أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-9-2016
237
التاريخ: 19-9-2016
345
التاريخ: 19-9-2016
431
|
[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :
- محل الكلام فيها .
- مداركها من كتاب اللّه .
- مداركها من السنة .
- الاستدلال بالاستصحاب ونقده .
- بناء العقلاء هنا .
قاعدة اللزوم من القواعد المعروفة المستدل بها في أبواب المعاملات بالمعنى الأعم من البيع والإجارة والنكاح وغيرها، قاعدة اللزوم في العقود إذا شك في لزوم عقد وجوازه.
و ليعلم ان البحث تارة يكون في الشبهات الحكمية كما إذا شككنا في ان عقد المعاطاة جائزة أو لازمة، أو ان الهبة في بعض مصاديقها جائزة أو لازمة.
واخرى يكون من قبيل الشبهات الموضوعية بان نعلم ان البيع بالصيغة لازم وبيع المعاطاة تكون جائزة مثلا، ثمَّ شككنا في ان العقد الواقع في الخارج كان من قبيل البيع بالصيغة أو المعاطاة.
ثمَّ ان الشك قد يكون في ابتداء العقد بان شك في ان عقد المعاطاة من أول أمرها لازمة أو جائزة، واخرى يكون بعد عروض الجواز له كما إذا قلنا بان خيار العين انما يكون بعد ظهوره، وقبله يكون البيع لازما، وكذلك بالنسبة إلى خيار الرؤية، وخيار الشرط، إذا جعل الخيار في زمان منفصل عن العقد وقلنا بجواز ذلك، وحينئذ ينقلب العقد اللازم جائزا، ثمَّ لو شككنا بعد ذلك في صيرورته لازما أو بقائه على الجواز سواء من ناحية الشبهة الحكمية أو الموضوعية فهل الأصل هنا أيضا اللزوم أو الجواز؟
ولا بد من البحث عن القاعدة أولا بعنوان كلي، ثمَّ نتكلم في فروعها وخصوصياتها فنقول، ومن اللّه سبحانه التوفيق والهداية : ان المعروف بين من تعرض لهذه القاعدة ثبوت اللزوم في جميع العقود الا ما خرج بالدليل، ولكن لم يتعرض لها بعنوان كلي كثير من الأصحاب، وان تعرضوا لها بعنوان جزئي في بعض العقود كعقد الإجارة والمساقاة وغيرهما.
وإليك بعض كلماتهم في المقامين:
اما المقام الأول:
قال العلامة الأنصاري في مكاسبه: لا إشكال في أصالة اللزوم في كل عقد شك في لزومه شرعا، وكذا لو شك في ان الواقع في الخارج هو العقد اللازم أو الجائز، كالصلح من دون عوض والهبة «1».
وقال الشهيد (ره) في القواعد: «الأصل في البيع اللزوم، وكذا في سائر العقود ويخرج عن الأصل في مواضع لعلل خارجة» «2».
وقال الشهيد الثاني في «المسالك»: في شرح قول المحقق «و الإجارة عقد لازم» ما نصه: «لزوم عقد الإجارة موضع وفاق وعموم الأمر بالوفاء بالعقود يتناوله.
واما الأسباب المقتضية في الفسخ فستأتي مفصلة ان شاء اللّه «3».
وذكر الشيخ في «الخلاف» في باب الإجارة: انها من العقود اللازمة، متى حصل لم يكن لأحدهما فسخ الإجارة، دليلنا ان العقد قد ثبت.
وأيضا قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1] ، فأمر بالوفاء بالعقود والإجارة عقد، فوجب الوفاء به «4».
وقال في «مفتاح الكرامة» في كتاب «المزارعة» بعد قول الماتن «و هو عقد لازم من الطرفين» ما نصه: «إجماعا كما في جامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان. وكأنه إجماع، لأن الأصل في العقود اللزوم ، الا ما أخرجه الدليل، للأمر بالوفاء بالعقود في قوله تعالى : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1] «5».
وبالجملة لا يخفى على الناظر في كلمات الأصحاب في العقود المختلفة ان الأصل عندهم في كل عقد اللزوم، الا ما خرج بالدليل، ومن الواضح ان الإجماع في أمثال هذه المسائل وان كان مؤيدا للمطلوب ومرجحا له، لكنه ليس شيئا يركن اليه ودليلا مستقلا بنفسه بعد إمكان استناد المجمعين إلى الأدلة الأخرى التي ستمر عليك ان شاء اللّه.
