أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2016
206
التاريخ: 20-9-2016
226
|
ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة أنّه « لا شكّ للإمام مع حفظ المأموم » وكذلك بالعكس ، أي لا شكّ للمأموم مع حفظ الإمام.
وهو أمران :
فمنها : مرسلة يونس عن الصادق عليه السلام المروية في الكافي والتهذيب عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام سألته عن الإمام يصلّي بأربعة أنفس أو خمسة ، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثة ، ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا، ويقول هؤلاء : قوموا ، ويقول هؤلاء : اقعدوا والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم ، فما يجب عليه؟ قال عليه السلام : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب سهو ، ولا في الركعتين الأوليين من كلّ صلاة سهو ، ولا سهو في نافلة ، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط ، الإعادة والأخذ بالجزم » (1).
وخبر حفص بن البختري في الصحيح أو الحسن عنه أيضا ، قال عليه السلام : « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » (2).
وهاهنا أخبار كثيرة ذكرها في الوسائل (3) ، ولكن أغلبها يفيد معنى آخر غير ما نحن بصدده وإن ذكرها صاحب الوسائل في هذا الباب.
وفيما ذكرناه خصوصا مرسلة يونس غنى وكفاية ، فإنّها صريحة في أنّ المورد مورد شكّ الإمام إمّا متساوي الطرفين أو الإمام مائل إلى أحد الطرفين فأجاب الإمام عليه السلام بأنّه « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم» فهذه الجملة تدلّ على عدم الاعتبار والاعتناء بشكّ الإمام مع حفظ المأموم سهوه عليه ، فنزل عليه السلام حفظ المأموم سهو الإمام عليه منزلة حفظ نفس الإمام سهوه.
والجملة الثانية ـ أي قوله عليه السلام :
« وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام » تدلّ على أنّه لا اعتبار بشكّ المأموم مع حفظ الإمام سهوه عليه.
فالجملتان تدلاّن دلالة واضحة على طرفي هذه القاعدة ، أي :
عدم الاعتناء بشكّ الإمام مع حفظ المأموم ، وعدم الاعتناء بشكّ المأموم مع حفظ الإمام.
وحيث أنّ العمل بهذه الرواية متّفق عليه بين الأصحاب ، ولم يخالف أحد منهم فلا مجال للقول بأنّها مرسلة وضعيف السند.
الثانية : الإجماع ، فإنّه لم يخالف في هذا الحكم أحد من الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وقد تكرّر الإشكال في مثل هذه الإجماعات التي لها مدارك معيّنة ، فلا نعيد.
وقد يقال بوجه آخر لاعتبار هذه القاعدة من الطرفين ، وهو أنّه يستفاد من مجموع أخبار هذا الباب أنّ صلاة الإمام مع صلاة المأموم كأنّهما صلاة واحدة وصادرة من شخص واحد ، وبعبارة أخرى : كان المصلّي واحد ، ولذلك تكون قراءة الإمام بدلا عن قراءة المأموم ، فكأنّه هو قرأ ، فبناء على هذا يكون حفظ أحدهما حفظ الآخر ، فيجب على كلّ واحد منهما آثار حفظ نفسه ـ وإن كان شاكّا ـ عند حفظ الآخر ، لما ذكرنا من أنّ حفظ كلّ واحد منهما يكون بمنزلة حفظ الآخر ، فيجب على كلّ واحد منهما إلغاء شكّ نفسه وعدم الاعتناء بشكّه إذا كان الآخر حافظا ، فيرتّب آثار الحفظ مع أنّه شاكّ ويلغى آثار الشكّ.
فلو شكّ أحدهما في الأوليين يلغى أثر الشكّ الذي هو البطلان ، ويراجع إلى حفظ الآخر فيبني على صحّة صلاته ، مع أنّه شكّ في الأوليين.
ولو شكّ في الأخيرتين يلغى أثر الشكّ ، وهو البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط منفصلة ومستقلّة ، بل يرجع إلى حفظ الآخر ويتمّ صلاته ولا شيء عليه ، لما ذكرنا من أنّ حفظ الآخر يحسب حفظه ، فكأنّه ليس بشاكّ.
ولكن أنت خبير بأنّ هذا الكلام وإن كان استحسانا حسنا ولكن صرف الاستحسان والظنّ بالملاك لا يمكن أن يكون مدركا للحكم الشرعي ، ويحتاج إلي ورود دليل على ذلك وأنّ حفظ كلّ واحد منهما يحسب حفظا للآخر.
نعم هذا الحكم في الجملة مورد الاتّفاق وظاهر الروايات المعتبرة التي ذكرنا بعضها.
في مفادها وتوضيح المراد منها :
وهو يتوقف على ذكر أمور :
الأوّل : في أنّه هل يعتبر في رجوع الإمام إلى المأموم أن يكون المأموم عادلا ، أو يجب الرجوع إليه وإلغاء شكّه إن كان حافظا وان لم يكن عادلا؟
وكذلك يعتبر في الرجوع إليه في شكّه مع حفظه أن يكون رجلا ، أو يجب وإن كان امرأة؟
وكذلك يعتبر في الرجوع إليه أن يكون بالغا ، أو يجب الرجوع إليه وإن كان صبيّا؟
وحيث أنّ العمدة في دليل هذه القاعدة ، الأخبار الواردة في هذا الباب فلا بدّ من ملاحظتها أنّه هل لها إطلاق يشمل الشقوق المذكورة الثلاثة ، أي كون المأموم فاسقا أو امرأة أو صبيا ، أم لا إطلاق لها بالنسبة إلى الجميع ، أولها إطلاق بالنسبة إلى بعضها دون بعض؟
فنقول :
لا شك في أنّ قوله عليه السلام في مرسلة يونس : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه » له إطلاق في حدّ نفسه يشمل الأقسام الثلاث ، أي الفاسق والصبي والامرأة ، لأنّ عنوان « من خلفه » عنوان عامّ ينطبق على الأصناف الثلاث نحو انطباقه على ما يقابل هذه الأصناف.
فشمول « من خلفه » للعادل وغير العادل ، وللبالغ وغير البالغ إذا كان مميّزا خصوصا إذا قلنا بشرعيّة عباداته ، وللرجل والامرأة على نسق واحد ، ولا طريق لإنكار الإطلاق إلاّ دعوى الانصراف ـ في الموصول في من خلفه ـ إلى غير هذه الأصناف الثلاثة.
وهو كما ترى ، خصوصا الانصراف إلى المأموم العادل ، مع أنّ الغلبة في المأمومين في أغلب الأعصار والأمصار لغير العدول.
وأمّا ادعاء أنّ اشتراط كونهم عدول في رجوع الإمام إليهم لأجل حصول الوثوق والاطمئنان من قولهم ـ وغير العادل لا يحصل الوثوق من قوله ـ ففيه :
أنّ الرجوع إلى المأمومين ليس من باب الشهادة ، ولا من باب حصول الوثوق والاطمئنان من قولهم ، ولذلك لو كانوا عدولا وكانوا حافظين على الإمام سهوه يجب الرجوع إليهم ولو لم يحصل الوثوق والاطمئنان من قولهم ، بل ولو لم يحصل الظنّ من قولهم ، كما سيجيء ونتكلّم فيه إن شاء الله ، بل حكم تعبّدي يمكن أن يكون حكمته ما تقدّم من أنّ صلاتهما كأنّهما صدرت من شخص واحد ، ولذلك قراءة الإمام تكون بدلا عن قراءته ، فمن هذه الجهة جعل حفظ أحدهما بمنزلة حفظ الآخر ولو لم يحصل له ظنّ ، فضلا عن الوثوق والاطمئنان.
والحاصل ، أنّ ادّعاء الانصراف إلى العدول ، أو كون مناط اشتراط كونهم عدولا في الرجوع إليهم حصول الوثوق والاطمئنان من قولهم بعيد عن الصواب.
وأمّا الانصراف إلى البالغين وعدم شمول الموصول في « من خلفه » لغير البالغين ، فإن قلنا بعدم شرعيّة عبادات الصبي وان كان مميّزا عاقلا كاملا بل كان مجتهدا فهو كلام حقّ لا محيص عنه ، لعدم كون صلاته صلاة حقيقيّة ، بل هو صرف صورة الصلاة لأجل التمرين ، فليس بمأموم حقيقة حتّى يرجع الإمام إليه.
نعم لو كان المناط حصول الوثوق ، ربما يحصل الوثوق من قول بعض الصبيان أكثر ، ولكن عرفت أنّه ليس بمناط ، فادّعاء الانصراف عن غير البالغين ـ خصوصا إذا كان أقلّ من زمان البلوغ بمدة قليلة ، مثل ساعة بل ومثل يوم ـ فلا شاهد له إنصافا.
وأمّا الانصراف عن المرأة فالظاهر أنّه لا وجه له إلاّ غلبة الوجود ، بمعنى أنّ المأمومين غالبا هم الرجال ، والنساء قليلون.
وهو كما ترى ، لأنّ غلبة الوجود ليس موجبا للانصراف ، كما حقّق في محلّه.
فالحقّ شمول القاعدة للمأموم مطلقا ، عادلا كان أم غير عادل ، رجلا كان أو امرأة ، صبيان كان أو بالغا ، فالمراد بـ « من خلفه » أعمّ من جميع ذلك.
الثاني : أنّه ما المراد من السهو في قوله عليه السلام : « لا سهو للإمام » أو قوله : « لا سهو للمأموم » المستفاد من روايات الباب.
فنقول : الظاهر من قوله عليه السلام « ليس على الإمام سهو إذا حفظ من خلفه عليه سهوه » في مرسلة يونس ، المراد به الشكّ يقينا ، لأنّ الراوي سأل عن الإمام المعتدل الوهم بالنسبة إلى مقالة كلتا الطائفتين من المأمومين ، حيث أنّ طائفة منهم يقولون : قوموا ، أي يدّعون أنّ ما بيدهم هي الركعة الثالثة ولذلك يقولون : قوموا ، والطائفة الأخرى يقولون : أقعدوا ، أي يدّعون أنّ ما بيدهم هي الرابعة ، والإمام إمّا مائل إلى إحدى الطائفتين ، أو معتدل الوهم. ومعلوم أنّ هذا فرض شكّ الإمام لا فرض نسيانه ، هذا أولا.
