أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-11-2016
659
التاريخ: 11-11-2016
903
التاريخ: 11-11-2016
774
التاريخ: 11-11-2016
862
|
قام الغساسنة على أطراف جنوب الشام وما يمتد حتى منطقة الجولان جنوبي دمشق، بمثل الدور الذي قام به اللخميون المناذرة على أطراف العراق. أي: بتكوين دولة حاجزة ووسيطة على أطراف بادية الشام تدين بالولاء لدولة الروم البيزنطية وتنتفع منها وتعمل باسمها، وكانوا أحدث عهدًا من المناذرة بنحو قرنين من الزمان. كما كان أتباعهم أقل استقرارًا في حواضرهم من أهل الحيرة. وربما كانوا أقل ثراء وبذخًا أيضًا من المناذرة، وأخذ المسيحيون منهم بالمذهب المونوفيستي اليعقوبي دون المذهب النسطوري الذي أخذ به أغلب مسيحيي الحيرة.
أطلق المؤرخون المسلمون على القبائل التي انتسب الملوك الغساسنة إليها اسم آل جفنة وآل ثعلبة فضلًا عن آل غسان. وذكروا أن غسان كان اسم ماء نزلوا عليه فسموا باسمه. وأضافوا أنهم نزلوا في جنوب الشام بجوار قبائل عربية قوية تدعى قبائل الضجاعمة، وهي من قضاعة، استخدمها الروم البيزنطيون في حماية حدود أملاكهم الصحراوية، فخضع الغساسنة لها حينًا وتألبوا عليها حينًا حتى أجلوها عن مواضعها فتفرقت وورثوها في أرضها وفي شهرتها، وحينذاك أقرهم الروم على مكانتهم التي حصلوا عليها بسيوفهم، ليعملوا باسمهم على مناطق الحواف وفي قوافل التجارة. وكانوا يخصصون لهم بعض موارد الشام المالية ليستعينوا بها في تقوية إمارتهم ونفقات جيشهم.
وذكر المؤرخون عددًا كبيرًا من الحكام الغساسنة تراوح بين الأحد عشر وبين الاثنين والثلاثين، وخلعوا عليهم ألقاب الملوك. ولكن يذهب الترجيح إلى أن عددًا من حكامهم الأوائل لم يكونوا أكثر من مشايخ قبائل كيسار خلع البيزنطيون عليهم لقب Phylarchus بمعنى وال، ولقب Patricius بمعنى أب أو بطريق وهكذا كان شأن أواخرهم الذين لم يزد أمرهم عن كونهم امراء أو شيوخًا وإن أطلق عليهم الرواة ألقاب الملوك.
ولم يتضح شأن الحكام الغساسنة في المحيط السياسي قبل أوائل القرن السادس الميلادي، وكان أشهر من احتفظت الروايات البيزنطية والعربية بأعماله منهم الحارث الثاني ابن جبلة، وولده المنذر.
طال حكم الحارث الثاني بن جبلة واحدًا وأربعين عامًا 528 - 569م. عاصر فيها الإمبراطور يوستينيانوس، أو جستنيان، في بيزنطة، والمنذر الثالث ملك الحيرة، وكان كفئًا لهذا الأخير طموحًا مثله بدأ حروبه معه منذ العام الأول من حكمه 528م، ليس فقط كممثلين للدولتين الكبيرتين المتنافستين دولة الروم ودولة الفرس. ولكن للتنافس بينهما كذلك على السيطرة على المناطق التي أطلقت المصادر البيزنطية عليها اسم Strata وتمتد فيما يرى نولدكه على جانبي الطريق الحربي من دمشق حتى سرجيوس إلى الشمال من تدمر. وتعاقبت الانتصارات والهزائم بين الجانبين وكانت ضاربة عنيفة كما أسلفنا في الحديث عن تاريخ المناذرة، وبحيث قيل: إن المنذر أسر ولدًا للحارث في عام 544م وذبحه قربانًا للعزى، وأسر الحارث ولدين للمنذر في موقعة أخرى في العام نفسه، واستمر الحال هكذا حتى قتل المنذر قرب قنسرين عام 554م، وقتل في نفس الموقعة ولد آخر للحارث، ومع ما كان في هذا التنافس من دمار مؤسف للقوتين العربيتين، ازداد سلطان الحارث مؤقتًا في أرضه وامتد نفوذه من جنوب الأردن حتى الرصافة في شمال بادية الشام، واشتهرت من مدن دولته البلقاء والصفا وحران. ولقب نفسه بلقب ملك وقيل: إنه تتوج بتاج عوضًا عن الإكليل الذي سمح الروم به لأسلافه، حتى لا تكون لخصومه المناذرة ميزة عليه، وربما أقره الإمبراطور البيزنطي على لقبه وتاجه حين زاره في القسطنطينية عام 563م ليستأذنه في تعيين خليفته المنذر، ونعلق هذا على الاحتمال لاختلاف المؤرخين بشأنه.
