أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2016
638
التاريخ: 13-11-2016
1012
التاريخ: 2023-12-16
959
التاريخ: 13-11-2016
936
|
الموقع الجغرافي:
تدمر مدينة عربية تقع وسط واحة في طرف بادية الشام، الى الشرق من مدينة حمص، وعلى بعد نحو 165كيلومترا منها، والى الشمال الشرقي من مدينة دمشق، وعلى مسافة نحو 200كيلومتر منها.
وكانت محطة تجارية هامة، وعقدة للموصلات على طرق القوافل بين العراق والشام، وترد اليها القوافل القادمة من آسيا الصغرى، والجزيرة العربية، ومصر. وقد وصفها (بلينيوس) بأنها (كانت مدينة شهيرة(1)، ولها موقع ممتاز، وارضها خصبة، وبها ينابيع وعيون، وتحيط الرمال بحدائقها، وتعزلها عن العالم المحيط بادية مترامية الاطراف، بعيدة المسافات وتقع بين امبراطوريتين عظيمتين، امبراطورية روما وإمبراطورية الفرس ولهذا استرعت انظار الدولتين).
نشأة تدمر:
اقدم نص ورد فيه اسم تدمر، يرجع الى حوالي عام 1800ق.م، كما ورد ذكرها في نقوش الملك الاشوري (تجلات بلاسر الاول) في حوالي عام 1100ق.م، ضمن اخبار حملته ضد العموريين تحت عنوان (تدمر امورو).
واكثر ما كتب عن مدينة (تدمر) يرجع الى فترة ما بعد الميلاد عندما ازدادت شهرة هذه المدينة. وكانت تعرف عند مؤرخي اليونان والرومان بأسم (بلميرا) وذلك نسبة الى (النخل)، ويذكر ان الاسكندر الاكبر عندما فتحها، اطلق عليها اسم Palmyra، اي مدينة النخل بسبب غابات النخيل الكثيفة التي كانت تحيط بها.
وهذه الكلمة يقابلها في العبرانية كلمة (تامار) وتعني النخلة، وقد ادى ذلك الى الخلط بين مدينة تدمر الشهيرة وبلدة يهودية تسمى(تامار) وتقع بمنطقة صحراوية في جنوب البحر الميت، وللملك سليمان عدة مبان فيها.
وفي ذلك يقول المؤرخ اليهودي (يوسيفوس) ان سليمان هو الذي بنى مدينة (تدمر) واستخدم الجن في تشييد عدد من المباني الهامة فيها. ويردد ذلك بعض الاخباريين العرب مثل (ابن الكلبي)، بدون تحقيق او تمحيص وجاء ذلك ايضا في شعر (النابغة الذبياني).
ويذكر ياقوت الحموي ان قوما يزعمون ان تدمر من بين المدن التي بنتها جن سليمان بينما يذكر اهلها انها قد بنيت قبل عهد سليمان بمدة طويلة.
والواقع ان املاك سليمان لم تمتد الى هذه المنطقة. وينسب بعض الاخباريين بناء تدمر الى (تدمر بنت حسان بن اذينة بن السميدع بن عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح)، ويشرون الى الكتابة التي دونت على مقبرتها التي عثر عليها في مدينة تدمر.
وهذه القصة تنقصها الادلة وهي من وضع الاخباريين والقصاصيين.
التطورات التي مرت بها تدمر حتى سقوطها تحت السيطرة الرومانية:
خضعت مدينة تدمر لحكم الآشوريين، عندما استولى عليها (تجلات بلاسر الاول) في حوالي عام 1100ق.م. وقيل ان الملك سليمان قد استولى عليها بعد ذلك بنحو قرن من الزمان كما دخلت ضمن امبراطورية الاسكندر الاكبر، وبعد وفاته وتقسيم امبراطوريته، كانت تدمر ضمن حصة السلوقيين.
وفي عام 280ق.م، شيد احد القادة السلوقيين حصنا في مدينة تدمر، ليضم مجموعة من الجنود المقدونيين وهو واحد من سلسلة الحصون التي اقامها السلوقيون في المراكز الخطيرة التي تتميز بأهميتها السياسية والعسكرية والتجارية وذلك من اجل حماية مصالحهم فيها.
ولكن غير معروف على وجه التحديد مدة بقاء السلوقيين في تدمر.
