أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-6-2021
3710
التاريخ: 2023-04-21
1186
التاريخ: 18-10-2016
3847
التاريخ: 18-10-2016
1542
|
يؤكد مرة أخرى Pfeffer (1994) على أنه إذا كانت الميزة التنافسية تتحقق من خلال البشر فإن مهارة هؤلاء البشر مهمة وأساسية وبالمحصلة فإن من الاستنتاجات الجلية والواضحة للتغير في مصادر الميزة التنافسية تنامي أهمية العنصر البشري بما يتوافر لديه من كفاءة ومهارة مكتسبة وغير مكتسبة. ومن الملاحظ (بشكل خاص في بعض الدول العربية) هذه الآونة بالذات زيادة الإقبال على التعلم والتعليم بشكل أكبر من أي وقت مضى، فقد زاد عدد الحاصلين على شهادات جامعية وشهادات عليا في بعض الدول العربية، بشكل يكاد يفوق الدول المتقدمة. وهذا التطور في السعي وراء التعليم أمر أساسي لتطور الشعوب ومن أجل الوصول إلى تنمية بشرية واقتصادية جيدة.
ولكن المراقب لوضع التعليم واكتساب المعرفة والمهارة في بعض الدول العربية يرى جنوحا نحو التركيز على التعليم من ناحية شكلية أو كمية وليس من ناحية نوعية. فهنالك فرق بين من يتعلم بهدف العلم ومن يتعلم بهدف آخر ومهما كان الدافع الآخر فسيبقى خارجي والدافع الخارجي غير أصيل وخاصة عندما نتحدث عن العلم والمعرفة وقد يختلف الأمر في السعي نحو اكتساب المهارات الفنية والتي قد يكون الحصول على وظيفة هو بمثابة الدافع نحوها. ولكن عندما نتحدث عن العلم والمعرفة فلا يوجد دافع في الدنيا أهم من الدافع الداخلي الأصيل الذي دفع علماء في التاريخ العربي والإسلامي إلى السفر مئات الأميال لتوثيق معلومة بسيطة وقد تكون كلمة أو جملة أو أقل من ذلك أو أكثر. وعندما لا يكون الدافع هو من أجل العلم ونشر العلم فإن المنهج والوسيلة العلمية قد تكون من جنس الهدف والدافع، فقد يكتفي المرء حينها بأقل ما يمكن من جهد في سبيل كتابة بحث أو مقالة أو كتاب، إن كانت العوامل المادية الخارجية، المادية أو المالية أو الشهرة أو الترقية أو المكاسب الجهوية أو غيرها، هي العوامل المسيطرة على ذلك المرء (الرشدان، 2001)(1).
فالسعي نحو التعلم والتدريب واكتساب المهارة أمر جيد وحتما سيؤدي إلى نتائج جيدة على المدى الطويل في البلاد العربية مثلا، ولكن على الجهات الفاعلة والمؤثرة أن تعمل على التوجيه والإرشاد إلى الناحية المعنوية الرصينة في الدوافع الفردية نحو اكتساب هذه المكتسبات الثمينة والتي هي أثمن من الذهب والأحجار الكريمة إذا صقلت بنوايا ونوازع جوهرية معنوية خيّرة. أي أن يكون العلم والمعرفة، واكتساب ونشر العلم والمعرفة من أجل العلم والمعرفة ومن أجل التنمية البشرية والحضارية والثقافية والقيمية بدلا من أن تكون الأهداف فقط تجارية ومادية ولخدمة مصالح شخصية قريبة الأجل.
أما في مجال التدريب فهناك نقص وخاصة في تدريب المستويات الدنيا من المؤسسة، فغالبا ما تشمل برامج التدريب المستويات الإدارية الوسطى والعليا؛ وذلك لعدم وجود سياسات عامة في مؤسسات الدول العربية بشكل خاص، تعنى بتشجيع تدريب الموظفين في المستويات المختلفة، فضلا عن نقص تشجيع التدريب للمستويات الأكثر حاجة للتدريب وهي المستويات الدنيا ولتشجيع برامج التدريب من قبل الدول عليها أن تجعل الموازنات التدريبية للمؤسسات الخاصة معفاة من الضرائب. ومن الأسباب المباشرة لنقص برامج التدريب نفقات التدريب التي تصرف مباشرة، وأما منافع التدريب فلا تجنى مباشرة وإنما يمكن الإحساس بنتائجها على المدى الطويل، وهذه المنافع ممكن أن تستفيد منها مؤسسات أخرى في حالة ترك الموظف للعمل لسبب من الأسباب.