وثانيا : أنّه لو كان المراد من السهو خصوص النسيان ، أو الأعمّ منه ومن الشكّ ، فيكون مفاد « لا سهو » أي لا حكم لسهوه، أي إذا نسي جزء أو شرطا ، ركنا كان أو غيره فتذكر في المحلّ فلا يجب عليه أن يأتي به ، أو إذا كان له القضاء فلا يجب قضائه ، أو إذا كان موجبا لسجدتي السهو فلا يجب على الإمام ، وهكذا سائر أحكام النسيان ، وهذه الأمور ممّا لا يمكن الالتزام بها.
هذا مضافا إلى أنّ تعليق رفع حكم النسيان على حفظ المأمومين عليه نسيانه لا بدّ وأن يكون المراد منه أنّ الناسي يرجع إلى حفظ المأمومين ، كما أنّه لو كان المراد من السهو هو الشكّ معناه أنّه لا يعتني بشكّه بأن يعمل بحكم الشاكّ ويبني على الأكثر، بل يرجع إلى حفظ المأمومين ويعمل على طبق حفظ المأمومين ، سواء كانوا قاطعين أو ظانّين ، على تقدير صدق الحفظ على الظنّ.
فلو كان المراد من السهو خصوص النسيان ، أو الأعمّ من الشكّ والنسيان ، فمعنى التعليق على حفظ المأمومين أنّه يرجع فيما نسيه إلى حفظهم.
وهذا بالنسبة إلى الناسي غير معقول ، لأنّ الناسي لا يلتفت إلى نسيانه بخلاف الشاكّ فإنّه يلتفت إلى كونه شاكّا فيبني على حفظ المأمومين ، أي على ما اعتقدوا من عدد الركعات.
وخلاصة الكلام : أنّه لا ينبغي الشكّ في أنّ المراد من السهو في هذه القاعدة هو الشكّ ، فتكون هذه القاعدة حاكمة على أدلّة البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة ، أي يخرج شكّ الإمام مع حفظ المأموم ، أو شكّ المأموم مع حفظ الإمام عن موضوع البناء على الأكثر تعبّدا ، فيجب البناء من كلّ واحد من الإمام والمأموم على حفظ الآخر ، سواء كان المحفوظ طرف الأقلّ من شكّه أو طرف الأكثر.
الثالث : أنّ المراد بالحفظ هل هو خصوص اليقين أو يشمل الظنّ أيضا؟
فلو شكّ الإمام أو المأموم في عدد الركعات ، وظنّ الآخر قدرا معيّنا كالثلاث أو الأربع مثلا فيجب رجوع الشاكّ منهما إلى الآخر الظانّ ، لا يبعد أن يكون المراد منه ما هو الأعمّ من اليقين والظنّ ، وذلك من جهة حجّية الظنّ في عدد الركعات إذا كان متعلّقا بإحدى الأخيرتين ، فإذا كان فالظنّ يقوم مقام العلم في إثبات متعلّقه ، فيخرج في عالم الإثبات عن الترديد ويثبت عنده ما تعلّق به الظنّ من العدد ، وهذا هو الحفظ ، لأنّ المراد من الحفظ بالنسبة إلى عدد الركعات هو أن يكون العدد محفوظا عنده ، لا يحتمل أن يكون أقلّ منه ولا أكثر منه.
وهذا المعنى في العلم وجداني وتكويني ، وفي الظنّ تعبّدي وجعلي ، فهو ـ أي الظنّ ـ أيضا مصداق للحفظ تعبّدا ، فبناء على هذا فلو شكّ الإمام أو المأموم في أنّه كم صلّى يجب أن يرجع إلى ظنّ الآخر.
الرابع : في أنّه هل هذه القاعدة تجري في الشكّ في الأفعال ، أو مخصوصة بالشكّ في عدد الركعات؟
قال في الجواهر : ويظهر من صاحب المدارك بل هو المنقول عن جدّه أيضا ، بل ربما تبعه عليه بعض من تأخّر عنه أنه لا فرق في الحكم بين الأفعال والركعات.
بل نسبه في المدارك إلى الأصحاب ، وهو لا يخلو من تأمّل ، للشكّ في شمول الأدلة لها انتهى (4).
ومراده قدس سرّه من الأدلة الإجماع والأخبار الواردة في هذا الباب.
أمّا الإجماع على تقدير صحّة الاستدلال به والإغماض عمّا استشكلنا عليه فغير معلوم التحقّق في الشكّ في الأفعال ، والقدر المتيقّن على تقدير وجوده هو في الشكّ في الركعات.
وأمّا الأخبار فعمدة الدليل منها على هذه القاعدة هو مرسلة يونس ، وصحيحة عليّ بن جعفر ، ومورد كليهما خصوص مورد الشكّ في عدد الركعات ، لا الشكّ في الأفعال.
إن قلت : إنّ الجواب في المرسلة الذي هو مدرك استفادة هذا الحكم عامّ يشمل الركعات والأفعال ، لأنّ قوله عليه السلام : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه » وكذلك في طرف المأموم قوله عليه السلام : « وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام » لم يذكر متعلّق السهو أنّه خصوص الركعات أو الأعمّ منها ومن الأفعال ، فلفظ السهو مطلق ، سواء أكان متعلّقه الركعات أو الأفعال.
فمعنى رفع السهو ـ أي الشكّ ـ بناء على ما تقدّم من معناه ، هو رفع الحكم المترتّب شرعا على الشكّ ، والحكم المترتّب شرعا على الشكّ إن كان متعلّق الشك هو الركعات هو البناء على الأكثر ، إن كان الشكّ من الشكوك الصحيحة والخمسة المعروفة.
فحفظ كلّ واحد منهما موجب لرفع وجوب البناء على الأكثر عن شك الآخر إذا كان شكّه متعلّقا بعدد الركعات.
والحكم المترتّب شرعا على الشك في وجود جزء أو شرط إذا كان الشكّ في المحلّ إتيان ذلك الجزء أو ذلك الشرط ، فحفظ كلّ واحد منهما يرفع هذا الأثر عن شكّ الآخر ، فلا يجب الإتيان به ، ولو كان الشكّ في المحلّ فلا قصور في دلالة المرسلة على العموم وشمولها للشكّ في الأفعال أيضا.
نعم لا يستفاد العموم من صحيحة علي بن جعفر (5) ، لأنّ السائل سأل عن مورد خاصّ وأنّه هل هناك في مفروضه أثر لشكّه؟ فأجابه عليه السلام بقوله : « لا » فلا عموم في البين.
قلنا : إنّ ما ذكرت صحيح ، ولكن وحدة السياق قرينة على الأخذ بخصوصيّة المورد ، وموجبة لعدم ظهوره في الإطلاق ، لأنّ قوله عليه السلام بعد هذه الجملة : « لا سهو في سهو ، وليس في المغرب سهو ، ولا في الركعتين الأوليين من كلّ صلاة سهو ، ولا سهو في نافلة » كلّها راجع إلى نفي حكم الشكّ في عدد الركعات ، أي صلاة الاحتياط ولا ربط لها بحكم الشكّ في الأفعال أي الإتيان بالجزء أو بالشرط الذين شكّ في إتيانهما ، فليس دليل على رجوع الشاكّ منهما إلى الحافظ منهما في الأفعال.
وهذا ، أي عدم الدليل على رجوع الشاكّ منهما إلى الحافظ منهما في الأفعال هي العمدة في اختصاص الرجوع بالشكّ في الركعات ، لأنّه لا يصحّ الرجوع إلى شخص آخر ورفع حكم الشكّ عن نفسه مع شمول عموم ما دلّ على لزوم إتيان ما شكّ في وجوده إذا كان شكّه لم يتجاوز المحلّ ، إلا بدليل يكون حاكما على تلك القاعدة أو مخصّصا ، فلو لم يكن دليل في البين لا بدّ من الأخذ بذلك العموم.
وأمّا ما ربما يقال من الفرق بين الركعات والأفعال بأنّ رجوع الشاكّ إلى الحافظ في الأوّل موافق مع الاعتبار ، دون الثاني ، وذلك من جهة اتّحاد الركعة بين الإمام والمأموم لأنّ الركعة التي هي للإمام هي بعينها ركعة المأموم ، وكذلك العكس ، فحفظ أحدهما لركعته حفظ للآخر ، لأنّ هذه الركعة كما تكون له كذلك تكون للآخر.
وبعبارة أخرى : هذه الركعة التي بيد الإمام وبيد المأموم المقتدي بذلك الإمام يحسب ركعة لكل منهما ، فهذه الركعة يصحّ أن ينسب إلى كلّ واحد منهما ، فحفظ كلّ واحد منهما لها يكون حفظا للآخر ، وهذا بخلاف الأفعال ، فإنّه بناء على عدم لزوم المتابعة في الأقوال والأفعال مع بقاء الاقتداء والجماعة فيمكن أن تكون السجدة الأولى لأحدهما والثانية للآخر.
وفيه : أنّ المراد بوحدة الركعة التي يقتدي فيها المأموم مع الركعة التي يوجدها الإمام إن كان أنّ ما يصدر من الإمام واحد مع ما يصدر من المأموم بصرف أنّه يتبعه في القيام والركوع فهذا واضح البطلان.
وإن كان المراد وحدتهما من حيث مرتبة العدد مثلا ثالثة الإمام وثالثة المأموم ، فهذا قد يكون وقد لا يكون ، لأنّه قد يكون ثالثة الإمام أو رابعته والثانية أو الأولى من المأموم ، كما أنّه لو اقتدى به والإمام في الثالثة ، فيكون الأولى للمأموم والثالثة للإمام ، وما بعدها الرابعة للإمام والثانية للمأموم ، فلا يمكن التفرقة بين الركعات والأفعال من هذه الجهة والقول بالرجوع في الأوّل دون الثاني.