مدارك قاعدة اللزوم :
1- استدل له من كتاب اللّه :
بما مر ذكره من قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1] .
وتقريب الاستدلال بها ظاهر، لان جميع المعاملات بالمعنى الأعم داخلة في عنوان العقود، وهو جمع محلى باللام يفيد العموم، مضافا الى كونها في مقام الإطلاق مع عدم ورود قيد عليه، والعقد بأي معنى فسر شامل لها، والأمر بالوفاء دليل على وجوب العمل على طبق العقد، ولازمه عدم تأثير الفسخ، فإن الأمر وان كان دليلا على الوجوب التكليفي الا انه يدل على الحكم الوضعي في أبواب المعاملات واجزاء العبادات وشرائطها إذا تعلق الأمر أو النهي بعنوان المعاملة، أو اجزاء العبادة لا بعنوان آخر ينطبق عليه كما حقق في محله وان شئت قلت، الأمر بالوفاء بالعقد دليل على تأثيره، فالوفاء من آثاره، لا انه واجب مستقل تكليفي، وحينئذ يدل على الحكم الوضعي دلالة واضحة.
وما قد يتوهم ان لازمه تخصيص الأكثر لخروج العقود الجائزة كلها والعقود اللازمة بأنواع الخيارات، مدفوع، بأن كون المعاملات الجائزة من العقود حقيقة لا يخلو عن تأمل، لأنها تدور غالبا مدار الاذن الحاصل من المالك وشبهه، وهذا أمر وراء العقد، وان شئت قلت «العقد» عبارة عن التزام في مقابل التزام، وليس في غالب العقود الجائزة إلا التزام من طرف واحد، وبعبارة أوضح هي اجازة ورضى من طرف واحد كما ذكر في محله.
واما الخيارات فليست مستوعبة لأكثر العقود بحسب أزمانها بل استثنائات جزئية من هذه الجهة والا فأكثرها في أكثر الأزمنة لازمة باقية، وحينئذ لا يلزم التخصيص المستهجن ابدا.
وقوله تعالى { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
دل على حرمة أكل المال بالباطل، ومن الواضح انه إذا انتقل عين الى ملك آخر فصار المال ماله لا يجوز إخراجه عن يده بغير رضاه، فلو فسخ البيع أو شبهه بدون اذنه وأخذ المال فقد اكله بالباطل.
هذا وقد يورد عليه بان الآية ناظرة إلى الأسباب لا شرائط العوضين، وبعبارة أخرى: ناظرة الى ما كان من قبيل رضى المتعاملين في مقابل القهر والغصب والرشوة والغش وغيرها من طرق السيطرة على مال الغير بالباطل.
ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى « {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188] .
فان الأدلاء بها الى الحكام لأكل أموال الناس انما هو من باب الأسباب، ويؤيده أيضا «الباء» في قوله «بالباطل»، فالاستدلال بالاية لغير ذلك غير جائز.
وفيه أولا ان كون هذه الأمور من الباطل مما لا ريب فيه، ولكن لا دليل لنا على حصر الآية في خصوص الأسباب، وآية البقرة لا تنفي ما سواها، وكون الباء للسببية أيضا غير مانع، فمن أكل مال الغير في مقابل الخمر وآلات القمار مثلا فقد اكله بسبب باطل، وكذلك في مقابل الحشرات والأشياء التي لا مالية لها عند العقلاء وأهل الشرع.
سلمنا ذلك ولكن ما نحن فيه أي الفسخ من جانب المشتري أو البائع من دون موافقة الطرف الأخر من الأسباب الباطلة وعلى كل حال شمول الآية لما نحن بصدده مما لا ينبغي الريب فيه.
ومن الايات قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275].
وجه الاستدلال به على أصالة اللزوم ما ذكره الشيخ الأعظم: ان حلية البيع التي لا يراد منها الا حلية جميع التصرفات المترتبة عليه، التي منها ما يقع بعد فسخ احد المتبايعين بغير رضى الأخر مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ، وكونه لغوا غير مؤثر (انتهى).
