أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2016
1488
التاريخ: 11-9-2016
2536
التاريخ: 11-9-2016
1783
التاريخ: 11-9-2016
4491
|
امنذ إن سلط الضوء على أولى مخلفات الحضارة السومرية قبل قرن من الزمن و البحث مستمر لمعرفة أصل السومريين، الذين عُدو من أقدم الشعوب التي استطاعت وضع الحضارة الأولى في القسم الجنوبي من بلاد الرافدين وما يزال شأنهم ودورهم يتضح بصورة اكبر كلما استجدت مكتشفات أثرية أو نصوص سومرية جديدة لتكشف عن جوانب مشرقة من منجزاتهم الحضارية ودورهم في أغناء مسيرة الشعوب بالمعرفة في مختلف جوانب الحياة(1) . ولم يقدم دليل قاطع في أصل السومريين إذ أن كل باحث يعطي رأيه معتمدا أما على أدلة كتابية أو هياكل عظمية أو يعمل مقارنات بين الحضارة السومرية وغيرها من الحضارات و لم يتوصلوا إلى رأي نهائي محدد و قبل الحديث في الآراء في أصل هؤلاء القوم نذكر المنطقة التي استوطنوا فيها وهي الجزء الجنوبي من السهل الرسوبي لبلاد الرافدين و التي وردت تسميتها في الكتابات المسمارية باسم بلاد سومر بالمصطلح السومري (KI.EN.GI) و بالأكدية (mat-Sumerim) ، و لم يحدد معناه على وجه التأكيد(2). فنجده في القواميس اللغوية يطابق الكلمة السومرية (KALAM ) و بالأكدية (mat) و هي بمعنى البلاد و لا بد أن البلاد بالنسبة للسومريين تعني ( بلاد سومر)(3) , و أذا ما ترجم المصطلح حرفيا يكون معنى KI.EN.GI) ( أرض سيد القصب وقد عرّف سيد القصب بأنه الإله (انكي), وهو إله الأرض والماء والحكمة عند السومريين و (أيا) عند البابليين(4) .
وهناك من يعتقد بأن المصطلح (KI.EN.GI) مشتق من أحد أسماء مدينة نفر المقدسة عند السومريين, وأصبحت البلاد تُعرف في العصور اللاحقة بمصطلح (بلاد أكد أو بلاد بابل ), وتشمل النصف الأسفل من بلاد الرافدين إلى الخليج العربي(5) .
أما عن الآراء التي طرحت بشأن أصل هؤلاء الأقوام فقد كتبت العديد من الدراسات والبحوث منها ما أستند إلى لغتهم أو إلى الصناعات الفخارية أو إلى دراسة الهياكل العظمية.
ومن تلك الدراسات تلك المتعلقة باللغة السومرية ومعرفة أصولها من خلال مقارنتها مع لغات أخرى مندثرة أو متداولة, ومن المعروف إن اللغة السومرية تكاد تكون لغة منفردة بنفسها إذ لا يمكن تصنيفها أو إرجاعها إلى أحدى العوائل اللغوية المعروفة الآن فهي ليست من عائلة اللغات الهندو آرية, وعلى الرغم من ذلك فقد وصفت من نوع اللغات المعروفة باللغات الملصقة (Agglutinative)(6) . ولصعوبة اللغة السومرية الملصقة فقد دفعت بعضهم لمقارنتها وفي غالب الأحيان بأسلوب غير علمي مع عدد كبير من اللغات الأخرى من اللغة الصينية والتبتية والدرافيدية والهنغارية, في حين ذهب احد العلماء إلى عدّ اللغة السومرية بمستوى لغة الفولابك(7) .
وهناك من الباحثين من اعتمد في دراسته للمشكلة السومرية على الهياكل العظمية , ظناً منهم أنه يمكن معرفة جنسهم و سلالاتهم البشرية بمقارنة العظام المكتشفة في المدن السومرية مع ما هو معروف من سلالات بشرية , وقد ثبت من نتيجة تلك الدراسات عدم وجود جنس سومري لا بالمفهوم العلمي ولا بالاعتيادي(8) .