وقد حافظت تدمر على كيانها اثناء النزاع بين البارثيين و السلوقيين كما اتخذت موقف الحياء طويلا خلال الصراع بين الفرس والروم خاصة وان مصلحة الدولتين المتنافستين كانت تقضى بوجود منطقة منعزلة محايدة تكون سوقا يلتقي فيه التجار من الجانبين.
وكان لسقوط دولة (السلوقيين) وسيطرة البارثيين على ان ايران والعراق اثره في الاضرار بمصالح تدمر وخاصة بعد فصل العراق عن سوريا.
ولم يستمر الوضع طويلا بعد ذلك حتى سقطت تدمر تحت سيطرة الرومان الذي كانوا يسعون لفرض هيمنتهم على الطرق التجارية في المنطقة.
وحدث في عام 41ق.م، ان امر القائد الروماني (مرقس انطونيوس) بالقرب من تدمر فأوفد رسلا من طرفه الى اهلها لإبلاغهم بأنه سينزل في مدينتهم ليأخذ هو وجنوده قسطا من الراحة من متاعب الحرب التي خاضها منذ قليل ضد (الارشكيين) ومن مشقة الطرق وكان يضمر من نفسه ان يستولى على المدينة وينهب محتوياتها من اموال ونفائس.
ولكن اهل المدينة احسوا بالمكيدة التي يدبرها القائد الروماني، فبادروا بنقل اموالهم وممتلكاتهم الثمينة الى خارجها فتعقبهم الرومان، واشتبكوا معهم في معركة حامية انتهت بتغلب التدمريين، بعد ان حل بالمدينة الدمار والخراب.
ولا يعرف على وجه التحديد خضوع تدمر لحكم الرومان، ويرجح ان ويرجح ان ذلك خلال الربع الاول من القرن الاول الميلادي ويستدل من الكتابات التي عثر عليها في تدمر على تبعيتها لحكم الرومان، وهذه الكتابات كانت تحصل على عن البضائع وتوضح اثمانها وكتبت باليونانية والتدمرية في عهد الامبراطور (طبريوس) بتاريخ عام 17م.
وقد ثبتت تبعية تدمر لنفوذ الرومان في عهد الامبراطور (دوبيطيروس كوربولو)(57- 66م) وفي ايام الامبراطور (فيسبيان)(66- 79م) وفي عهد الإمبراطور (تراجان) الحقت تدمر بمقاطعة العربية التي انشأها في بلاد الشام عام 106م.
وضع تدمر المميز تحت حكم الرومان:
ولكن حتى ذلك الوقت كان النفوذ الروماني صوريا في الغالب ولم تتخل عن تدمر استقلالها الداخلي بصفة خاصة. وكان الموظفون الرومان يباشرون اشرافا عاما على شؤون المدينة ولا يتدخلون بسكل فعلي في الشؤون الداخلية التي مانت بأيدي اهلها.
وقد وضعت الحامية الرومانية في مواضع معينة في خارج المدينة ولم تكن تشكل خطورة على اهلها او على القبائل المجاورة. ولقد استفاد الرومان من المحاربين التدمريين، وكانوا منهم فرقا و(كراديس) لحماية الطرق والقوافل التجارية في البوادي.
وفي عام 130م، زار الامبراطور الروماني (هدريانوس) مدينة تدمر واضفى عليها لقب (هدرينا بالميرا) او (هدريانوبوليس) كما بذل عناية كبيرة بتدمر حتى اعتبره بعض المؤرخين (المؤسس الثاني) للمدينة ومن ذلك اعتمامه بحماية الطرق البرية التي تصلها بنهر الفرات.
وفي عهده منحت تدمر درجة (مستعمره رومانية عليا) ونال اهلها الحقوق الايطالية. وبموجب ذلك اكتسبت المدينة واهلها (حق الامتلاك التام والاعفاء من الخراج والحرية الكاملة في ادارة سياسة المدينة).
وبذلك اصبحت لتدمر حكومة مستقلة ذات سلطة واستقلال في ادارة شؤونها، وكان خضوعها لحكم الرومان شكليا محضا. وكان مجلس الشيوخ في المدينة يتولى السلطة التشريعة ويقوم بسن القوانين ويتكون من رئيس واحد الكتبة وعدد من الاعضاء. ويشرف على السلطة التنفيذية شيخان وديوان يضم عشرة حكام وكانت السلطة القضائية في ايدي عدد من الوكلاء والعمال، وهذا التنظيم كان مطابقا لنظام المدن اليونانية التي كانت في حماية الامبراطورية الرومانية.