كما أنّه لا وجه للاستدلال للعموم وشمول الأفعال كالركعات بوحدة الملاك والمناط فيهما بأن يقال : مناط الرجوع في الركعات هو محفوظيّة الركعات عند الآخر فكأنّه حفظ الآخر علّة لرجوع الشاك منهما إليه ، والعبرة بعموم العلة لا بسعة الموضوع وضيقه.
لأنّ هذا الكلام صحيح فيما إذا كان الكبرى المجعول والملقى إلى المكلّف هي العلّة ، وإنّما يلقى إليه الأعمّ أو الأخصّ من العلّة لنكتة ، إمّا لأهميّة ذلك الفرد أو الصنف الملقى ، أو لخفاء مصداقيّته للعلّة ، أو لنكتة أخرى ، فقوله : « لا تشرب الخمر لأنّه مسكر » ففي الحقيقة الكبرى الملقى إلى الطرف لا تشرب المسكر ، وهذا في مقام الإثبات لا بدّ وأن يكون إمّا منصوص العلّة بقوله « لأنّه » أو قوله « فإنّه » ، أو كان تنقيح المناط قطعيا الذي يقال له المستنبط العلّة ، وفيما نحن فيه ليس إلاّ صرف استحسان.
وبعبارة أخرى : يكون من باب تخريج المناط الظنّي ، فيكون حاله حال القياس ، بل هو هو.
فلا طريق إلى إثبات العموم والشمول للأفعال مثل الركعات إلاّ إطلاق الأدلّة ـ أي الروايات ـ أو إطلاق معقد الإجماع ، وقد عرفت أنّ كليهما مفقودان.
الخامس : في أنّه هل تجري هذه القاعدة في الركعتين الأوليين ، أم مختصّة بالأخيرتين؟
الظاهر جريانها فيهما أيضا كالأخيرتين ، ولا وجه للمنع إلاّ ما ربما يتخيل من لزوم سلامتهما وأنهما لو سلمتا سلمت الصلاة وأنّ الشكّ فيهما يوجب البطلان.
ولكن أنت خبير بأنّه بعد حكم الشارع برجوع الشاكّ منهما إلى الحافظ منهما فيكون حفظه حفظا للشاكّ ، وبعبارة أخرى : يكون حاكما على الأدلّة التي تعتبر سلامتهما وأنّ الشكّ فيهما يوجب البطلان.
وأمّا الدليل على جريانها في الأوليين فهي الإطلاقات ، فإنّ قوله عليه السلام : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام » فيه إطلاق بالنسبة إلى الشكّ في الأوليين والأخيرتين.
ولا فرق بينهما في كون الشكّ من الإمام أو المأموم مرفوع حكمه عن كلّ واحد منهما مع حفظ الآخر ، غاية الأمر أنّ الحكم المرفوع في الركعتين الأخيرتين هو البناء على الأكثر ، وفي الأوليين هو بطلان الصلاة وفي كلتا الصورتين يبني الشاكّ منهما على ما حفظه الآخر.
السادس : هل يعتبر في رجوع الشاكّ منهما إلى الحافظ منهما حصول الظنّ للشاكّ بما أخبر به الآخر الحافظ ، أو يجب الرجوع إليه سواء حصل له الظنّ أم لا ، بل بقي بعد الرجوع أيضا على شكّه؟
الظاهر ، بل المسلم عدم اعتبار حصول الظنّ من قوله ، لأنّ موضوع وجوب الرجوع هو كونه شاكّا وكان هو الآخر حافظا ، ولم يعتبر الشارع شيئا آخر في موضوع حكمه.
هذا ، مضافا إلى أنّه لو حصل له الظنّ وارتفع شكّه فنفس الظنّ بعدد الركعات حجّة ، وليس من باب رجوع الشاكّ إلى من هو حافظ للعدد.
وحاصل الكلام : أنّ أخبار الباب مطلقات من هذه الجهة مفادها وجوب رجوع الشاكّ منهما إلى الآخر الذي هو حافظ للعدد ، سواء حصل له من رجوعه إليه الظنّ أم لا.
السابع : هل إذا كان أحدهما ظانّا والآخر متيقنا يجب رجوع الظانّ إلى المتيقن كرجوع الشاك إليه ، أم لا؟
الظاهر عدم جواز الرجوع ، لأنّ الظانّ هو بنفسه حافظ بواسطة حجية الظنّ في عدد الركعات ، فرجوعه إلى غيره وإن كان ذلك الغير متيقنا يكون من قبيل تحصيل الحاصل.
وبعبارة أخرى : هذه القاعدة حاكمة على قاعدة البناء على الأكثر ، فجريانها يكون في مورد لو لم تكن هذه القاعدة تكون وظيفته البناء على الأكثر.
وهاهنا ليس الأمر كذلك ، لأنّ ظنّه حجّة ، ولو لم تكن هذه القاعدة لم تكن وظيفته البناء على الأكثر ، بل كان يجب أن يعمل بظنّه.
وأمّا احتمال أن يكون الحفظ منصرفا إلى الحفظ القطعي لا الظني مضافا إلى أنّ هذا الادعاء باطل ـ لما تقدم في الأمر الثالث ـ لا ربط لها بالمقام ، لأنّ هذا الكلام على فرض صحته تكون نتيجته عدم جواز الرجوع إلى الظانّ ، لا وجوب رجوع الظانّ إلى المتيقن الذي هو المدعى في المقام.
الثامن : لو كان كلّ واحد من الإمام والمأموم شاكا وقامت البينة على التعيين عند أحدهما فهل يجب عليه البناء على ما قامت عليه البينة أم لا؟ ثمَّ على تقدير وجوب بنائه على طبق البينة ، فهل يجب على الآخر الشاكّ الرجوع إلى من قامت عنده البينة أم لا؟
أقول : أمّا الأوّل ـ أي وجوب البناء على طبق البينة بالنسبة إلى من قامت البينة عنده ـ فممّا لا إشكال فيه أصلا ، وذلك لأنّ دليل اعتبار البينة يخرجه عن كونه شاكّا تعبدا ، ويجعله عالما وحافظا.
وهذا معنى حكومة البينة على الأدلّة المتكفلة لبيان أحكام الشاكّ ، فالشاكّ بعد قيام البينة عنده على تعيين عدد ليس بشاكّ في عالم التشريع ، بل يكون عالما وحافظا للعدد ، فيجب البناء على ما علم بتوسط قيام البينة.
وممّا ذكرنا ظهر أنّه يجب على الآخر الشاكّ الرجوع إليه ، لأنّه بواسطة قيام البينة عنده صار حافظا ، والمفروض أنّ مفاد الأدلة هو رجوع الشاكّ منهما إلى الحافظ منهما.
التاسع : أنّه بعد الفراغ عن حجية الظنّ في عدد الركعات إذا قامت بينة عند الظانّ منهما على خلاف ظنّه ، هل له أن يعمل على طبق البينة ويترك العمل على طبق ظنّه ، أو لا يجوز ، بل يجب عليه العمل على طبق ظنّه ، أو لا هذا ولا ذاك؟ لأنّه من باب تعارض الأمارتين ، كما أنّه إذا قامت عنده بينتان مختلفتان ، إحديهما تقول إنّ ما بيدك هي الثالثة ، والأخرى تقول بأنّها رابعة فيتساقطان ، وحينئذ إمّا يرجع إلى أمارة أخرى إن كانت ، وإلاّ يعمل عمل الشاكّ فيبني على الأكثر؟ وجوه واحتمالات.
ولكن الظاهر منها هو التساقط ، لأنّه حصل عنده أمارتان متعارضتان كان يجب عليه العمل على طبق كلّ واحد منهما لو لا التعارض ، فيتساقطان بعد عدم إمكان الجمع بينهما وعدم جواز الترجيح بلا مرجح ، فالنتيجة أنّه يبقى على شكّه فيعمل عمل الشاك.
هذا فيما إذا كان الذي هو ظانّ تقوم أمارة عنده على خلاف ظنّه.
وأمّا لو كان أحدهما ظانّا والآخر قامت عنده بينة على خلاف ما ظنّه صاحبه ، فليس لكلّ واحد منهما أن يرجع إلى الآخر ، بل كلّ واحد يعمل على طبق الأمارة التي عنده ، لأنّه بناء على هذا كلاهما حافظان ، فلا معنى لوجوب الرجوع إلى الحافظ ، فيكون حالهما كما إذا قطع كلّ واحد منهما على خلاف الآخر فيعمل كلّ واحد منهما بقطعه.
العاشر : لا شك في وجوب رجوع الإمام إلى المأمومين إن كانوا متفقين في الحفظ ، بمعنى أنّ كلهم متفقون على أن ما بيدهم هي الركعة الثالثة أو الرابعة مثلا ، سواء كان منشأ اتفاقهم هو القطع ، أو الظنّ ، أو البينة.
وأمّا إذا كانوا مختلفين ، فإن كان بعضهم شاكّا وبعضهم الآخر قاطعا فلا شبهة في وجوب رجوعه إلى القاطعين ، لأنّهم الحافظون ، وأمّا الشاكون فحالهم مثل حاله ، لا حفظ لهم.
وما في ذيل مرسلة يونس من قوله عليه السلام « فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم » ليس المراد من الاختلاف هذا المعنى ، بل المراد اختلافهم في الحفظ ، بمعنى أنّ طائفة منهم قاطعون أو ظانون ـ بناء على أنّ الظنّ أيضا حفظ ـ على أنّ الركعة التي بيدهم مثلا هي الثالثة ، وطائفة أخرى قاطعون أو ظانون بأنّ ما في يدهم مثلا هي الرابعة ، وإن كانوا كلهم حافظين ولكنهم مختلفون في الحفظ ، فهل له الرجوع إلى إحدى الطائفتين مخيرا ، أو ليس له الرجوع إليهم أصلا؟
أمّا الرجوع إلى إحديهما معينا ، أي خصوص الطائفة التي يعتقد بالأقلّ ، أو خصوص الطائفة التي يعتقد بالأكثر فواضح البطلان لأنّه ترجيح بلا مرجح.