فالدراسات الأنثروبولوجية التي أجريت على الهياكل العظمية و التي عثر عليها في مقبرة كيش أظهرت خليطاً من الرؤوس الطويلة و العريضة التي ربما تعود للجماعات التي استخدمت اللغات الجزرية , ولذلك فمن الصعب القول على أي منها سومري(9) . على الرغم مما ذهب إليه الباحثون من إن السومريين كانوا من ذوي الرؤوس المدورة( العريضة ) في حين أن الجزريين من ذوي أو أصحاب الرؤوس الطويلة (10) .
و يصدق القول نفسه على الجماجم التي عثر عليها في مقبرة العبيد كلها من جنس البحر المتوسط أي من ذوي الرؤوس الطويلة(11) .
أما بالنسبة إلى الملامح الطبيعية التي يمكن دراستها من خلال المنحوتات فهي كذلك لا تزودنا بأشياء مهمة في حل المشكلة فقد لوحظ وجود اختلافات عرقية في التماثيل الأولية التي عثر عليها في أشور وأكدت التماثيل التي اكتشفت في خفاجي ذلك أيضاً (12).و كان الباحثون يعتمدون كثيرا على تمثيل الأشخاص في المنحوتات في تعداد صفات السومريين والجزريين الجسمية كشعر الرأس وحلق الشوارب وشكل الأنف إلى غير ذلك من الصفات الجسمية التي في الواقع إن ما يبدو من ملامح على التماثيل الآدمية كانت تتحكم في تمثيلها الطرز الفنية المتبعة في النحت بالدرجة الأولى , وما يظهر عليها من هيئات و سحن لا تمثل في الواقع فروقا أو مميزات قومية خاصة بالسومريين أو الجزريين وإنما هي أزياء خاصة لمقام الشخص الممثل كطبقته الاجتماعية أو الدينية كالملوك والحكام والأمراء والكهنة (13). ويمكن القول استنادا إلى المخلفات الفنية المتنوعة إن الملامح العامة للسومريين تتصف بكونهم قصار القامة , ممتلئي الجسم , لهم أنوف مفلطحة ليست كأنوف الأجناس الأخرى, جباههم منحدرة قليلا ً إلى الوراء , عيونهم مائلة إلى الأسفل وكان كثيراً منهم ملتحين وبعضهم حليقين والغالبية العظمى منهم من دون شوارب(14) .
وعلى العموم فأن نحت التماثيل في عصر فجر السلالات أبتعد عن التمثيل الطبيعي إلى أن وصلت إلى أشكال هندسية تقريباً(15) .
ومن الجدير بالذكر إن هذه الصفات التي عزاها الباحثون إلى إنها سومرية ظاهرة أيضاً في تماثيل أشخاص جزريين من منطقة جزرية من عصر فجر السلالات وهي مدينة ماري(16) .
ومن الآراء الأخرى التي طرحت بشأن أصل هؤلاء الأقوام هو حدوث هجرات لأقوام دخلت واستقرت في بلاد سومر, ومن ذلك حدوث تغيرات طرأت في صناعة الفخار وعلى الزخارف المنفذة عليها, وفيما يلي عرض لهذه الأراء:
1- الرأي الأول: يفترض إن السومريين جاؤوا عبر موجتين الأولى من الشرق و سلكت طريق البحر إلى الخليج العربي ، والثانية سلكت الطريق البري عبر إيران و كان ذلك مع مجموعة أخرى من الأقوام نفسها التي هاجرت بعد ذلك إلى وادي السند(17) .
2- الرأي الثاني: يقول إن السومريين جاؤوا مهاجرين من أواسط آسيا عن طريق إيران و ذلك على أساس التشابه بين الفخار العبيدي و فخار إيران(18) . وهذا الرأي أعتمد على التيار العام في المآثر السومرية الأدبية القديمة وبصورة خاصة الملاحم وعلى العلاقات الثقافية الواسعة بين بلاد سومر وبلاد عيلام على وجه الخصوص في أواخر عصر ما قبل التأريخ و العصور التاريخية فضلا عن التشابه بين الفخار من حيث أسلوب الصناعة والمشاهد المنفذة, كما وعدّت أهمية الزقورة في الديانة السومرية دليلاً على إن الموطن الأول لهم كان في المنطقة الجبلية, غير إن هذا الأسلوب في المناقشة غير دقيق حيث إن الزقورة تمثل الجبل الكوني ولم تكن مرتبطة بمنطقة معينة بل بعلم الكونيات والذي كان موجوداً في العالم القديم (19).