وحاصله ان إطلاق الحلية الدالة على تأثير البيع يشمل ما بعد زمان الفسخ من الجانب الأخر، ولازمه عدم تأثير الفسخ أصلا.
وفيه انه انما ورد في جواب الكفار والمخالفين لتحريم الربا، وقولهم «انما البيع مثل الربا» فقد قال اللّه تعالى في جوابهم: ليس البيع مثل الربا، الربا حرام والبيع حلال، فلا يجوز قياس أحدهما على الأخر، ومن البعيد ان يكون مثل هذا الكلام ناظرا الى حكم الفسخ، وفي مقام البيان من هذه الجهة، بل المقصود منه بيان حرمة الربا من أصله، وبيان حلية البيع كذلك، من دون النظر الى جميع خصوصياته.
هذا، مضافا الى إمكان القول بان التمسك بإطلاقه بعد الفسخ من قبيل التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية، فإن بقاء البيع وآثاره مشكوك بعد الفسخ على ما هو المفروض، والتمسك بالاستصحاب هنا رجوع اليه لا الى عموم قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275].
كما ان القول بأن حلية البيع توجب الملكية، ومن آثارها عدم جواز سلطة الغير عليه بدون رضا صاحبه أيضا رجوع إلى الأدلة الاتية مثل قوله: «الناس مسلطون على أموالهم»، و«لا يحل مال امرء الا من طيب نفسه».
ولنعم ما قال المحقق اليزدي في حواشيه على المكاسب حيث قال: الإنصاف ان هذه الآية لا دلالة لها الأعلى مجرد حلية البيع بمعنى التمليك والتملك، ولا تعرض فيها لحلية التصرفات بعد البيع، حتى تشمل بإطلاقها ما كان بعد الفسخ «6».
و قد عرفت ان هذا أحد الإيرادات الواردة على الاستدلال بالاية الشريفة.
2- يدل على أصالة اللزوم من السنة عدة روايات :
(1) المؤمنون عند شروطهم :
وهذه الرواية رواها جمع من العامة والخاصة في كتبهم واستدلوا بها في موارد مختلفة، ومنها استدلال غير واحد منهم بها على لزوم العقود.
فقد رواها في «دعائم الإسلام» عن النبي صلّى اللّه عليه وآله بهذه العبارة، انه قال :
«المسلمون عند شروطهم، الا كل شرط خالف كتاب اللّه» «7» وتارة عن علي عليه السّلام بهذه العبارة قال: «المسلمون عند شروطهم الا شرطا في معصية» «8».
ورواها في الوسائل عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب اللّه عز وجل فلا يجوز «9».
وما رواه أيضا عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب اللّه عز وجل «10».
ورواها أيضا عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه السّلام ان علي بن أبي طالب عليه السّلام كان يقول من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما «11».
ومن طرق الجمهور ما رواه البخاري في صحيحه بعنوان «المسلمون عند شروطهم» عن النبي صلّى اللّه عليه وآله «12».
ورواه الترمذي أيضا في صحيحه في أبواب الاحكام بهذه العبارة: «و المسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا» «13».
وقد رواه الأصحاب في أبواب المكاتبة أيضا.
مثل ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في مكاتب شرط عليه ان عجز أن يرد في الرق قال: «المسلمون عند شروطهم» «14».
وفي معناه ما عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «15» في ذاك الباب بعينه.
وما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل كان له أب مملوك وكانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدت بعض ما عليها، فقال لها العبد: هل لك ان أعينك في مكاتبك حتى تؤدي ما عليك بشرط ان لا يكون لك الخيار على ابي إذا أنت ملكت نفسك؟ قالت: نعم فأتاها في مكاتبتها على ان لا يكون لها الخيار بعد ذلك، قال: لا يكون لها الخيار «المسلمون عند شروطهم» «16».
فعلى ذلك، الرواية مشهورة بين الفريقين ورويت من طرقنا بطرق كثيرة بعضها صحيحة وان كان بعضها غير صحيحة فإذا لا مجال للإشكال من جهة السنة.
واما من ناحية الدلالة فهو مبني على شمول الشرط لكل عقد، ومن الواضح ان وقوف المؤمن أو المسلم عند شرطه بمعنى عدم مفارقته عنه وهو كناية عن الالتزام والوفاء به.