الظاهر هو الثاني ، أمّا أوّلا : فلأنهم إذا كانوا مختلفين في الحفظ فكلّ طائفة كما أنّه يثبت ما اعتقده تنفي ما اعتقده الأخرى ، فبدلالة المطابقة إخباره بكون ما بيدهم مثلا هي الثالثة يثبت كونه ثالثة ، وبدلالة الالتزام ينفي قول الطائفة الأخرى ، فكلّ واحدة من الطائفتين لو كان حفظه وإخباره حجّة ، فتحصل عند الإمام حجّة على نفي الثالثة من قول طائفة ، وحجّة أخرى على نفي الرابعة من طائفة أخرى ، والواقع لا يخلو من أحدهما فيتكاذبان في النفي والإثبات فيتساقطان.
وأمّا ثانيا : فلما في مرسلة يونس من تقييد الرجوع إليهم بكونهم متفقين في الحفظ ، ومع اختلافهم فعلى الإمام وعلى المأمومين في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم حيث يقول عليه السلام فيها : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه باتفاق منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام ـ إلى أن يقول عليه السلام ـ فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم » .
فإنّ هذه الرواية صريحة بأنّ رجوع الإمام إلى المأمومين الحافظين على الإمام مقيد بصورة اتفاقهم في الحفظ ، أي فيما قطعوا أو فيما ظنوا ـ بناء على أن الظن أيضا هو حفظ ، وهو كذلك كما تقدم ـ وأما إذا اختلفوا فليس رجوع في البين ، بل على الإمام والمأمومين جميعا غير القاطعين الإعادة من باب الاحتياط وأخذا بالجزم أي الامتثال اليقيني.
ثمَّ إنه بعد ما ظهر مما تقدم أن المأمومين لو كان بعضهم متيقنين والآخرون شاكون فالإمام يرجع إلى المتيقنين منهم ، فهل بعد رجوع الإمام إليهم وأن صار حافظا بحفظهم فالشاكون عليهم الرجوع إلى الامام ، لأنه صار حافظا بواسطة رجوعه إلى الحافظين منهم ـ أي المتيقنين منهم ـ أو يجب على الشاكين الرجوع إلى نفس المتيقنين ، أو لا هذا ولا ذاك؟ احتمالات :
أما الوجه الأول : أي الرجوع إلى الإمام ، فلأن مفاد الروايات كما تقدم رجوع المأموم الشاك إلى الإمام الحافظ للعدد فقد يقال : إن الإمام في المفروض وإن كان شاكا من قبل نفسه فهو مثل المأموم الشاك ، فكيف يرجع المأموم الشاك إليه ، ولكن بعد رجوعه إلى تلك الطائفة المتيقنين من المأمومين يصير حافظا بواسطة الرجوع إليهم ، فيوجد موضوع رجوع المأموم الشاك إلى الإمام الحافظ.
ولكن أنت خبير بأن ظاهر المرسلة هو نفي الشك عن المأموم إذا لم يسه الإمام ، لقوله عليه السلام : « وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الامام » وهاهنا المفروض أن الإمام أيضا سهى مثل المأموم. اللهم إلا أن يقال : إن الشارع بعد أن حكم برجوعه إلى المتيقنين من المأمومين فكأنه ألغى سهوه ، وجعله في عالم التشريع غير شاك وحافظا ، فتحقق موضوع الرجوع إليه.
وأما الوجه الثاني : أي رجوع المأمومين الشاكين إلى الطائفة الأخرى الذين هم متيقنون هو أن مناط الرجوع كون ذلك الشخص منهم الذي يرجع إليه حافظا مع اشتراكه مع الشاك في الركعة التي بيدهما ، ولا خصوصية لكون من يرجع إليه المأموم هو الإمام ، فإذا كان مناط الرجوع هو الذي ذكرنا فهو موجود في المأمومين المتيقنين ، فيجب رجوع الشاكين منهم إليهم.
وفيه : أنه بعد ما كان المصلي شاكا في عدد ركعات صلاته وقد جعل الشارع له حكما وهو البناء على الأكثر وتدارك ما يحتمل نقصه بصلاة الاحتياط ، فرفع اليد عن هذا الحكم وصرف النظر عنه لا بد وأن يكون بدليل حاكم عليه ، أو مخصص له.
والدليل الحاكم هاهنا عبارة عن هذه الروايات التي عرفت أن مفادها رفع السهو والشك عن الإمام مع حفظ المأموم ، وعن المأموم مع حفظ الإمام ، وليس هاهنا دليل يكون مفاده رفع الشك عن المأموم مع حفظ المأموم الآخر.
وبعبارة أخرى : رجوع المأموم إلى المأموم لا دليل عليه وإن كان أحدهما شاكا والآخر متيقنا.
وأما وجه احتمال الثالث : هو عدم الدليل على رجوع المأموم الشاك إلى المأموم الآخر ، وأيضا عدم الدليل على رجوعه إلى الإمام الذي هو في حد نفسه شاك ، ويجب عليه الرجوع إلى الغير ، فلا يجوز له الرجوع لا إلى الإمام ولا إلى المأمومين المتيقنين.
والأوفق بالقواعد هو الاحتمال الثالث ، لأن الدليل على رجوع كل واحد من الامام والمأموم إلى الآخر هذه الروايات ، لأن الإجماع أيضا كما بينا بالأخرة ينتهي إلى هذه الروايات ، وهي لا تدل إلا على رجوع المأموم الشاك إلى الإمام ، لا إلى المأموم الآخر المتيقن ، ولا إلى الإمام الشاك ولو بعد رجوعه إلى المتيقنين من المأمومين كما شرحنا.
ولكن مع ذلك كله ، الاحتمال الأول لا يخلو عن قوة ، لأنه بعد رجوع الإمام الشاك إلى المأموم المتيقن الحافظ لعدد الركعات ، وحكم الشارع بأنه صار بمنزلة المتيقن وألغى شكه فموضوع الرجوع إليه يوجد بحكم الشارع.
وأما الاحتمال الثاني ـ أي رجوع المأموم الشاك إلى المأموم المتيقن ـ فخارج عن مدلول هذه الروايات قطعا ، لأن مدلولها رجوع الإمام إلى المأموم ورجوع المأموم إلى الإمام ، لكن في صورة كون الذي يرجع إليه إماما كان ، أو مأموما ، حافظا لعدد الركعات ، وأما رجوع المأموم إلى المأموم فلا أثر له في هذه الأخبار.
وليس هاهنا دليل آخر يدل على رجوع المأموم إلى المأموم ، وما ذكرنا في وجه هذا الاحتمال ليس إلا استحسانا شبيها بالقياس.
ومما ذكرنا ظهر الحال فيما إذا قامت بينة على تعيين الركعات عند بعض المأمومين دون بعضهم الآخر ، وأيضا قامت بينة عند الإمام ، فهل المأموم الشاك الذي لم تقم عنده بينة يرجع إلى الإمام لأنه صار حافظا بواسطة قيام البينة ، أو يرجع إلى المأموم الذي قامت عنده لأنه أيضا صار حافظا بواسطة قيام البينة ، أو لا إلى هذا ولا إلى ذاك؟
وقد عرفت أن رجوع المأموم إلى المأموم لا دليل عليه إلا ما هو من قبيل الاستحسان الذي هو شبيه بالقياس.
وأما احتمال الرجوع إلى الإمام في هذا الفرض أقوى من الفرض السابق ، لأن الإمام بواسطة قيام البينة عنده يصير حافظا واقعا ، لأن البينة من الأمارات وتقوم مقام العلم ، ويجوز أن يشهد على طبق مؤداها وأن يحلف على طبق مؤداها ، مع أن الشهادة لا تجوز إلا عن علم ، والحلف أيضا هكذا لا بد وأن يكون عن بت.
فالإمام في هذا الفرض يصير حافظا بواسطة قيام البينة بلا كلام ، وموضوع الرجوع إلى الإمام هو أن يكون المأموم شاكا والإمام حافظا ، والمفروض حصول كلا الأمرين ، لأن المأموم شاك على الفرض والإمام في حكم العالم بواسطة قيام البينة.
نعم لو قلنا بأن يقين المأموم بالعدد أمارة للإمام على العدد فتصير الصورة المتقدمة أيضا مثل هذه الصورة.
الحادي عشر : فيما إذا كان واحد منهما ـ أي الإمام والمأموم ـ شاكا من دون أن يكون الآخر حافظا ، فإن كان الإمام وجميع المأمومين متفقين في الشك مثلا يكون شك كلهم بين الثلاث والأربع ، فجميعهم يعملون عمل الشك ، أي يبنون على الأكثر أي الأربع ويتممون الصلاة جماعة بمعنى أن الجماعة والاقتداء يبقى ولا يبطل لعدم اختلاف بينهما.
نعم بعد أن أتموا الصلاة وسلموا ووصلت النوبة إلى صلاة الاحتياط هل يأتون بها أيضا جماعة أو فرادى؟ فهي مسألة أخرى لا نتكلم عنها الآن ، وعلى كل تقدير لا رجوع في هذه الصورة لأحدهما إلى الآخر كما هو واضح.
وأما إن كانوا مختلفين ، مثلا كان شك الإمام بين الاثنتين والثلاث وكان شك المأمومين بين الثلاث والأربع.
والاختلاف على قسمين : تارة : تكون بينهما رابطة ، وأخرى : لا تكون.