فالشركات اليابانية فاقت التوقعات بمستوى اهتمامها بالتدريب لأنها تحصل من ذلك على أفراد يتمتعون بمهارة وانتماء يقودان لتحقيق الميزة التنافسية للمؤسسات، ويبلغ مستوى التدريب في اليابان أربعة أضعاف التدريب في الولايات المتحدة الأمريكية. فهم يعلمون أن برامج التدريب مكلفة ولكنهم يعلمون أنها ستقود إلى أفراد يتمتعون بمهارات عالية وانتماء لمن ساهم في تطوير مهاراتهم ومعارفهم.
فالمشكلة تكمن في أن الكثير من المؤسسات، وخاصة الشركات الخاصة في بلادنا العربية تعدّ التدريب ترفاً، وأنه غير أساسيٍ، ولا يوجد لدى الكثير نظام قائم وخطة استراتيجية للتدريب، ولا يوجد صلة واضحة بين برامج التدريب، إن وجدت، بأهداف المؤسسة الاستراتيجية، ولا يوجد قناعة بأن التدريب سيؤدي إلى تحقيق ميزة تنافسية للمؤسسة. وغياب السياسات العامة وتشجيع الدول يساهم في تعطيل محور أساسي من محاور إدارة الموارد البشرية في المؤسسة التي تساهم بدورها في رفع مستويات المعرفة والمهارة التي تساهم في خلق إنسان قادر على المشاركة والمبادرة وتحمل المسؤولية والتطوير المستمر ووجود معنى أعظم لحياته الوظيفية.
وحقيقة الأمر أنه لا أحد ينكر أهمية التدريب (ولو على المستوى النظري) في خلق معنى أعظم لحياة الفرد وأهمية أكبر للعمل الذي يقوم به. فإذا وصل الاهتمام بالفرد إلى هذا المستوى من خلال الاهتمام بتدريبه وكفاءته ومهارته ومعرفته، فمن الأولى بالمؤسسات المحافظة علية وعدم التخلي عنه بسهولة وعدم القبول باستبداله بطرق أقل تكلفة، ولكنها قد تكون أقل فائدة للمؤسسة على المدى الطويل.
لقد ظهر اتجاه متزايد في الوقت الحاضر نحو العمالة المؤقتة أو الخارجية بأسماء مختلفة، ولقد انتقلت هذه الظاهرة في التوظيف من الدول الغربية إلى الدول العربية، فأصبحنا نرى مؤسسات تلجأ إلى التوظيف المؤقت والتوظيف من خلال التعاقد مع شركات خارجية للتوظيف وتّدعي هذه المؤسسات بأنها بذلك تسعى إلى تحقيق الميزة التنافسية. ويتساءل الكثير من المراقبين والمنتقدين(Pfeffer, 1994) ، لهذه الظاهرة بالقول: "كيف ستحقق مؤسسة ما ميزة تنافسية مستديمة بموظف مستعار وليس أصيلاً في المؤسسة التي يعمل بها؟ وأين الانتماء الذي يمكن أن تخلقه المؤسسة لدى هؤلاء والمؤسسة بالنسبة لهم هي الشركة التي قامت بتشغيلهم وتوظيفهم"؟ والمشكلة تكون أكثر خطورة عندما يقوم هؤلاء الموظفون المستعارون بوظائف أساسية تعتمد عليها المؤسسة في منتجها الرئيس. ومن الأمثلة على ذلك في بعض الجامعات مثلا تلجأ الجامعة إلى أساتذة ليعملوا لديها بشكل مؤقت أو جزئي Part- time بهدف تخفيض النفقات وتقليل التكاليف؛ لأن الموظف المؤقت تكلفته أقل بكثير من الموظف الدائم. والسؤال الهام هنا: "هل لدى هؤلاء القدرة على تحقيق الميزة التنافسية للمؤسسات التي يعملون بها؟" ونعلم بأن لديهم الاستعداد للعمل في أي مؤسسة وربما يعملون في أكثر من مؤسسة بنفس الوقت ففي هذه الحالة لمن سيكون انتماؤهم في العمل ولمن سيكون ولاؤهم له في تحقيق أداء متميز بنوعية عالية؟ وهذا الأمر له آثاره السلبية وخاصة على منظمات تقدم خدمات فنية أو تكنولوجية أو تعليمية أو مالية مثل الجامعات التي تعتمد في كفاءاتها المحورية على مهارات وقدرات عامليها وهذه الكفاءات ستكون ناقصة إذا لم تقترن بنسبة من الانتماء للمؤسسة التي يعملون بها لان تميز المؤسسة يعتمد بالدرجة الأولى على تميزهم وقدرتهم واستعدادهم للتعلم المستمر والتطوير واكتساب المعرفة، وهذه المزايا لا تتوافر لمن يدرك بأن عمله مؤقت وليس دائماً فضلا عمن يعمل لحساب الشركة المتعاقدة وليس المؤسسة التي يعمل بها ويمارس فيها أعماله(Pfeffer, 1994).