3- الرأي الثالث: يفترض إن السومريين جاؤوا من شمال سوريا وفلسطين وذلك على أساس التشابه بين فخار دور الوركاء مع فخار هذه المناطق ومن المستحيل القول بشكل قاطع بأنه لا يمكن أن تكون هناك حركات عرقية في هذا الاتجاه إذ ليس هناك دليل قاطع في الوقت الحاضر لإثبات حدوثها ,إذ يمكن تفسير العلاقة على أساس العلاقات التجارية كما هو مع الهند أو مصر (20).
4- الرأي الرابع: هذا الرأي يربط بين أصل السومريين و بين حضارة جنوب بلوخستان الأولى ومن المحتمل أن تكون هناك علاقة بين حضارة أقوام الهند (خرابا ) وبين الأقوام ( الهندو آرية ) الموجودة حاليا في جنوب الهند, ولكن وجود علاقة عرقية حقيقية بين السومريين وبين أقوام ( خرابا ) ذات جاذبية خاصة لأولئك الذين يحاولون أن يجدوا صلة لغوية بين اللغة السومرية و اللغة الدرافيدية , وإن هناك دلائل قوية على شكل طرز فنية وأشياء مادية خاصة تبرز علاقات تجارية في الألف الثالث ق.م بين السومريين وأقوام وادي السند أو بلوخستان ومن تلك المظاهر الفنية مناظر طقوسية تتضمن الثور الهندي ذا الحدبة وعثر عليه في كل من أور وكيش وهذا الرأي يحتاج إلى أثبات(21) .
5- الرأي الخامس: يقول إن السومريين عندما جاؤوا إلى بلاد الرافدين كانوا يجاورون أصحاب حضارة أرقى منهم و هم سكان العبيد أو الفراتيون الأوائل ومنهم اقتبسوا حضارتهم و عناصر ثقافتهم , بدليل ما نشأ من أدب بطولي وملحمي وهو من الأدب الذي يظهر عادة عند الأقوام غير المتحضرة وذلك بتأثير ما يجاورها من حضارات أرقى(22) .
وخلاصة القول أنه من المرجح أن يكون أصل السومريين من شمال بلاد الرافدين وأنهم استوطنوا تلك المنطقة منذ عصور ما قبل التأريخ ثم نزحوا تدريجياً إلى مناطق جنوب السهل الرسوبي بعد تعلمهم الزراعة المعتمدة بالدرجة الأولى على الري الصناعي وأسسوا هنالك مدنهم , وهو الرأي السائد لدى أغلب الباحثين وهو ما يمثل اتجاه المدرسة العراقية الحديثة في دراسة المشكلة السومرية (23).
ويستدل أصحاب هذا الرأي على ذلك بكون الحضارة السومرية في بعض عناصرها عبارة عن تطور طبيعي واضح من حضارات عصور ما قبل التأريخ التي ازدهرت في البلاد وسموا باسمهم نسبة إلى البلاد التي سكنوا فيها أخيراً في جنوب بلاد الرافدين (24).
وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي أن جميع سكان بلاد الرافدين من شماله إلى جنوبه كانت لهم نفس الآداب والأساطير الدينية والمفاهيم العقائدية نفسها مع بعض الاختلافات غير الأساسية التي كانت الطبيعة والبيئة تفرضها على مستوطنيها وخاصة أذا ما عرفت عنهم أن جوهر هذه العقائد الدينية في العراق هي البيئة والمظاهر الطبيعية(25) . ولا سيما القسم الجنوبي منه بل إن طابع حضارتهم مشتق من بيئة نهرية ذات أحراش وقصب وطمى وغرين وفيضانات وسهول وغيرها(26) .
ومن هذا الرأي نجد أن السومريين كانوا مسيطرين على الجزء الأسفل من بلاد الرافدين وهؤلاء كان يطلق عليهم ( ذوي الرؤوس السوداء ) وبلادهم هي أرض السواد ولم يكونوا لا جزريين ولا آريين وأن لغتهم التي ظهرت على العديد من نصوصهم لم تكن كذلك لا جزرية ولا هندو آرية(27) .