فالأول : أي ما كان بينهما رابطة أي قدر مشترك في البين أي الأكثر في أحد الشكين يكون من مراتب الأقل في الشك الآخر ، مثل أن يشك الإمام مثلا بين الثلاث والأربع ، والمأموم بين الأربع والخمس ، فالمأموم قاطع بوجود الأربع ولكن يحتمل الزيادة.
والإمام شاك في وجود الأربع فيرجع في ذلك إلى المأموم ، والإمام قاطع بعدم الخمسة والمأموم شاك فيه ، فيرجع إلى الإمام فيبني على عدمه. والنتيجة أن كلاهما بعد رجوع كل واحد منهما فيما شك إلى ما تيقن به الآخر ، يبنون على الأربع ويتمون الصلاة جماعة ولا شيء عليهما ، لا حكم شك الإمام وهو صلاة الاحتياط ، ولا حكم شك المأموم وهو سجدتا السهو إذا كان شكه بعد إكمال السجدتين.
وأما الثاني : أي ما لم يكن بينهما رابطة أي قدر مشترك ، مثل أن يشك الإمام مثلا بين الاثنتين والثلاث ، والمأموم بين الأربع والخمس ، فكل واحد منهما قاطع ببطلان شك الآخر وعدم مطابقته للواقع في طرفي شكه ، ففي هذه الصورة حيث أن الشكين لا رابطة بينهما ، أي ليس قدر مشترك بينهما ، بل كل واحد منهما أجنبي عن الآخر ، فكل واحد منهما يرتب حكم الشك على شكه ، فالإمام في المثل المفروض يبني على الثلاث إذا كان شكه بعد إكمال السجدتين ، وإلا فصلاته باطلة ، والمأموم يبني على الأربع ويسجد سجدتي السهو إذا كان شكه بعد إكمال السجدتين ، وقهرا ينفردان فالإمام يرتب حكم شكه في صلاة منفردا ، والمأموم أيضا كذلك.
ثمَّ إن الانفراد وترتيب كل واحد منهما حكم الشك على شكه في هذا القسم من المختلفين ـ أي ما لا رابطة بينهما ، بمعنى عدم قدر مشترك في البين ـ مسلم لا كلام فيه ، إنما الكلام في القسم الأول ـ أي ما كان بينهما رابطة وقدر مشترك في البين ـ وأنه هل يرجع كل واحد منهما إلى ما تيقن به الآخر كما ذكرنا في المثال المتقدم ، أم لا بل لا رجوع في البين ، أو يفصل بين ما يرتفع الشك بواسطة وجود الرابط والقدر المشترك بين الشكين ـ كالمثال المذكور في القسم الأول من المختلفين وهو أن يكون الإمام مثلا شاكا بين الثلاث والأربع والمأموم بين الأربع والخمس ، فالأربع قدر مشترك بين الشكين أي هو الطرف الأكثر من شك ، والأقل من شك آخر ، ففي هذا المثال بعد رجوع كل واحد منهما إلى ما تيقن به الآخر لا يبقى شك في البين ، ففي مثل هذه الصورة يقال بالرجوع ـ وبين ما لا يرتفع الشك بواسطة وجود الرابط أي القدر المشترك في البين ، كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع ، والآخر بين الثلاث والأربع ، فالثلاث هو المتيقن في الشكّ الثاني ، فإذا رجع إليه وبنى على الثلاث لا يذهب شكّه من البين بالمرّة.
نعم معنى رجوعه إلى المتيقن الذي هو الثلاث في المفروض إلغاء احتمال الاثنتين ، وأمّا احتمال الأربع لم يلغ وموجود ، فبعد الرجوع إلى قدر المتيقن من الشكّ الثاني يصير الشكّ الأوّل مثل الشكّ الثاني بين الثلاث والأربع ، فيصير الشكّان من المتوافقين ، ففي مثل هذه الصورة يقال بعدم الرجوع.
أمّا وجه هذا التفصيل فمن جهة أنّ المقصود من رجوع الشاكّ إلى الحافظ هو ارتفاع حكم الشاكّ وإلغائه ، وهذا إنما يكون فيما يرتفع الشكّ بالرجوع تعبدا حتّى يرتفع حكمه بارتفاع موضوعه.
وأمّا فيما لا يرتفع الشكّ ويبقى قهرا حكمه أيضا فلا أثر للرجوع ، ويكون لغوا مثلا في المثال الذي ذكرنا ، وهو أن يكون أحدهما شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، والآخر بين الثلاث والأربع ، فإذا رجع الأوّل إلى الثاني وألغى احتمال الاثنتين فعليه أن يبني على الأربع مثل الثاني ، ويعمل عمل الشاكّ بين الثلاث والأربع ، أي يأتي بصلاة الاحتياط ، فلم يترتّب أثر على الرجوع وصار لغوا ، ولهذا فصل بين صورة بقاء الشكّ بعد الرجوع ، فقيل بعدم الرجوع ، وصورة ارتفاع الشكّ فقيل بالرجوع.
ولكن أنت خبير بأنّه لو كان هذا علّة التفصيل فلا وجه له ، لأنّ أثر الرجوع يظهر في صلاة الاحتياط ، فبناء على الرجوع تكون صلاة الاحتياط عبارة عن ركعة واحدة عن قيام ، وبناء على عدم الرجوع تكون عبارة عن صلاتين ، إحديهما ركعة عن قيام والأخرى ركعتان عن قيام ، فلا يكون الرجوع لغوا وبلا فائدة.
نعم ، يبقى الكلام في أصل الرجوع ، وإن كان فيما يرتفع الشكّ بالرجوع فنقول :
مبنى هذه المسألة على أنّ المدار في رجوع الشاكّ منهما ـ أي الإمام والمأموم إلى الآخر ، كان حسب أخبار الباب ـ هو حفظ الآخر سهو الشاكّ عليه ، والظاهر أنّ المراد من حفظ سهوه عليه هو اليقين فيما شكّ فيه.
فإذا شكّ شخص بين عددين مثل الثلاث والأربع ، أي يحتمل أن يكون المعدود ثلاثا ، ويحتمل أن يكون أربعا ، فإذا كان الشاكّ تروى ولم يجزم بأحد المحتملين ، أي بقي على احتماليه ، فإذا كان هناك من يعلم بأنّ ما أتى به هو المحتمل الفلاني مثلا هو الثلاث أو هو الأربع جزما ولا ترديد عنده ، فهذا معنى حفظ سهوه عليه ، بحيث لو كان إخباره حجّة للشاكّ يخرج عن ترديده ويجزم جزما تعبديا بأحد المحتملين.
وبعبارة أخرى ، الشكّ عبارة عن عدم الجزم بثبوت النسبة التي بين المحمول والموضوع في القضيّة ، سواء أكانت القضيّة سالبة أو موجبة ، فمعنى الشكّ في عدد الركعة التي بيد المصلي مثلا في أنّها رابعة أي غير جازم بأنّها رابعة ويحتمل أن يكون خامسة ، فيكون الشكّ بين الأربع والخمس ، أو يحتمل أن تكون ثالثة فيكون الشكّ بين الثلاث والأربع ، وإذا احتمل أن تكون خامسة أو ثالثة فيكون الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس ، وهكذا صعودا ونزولا.
ومعنى حفظ هذا الشكّ على صاحبه هو الجزم بأحد طرفيه ، أو أحد أطرافه ، ففي المثل الذي ذكرنا أنّ الإمام مثلا إذا شكّ بين الثلاث والأربع فمعنى حفظ شكّه عليه أنّ الحافظ يجزم بأحد محتمليه ، أي يجزم بأنّه مثلا ثلاث أو يجزم بأنّه أربع بحيث أنّه لو كان اعتقاده في هذه القضيّة اعتقاد الحافظ كان يجزم بأحد المحتملين ويذهب شكّه.
والحاصل : أنّ معنى حفظ سهوه عليه هو الجزم بتلك النسبة التي كان هو مرددا فيها ، وأين هذا من أن يشكّ في المثل المذكور ، أي فيما إذا شكّ الإمام بين الثلاث والأربع والمأموم بين الأربع والخمس فيقال بأنّه يعلم بأنها ـ أي الركعة المشكوكة ـ ليست ثالثة ، والإمام يعلم بأنّها ليست خامسة ، فكلّ واحد منهما يرجع في أحد محتمليه إلى الآخر كي يثبت بواسطة رجوع كلّ واحد منهما إلى الآخر أنّ الركعة المشكوكة هي الرابعة.
والإنصاف أنّه لا يصدق على مثل هذين الشاكين أنّ كلّ واحد منهما حافظ لشكّ الآخر كي يكونا مشمولين للروايات ، ويكون رجوع كلّ واحد منهما إلى الآخر واجبا لإثبات القدر المشترك.
هذا كلّه فيما إذا لم يكن المأمومون مختلفين في شكوكهم.
وأمّا لو اختلفوا فتارة يكون بين شكوكهم وشكّ الإمام رابطة ، وأخرى لا يكون قدر مشترك بين شكوكهم وشكّ الإمام.
فعلى الأول أي بناء على أن يكون بين شكوكهم وشكّ الإمام رابطة أي قدر مشترك كما إذا شكّ الإمام بين الاثنتين والثلاث ، وبعض المأمومين شكّ بين الثلاث والأربع وبعضهم الآخر شكّ بين الثلاث والخمس ، فالثلاث رابطة أي قدر مشترك بين الشكوك الثلاثة.
فبناء على الرجوع والإغماض عمّا استشكلنا على صدق الحفظ على أمثال هذه الموارد فكلّ واحد من المأمومين يرجع إلى الإمام ، أحدهما في نفي الرابعة والآخر في نفي الخامسة ، فقهرا يبقى لهما الثالثة ، وذلك لأنّ الإمام يعلم بعدم الرابعة والخامسة في المفروض ، ومن ذلك الطرف كلّ واحد منهما يعلم بعدم كون الركعة المشكوكة هي الثانية فالإمام يرجع إليهما في نفي الثانية.