ولكن أورد عليه «تارة» من ناحية الصغرى بان الشرط يطلق على التزام كان مرتبطا بغيره فلا يشمل الالتزام الابتدائي، ولا أقل من الشك في ذلك، وفي القاموس الشرط إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه.
واخرى من ناحية الكبرى بأنها لا تدل على أزيد من الرجحان لتعليقه على الايمان وان هو الا نظير قوله «المؤمن إذا وعد وفى».
ولكن كل ذلك ممنوع اما الأول فلانا لو سلمنا اختصاص الشرط بالالتزام الذي هو في ضمن التزام آخر ومرتبط به، فلا أقل من الأخذ بالفحوى، فاذا وجب العمل بالشرط الذي هو تابع لعقد فيجب العمل بنفس العقد بطريق أولى، فإنه الأصل وهذا هو الفرع.
واما الثانية: فلان ظاهر الرواية الوجوب، وقد علق في غير واحد من طرقه من العامة والخاصة على الإسلام، لا على الايمان، ومما يدل على الوجوب دلالة واضحة انه استدل في الروايات بهذه الفقرة على وجوب بما في مواردها من الشروط.
وبالجملة الإشكال في هذه الرواية ضعيف جدا.
(2) قوله : لا يحل مال امرء مسلم الا من طيب نفسه :
رواها سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: من كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم امرء مسلم، ولا ماله إلا بطيبة نفس منه «17».
ورواها في الكافي بطريق آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أيضا.
ورواها أيضا في تحف العقول عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله انه قال في خطبة الوداع :
«أيها الناس، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه» «18».
ورواها الصدوق في إكمال الدين فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس سره في جواب مسائل محمد بن جعفر الأسدي الى صاحب الدار- الى أن قال- فلا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه «19».
ومن طرق الجمهور ما رواه أبو هرة الرقاشي عن عمه ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال:
لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفس منه «20».
ورواه احمد بن حنبل في مسنده «21».
وفي معناها روايات أخر مروية من طرق الأصحاب والمخالفين تدل على احترام أموال المسلمين كدمائهم.
وبالجملة الحديث متظافرة مشهورة بين الأصحاب وهذا كاف في إثبات صحتها من حيث السنة.
واما تقريب دلالتها فلان المال إذا انتقل الى شخص بأي سبب كان من العقود وغيرها كان المال ماله فلا يجوز أخذه منه بدون رضاه، بمجرد الفسخ وغيره، فهذا دليل على عدم تأثير الفسخ.
وتوهم كون التمسك بعمومها بعد إجراء صيغة الفسخ من قبيل التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية، فاسد جدا، لان عمومها دليل على عدم تأثير الفسخ، فلا يكون شبهة في المصداق.
وبعبارة أخرى شمول الرواية لكل ملك مانع عن تأثير الفسخ فما كان ملكا في الرتبة المتقدمة لا يمكن إخراجها عن يد مالكها بغير رضى منه في الرتبة المتأخرة.
فهذه الرواية دليل على اللزوم في جميع العقود والإيقاعات المستلزمة لخروج الملك عن يد صاحبها وصيرورتها ملكا لاخر.
(3) قوله (صلى الله عليه واله): الناس مسلطون على أموالهم :
و هذه الرواية أيضا مشهورة في ألسنة الفقهاء وهي وان كانت مرسلة لكنها مجبورة بعمل الأصحاب قديما وحديثا لاستنادهم إليها في مختلف أبواب الفقه.
وهناك روايات أخرى لا تشتمل على هذا العنوان ولكن تحتوي معناها ومغزاها وقد أشرنا إليها مشروحة في قاعدة التسلط من هذه القواعد (فراجع القاعدة الاولى من هذا المجلد).
فهي أيضا معتبرة من حيث السند.
واما من ناحية الدلالة فمقتضى السلطة على المال هو عدم جواز إخراجه من يد مالكه بغير رضاه، فمجرد الفسخ من المالك السابق لو أثر في إخراجه عن ملكه كان منافيا لحقيقة السلطنة على المال.
وتوهم كونه من الشبهة المصداقية للملك بعد إجراء صيغة الفسخ، توهم فاسد قد عرفت جوابه آنفا، وحاصله ان الملكية والسلطة الحاصلة قبل اجراء الفسخ يمنع عن تأثيره فهي مسقطة له عن التأثير قطعا.