على أن الواقع أن العلاقات بين الروم وبين الحارث الغساني لم تكن خالية من الشوائب دائمًا، فهو وإن أخذ وقومه بالمسيحية مثلهم إلا أنه كان يأخذ بالمذهب المونوفيستي اليعقوبي ويناصره كما أسلفنا دون المذهب الذي يناصره الروم، وكان في هذا ما أثار حفيظة بعض قساوسة الروم ضده وشكهم في ولائه لهم. وقد اتهموه بالخيانة خلال اشتراكه مع جيش بليزاريوس في حرب الفرس في عام 541م حين تراجع عن صفوف الحملة بعد أن عبر معها نهر دجلة، إما عن أنفة من التبعية له في الجيش أو نتيجة لخصومة شخصية بين القائدين.
وأعقب الحارث ولده المنذر 569 - 581م الذي لا ندري كيف سماه باسم خصمه فتوالت حروبه مع النعمان ملك الحيرة وتعاقبت الانتصارات والهزائم بينهما كما حدث في عهد أبويهما. فانتصر على اللخميين في موقعة عين أباغ قرب الفرات في عام 570م. ولكنه لم يستمتع بنصره طويلًا حيث غدر به الإمبراطور بوستينوس جوستين الثاني، ولم يكن يطمئن إليه فحرض عليه والي سوريا البيزنطي ليعمل على قتله، ولم يكن هذا الوالي أقل حقدًا منه عليه، ولكن المنذر استطاع النزوح بجزء من جيشه إلى البادية ورد للروم الصاع صاعين فأقلق حدودهم بغاراته السريعة. وتشجع المناذرة بغيابه عن الميدان فأغاروا على سوريا، الأمر الذي جعل الروم يتسامحون مع المنذر في أواخر عهد يوستينيوس الثاني. وعندما ولي الإمبراطور تيبيريوس الثاني 578م582م وزاره المنذر الغساني في عاصمته أقره الإمبراطور على لقب الملك وسمح له بالتتوج مثل أبيه في عام 580م.
وظل سوء الظن قائمًا بين الطرفين يطل برأسه من حين إلى آخر. فحدث أن اشترك المنذر مع وإلى سوريا في حملة فاشلة على العراق فرد الروم فشلها إليه، ولكي يثبت براءته مما نسب إليه أغار مع أعوانه العرب وحدهم على الحيرة وألهب فيها الحريق.
وإذا كان المنذر قد فعل هذا ليرضي سادته على حساب بني عمومته، فقد اعتبروا نجاحه في هذه الغارة تحديًا لهم ولفشلهم، ونجح أعوان الإمبراطور في هذه المرة في القبض على المنذر ونفيه إلى صقلية، وقطع المعونة التي كانت بيزنطة تقدمها إلى دولته.
وحاول أولاد المنذر الغساني أن يثأروا له فشبت المنازعات بينهم وبين البيزنطيين. وكان على رأسهم أخوهم الأكبر النعمان، الذي سماه أبوه باسم خصمه أيضًا، ولكن محاولاتهم لم تجد وتشتت شمل أسرتهم الحاكمة منذ عام 583 أو 584م ففقدت ملكها الواسع وهبط زعماؤها الكبار إلى مرتبة الإمارة وترأسوا مناطق متفرقة من ملكهم القديم - وقيل: إن بعضهم مال إلى جانب الفرس نكاية في الروم. وأضعف من آمال الغساسنة في استرجاع مجدهم استيلاء جيوش الفرس على بلاد الشام في عام 613م. ولم يكن من المنتظر أن يطمئنوا إليهم بعد عدائهم القديم ولحلفائهم. ثم سنحت الفرصة للغساسنة من جديد بعد نجاح جيوش هرقل قيصر الروم في إجلاء جيوش الفرس عن الشام في عام 629م. ويبدو أن ساسة الروم أدركوا أن لا أمان للأطراف الصحراوية وقوافل التجارة البرية إلا إذا عادت الزعامة إلى أهلها من الغساسنة، ومن هنا ظهرت أسماء أمراء جدد عاصروا ظهور الإسلام ومنهم الحارث بن أبي شمر الغساني أمير مؤتة الذي أرسله الرسول(صلى الله عليه وآله) مع شجاع بن وهب في العام السادس للهجرة بكتاب يقول فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر. سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق. وإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له. يبقى لك ملكك". وأبى الحارث الإسلام، فسير الرسول (صلى الله عليه وآله) حملة ضده بقيادة زيد بن حارثة الكلبي.