والنتيجة أنّ كلهم يبنون على الثلاث ، ويتممون الصلاة مع بقاء القدوة ومن دون الاحتياج إلى صلاة الاحتياط.
وأمّا على الثاني ، أي بناء على عدم الرابطة بين شكوكهم وشكّ الإمام ، وحينئذ إن كان شكهم جميعهم موافقا للإمام فكلهم يعملون عمل الشكّ من البناء والإتيان بصلاة الاحتياط ، أو إتيان سجدتي السهو فيما فيه السجدتان ، ويبقى القدوة أيضا إلى إتمام الصلاة.
وأمّا إتيان صلاة الاحتياط جماعة أيضا فمبني على جواز الاقتداء والجماعة فيها ، ولا يستبعد خصوصا بناء على أنّها ليست صلاة مستقلّة بل جزء للصلاة التي وقع فيها الشكّ.
وإن كان بعضهم موافقا دون بعض فيبقى القدوة مع بعض الموافق ، وأمّا البعض المخالف فينفرد ويعمل عمل الشكّ كالمنفرد ، وإن كانوا كلهم مخالفين في الشكّ مع الإمام والمفروض أنّه لا رابطة أيضا بين شكهم وشكّ الإمام ، فالجماعة تنحلّ من حين الشكّ قهرا ، لعدم التوافق بينهم وكلهم يعملون عمل الشكّ من البناء وصلاة الاحتياط.
أو سجدتا السهو ، كلّ في محلّه المقرّر له.
وخلاصة مجموع ما ذكرنا في هذا الأمر الحادي عشر هو أنّه إذا شكّ كلّ واحد من الإمام والمأموم ، فإذا كان بين شكيهما رابطة ـ أي قدر مشترك ـ فكل واحد منهما يرجع إلى ذلك القدر المشترك ، كما إذا كان ذلك القدر المشترك هو الأقل في أحد الشكين ، والأكثر في الشك الآخر ، وتبقى القدوة ويتمون الصلاة جماعة.
وأما إذا لم يكن قدر مشترك بين الشكين إلا لبعض المأمومين دون جميعهم فالإمام يرجع إلى ذلك البعض ، وبعد رجوعه إلى ذلك البعض وصيرورته حافظا بواسطة الرجوع إلى ذلك البعض يرجع إليه البعض الآخر ويتمون الصلاة ، لكن مع إشكال قوى في رجوع الإمام إلى ذلك البعض ورجوع البعض الآخر إليه.
وأما إن لم يكن بين شكوك المأمومين وشك الإمام قدر مشترك ورابطة فحينئذ إما أن تكون شكوكهم كلهم موافقة للإمام من دون أن يكون قدر مشترك في البين ، فكل واحد منهم من الإمام والمأموم يعمل عمل الشك مع بقاء القدوة حتى في صلاة الاحتياط على الأصح.
وإما أن تكون مخالفة معه كلهم ، ففي هذه الصورة ينفردون كلهم ويعملون عمل الشك.
وإما أن يكون شك بعضهم مخالفا معه دون بعضهم الآخر ، فبالنسبة إلى الموافقين تبقى الجماعة ، وأما المخالفون فينفردون ، ولكن كلهم الإمام والمأمومون ، جميعهم الموافق في شكه مع الإمام والمخالف له يعملون عمل الشاك.
واعلم أنه لا فرق فيما ذكرنا من أحكام شك الإمام والمأموم بين أن يكونا من الشكوك المبطلة أو كانا من الصحيحة أو كانا مختلفين. مثلا كان شك الإمام من الشكوك الصحيحة وشك المأموم من الشكوك المبطلة ، أو كان بالعكس ، والوجه واضح.
تذييل :
هذا الذي ذكرنا من أول القاعدة إلى هنا كان حكم شك الإمام والمأموم.
سهو الإمام وحده دون المأموم ، مثل أن ينسى الإمام القراءة أو الركوع أو السجود مثلا والمأموم أتى بها.
وسهو المأموم وحده من دون الإمام ، كما إذا نسي المأموم أن يأتي بالمذكورات أو ببعضها وقد أتى الإمام بها.
وسهوهما معا ، كما إذا نسيا معا بعض المذكورات مثلا.
أما الصورة الأولى : أي فيما إذا كان السهو مخصوصا بالإمام فعليه أن يعمل بما هو وظيفة الناسي لو كان منفردا ، لأنه لا فرق في شمول حكم الناسي للمصلي بين أن يكون إماما أو منفردا.
وأما قوله عليه السلام : « لا سهو للإمام مع حفظ المأموم » تقدم أن المراد من السهو هو الشك لا النسيان ، فأن مورد الجواب بهذه العبارة هو السؤال عن حكم الشك وأن الإمام مائل مع إحدى الطائفتين من المأمومين المختلفين في أن الركعة التي بيدهم هي الثالثة أو الرابعة ، أو يكون معتدل الوهم.
مضافا إلى أن تقييد النفي بحفظ من خلفه عليه يلائم مع كون المراد من السهو هو الشك لا النسيان.
فالأدلة التي مفادها لزوم إتيان الناسي بعد تذكره الجزء أو الشرط المنسيان لو لم يتجاوز المحل ـ أي لم يدخل في الركن الذي بعد ذلك الجزء أو ذلك الشرط ، وإن كان تجاوز محل التدارك ، فإن كان له القضاء كالتشهد يقضيه ، وإن لم يكن له القضاء وكان له سجدة السهو يسجد سجدتي السهو ـ تشمله.
والحاصل : أنه بعد ما عرفت أن هذه الجملة التي صدرت عن الإمام عليه السلام أي : « لا سهو للإمام مع حفظ من خلفه عليه » لا ربط لها بالنسيان ، بل المراد منها حكم شك الإمام ، فلا فرق بين أن يكون الناسي إماما أو منفردا ، وتشمل العمومات كلاهما على نسق واحد ، وقد عرفت أن حكم الناسي هو الإتيان بالمنسي إذا كان تذكره قبل تجاوز المحل ، وأما بعده فإن كان له قضاء أو سجدتا السهو فيجب عليه أن يأتي بهما ، وإلا فلا شيء عليه ، لصحيحة : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة » (6).
ثمَّ إن المأموم الذي لم يسه هو بنفسه ، هل يجب عليه متابعة الإمام الناسي حين ما يريد أن يتدارك المنسي ، أو يأتي بقضاء المنسي ، أو يأتي بسجدتي السهو أم لا؟
فنقول : أما تدارك المنسي أو قضائه فلا موضوع لهما في حق المأموم الغير الناسي ، ولم يقل به أحد. وأما الإتيان بسجدتي السهو فربما يتوهم لزوم متابعة الإمام في مقام الإتيان بهما ، لقوله عليه السلام : « وعلى المأموم أن يتبع الإمام في الركوع والسجود » (7).
ولكن أنت خبير بأن المراد من هذا الكلام وما هو الظاهر منه هو أنه يجب على المأموم متابعته فيما يجب على نفس المأموم من ركوعه وسجوده ، بمعنى أنه لا يأتي بما يجب عليه مستقلا ومن دون تبعيته للإمام ، وذلك من جهة أن هذا مقتضى طبع الاقتداء والائتمام ، لأن معنى الائتمام والاقتداء به في صلاته هو الإتيان بصلاته حال كونه تابعا في أفعاله التي من هذه الصلاة للإمام لا مستقلا ومن دون تبعية ، وليس معناه أنه يجب عليه أن يأتي بكل ما يأتي به الإمام ، ألا ترى لو أنه اقتدى في صلاته المغرب بصلاة العشاء لا يجب عليه أن يأتي بالرابعة تبعا للإمام ، بل لو أتى بها كانت صلاته باطلة يقينا.
لا يقال : إن أمثال هذا المورد يكون من باب التخصيص بدليل خاص ، وإلا فمقتضى دليل تبعية المأموم للإمام أن يأتي بكل ما يأتي به الإمام.
وذلك لما ذكرنا من أن المتفاهم العرفي من دليل التبعية وعنوان الائتمام والاقتداء هو أن ما يجب عليه من أفعال صلاته ـ أي أجزائها ـ يأتي بها تبعا للإمام ، لا مستقلا ومن دون تبعيته للإمام.
وبعبارة أخرى : لا يفهم العرف من دليل التبعية إلا كونه تابعا فيما يجب على نفسه ، لا فيما يجب على الإمام. ولعمري أن هذا في كمال الوضوح ، بل ينبغي أن يعد القول بمتابعة المأموم للإمام في الموارد الثلاثة ـ أي إعادة المنسي إذا كان تذكر الإمام في المحل ، وقضاء المنسي إذا كان المنسي مما له القضاء ، وسجدتا السهو فيما يجب فيه ذلك مع عدم نسيان للمأموم ـ من المضحكات أو يذكر بعنوان المزاح.
وإلا فكيف يمكن أن يقال : إنه وجب عليه قضاء ما لم يفت منه ، أو إعادة ما لم ينسه وأتي به بعنوان أنه المنسي ، أو بوجوب سجدتا السهو عليه مع أنه لم يسه ما يوجبهما.
نعم لا مانع من وجوب هذه الأمور تعبدا لا بعنوان المنسي والمسهو ، ولكن يحتاج إلى دليل في مقام الإثبات ، وليس شيء في البين.
وأما التمسك لوجوبهما على المأموم بسبب سهو الإمام بموثق عمار عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر ، فسهى الإمام كيف يصنع؟ فقال عليه السلام : « إذا سلم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه ، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي السهو » إلى آخره (8).
وتقريب الاستدلال به واضح ، فإنه بظاهره يدل على وجوب سجدتي السهو على الرجل بسبب سهو الإمام ، ولكن يمكن حمله على ما إذا كان الرجل أيضا سها تبعا لسهو الإمام ، وإن أبيت عن حمله على اشتراك المأموم مع الإمام في السهو وقلت إن ظاهر نسبة السهو إلى الإمام اختصاصه به ، فلا بد من طرحه ، لإعراض المشهور عنه وعدم أخذهم بمضمونه.
