تثير الأرض} أي لم يذللها العمل بإثارة الأرض بأظلافها {ولا تسقي الحرث} أي لا يستقي عليها الماء فتسقي الزرع « مسلمة » أي بريئة من العيوب عن قتادة وعطاء وقيل مسلمة من الشية ليس لها لون يخالف لونها عن مجاهد وقيل سليمة من آثار العمل لأن ما كان من العوامل لا يخلو من آثار العمل في قوائمه وبدنه وقال الحسن أنها كانت وحشية {لا شية فيها} قال أهل اللغة لا وضح فيها يخالف لون جلدها وقيل لا لون فيها سوى لونها عن قتادة ومجاهد {قالوا الآن جئت بالحق} أي ظهر لنا الحق الآن وهي بقرة فلان وهذا يدل على أنهم جوزوا أنه قبل ذلك لم يجيء بالحق على التفصيل وإنما أتى به على وجه الجملة وقال قتادة الآن بينت (2) الحق وهذا يدل على أنه كان فيهم من يشك في أن موسى (عليه السلام) ما بين الحق {فذبحوها} يعني ذبحوا البقرة على ما أمروا به {وما كادوا يفعلون} أي قرب أن لا يفعلوا ذلك مخافة اشتهار فضيحة القاتل وقيل كادوا لا يفعلون ذلك لغلاء ثمنها فقد حكي عن ابن عباس أنهم اشتروها بملء جلدها ذهبا من مال المقتول وعن السدي بوزنها عشر مرات ذهبا قال عكرمة وما ثمنها إلا ثلاثة دنانير ونذكر هاهنا فصلا موجزا ينجذب إلى الكلام في أصول الفقه اختلف العلماء في هذه الآيات فمنهم من ذهب إلى أن التكليف فيها متغاير وأنهم لما قيل لهم اذبحوا بقرة لم يكن المراد منهم إلا ذبح أي بقرة شاءوا من غير تعيين بصفة ولو أنهم ذبحوا أي بقرة اتفقت لهم كانوا قد امتثلوا الأمر فلما لم يفعلوا كان المصلحة أن يشدد عليهم التكليف ولما راجعوا المرة الثانية تغيرت مصلحتهم إلى تكليف ثالث ثم اختلف هؤلاء من وجه آخر فمنهم من قال في التكليف الأخير أنه يجب أن يكون مستوفيا لكل صفة تقدمت فعلى هذا القول يكون التكليف الثاني والثالث ضم تكليف إلى تكليف زيادة في التشديد عليهم لما فيه من المصلحة ومنهم من قال إنه يجب أن يكون بالصفة الأخيرة فقط دون ما تقدم وعلى هذا القول يكون التكليف الثاني نسخا للأول والتكليف الثالث نسخا للثاني وقد يجوز نسخ الشيء قبل الفعل لأن المصلحة تجوز أن يتغير بعد فوات وقته وإنما لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت الفعل لأن ذلك يؤدي إلى البداء وذهب آخرون إلى أن التكليف واحد وأن الأوصاف المتأخرة هي للبقرة المتقدمة وإنما تأخر البيان وهو مذهب المرتضى قدس الله روحه واستدل بهذه الآية على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة قال إنه تعالى لما كلفهم ذبح بقرة قالوا لموسى (عليه السلام) { ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} فلا يخلو قولهم ما هي من أن يكون كناية عن البقرة المتقدم ذكرها أوعن التي أمروا بها ثانيا والظاهر من قولهم ما هي يقتضي أن يكون السؤال عن صفة البقرة المأمور بذبحها لأنه لا علم لهم بتكليف ذبح بقرة أخرى فيستفهموا عنها وإذا صح ذلك فليس يخلو قوله { إنها بقرة لا فارض ولا بكر} من أن يكون الهاء فيه كناية عن البقرة الأولى أوعن غيرها وليس يجوز أن يكون كناية عن بقرة ثانية لأن الظاهر يقتضي أن تكون الكناية متعلقة بما تضمنه سؤالهم ولأنه لولم يكن الأمر على ذلك لم يكن جوابا لهم وقول القائل في جواب من سأله ما كذا وكذا أنه بالصفة الفلانية صريح في أن الهاء كناية عما وقع السؤال عنه هذا مع قولهم {إن البقر تشابه علينا} فإنهم لم يقولوا ذلك إلا وقد اعتقدوا أن خطابهم مجمل غير مبين ولوكان الأمر على ما ذهب إليه القوم فلم لم يقل لهم وأي تشابه عليكم وإنما أمرتم في الابتداء بذبح بقرة أي بقرة كانت وفي الثاني بما يختص بالسن المخصوص وفي الثالث بما يختص باللون المخصوص من أي البقر كان وأما قوله {فذبحوها وما كادوا يفعلون} فالظاهر أن ذمهم مصروف إلى تقصيرهم أو تأخيرهم امتثال الأمر بعد البيان التام وهو غير مقتض ذمهم على ترك المبادرة في الأول إلى ذبح بقرة فلا دلالة في الآية على ذلك .