ومن الأراء الأخرى منها ما جاء في الأساطير, ومنها أسطورة إغريقية تتحدث عن الرجل السمكة أوانس (Oanes ), الذي خرج من الخليج وجلب معه مقومات الحضارة الإنسانية مما دعى بعض الباحثين أن يعقدوا مقارنة بين الأسطورة وبين نشوء الحضارة في جنوب بلاد الرافدين وربط المقومات الحضارية بالإله إنكي إله الحكمة والماء عند السومريين, مما يعزز الرأي القائل بمجئ السومريين من مناطق الخليج العربي أو جنوب بلاد الرافدين: حول ملخص الأسطورة ينظر:
ساكز, هاري. 1979, ص, 48.؛ وكذلك ينظر: محمد, محمد عبد القادر. 1968, ص, 53.
________________
(1) علي، فاضل عبد الواحد. السومريون والأكديون، العراق في التاريخ، بغداد، 1983، ص,226.
(2) رو, جورج. 1986، ص, 119.
(3) Labat, R., Manual D Epigraphic Akkadienne, Paris, 1976, P.312, 461.
(4) باقر, طه. 1986، ص, 60.
(5) كريمر, صموئيل نوح. 1973, ص, 3.
(6) باقر, طه. 1986, ص, 60-61.
(7) ساكز, هاري. 1979, ص, 51.
(الفولابك ) هي لغة أبتدعها أحد الألمان عام 1979 م في محاولة منه لجعلها لغة عالمية كما تشير إلى ذلك أصل الكلمة الألماني ( Vola) و هي بمعنى عالم و ( Puk ) بمعنى كلام ,غير إنها لم تلقى القبول و لم تستعمل قط لهذا الغرض.
(8) علي, فاضل عبد الواحد. 1986, ص, 36.
(9) MacKay. , Report on the excavation of the “A” Cemetery at Kish, Mesopotamia, Part, 1, 1929, PP.9.
(10) باقر, طه. 1986, ص, 63.
(11)- Otten, C.M., Note on the Cemetery of Eridu, Sumer, Vol. 4, 1948, P. 12.
(12)- الأحمد, سامي سعيد. السومريون وتراثهم الحضاري, بغداد, 1975, ص, 15.
(13) باقر, طه. 1986, ص, 64.؛ وكذلك يُنظر: رو, جورج, 1986, ص, 64.
(14) ديورانت, وول. قصة الحضارة, الجزء الأول, المجلد الأول, نشأة الحضارة, ترجمة: زكي نجيب محمود, القاهرة, 1956, ص, 546.
(15) ساكز, هاري. 1986, ص, 546.
(16) Parrot, A., Massion Archaeology De Mari le Temple de Ishtar, Vol. 1, Paris, 1956, nos. 124-128
(17) علي, فاضل عبد الواحد. من ألواح سومر إلى التوراة, بغداد, 1986, ص26.
(18) ساكز, هاري. 1979, ص, 53 .
(19) علي, فاضل عبد الواحد. 1986, ص, 26 .
(20) ساكز, هاري. 1979 , ص, 53-54 .
(21) لا المصدر السابق. ص, 53.؛ و كذلك يُنظر ؛ محمد, محمد عبد القادر. الساميون في العصور القديمة, دار النهضة العربية, 1968, ص, 48 .
(22) باقر, طه. 1986, ص, 65.
(23) الأحمد, سامي سعيد. 1975, ص, 46.؛ وكذلك ينظر: علي, فاضل عبد الواحد. 1983 , ص, 68-69؛ باقر, طه. 1986, ص, 66.
(24) الأحمد, سامي سعيد. 1975, ص, 46.
(25) فرانكفورت, هنري, و آخرون. ما قبل الفلسفة, ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا, بيروت, 1960, ص, 151.
(26) باقر, طه. 1986, ص, 66.؛ وكذلك ينظر:
Cottrell, L., The land of the two Rivers, London, 1962, P. 42
(27) Finnegan, J., Light from the ancient past, London, 1959, P. 29.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
جامعة كربلاء: مشاريع العتبة العباسية الزراعية أصبحت مشاريع يحتذى بها
|
|
|