ثم جبلة بن الأيهم آخر الأمراء الكبار من الغساسنة، وقد عاصر الفتح الإسلامي للشام. وقيل: إنه أسلم في عهد عمر بن الخطاب ثم ارتد عن الإسلام لأسباب اختلفت روايات المؤرخين بشأنها.
تنقل الغساسنة في أيام ازدهار دولتهم بين أكثر من عاصمة، وذكر المؤرخون المسلمون من عواصمهم جلق التي قد تكون جلين الحالية أو الكسوة على بعد عشرة أميال جنوبي دمشق، والجابية في منطقة الجولان ولازالت البوابة الغربية لدمشق القديمة تسمى باسمها.
وبعد أن تحضرت جماعات بني غسان في بلاد الشام، أولت اهتمامها لمشروعات الري والزراعة واستفادت منها لاسيما في إقليم حوران، بحيث ذكر لها نحو ثلاثين قرية. غير أن أمور الحرب وحماية القوافل وتجارة الوساطة ظلت هي الغالبة على أوجه نشاطها.
واشتهرت من مدن التجارة الخارجية ومراكز القوافل في أيامهم مدينة بصرى عاصمة إقليم حوران، وقيل: إن الرسول(صلى الله عليه وآله) قصدها للتجارة مرتين في شبابه وقابل فيها بحيرا الراهب. وكانت من مراكز الحضارات الهيلينستية والرومانية القديمة.
ثم مدينة الرصافة شمال تدمر. وقد جدد الغساسنة كنائسها وأديرتها واشتهرت بقديسها المسيحي مارسرجيوس الذي خلع اسمه عليها فسميت Sargio- Plors وكان نصارى الشام يتيمنون به وبصورته ويعمدون أبناءهم في كنيسته. ولازالت أطلال بوابات الرصافة القديمة وصهاريج مياهها قائمة. على الرغم من تخريب جيوش الحيرة لها أكثر من مرة، وفعل توالي الأزمان عليها.
وانتفعت حضارة الغساسنة بالحضارات الشامية المحلية والبيزنطية والساسانية فضلًا على ميولها العربية. وكان شأنها في ذلك شأن الحضارة الأموية فيما بعد حينما استكملت عناصرها المتعددة في دمشق وما حولها. وترتب على ذلك أن نسب المؤرخون المسلمون آثار كل من الغساسنة والأمويين إلى الآخر.
ومن أشهر هذه الآثار قصران: القصر الأبيض بجوار منطقة النمارة. وقصر المشتى وكان يقوم في الناحية الشرقية من نهر الأردن حتى نقلت أحجاره إلى متحف برلين وأعيد تركيبها فيه في أوائل القرن الحالي. ويذهب بعض المستشرقين إلى إرجاع المراحل الأولى في بناء القصرين إلى ما قبل استقرار الغساسنة في الشام.
وأبقى على ذكر الأمراء الغساسنة في التاريخ المسيحي ما أسلفناه من أنهم كانوا من أكبر أنصار مذهب الطبيعة الواحدة، أي: المذهب المونوفيستي أو المذهب اليعقوبي، وكانوا ينيبون عنهم قساوستهم في حضور المجامع الدينية الكبيرة التي حاولت أن توفق بين المذاهب المسيحية المتنافرة.
وخلد ذكر أمراء الغساسنة في الأدب العربي، شاعران، النابغة الذبياني الذي قصدهم بعد أن تخاصم مع ملوك الحيرة، فكان من لطيف وصفه لهم قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
ثم حسان بن ثابت الذي يرجع نسبه إليهم، وقد نزل بلاطهم قبل الإسلام وحظي بإنعاماتهم، ووصف نعيمهم وترفهم، حتى بعد أن خبا نجمهم، وذكر أن نفوذهم كان لايزال يمتد في أيامه بين حوران وبين خليج العقبة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|