ثم بين الله سبحانه المقصود من الأمر بالذبح فبدأ بذكر القتل وقال {وإذ قتلتم نفسا} ذكر فيه وجهان ( أحدهما ) أنه متقدم في المعنى على الآيات المتقدمة في اللفظ فعلى هذا يكون تأويله وإذ قتلتم نفسا { فادارأتم فيها} فسألتم موسى فقال لكم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فقدم المؤخر وأخر المقدم ونحو ذا كثير في القرآن والشعر قال سبحانه {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: 1] تقديره أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا وقال الشاعر :
إن الفرزدق صخرة ملمومة *** طالت فليس ينالها الأوعالا
أي طالت الأوعال ( والوجه الآخر ) أن الآية قد تعلقت بما هو متأخر في الحقيقة وهو قوله {فقلنا اضربوه ببعضها} الآية فكأنه قال فذبحوها وما كادوا يفعلون ولأنكم قتلتم نفسا فأدرأتم فيها أمرناكم أن تضربوه ببعضها لينكشف أمره والمراد واذكروا إذ قتلتم نفسا وهذا خطاب لمن كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد به أسلافهم على عادة العرب في خطاب الأبناء والأحفاد بخطاب الأسلاف والأجداد وخطاب العشيرة بما يكون من أحدها فقالت فعلت بنو تميم كذا وإن كان الفاعل واحدا ويحتمل أن يكون خطابا لمن كان في زمن موسى (عليه السلام) وتقديره وقلنا لهم وإذ قتلتم نفسا وقيل إن اسم المقتول عاميل {فادارأتم فيها} الهاء من فيها يعود إلى النفس أي كل واحد دفع قتل النفس عن نفسه وقيل إنها تعود إلى القتلة أي اختلفتم في القتلة لأن قوله « قتلتم » يدل على المصدر وعودها إلى النفس أولى وأشبه بالظاهر {والله مخرج ما كنتم تكتمون} أي مظهر ما كنتم تسرون من القتل وقيل معناه أنه مخرج من غامض أخباركم ومطلع من معايبكم ومعايب أسلافكم على ما تكتمونه أنتم وهو خطاب لليهود في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) {فقلنا اضربوه ببعضها} أي قلنا لهم اضربوا القتيل ببعض البقرة واختلفوا في البعض المضروب به القتيل فقيل ضرب بفخذ البقرة فقام حيا وقال قتلني فلان ثم عاد ميتا عن مجاهد وقتادة وعكرمة وقيل ضرب بذنبها عن سعيد بن جبير وقيل بلسانها عن الضحاك وقيل ضرب بعظم من عظامها عن أبي العالية وقيل بالبضعة التي بين الكتفين عن السدي وقيل ضرب ببعض آرابها (3) ، عن أبي زيد وهذه الأقاويل كلها محتملة الظاهر والمعلوم أن الله سبحانه وتعالى أمر أن يضرب القتيل ببعض البقرة ليحيا القتيل إذا فعلوا ذلك فيقول فلان قتلني ليزول الخلف والتدارؤ بين القوم والصانع عز اسمه وإن كان قادرا على إحيائه من دون ذلك فإنما أمرهم بذلك لأنهم سألوا موسى أن يبين لهم حال القتيل وهم كانوا يعدون القربان من أعظم القربات وكانوا جعلوا له بيتا على حدة لا يدخله إلا خيارهم فأمرهم الله بتقديم هذه القربة تعليما منه لكل من اعتاص عليه أمر من الأمور أن يقدم نوعا من القرب قبل أن يسأل الله تعالى كشف ذلك عنه ليكون أقرب إلى الإجابة وإنما أمرهم بضرب القتيل ببعضها بعد أن جعل اختيار وقت الإحياء يهم ليعلموا أن الله سبحانه وتعالى قادر على إحياء الأموات في كل وقت من الأوقات والتقدير في الآية فقلنا اضربوه ببعضها فضربوه فحيي كما قال