هذا كله فيما إذا كان السهو مختصا بالإمام دون المأموم ، وقد عرفت أنه لا يجب على المأموم متابعة الإمام الساهي في إتيانه المنسي بعد تذكره في المحل ، ولا في قضائه للمنسي إذا كان مما فيه القضاء ، ولا في سجوده للسهو إذا كان مما فيه سجود السهو.
أما الصورة الثانية : أي فيما إذا كان السهو مختصا بالمأموم ، فتارة نتكلم في وجوب سجدتي السهو عليه أم لا وأخرى في وجوب تدارك الأجزاء المنسية إذا تذكرها قبل تجاوز محلها ، وثالثة في قضائها إن تذكرها بعد تجاوز محلها إن كانت مما لها القضاء.
أما الأول : أي وجوب سجدتي السهو عليه فيما يوجبهما عليه لو كان منفردا ، ففيه قولان :
الأول عدم الوجوب. وبه قال جمع من أعاظم الفقهاء ، والشيخ ادعى الإجماع عليه (9).
وتدل عليه عدة من الأخبار :
منها : موثقة عمار عن الصادق عليه السلام عن الرجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة ، فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى سلم؟ فقال عليه السلام : « قد جازت صلاته وليس عليه شيء إذا سها خلف الإمام ولا سجدتا السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه » (10).
ومنها : موثقته الأخرى ، عنه عليه السلام أيضا عن الرجل ينسي وهو خلف الإمام أن يسبح في السجود أو في الركوع ، أو نسي أن يقول شيئا بين السجدتين؟ فقال عليه السلام : « ليس عليه شيء » (11).
ومنها : خبر محمد بن سهل عن الرضا عليه السلام : « الإمام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الإحرام » (12).
وفي رواية الكليني بدل تكبيرة الإحرام « تكبيرة الافتتاح » (13).
هذا هو مستند القائلين بعدم الوجوب.
وأما القائلون بالوجوب فأيضا مستندهم أخبار كثيرة :
منها : صحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام في السؤال عن الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال عليه السلام : « لا » (14).
ومنها : صحيحته الأخرى عن أحدهما عليهما السلام وفيها : « ليس على الإمام ضمان » (15).
ومنها : صحيح أبى بصير عن الصادق عليه السلام في السؤال عن ضمان الإمام الصلاة؟ قال عليه السلام : « لا ليس بضامن » (16).
ومنها : ما رواه في التهذيب والفقيه عن الصادق عليه السلام في السؤال عن القراءة خلف الإمام؟ قال عليه السلام : « لا ، إن الإمام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الإمام صلاة من خلفه ، إنما يضمن القراءة » (17).
ومنها : صحيح معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام قال : قلت له عليه السلام : يضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن فقال عليه السلام : « لا يضمن ، أي شيء يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر » (18).
ومنها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم؟ قال عليه السلام : « يتمّ صلاته ثمَّ يسجد سجدتين » (19).
ومنها : خبر منهال القصّاب عن الصادق عليه السلام قال : قلت له عليه السلام : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام. فقال عليه السلام : « إذا سلّم فاسجد سجدتين ولا تهب » (20).
والظاهر أنّ قوله عليه السلام « ولا تهب » أي لا تخف لأنّ إتيانهما مخالف لما هو المشهور عند المخالفين.
هذا بناء على أن يكون من هابه أي خافه واتّقاه ، ويحتمل أن يكون من « هب » ، فيكون معناه : لا تسرع بالحركة والقيام عن مكانك.
ثمَّ إنّه لا ينبغي أن يشكّ في أنّ الأقوى هو وجوب الإتيان بسجدتي السهو على المأموم إذا سهما فيما إذا كان سهوه ممّا كان موجبا لإتيانهما لو كان منفردا ، أمّا أوّلا لقوّة مستند هذا القول من الروايات الصحيحة ، لأنّ خمسة من الروايات التي ذكرنا في مستند هذا القول من الصحاح ، وهي : صحيحتا زرارة ، وصحيح أبي بصير ، وصحيح معاوية بن وهب ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج.
وثانيا : من جهة موافقتها للمشهور. وثالثا : من جهة مخالفتها للعامّة.
وقد عرفت ممّا ظهر من هذه الروايات حال تدارك أجزاء المنسيّة إذا تذكر قبل تجاوز المحل ، وهكذا حال قضائها بعد السلام إذا كان المنسي مما له القضاء ، وذلك من جهة أن عمدة مدرك القائلين بعدم التدارك ـ إذا كان التذكر قبل التجاوز عن المحل ، أو عدم وجوب القضاء فيما له القضاء إذا كان التذكر بعد التجاوز عن المحل ـ هو أن الإمام ضامن لما لم يأت بها المأموم ، فلا يبقى موضوع للتدارك ولا القضاء ، بل ولا لسجدتي السهو.
ولكن كان مفاد هذه الروايات الصحيحة عدم ضمان الإمام ، فانظر إلى صحيحتي زرارة وصحيح أبي بصير فإنها تصرح بعدم ضمان الإمام ، فلا بد وأن تحمل الطائفة الأولى من الروايات ـ التي كان مفادها ضمان الإمام أو أن الإمام يحمل أوهام المأموم ، أو أن المأموم ليس عليه شيء ـ على التقية.
كما هو صريح صحيح معاوية بن وهب : أنه سأل عن الصادق عليه السلام وقال : إن هؤلاء يزعمون أنه يضمن ـ أي الإمام، ومعلوم أن المراد من « إن هؤلاء يزعمون » هم المخالفون ـ فقال عليه السلام : « لا يضمن » الى آخره.
فإذا قدمنا هذه الروايات للجهات التي تقدمت لا يبقى وجه للقول بعدم وجوب هذه الأمور الثلاثة ، أي : التدارك إذا كان تذكره قبل تجاوز المحل ، والقضاء فيما له القضاء إذا كان التذكر بعد التجاوز عن المحل ، وسجدتا السهو في نسيان ما يوجب نسيانه سجدتي السهو.
وأما الإجماع الذي ادعاه الشيخ على عدم وجوب هذه الأمور الثلاثة على المأموم فموهون بذهاب المشهور إلى خلافه.
أما الصورة الثالثة : أي فيما إذا كان السهو مشتركا بينهما ، بمعنى أنهما معا سهوا عن جزء من أجزاء الصلاة.
والكلام فيما في مقامين : أحدهما : في وظيفة كل واحد منهما بالنسبة إلى سهوه.
والثاني : بقاء القدوة وعدمه.
وأما الأول : أي وظيفة كل واحد منهما بالنسبة إلى سهوه ، فيجب على كل واحد منهما أن يعمل بوظيفة الساهي لو كان منفردا ، من التدارك في المحل ، والقضاء فيما إذا كان تذكره بعد تجاوز المحل فيما له القضاء ، وسجود السهو فيما له سجدتا السهو.
ولا وجه لتوهم عدم وجوب الأمور الثلاثة على المأموم في هذه الصورة ، لأنه على فرض كون الإمام ضامنا لما يفوت من المأموم من الأجزاء ـ وكان لا يجب عليه التدارك إذا كان تذكره قبل تجاوز المحل ، ولا القضاء إذا كان بعد تجاوز المحل ، ولا سجدتا السهو إذا كان المنسي مما له سجدتا السهو ـ يكون مورد ضمانه فيما إذا أتى الإمام بذلك المسني ، وأما إذا لم يأت به كما هو المفروض في المقام فالقول بكونه ضامنا مع أنه يجب عليه نفسه هذه الأمور الثلاثة كل في محله ، لا يخلو من غرابة.
وأما الثاني : أي بقاء الجماعة والقدوة ، فإن كان بالنسبة إلى الأجزاء المنسية قبل تجاوز محل تداركها فيرجعان ويأتيان بها جماعة. ولا وجه لتوهم بطلان الجماعة وعدم بقائها ، لعدم وجود شيء يكون مضرا بهذه الجماعة في هذه الصلاة ، مثلا إذا نسيا آية من آيات فاتحة الكتاب فيرجعان ويقرءان تلك الآية وما بعدها لحصول الترتيب.
وأما إن كان بعد تجاوز المحل ففيما له القضاء إذا أرادا قضاءه بعد الصلاة ، أو فيما إذا أرادا سجدتي السهو إذا كان المنسي مما له سجدتا السهو فهل يجوز فيهما ـ أي في القضاء وفي سجدتي السهو ـ أن يأتيا بهما جماعة أم لا؟ كما أن هذا الكلام جار في صلاة الاحتياط أيضا في مورد اشتراك شكهما ، أي : هل يجوز أن يأتيا بها جماعة أم لا؟
فنقول : في جواز الإتيان بهذه الثلاثة جماعة وعدمه ، وفي التفصيل بين صلاة الاحتياط وبين الأجزاء المنسية وسجدتي السهو ، فالجواز في الأول والعدم في الآخرين أو بالعكس ، أو التفصيل بين الأجزاء المنسية ، فيقال فيها بالجواز والعدم بالنسبة إلى سجدتي السهو وصلاة الاحتياط ، أو التفصيل بين صلاة الاحتياط فيقال فيها بالجواز والآخرين فيقال فيها بالعدم وجوه وأقوال.
فلنذكر كل واحد من هذه الثلاثة منفردا ، فنقول :
أما قضاء الأجزاء المنسية من هذه الصلاة التي صلاها جماعة ، واشتراك هو في السهو في هذه الصلاة مع هذا الإمام فالأقوى هو جواز إتيانها جماعة مع هذا الإمام ، لأنه في الحقيقة من تتمة هذه الصلاة وهذه الجماعة ، لا أنه واجب آخر وجماعة أخرى.
غاية الأمر بواسطة السهو تبدل مكان الجزء المنسي ويجب الإتيان به خارج الصلاة ، وبهذه الجهة سمي إتيانه بعد السلام بالقضاء ، فكما أن في فوت الوقت وإتيان الواجب في خارج وقته يسمى بالقضاء ففي فوت محله الذي عين له الشارع وإتيانه في خارج محله ومكانه أيضا سمي بالقضاء.