اما اهل تدمر الذين حصلوا على حقوق المواطنين الرومان فقد اضافوا الى اسمائهم العربية اسماء الرومانية مثل سبتيموس ويوليوس وسرجيوس وذلك على سبيل التكريم.
وفي عهد (سبتيموس سفيروس)(193- 211م) صارت تدمر وملحقاتها مدنا اقليمية في الامبراطورية الرومانية ومن اهم المدن التي كانت تابعة لتدمر (دورا اوريس) التي استخدمت لحماية تجارة تدمر ومنها (سرجيوس بوليس) التي كانت مركزا دينيا يقصده الزوار حيث كانت مقرا للقديس سرجيوس واقيمت بها اسقفية للديانة المسيحية.
اسرة اذينة الحاكمة في تدمر:
وهي احدى الاسرات الارستقراطية العريقة في تدمر، ومن اصل عربي ويبدو ان جد اذينة ويدعى (نصور) او (ناصر) او(نصر) كان من سادات قبائل العرب وقد استقر في هذه المنطقة.
وكانت هذه الاسرة تمتلك ثروة ورؤوس اموال كبيرة من التجارة وكان عدد من ابنائها اعضاء في المجلس المدينة ويشاركون في حكمها.
وقد نالت هذه الاسرة الحظوة لدى الرومان وخاصة في عهد (سبتيموس سفيروس) بسبب الخدمات التي قدمتها لهم في صراعهم ضد دولة الفرس بأستخدام الميليشيا التي شكلتها من ابناء ومن ابناء القبائل المتحالفة معها، وكانت ايضا تقوم بحماية قوافلها التجارية.
ولقد استفادت اسرة اذينة من الحروب التي نشبت بين دولة الرومان والدولة الساسانية الناشئة وحصلت على الكثير من المغانم وعلى مركز مرموق لدى الرومان وانعم على زعمائهم بالألقاب الرومانية الرفيعة.
كما استغلت هذه الاسرة الاضطرابات السياسية والعسكرية التي سبقت توغل الملك سابور الفارسي في بلاد الشام واستيلائه على ولاية انطاكية فجمعوا الجنود التدمريين الذين تركوا الخدمة في الجيش الروماني هنالك، وكونوا منهم ومن الميليشيا التابعة التي لهم، جيش تدمر الذي اعتمدوا عليه في مواجهة الفرس والرومان.
اذينة بن خيران:
وكان زعيم هذه الاسرة في تلك الفترة، وينتمي الى بني(السميدع) وينسب الطبري الى (هوبر) من العرب العمالقة. وكان مقربا الى الرومان بما قدمه لهم من التأييد والمساعدات.
وقد ورد ذكره في كتابه ترجع الى حوالي عام 235 للميلاد، بأسم (اذينة بن خيران بن وهب اللات بن نصور)، واضفى عليه لقب (عضو مجلس الشيوخ الروماني)، وكان لقبه الرسمي (راس تدمر). غير ان طموحه لم يقف عند هذا الحد اذ كان يخطط للاستقلال بتدمر واقامة مملكة فيها تخصه ولأسرته من بعده.
وحدث في عام 250م، ان اتخذ لنفسه لقب (ملك) Rex، وجمع الناس حوله. وعند ذلك ادرك الرومان خطر هذه الدعوة على مصالحهم، ولمسوا طموحه للاستقلال التام، فأعوز الامبراطور(اسكندر سفيروس) الى احد اعوانه ويدعى (روفينوس) Rufinus ، لتدبير خطة لاغتياله وقتل بعد قليل وتخلص الرومان منه.
سبتيموس خيران:
وبعد مقتل (اذينه بن خيران) خلفه ابنه الاكبر (سبتيموس خيران) في رئاسة تدمر. وجاء ذكر اسمه في كتابة ترجع لعام 251م، وكان بدرجة (عضو مجلس الشيوخ) Senator، كما كان يحمل لقب (راس تدمر). ولم يحاول ان يصطدم بالرومان وسرعان ما ادركته المنية.