سبحانه {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء: 63] تقديره فضرب فانفلق وقوله {كذلك يحيي الله الموتى} يحتمل أن يكون حكاية عن قول موسى (عليه السلام) لقومه أي اعلموا بما عاينتموه أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى للجزاء ويحتمل أن يكون خطابا من الله تعالى لمشركي قريش والإشارة وقعت إلى قيام المقتول عند ضربه ببعض أعضاء البقرة لأنه روي أنه قام حيا وأوداجه تشخب دما فقال قتلني فلان ابن عمي ثم قبض {ويريكم آياته} يعني المعجزات الباهرة الخارقة للعادة من إحياء ذلك الميت وغيره وقيل أراد الأعلام الظاهرة الدالة على صدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « لعلكم تعقلون » أي لكي تستعملوا عقولكم فإن من لم يستعمل عقله ولم يبصر رشده فهو كمن لا عقل له وقيل لكي تعقلوا ما يجب عليكم من أمور دينكم واحتج الله تعالى بهذه الآيات على مشركي العرب فيما استبعدوه من البعث وقيام الأموات بقولهم { أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء: 49] فأخبرهم سبحانه بأن الذي أنكروه واستبعدوه لا يتعذر(4) في اتساع قدرته ونبههم على ذلك بذكر المقتول وإحيائه بعد خروجه من الحياة وأبطنوا خبر قتله وكيفيته وقيامه بعد القتل حيا مخاطبا باسم قتلته مؤذنا لهم أن إحياء جميع الأموات بعد أن صاروا عظاما باليات لا يصعب عليه ولا يتعذر بل يهون عنده ويتيسر وفيها دلالة على صدق نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث أخبرهم بغوامض أخبارهم التي لا يجوز أن يعلمها إلا من قرأ كتب الأولين أو أوحي إليه من عند رب العالمين وقد صدقه مخالفوه من اليهود فيما أخبر به من هذه الأقاصيص وقد علموا أنه أمي لم يقرأ كتابا ولم يرتابوا في ذلك وهذه آية صادعة وحجة ساطعة في تثبيت نبوته (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
_________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص258-264.
2- وفي النسخ التي عندنا ((ثبت)) بدل (بينت)).
3- الآراب جمع الارب : العضو.
4- [عليه] .
{ قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً} . أي نسألك عن أمر القتيل ، فتأمرنا بذبح البقرة ؟
ان هذا هزؤ ، وليس بجد .
{قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ} . أي اني لا استعمل الهزؤ والسخرية في غير التبليغ عن اللَّه ، فكيف في التبليغ عنه جلت كلمته ؟
وكان يجزيهم أن يذبحوا بقرة أية بقرة ، لأن المأمور به بقرة مطلقة والإطلاق يفيد الشمول ، ولكنهم {قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ} . قال : هي من حيث السن وسط ، لا بالكبيرة ، ولا بالصغيرة ، فاذهبوا ، وامتثلوا ولا تتوانوا في ذبحها .
ولكنهم عادوا ثانية إلى التنطح والسؤال {قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها} .
قال : هي صفراء . . ولكنهم زادوا في الالحاف ، وإعادة السؤال ثالثا ، لأن البقر في هذا اللون والسن كثير . . قال : هي سائمة لا عاملة ، وسالمة لا معيبة . . فطلبوها حتى وجدوها ، وذبحوها ، وضربوا الميت ببعضها ، فعاد إلى الحياة ، وانكشف السر بعد أن أخبر عن قاتله .
{كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى ويُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} . أي ان احياءنا لهذا القتيل شاهد عيان ، وبرهان حسي على البعث بعد الموت ، لأن من قدر على
احياء نفس واحدة قدر على احياء الأنفس كلها ، لعدم الاختصاص ، فهل بعد هذا الشاهد الحسي العياني تنكرون وتشككون وتعصون ؟ . . أجل برغم ذلك وغير ذلك قست قلوبهم ، بل كانت أشد قساوة وصلابة من الحجارة ، كما نطقت الآية التالية .
وبعد الذي بيناه في تفسير قوله تعالى وإذ أخذنا ميثاقكم ، في فقرة : « لا قياس على اليهود » لا يبقى أي مجال للتساؤل : لما ذا لم يحي اللَّه القتيل ابتداء ، وهو القادر على كل شيء ؟ وكيف يحيا الميت إذا ضرب بجزء البقرة ؟ ولما ذا كانت هذه البقرة دون غيرها ؟ ثم ما هي الفائدة من ضرب المقتول ببعضها ؟ .
كل هذه التساؤلات ، وما إليها لا تتجه بحال بعد أن أثبتنا ان اللَّه عامل أولئك الإسرائيليين معاملة خاصة دون الناس أجمعين ، وانه من هذه الجهة فضلهم على الناس أجمعين .
____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص126-127.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } [البقرة: 67] ، هذه قصة بقرة بني إسرائيل، و بها سميت السورة سورة البقرة.
و الأمر في بيان القرآن لهذه القصة عجيب فإن القصة فصل بعضها عن بعض حيث قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إلى آخره} ثم قال: {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها} ثم إنه أخرج فصلا منها من وسطها وقدم أولا ووضع صدر القصة وذيلها ثانيا، ثم إن الكلام كان مع بني إسرائيل في الآيات السابقة بنحو الخطاب فانتقل بالالتفات إلى الغيبة حيث قال: {وإذ قال موسى لقومه} ثم التفت إلى الخطاب ثانيا بقوله: {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها}.
أما الالتفات في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } ، ففيه صرف الخطاب عن بني إسرائيل، و توجيهه إلى النبي في شطر من القصة وهو أمر ذبح البقرة وتوصيفها ليكون كالمقدمة الموضحة للخطاب الذي سيخاطب به بنو إسرائيل بقوله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 72] ، فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى و يريكم آياته لعلكم تعقلون، الآيتان في سلك الخطابات السابقة فهذه الآيات الخمس من قوله: {وإذ قال موسى} إلى قوله: {وما كادوا يفعلون} ، كالمعترضة في الكلام تبين معنى الخطاب التالي مع ما فيها من الدلالة على سوء أدبهم و إيذائهم لرسولهم، برميه بفضول القول ولغو الكلام، مع ما فيه من تعنتهم و تشديدهم وإصرارهم في الاستيضاح والاستفهام المستلزم لنسبة الإبهام إلى الأوامر الإلهية وبيانات الأنبياء مع ما في كلامهم من شوب الإهانة والاستخفاف الظاهر بمقام الربوبية فانظر إلى قول موسى (عليه السلام) لهم: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} ، و قولهم: {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي}، وقولهم ثانيا: {ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها} ، وقولهم ثالثا: {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا}، فأتوا في الجميع بلفظ ربك من غير أن يقولوا ربنا ثم كرروا قولهم: {ما هي وقالوا إن البقر تشابه علينا} فادعوا التشابه بعد البيان، ولم يقولوا: إن البقرة تشابهت علينا بل قالوا: إن البقر تشابه علينا كأنهم يدعون أن جنس البقر متشابه و لا يؤثر هذا الأثر إلا بعض أفراد هذا النوع و هذا المقدار من البيان لا يجزي في تعيين الفرد المطلوب و تشخيصه، مع أن التأثير لله عز اسمه لا للبقرة، و قد أمرهم أن يذبحوا بقرة فأطلق القول و لم يقيده بقيد، و كان لهم أن يأخذوا بإطلاقه، ثم انظر إلى قولهم لنبيهم: {أتتخذنا هزوا}، المتضمن لرميه (عليه السلام) بالجهالة واللغو حتى نفاه عن نفسه بقوله: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، و قولهم أخيرا بعد تمام البيان الإلهي: الآن جئت بالحق، الدال على نفي الحق عن البيانات السابقة المستلزم لنسبة الباطل إلى طرز البيان الإلهي والتبليغ النبوي.