والأمر الأكثر تحديا في موضوع التمكين، إن أرادت المنظمة مثلا تمكين الموظفين ومنحهم مستحقات التمكين من الحوافز والمعلومات الكاملة والمستمرة والتدريب الكافي والمعرفة المتجددة فمن غير الممكن فعل كل ذلك مع موظف غير مستقر أو موظف يشعر أنه في وضع مؤقت. فلا يمكن أن يتناسب التمكين بمعناه الصحيح مع عمالة مستعارة وغير أصيلة.
ويؤكد Pfeffer أن هذه العملية لن تحقق ميزة تنافسية مستديمة بأي شكل من الأشكال. ويؤكد أن كثيرا من المؤسسات والباحثين على حد سواء قد أغفلوا الآثار السلبية الطويلة المدى الناجمة عن العمالة التي يطلق عليها هنا بالعمالة المستعارة، والسرعة في الحصول على موظفين. فتعيين موظفين بشكل دائم يتطلب ربما: الإعلان واستقبال طلبات المرشحين ودراسة الطلبات وتصفيتها ومقابلة المتقدمين واتخاذ القرارات المتعلقة بانتقائهم وتعيينهم ومن ثم انتفاعهم من التامين الصحي والضمان الاجتماعي أو التقاعدي، وهذه كلها تكاليف بالنسبة للمؤسسة التي يعملون بها. ولكن الحصول على موظف مؤقت أو part-time قد يتطلب فقط مكالمة هاتفية. ومن سلبيات ذلك ربما الحصول على أفراد لا تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة(2).
وقد يسبب العامل المؤقت أضرارا مادية في العمل، وقد سُجلت حالات حيث يعمل أفراد بشكل مؤقت لا يتوافرون على التدريب والتأهيل الكافيين، ففي مصانع للكيماويات ساهم هؤلاء بالعديد من الحوادث الخطيرة التي أدت إلى وفاة أفراد داخل المصنع من خلال انفجارات وحرائق وأحداث ذات علاقة بتسرب مواد كيماوية، وكان سبب هذه الحوادث في معظم الحالات من العمالة المؤقتة. لهذا فإن المؤسسات في الواقع هي صاحبة القرار الأول والأخير في هذا الشأن فإن أرادت تحقيق ميزة تنافسية مستديمة من خلال الاعتماد على الأيدي العاملة المؤقتة ومن خلال الاستئجار فإنها في واقع الأمر لن تحصل على هذه الميزة إلا إذا استخدمت هؤلاء فقط في مواقع ووظائف ثانوية وبمستوى محدود جدا. أما إذا كان هدف المؤسسات هو توفير التكاليف وضبط النفقات وتحقيق فوائد ومكاسب على المدى المنظور، فإن هذه المكاسب لن تستمر لتحقق ميزة تنافسية لفترات طويلة.
أما إذا أرادت فعلا تحقيق ميزة تنافسية مستديمة ونجاح دائم، فلا بد من تحقيق ذلك من خلال أدوات الانتقاء السليم والتأهيل والتدريب، ومنح هؤلاء العاملين مناخاً مناسباً للتعلم وللمحاولة والتجربة والفشل وهامشاً من الخطأ والاستفادة من الأخطاء، وفوق هذا وذاك منح العاملين مشاركة أكبر وحرية أكبر وتمكينا أكبر لكي يتمكنوا من تأدية أعماهم بمرونة وتفكير ذاتي مستقل من أجل تقديم أفكار خلاقة، وتجديد وإبداع في السلع أو الخدمات، أو الأفكار التي يقدمونها. وهذا كله يحتاج إلى جهد إداري حثيث في إدارة الموارد البشرية ويحتاج إلى نظام محكم يرشد الإدارة في كيفية التعامل مع مواردها البشرية التي تعدّ رأس مالها الحقيقي، وهو فعلا ما يسمى برأس المال البشري في الوقت الحاضر.
وسنرى فيما يأتي ماذا يمكن أن تصنعه الإدارات الناجحة في تعاملها مع رأس مالها البشري.
_______________________________________________________
(1)- الرشدان, عبدالله، اقتصاديات التعليم ، مرجع سابق, ص 27.
(2)- Pfeffer, 1994, Op Cit
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|