نعم لو كان قضاء هذا الجزء من صلاة أخرى صلاها منفردا أو جماعة مع إمام آخر ، أو مع هذا الإمام في جماعة أخرى لا يبعد عدم جواز إتيانه جماعة في هذه الجماعة.
وأما سجدتا السهو فالظاهر عدم جواز إتيانهما جماعة مطلقا ، سواء كان في هذه الجماعة مع هذا الإمام أو في جماعة أخرى مع هذا الإمام ، أو مع إمام آخر ، وسواء كان سببهما سهو في هذه الصلاة أو في صلاة أخرى.
وذلك من جهة أن سجدتي السهو ليستا من أجزاء هذه الصلاة كي تعد الجماعة فيهما من تبعات الجماعة في هذه الصلاة.
والقول بأنهما من لواحق هذه الصلاة أشبه بالخطابة ، وليس لأدلة الجماعة إطلاق يدل على تشريعها في كل ما هو من لواحق الصلاة وتبعاتها ، بل الأدلة قامت على استحباب الجماعة في الصلوات الواجبة.
وأما صلاة الاحتياط فالإتيان بها جماعة ابتدأ ـ بمعنى أن عليه ركعتين مثلا لأنه شك بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين ، ففي مقام أداء صلاة الاحتياط يقتدي بإمام يصلي فريضة ـ لا يخلو عن إشكال ، لعدم إطلاق في أدلة الجماعة يتمسك به لجوازه.
وأما ما يقال : من أن قوله عليه السلام في صحيحة زرارة والفضيل : « الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ولكنها سنة » (21) وأمثاله يدل على استحباب في جميع الصلوات كلها إلا ما خرج بالدليل وهي النافلة.
ففيه أولا : أن هذه الصحيحة المراد من الصلوات فيها خصوص الفرائض اليومية ، وإن كانت في حد نفسها من ألفاظ العموم ، لأنه جمع معرف بالألف واللام لقوله عليه السلام في صدر الحديث « الصلوات فريضة ».
ومعلوم أن المراد بها فرائض اليومية ، لأن جميع الصلوات ليست بفريضة قطعا ، فالمراد بها في قوله عليه السلام : « وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها » أيضا هي اليومية.
ومعلوم أن الاستدراك بكلمة « ولكنه سنة » بعد نفي الوجوب عن الاجتماع في اليومية إثبات كونه سنة فيما نفى عنه الوجوب، وقد عرفت أنها اليومية.
وثانيا : أن الإطلاقات ، سواء أكانت في هذه الرواية أو في غيرها ـ كما في صحيحة ابن سنان : « الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة » (22). مسوقة لبيان تشريع الجماعة وفضلها وكثرة ثوابها ، وليس في مقام بيان أنها في أي نوع من الصلاة مشروعة.
وثالثا : لا شك في ورود روايات معتبرة مستفيضة على عدم مشروعية الجماعة في النافلة ، وصلاة الاحتياط ـ على تقدير عدم النقص في الصلاة الأصلية ـ نافلة ، ووجوب الإتيان بها ليس لأنها واجبة على كل حال ، بل لتحصيل اليقين بامتثال ذلك الواجب الأصلي ، ولذلك عبر عنها في الأخبار بالبناء على اليقين.
والحاصل : أنه لا شك في أنه مقتضى الأصل عدم جواز ترتيب آثار الجماعة على صلاة إلا بعد إحراز تشريع الجماعة فيها ، وإحراز تشريع الجماعة في صلاة الاحتياط مشكل ، فمقتضى الأصل عدم جواز ترتيب آثار الجماعة.
ثمَّ إنه لا يخفى أنه بناء على ما رجحنا من عدم مشروعية الجماعة في صلاة الاحتياط لا فرق بين ائتمام الاحتياط بالفريضة أو بالاحتياط.
وأما اقتداء الفريضة اليومية كاقتداء صلاة الصبح بصلاة الاحتياط فيما إذا كانت صلاة الاحتياط أيضا مثل صلاة الصبح ركعتين فهل يجوز أم لا؟
يمكن أن يقال بالجواز ، وذلك لتشريع الجماعة في فريضة اليومية يقينا.
ولكن وفيه : أن ظاهر أدلة تشريع الجماعة في الفريضة بعد انصرافها إلى اليومية لما ذكرنا في بيان المراد من الصلوات في صحيحة زرارة وفضيل ، أن يكون كلاهما من اليومية أي صلاة الإمام وصلاة المأموم ومع الشك تجري أصالة عدم التشريع.
ولا فرق فيما ذكرنا من عدم جواز الجماعة في صلاة الاحتياط بين أن نقول بأنها صلاة مستقلة يتدارك بها نقصان ملاك صلاة الأصلية على تقدير النقصان أو أصل الملاك بضميمة صلاة الاحتياط إلى الأصلية ، أو نقول بأنها جزء للصلاة الأصلية على تقدير النقصان ، وذلك من جهة عدم إحراز النقصان وكونها جزء منها واحتمال كونها زائدة ونافلة.
هذا كله في الاقتداء ابتداء ، أما لو كان مقتديا وكان شكه مطابقا لشك الإمام فبنى الاثنان على الأكثر وأراد الإمام أن يأتي بصلاة الاحتياط ، فلا يبعد الجواز في هذه الصورة ، على إشكال أيضا.
الجهة الثالثة
في موارد تطبيقها :
وقد عرفت جميعها مما تقدم ، فلا نعيد.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
__________________
(*) « القواعد » ص 241.
(1) « الكافي » ج 3 ، ص 358 ، باب من شكّ في صلاته كلّها ولم يدر زاد أو نقص ... ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 54 ، ح 187 ، باب أحكام الجماعة ... ، ح 99 ، وفيهما : « بإيقان منهم » بدل « باتّفاق منهم ».
(2) « الكافي » ج 3 ، ص 359 ، باب من شكّ في صلاته ولم يدر زاد أو نقص ... ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 344 ، ح 1428 ، باب أحكام السهو ، ح 16 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 338 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 24 ، ح 3.
(3) « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 338 ـ 341 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، : باب 24 : باب عدم وجوب شيء بسهو الإمام مع حفظ المأموم.
(4) « جواهر الكلام » ج 12 ، ص 411.
(5) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 350 ، ح 1453 ، باب أحكام السهو ، ح 41 ، وج 3 ، ص 279 ، ح 818 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ... ، ح 138 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 338 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 24 ، ح 1.
(6) « الفقيه » ج 1 ، ص 279 ، باب القبلة ، ح 857 ، وص 339 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 991 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 152 ، ح 597 ، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة ، ح 55 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 260 ، أبواب الوضوء ، باب 3 ، ح 8.
(7) لم نجدها في الكتب الأربعة ووسائل الشيعة وبحار الأنوار ومستدرك الوسائل.
(8) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 354 ، ح 1466 ، باب أحكام السهو ، ح 54 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 339 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 24 ، ح 7.
(9) « الخلاف » ج 1 ، ص 463 ، مسألة 206.
(10) « الفقيه » ج 1 ، ص 206 ، باب صلاة الجماعة ، ح 1205 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 278 ، ح 817 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، ح 137 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 439 ، ح 1693 ، باب الإمام إذا سلم ينبغي له أن لا يبرح من مكانه ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 339 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 24 ، ح 5.
(11) « الفقيه » ج 1 ، ص 405 ، باب صلاة الجماعة ، ص 1203 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 278 ، ح 816 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، ح 136 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 339 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 24 ، ح 4.
(12) « الكافي » ج 3 ، ص 347 ، باب السهو في افتتاح الصلاة ، ح 3 ، « الفقيه » ج 1 ، ص 406 ، باب الصلاة الجماعة ، ح 1206 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 144 ، ح 563 ، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة ، ح 21 ، « وسائل الشيعة » ج 4 ، ص 716 ، أبواب تكبيرة الإحرام ، ح 6.
(13) « الكافي » ج 3 ، ص 247 ، باب السهو في افتتاح الصلاة ، ح 3.
(14) « الكافي » ج 3 ، ص 377 ، باب الصلاة خلف من يقتدى به ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 269 ، ح 769 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، ح 89 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 421 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 30 ، ح 4.
(15) « الكافي » ج 3 ، ص 378 ، باب الرجل يصلى بالقوم ، ح 3 ، « الفقيه » ج 1 ، ص 406 ، باب صلاة الجماعة ، ح 1208 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 269 ، ح 772 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ... ، ح 92 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 440 ، ح 1695 ، باب الإمام إذا سلم ينبغي له ... ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 433 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 36 ، ح 2.
(16) « الفقيه » ج 1 ، ص 406 ، باب صلاة الجماعة ، ح 1207 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 279 ، ح 819 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ... ، ح 139 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 421 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 30 ، ح 2.
(17) « الفقيه » ج 1 ، ص 378 ، باب صلاة الجماعة ، ح 1103 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 279 ، ح 820 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ... ، ح 140.
(18) « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 277 ، ح 813 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ... ، ح 133 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 434 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 36 ، ح 6.
(19) « الكافي » ج 3 ، ص 356 ، باب من تكلم في صلاته أو انصراف ... ، ح 4 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 191 ، ح 755 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 56 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 378 ، ح 1433 ، باب من تكلم في الصلاة ساهيا أو عامدا ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 313 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 4 ، ح 1.
(20) « تهذيب الأحكام » ح 2 ، ص 353 ، ح 1464 ، باب أحكام السهو ، ح 52 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 339 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 24 ، ح 6.
(21) « الكافي » ج 3 ، ص 372 ، باب فضل الصلاة في الجماعة ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 24 ، ح 83 ، باب فضل الجماعة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 371 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 1 ، ح 2.
(22) « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 25 ، ح 85 ، باب فضل الجماعة ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 370 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 1 ، ح 1.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|