وبالجملة فتقديم هذا الشطر من القصة لإبانة الأمر في الخطاب التالي كما ذكر مضافا إلى نكتة أخرى، وهي أن قصة البقرة غير مذكورة في التوراة الموجودة عند اليهود اليوم فكان من الحري أن لا يخاطبوا بهذه القصة أصلا أو يخاطبوا به بعد بيان ما لعبت به أيديهم من التحريف، فأعرض عن خطابهم أولا بتوجيه الخطاب إلى النبي ثم بعد تثبيت الأصل، عاد إلى ما جرى عليه الكلام من خطابهم المتسلسل، نعم في هذا المورد من التوراة حكم لا يخلو عن دلالة ما على وقوع القصة و هاك عبارة التوراة.
قال في الفصل الحادي و العشرين من سفر تثنية الاشتراع: إذا وجد قتيل في الأرض التي يعطيك الرب إلهك لتمتلكها واقعا في الحقل لا يعلم من قتله يخرج شيوخك و قضاتك و يقيسون إلى المدن التي حول القتيل فالمدينة القريبة من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها لم تجر بالغير وينحدر شيوخ تلك المدينة بالعجلة إلى واد دائم السيلان لم يحرث فيه و لم يزرع و يكسرون عنق العجلة في الوادي ثم يتقدم الكهنة بني لاوي لأنه إياهم اختار الرب إلهك ليخدموه ويباركوا باسم الرب وحسب قولهم تكون كل خصومة و كل ضربة و يغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي ويصرخون و يقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تبصر اغفر لشعبك إسرائيل الذي فديت يا رب ولا تجعل دم بريء في وسط شعبك إسرائيل فيغفر لهم الدم انتهى.
إذا عرفت هذا على طوله علمت أن بيان هذه القصة على هذا النحو ليس من قبيل فصل القصة، بل القصة مبينة على نحو الإجمال في الخطاب الذي في قوله: {وإذ قتلتم نفسا} إلخ و شطر من القصة مأتية بها ببيان تفصيلي في صورة قصة أخرى لنكتة دعت إليه.
فقوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو كلام في صورة قصة و إنما هي مقدمة توضيحية للخطاب التالي لم يذكر معها السبب الباعث على هذا الأمر و الغاية المقصودة منها بل أطلقت إطلاقا ليتنبه بذلك نفس السامع و تقف موقف التجسس، و تنتشط إذا سمعت أصل القصة، و نالت الارتباط بين الكلامين، و لذلك لما سمعت بنو إسرائيل قوله: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة تعجبوا من ذلك و لم يحملوه إلا على أن نبي الله موسى يستهزئ بهم لعدم وجود رابطة عندهم بين ذبح البقرة و ما يسألونه من فصل الخصومة والحصول على القاتل قالوا أ تتخذنا هزوا و سخرية.
وإنما قالوا ذلك لفقدهم روح الإطاعة و السمع و استقرار ملكة الاستكبار و العتو فيهم، و قولهم: إنا لا نحوم حول التقليد المذموم، و إنما نؤمن بما نشاهده و نراه كما قالوا لموسى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة و إنما وقعوا فيما وقعوا من جهة استقلالهم في الحكم و القضاء فيما لهم ذلك، و فيما ليس لهم ذلك فحكموا بالمحسوس على المعقول فطالبوا معاينة الرب بالحس الباصر و قالوا: {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138] ، و زعموا أن نبيهم موسى مثلهم يتهوس كتهوسهم ، و يلعب كلعبهم، فرموه بالاستهزاء والسفه و الجهالة حتى رد عليهم، و قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، و إنما استعاذ بالله و لم يخبر عن نفسه بأنه ليس يجاهل لأن ذلك منه (عليه السلام) أخذ بالعصمة الإلهية التي لا تتخلف لا الحكمة الخلقية التي ربما تتخلف.