اذينة الثاني:
عند وفاة (سبتيموس خيران) كان ابنه (معنى) صغير السن قاصرا فخلفه على راس تدمر (اذينة الثاني) وذكر بعض المؤرخين انه كان شقيق (سبتيموس خيران) وابن (اذينه الاول).
وقد وصف بالشجاعة والجرأة كما كان فارسا اعتاد حياة البداوة، وماس بشغف صيد الحيوانات البرية خاصة الذئاب والفهود والاسود.
وقبل انتقال الحكم اليه تولى قيادة الجيش والقوافل التجارية، فأكتسب خبرات وكفاءات جيدة رفعت من شأن تدمر على يديه، وجعل لها مقاما ساميا لدى الرومان والفرس على السواء. وفي كتابة ترجع الى عام 258م، ونصوص اخرى، من عهد الامبراطور(فاليريانوس) ذكر اسم (اذينة الثاني) وهو يحمل درجة (قنصل).
كما ذكر انه قد طلب من الامبراطور (فاليريانوس) ان ينزل العقاب (برفينوس) قاتل ابيه (اذينه الاول) ولكن الامبراطور لم يهتم بطلبه، فأضمر ذلك في نفسه ولم يلبث ان اندلعت الحرب بين الفرس الساسانيين والرومان، بسبب سياسة التوسع التي اتبعها الساسانيون واصطدامهم بالرومان حول مناطق النفوذ هذه المنطقة.
وفي عام 260م، واثناء معركة بين الجانبيين قرب الرها التي انتصر فيها الفرس وخاصة على اثر خيانة القائد الروماني (مكريانوس) ثم اسر الامبراطور (فاليريانوس) وزحف الفرس الساسانيون بقيادة الملك (شابور الاول) على منطقة انطاكية.
وقد انتهز (اذينة الثاني) في الفرص للانتقام من الرومان لمقتل ولده، وعدم الاهتمام معاقبة قاتله فأرسل رسلا من طرفه يحملون هدايا قيمة ورسالة منه، الى الملك (شابور) يتودد فيها اليه، ويعرض التحالف معه، ولكنه استقبل مبعوثه بجفاء، وامر بألقاء الهدايا في النهر، واستخف بهم وبسيده ومكتوبه الذي مزقة، وتعجب لجرأته، وهو شيخ مدينة في بيداء مقفرة وعلى مخاطبته، وهو ملك الملوك وفوق ذلك توعده بأنزال العقاب به وبأسرته وبمدينته، اذ لم يأته (ويداه مغلولتان الى ظهره).
ولقد استاء (اذينه الثاني) لمسلك الملك المتغطرس (شابور) وصمم على الانتقام منه وبادر بجمع جيش كبير من فرسان تدمر ومن القبائل المحيطة بها، وجعلها تحت امرة ابنه هيرودس، وبقيادة زبدا وزبادي وهما من اسرة اذينة الثاني، على راس هذا الجيش قاصدا (طيسفون) (المدائن) عاصمة شابور للانتقام منه، ولتخليص الامبراطور فاليريانوس من الاسر.
وقرب نهر الفرات اشتبك اذينة الثاني بقواته مع فلول جيش الفرس، والحق به هزيمة منكرة وكان القائد الروماني (كالبستوس) قد سبق ان اوقع بهم خسائر فادحة وشتت شملهم.
وعلى اثر ذلك هرب شابور مذعورا مع فلول جيشه، وترك امواله وحريمه غنيمة في ايدي التدمريين، فتبعهم اذينه الثاني بقواته حتى عاصمته طيسفون ولكنه لم يستطع تخليص الامبراطور الذي ظل في الاسر حتى مماته .
وبعد ذلك كتب اذينة الثاني الى الامبراطور الجديد (غاليا نوس بن واليريانوس) يخبره بانتصاره على الفرس ففرح لذلك كثيرا وانعم عليه في سنة 262م، بدرجة( قائد عام على جميع جيوش الشرق) وطلب اليه ان يواصل جهوده لانقاذ والده واليريانوس من الاسر.
توسعات اذينة الثاني واصلاحاته:
وبعد ذلك اخذ اذينه الثاني يعمل لاسترجاع الاراضي التي استولى عليها الفرس وكانت خاضعة للرومان من قبل ولعله كان يستهدف تأمين السيطرة على طرق التجارة الهندية والعراقية التي اضطربت بعد ظهور الساسانيين.