وزعموا أن ليس للإنسان أن يقبل قولا إلا عن دليل، وهذا حق، لكنهم غلطوا في زعمهم أن كل حكم يجب العثور على دليله تفصيلا و لا يكفي في ذلك الإجمال ومن أجل ذلك طالبوا تفصيل أوصاف البقرة لحكمهم أن نوع البقر ليس فيه خاصة الإحياء، فإن كان ولا بد فهو في فرد خاص منه يجب تعيينه بأوصاف كاملة البيان ولذلك قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي، وهذا تشديد منهم على أنفسهم من غير جهة فشدد الله عليهم، وقال موسى إنه يقول إنها بقرة لا فارض، أي ليست بمسنة انقطعت ولادتها و لا بكر أي لم تلد عوان بين ذلك، و العوان من النساء و البهائم ما هو في منتصف السن أي واقعة في السن بين ما ذكر من الفارض و البكر، ثم ترحم عليهم ربهم فوعظهم أن لا يلحوا في السؤال، و لا يشددوا على أنفسهم ويقنعوا بما بين لهم فقال: { فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ }، لكنهم لم يرتدعوا بذلك بل {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } [البقرة: 69] وتم بذلك وصف البقرة بيانا، واتضح أنها ما هي وما لونها وهم مع ذلك لم يرضوا به، وأعادوا كلامهم الأول، من غير تحجب وانقباض وقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون، فأجابهم ثانيا بتوضيح في ماهيتها ولونها و قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول أي غير مذللة بالحرث و السقي تثير الأرض بالشيار و لا تسقي الحرث فلما تم عليهم البيان و لم يجدوا ما يسألونه قالوا الآن جئت بالحق قول من يعترف بالحقيقة بالإلزام والحجة من غير أن يجد إلى الرد سبيلا، فيعترف بالحق اضطرارا، و يعتذر عن المبادرة إلى الإنكار بأن القول لم يكن مبينا من قبل، و لا بينا تاما.
والدليل على ذلك قوله تعالى: {فذبحوها وما كادوا يفعلون}.
قوله تعالى: {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها}، شروع في أصل القصة و التدارؤ هو التدافع من الدرء بمعنى الدفع فقد كانوا قتلوا - نفسا - وكل طائفة منهم يدفع الدم عن نفسها إلى غيرها - و أراد الله سبحانه إظهار ما كتموه.
قوله تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها} ، أول الضميرين راجع إلى النفس باعتبار أنه قتيل، وثانيهما إلى البقرة، وقد قيل: إن المراد بالقصة بيان أصل تشريع الحكم حتى ينطبق على الحكم المذكور في التوراة الذي نقلناه، والمراد بإحياء الموتى العثور بوسيلة تشريع هذا الحكم على دم المقتول، نظير ما ذكره تعالى بقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } [البقرة: 179] ، من دون أن يكون هناك إحياء بنحو الإعجاز هذا، وأنت خبير بأن سياق الكلام وخاصة قوله تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى}، يأبى ذلك.
__________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص169-172.
قصّة بقرة بني إسرائيل
هذه الآيات تتحدث بالتفصيل عن حادثة اُخرى من حوادث تاريخ بني إسرائيل، هذا التفصيل لم نألفه في الآيات السابقة، ولعله يعود إلى أن هذه الحادثة ذكرت في هذا الموضع ـ لا غير ـ من القرآن الكريم، وإلى أنها تتضمن عِبَراً كثيرة تستوجب هذا التفصيل. من هذه الدروس: لجاج بني إسرائيل وعنادهم، ومستوى إيمانهم بكلام موسى(عليه السلام)، وأهمّ من كل هذا البرهنة على إمكان المعاد.
الحادثة (كما يبينها القرآن وكتب التّفسير) على النحو التالي: قتل شخص من بني إسرائيل بشكل غامض، ولم يعرف القاتل.
حدث بين قبائل بني إسرائيل نزاع بشأن هذه الحادثة، كل قبيلة تتهم الاُخرى بالقتل. توجّهوا إلى موسى ليقضي بينهم. فما كانت الأساليب الاعتيادية ممكنة في هذا القضاء. وما كان بالإِمكان إهمال هذه المسألة لما سيترتب عليها من فتنة بين بني إسرائيل. لجأ موسى ـ بإذن الله ـ إلى طريقة إعجازية لحل هذه المسألة كما ستوضحها الآيات الكريمة (2).
يقوله سبحانه في هذه الآيات: {وَإِذْ قَالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً}؟!
{قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
أي إن الإِستهزاء من عمل الجاهلين، وأنبياء الله مبرّأون من ذلك.