وفي سنة 264م، سار بجيوشه بأتجاه طيسفون عاصمة الملك شابور الذي جمع كل قواته للدفاع عنها وفي الطريق استولى على الرها ونصيبين وحران ولقى هو وجنوده استقبالا حافلا من اهل الجزيرة الذين كرهوا الامبراطور (غاليانوس) لانه تركهم يعانون من استبداد الفرس.
وعندما وصل اذينه الثاني بقواته الى طيفسون، فرض حصاره عليها ونصب المجانيق والادوات الاخرى لفتحها وكادت تسقط في يديه لولا حادث تمرد القائد الروماني السابق (مكريانوس) الذي نصب نفسه إمبراطورا على اسيا الصغرى والشام وفلسطين ومصر وكان اذينه الثاني يكرهه ويخشى ان يستولى على ملكه ففك الحصار عن طيفسون وعاد الامر الى تدمر.
وقد بادر اذينة الثاني بمنازله مكريانوس واثناء زحفه على حمص التي اتخذها عاصمة له جاء نبأ مقتله وتولى ابنه كيانوس مكانه ولكن السوريين اعلنوا ولاهم لأذينة وانظموا الى قواته وتوجهوا لمحاصرة كيانوس في مدينة حمص وبعد ان اشتد الحصار قام احد اتباعه ويدعى كاليستوس بقتل كيانوس والقى برأسه من فوق سور المدينة تحت قدمي اذينة الثاني، ثم فتح له ابواب المدينة والتمس منه الامان فمنحه اياه ودخل المدينة منتصرا.
ولكن اهل حمص كانوا يكرهون التدمريين ويعتبرونهم بدوا، اقل حضارة وثقافة رغم انهم كانوا يعبدون الهة الشمس مثلهم.
وبعد استراحة قصيرة سار اذينة الثاني بقواته نحو الشمال لمحاربة المنشقين، وفي الطريق تلقى نبأ عصيان كاليستوس واعلان نفسه ملكا، فلبث الى معسكره نفرا من رجاله لاغتياله، وتمكن احدهم من دخول خيمته وقتله ثم واصل اذينه الثاني زحفه الى الجزيرة للمطاردة الفرس وقبض على عدد من المرازبة، وارسلهم الى روما، معربا عن اخلاصه وولائه الى الامبراطور الروماني، الذي رضى عنه وكافأه للمرة الثانية بأن منحه لقبا رفيعا هو امبراطور عموم الشرق، وكان ذلك عام 264م، وعلى اثر ذلك اصبح سلطان اذينة الثاني يشمل بلاد الشام واسيا الصغرى، بأستثناء (بتينية وبعض الجهات الشمالية) ووضعت تحت امرته جميع القوات الرومانية المرابطة في المشرق، وضربت النقود بأسمه وعليها صورته وخلفه بعض اسرى الفرس.
وقد كلفه الامبراطور الروماني بالقضاء على فلول مكربانوس، وتخليص المقاطعات الرومانية منهم. وبالإضافة الى هذا اللقب الرفيع منح اذينه الثاني لقب اغسطس الذي كان يلقب به اباطرة الرومان ومنحه اياه مجلس الشيوخ الروماني فصار بذلك مساويا للإمبراطور وامر بوضع صورته مع صورة امبراطور الرومان على النقود التي استولى عليها من الفرس.
ولكن اذينة الثاني اختار لقب ثاني محبب الى الشرقيين وهو لقب (ملك الملوك) ولعله كان يتشبه بملوك الفرس الذين اتخذوا هذا اللقب. ولم يكن اذينه الثاني قائدا قديرا فحسب، بل ايضا رجل ادارة وسياسة كما اتصف بالحزم والتسامح.
وفي عهده استتب الامن فقد تعقب الصوص وقطاع الطرق، من الجنود الهاربين والمسرحين من الخدمة وغيرهم الذين دأبوا على مهاجمة القوافل والفرى والمدن للحصول على المغانم والاموال وبثوا الذعر في نفوس الناس، فأعاد اذينة الثاني الطمأنينة والاستقرار الى السكان وامنهم على متاجرهم وامتعتهم واموالهم.
كما كان متسامحا مع الطوائف الدينية المختلفة، ومنح كلا منها حرية ممارسة شعائرها الدينية فمنع تعصب الوثنيين على النصارى واضطهادهم وخول للنصارى حق بناء الكنائس في الاماكن التي يرغبون فيها.
وكان يساعده في ادارة شؤون الدولة ويحل مكانه اثناء غيابه، (ورود Worod ) الذي كان يعتبر الرجل الثاني في تدمر، بعد الملك اذينه الثاني وكان من الطبقة الارستقراطية، ويرى البعض الثاني انه كان من اصل فارسي او روماني وقد نال اعلا الدرجات.
وبعد ان استقرت له الامر واصل اذينة الثاني محاربة الفرس لتخليص الامبراطور واليريانوس من اسرهم وامعانا في اذلالهم.
وفي اوائل عام 265م، سار على رأس جيشه الى (طيسفون) عاصمة الملك شابور بهد ان عين ابنه الاكبر هيردويس من زوجته الاولى نائبا في ادارة شؤون المملكة .
وقام اذينة الثاني بمحاصرة طيسفون بعض الوقت وكان الملك شابور يميل لعقد صلح معه لولا ان اذينة الثاني اشترط فك اسر واليريانوس وكان الفرس يمانعون في ذلك بشدة ويعتبرون اسرهم له امرا عظيما.
وفي هذا الاثناء حدث امر مهم ادى الى تبديل خطط اذينة الثاني العسكرية، ودفعه لرفع حصاره عن طيسفون للمرة الثانية ذلك ان القوط انتهزوا فرصة محاصرته لها، وابتعاده عن اسيا الصغرى وبلاد الشام فعبروا البحر الاسود ونزلوا بميناء (هرقيلية) واستولى على بتينية و فريجية وغلاطية و قيادوقية، وكانوا يقصدون التوسع في اسيا الصغرى وبلاد الشام.
وقد اسرع اذينة الثاني لملاقاتهم فلما بلغهم ذلك ولوا ادبار وهرب القوط عن طريق ميناء هرقلية الذي نزلوا به من قبل وعادوا الى بلادهم وبعد ذلك قرر اذينه الثاني العودة الى العراق لمتابعة فتح طيفسون.
مقتل اذينة الثاني عام 266م :
وقبل ان يواصل مسيرته الى العراق مر على حمص ليستريح فيها بجنوده قليلا، وهنالك اعد وليمة كبيرة بمناسبة عيد ميلاده وحضرها قادته وكبار القوم ورجال الدولة ومن بينهم ابن اخيه (خيران) ويدعى (معني) او (معنيوس) الذي استغل هذه الفرصة للتخلص منه، واستعاد ملك ابيه. وقد تمكن معينوس هو وعصابته من قتل عمه اذينه الثاني وولده ابن عمه هيرودس واعلن نفسه ملكا على الدولة التي كونها على هذه الصورة عمه القتيل.
ولكن معنيوس لم يهنأ بالجلوس على العرش الا اياما معدودة، اذ انتقم منه اهل حمص واغتالوه بسيوفهم في اواخر عام 266م.
ويكتنف الغموض ظروف مقتل اذينة الثاني والاسباب الكامنة وراءه وغير معروف اذا كانت لدى معنيوس دوافع اخرى لقتله غير اغتصابه حقه الشرعي في الملك.
المؤرخون والاخباريون يهملون اخبار حروب اذينة الثاني ضد ملك الفرس شابور:
فلم يشروا الى محاصرته مرتين لمدينة (طيسفون) عاصمة ملك الفرس شابور، وذلك يرجع في الغالب في الاعتماد على هؤلاء المؤرخين والاخباريين المسلمين على مصادر فارسية الاصل متعصبة لقوميتها او من مصادر عراقية ميالة للفرس.
وقد يكون ذلك بدافع العاطفة، والنزعات القومية، التي لم يرقها هذه الانتصارات التي حققها(ملك من البادية) على شابور صاحب امبراطورية واسعة تنافس امبراطورية الرومان على الزعامة في هذه المنطقة العربية.
ويحدث ذلك الاهمال بينما هؤلاء المؤرخون والاخباريون الاشارة الى حادث اسر الملك شابور للإمبراطور الروماني واليريانوس، ومن ذلك ما ذكره الطبري اثناء كلامه على شابور قائلا وانه حاصر ملكا بالروم يقال له اليريانوس بمدينة انطاكية فأسره وحمله وجماعة كثيرة معه واسكنهم جندي سابور.
_______
(1) د. جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام- ج3،ص79.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|