بعد أن أيقنوا جديّة المسألة، {قَالُوا أدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ}. وعبارة «ربك» تتكرر في خطاب بني إسرائيل لموسى، وتنطوي على نوع من إساءة الأدب والسخرية، وكأن ربّ موسى غير ربهم!!
موسى(عليه السلام) أجابهم: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ(3) وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} أي إنها لا كبيرة هرمة ولا صغيرة، بل متوسطة بين الحالتين: {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ}.
لكن بني إسرائيل لم يكفوا عن لجاجتهم: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}؟
أجابهم موسى: {قَالَ إِنَّهُ يَقوُلُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِع(4) لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} أي إنها حسنة الصفرة لا يشوبها لون آخر.
ولم يكتف بنو إسرائيل بهذا، بل أصرّوا على لجاجهم، وضيّقوا دائرة انتخاب البقرة على أنفسهم.
عادوا و{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} طالبين بذلك مزيداً من التوضيح، متذرعين بالقول: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ}.
أجابهم موسى {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ الاْرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ} أي ليست من النوع المذلل لحرث الأرض وسقيها.
{مُسلَّمَةٌ} من العيوب كلها.
{لاَ شِيَةَ فِيهَا} أي لا لون فيها من غيرها.
حينئذ: {قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ}.
{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} أي أنهم بعد أن وجدوا بقرة بهذه السمات ذبحوها بالرغم من عدم رغبتهم بذلك.
بعد أن ذكر القرآن تفاصيل القصة، عاد فلخص الحادث بآيتين: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّاراْتُمْ فِيهَا} أي فاختلفتم في القتل وتدافعتم فيه. {وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}.
{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} أي اضربوا المقتول ببعض أجزاء البقرة، كي يحيى ويخبركم بقاتله. {كَذَلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، 219-221.
2ـ في الفصل الحادي والعشرين من سفر التثنية في العهد القديم وردت إشارة عابرة لهذه القصة. وما ورد في التوراة الحالية ليس بسرد للحادثة وإنما إعطاء حكم من الأحكام، وهذا نص السفر المذكور من الجملة 1 إلى 9:
«إذا وجد قتيل في الأرض التي يعطيك الرب إلهك لتمتلكها واقعاً في الحقل لا يعلم من قتله ـ يخرج شيوخك وقضاتك ويقيسون إلى المدن التي حول القتيل ـ فالمدينة القربى من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها لم تجر بالنير ـ وينحدر شيوخ تلك المدينة بالعجلة إلى واد دائم السيلان لم يحرث فيه ولم يزرع، ويكسرون عنق العجلة في الوادي ـ ثم يتقدم الكهنة بنو لاوى لأنه إياهم اختار الرب إلهك ليخدموه ويباركوا باسم الرب وحسب قولهم تكون كل خصومة وكل ضربة ـ ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي ـ ويصرحون ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدّم وأعيننا لم تبصر ـ اغفر لشعبك إسرائيل الذي فديت يا رب ولا تجعل دم بريء في وسط شعبك إسرائيل فيغفر لهم الدم ـ فتنزع الدم البريء من وسطك إذا عملت الصالح في عيني الرب».
3- ((فارض )) بمعنى البقر المسن كما قال الراغب في مفرداته وقال بعض المفسرين انها بقرة وصلت الى مرحلة من الكبر بحيث لا تكون ولودة . و ((عون)) بمعنى متوسط العمر .
4- ((فاقع)) بمعنى صفار الخالص الشامل وقيل في اعراب هذه الفقرة من الاية ((صفراء)) الصفة الاولى (فاقع) الصفة الثانية لكلمة (بقرة) و(لونها) فاعل (فاقع) ، وفاعل (تسر ) (بقرة) ، وقيل : يمكن ان تكون حكمة (فاقع) خبر مقدم (لونها) مبتدأ مؤخر . وقال البعض : ان فاعل (تسر) مستتر بعود الى (البقرة) وقال البعض الاخر : يعود الضمير الى (لونها ) ويستفاد من عبارة البعض الاخر : ان (لونها ) مبتدأ و (تسر الناظرين )) خبرها . فراجع : (اعراب القران وبيانه ، وتفسير مجمع البيان ، وتفاسير اخرى).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|