4- قوله (صلى الله عليه واله): البيعان بالخيار ما لم يفترقا وقد رواه عدة من أصحابنا منهم محمد بن مسلم وزرارة عن الصادق عليه السّلام عنه صلّى اللّه عليه وآله «22».
وأخرى عن الصادق عليه السّلام نفسه مثل ما رواه فضيل والحلبي عنه عليه السّلام «23».
وثالثة عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام مثل ما رواه علي بن أسباط عنه عليه السّلام «24».
ورابعة عن علي عليه السّلام مثل ما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عليه السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام «25».
وهي وان وردت بعبارات شتى الا ان مفاد الجميع واحد، وهو ان البائع والمشتري بالخيار ما داما في مجلس البيع، فاذا حصل الافتراق وجب البيع من جميع جهاته، فلا يؤثر الفسخ الا ان يدل عليه دليل خاص فيؤخذ بمفاده في مورده.
وهذه الروايات كثيرة مستفيضة، وفيها صحيح الاسناد، وقد ذكر شيخنا العلامة الأنصاري في بعض كلماته أنها مستفيضة وفي بعضها الأخر أنها متواترة «26». والتواتر المصطلح وان لم يكن موجودا هنا الا ان الاستفاضة مما لا ريب فيه.
وقد رواها العامة أيضا في كتبهم بطرق متعددة في صحاحهم المعتبرة عندهم، وقد عقد له ابن ماجه في سننه له بابا روى فيه عدة روايات ولا يبعد دعوى التواتر بعد ذلك «27».
وما قد يتوهم أنها ناظرة إلى خيار المجلس فقط نفيا وإثباتا، ولا دلالة فيها على لزوم البيع بعد الافتراق من ناحية سائر أسباب الخيار، كما حكي عن المحقق الخراساني في حواشيه على المكاسب، فهو مما لا يمكن المساعدة عليه، بل إطلاق قوله فاذا افترقا وجب البيع يدل على اللزوم بعد الافتراق من جميع الجهات، فأدلة خيار العيب والعين والحيوان والشرط وغير ذلك مخصصة لها، ولا مانع من ورود هذه التخصيصات عليه بعد كون ما يبقى تحته أكثر وأوفر.
هذا ولكن الإشكال العمدة في الاستدلال بهذه الرواية انها أخص من المدعي فإنها مختصة بأبواب البيع مع ان المقصود إثبات اللزوم في جميع المعاملات بالمعنى الأعم بيعا كان أو غيره.
3- الاستدلال بالاستصحاب :
ومما استدل به على أصالة اللزوم في المعاملات بالمعنى الأعم الاستصحاب فإنه إذا شك بعد اجراء الفسخ في تأثيره في انفساخ المعاملة يستصحب بقاء آثارها، من الملكية للعين، أو المنافع، أو غيرهما من الاثار كعقد الزوجية وشبهها.
ولكن يورد عليه أمور:
الأول: عدم حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية على ما هو المختار.
نعم هذا الاشكال مندفع عند من يلتزم بحجية الاستصحاب مطلقا، في الشبهات الحكمية والموضوعية.
أضف الى ذلك ان الشك في لزوم المعاملة وان كان ينشأ غالبا من الشك في حكم الشارع ولكن قد يكون منشأ الشك الأمور الخارجية فيكون من قبيل الشبهات المصداقية كما إذا شك ان الموهوب له ذو رحم أو غيره، أو ان الهبة كانت معوضة أو غير معوضة، فحينئذ يشك في لزوم المعاملة لا من ناحية حكم الشرع، بل من ناحية الموضوع الخارجي، فيتمسك فيه باستصحاب بقاء آثاره بعد اجراء الفسخ فتأمل.
الثاني: قد يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب بقاء علقة المالك على ملكه، ومن المعلوم ان استصحاب بقاء هذه العلقة حاكم على استصحاب بقاء الاثار عند الشك فإن الثاني مسبب عن الأول.
ولكن يمكن الجواب عنه بان معنى جواز العقد بالذات أو الخيارات العارضة عليه ليس بقاء علقة المالك على ملكه، بل الجواز أو الخيار حكم مستقل شرعي، أو حق حادث بعد العقد، وحينئذ لا معنى لاستصحاب بقاء علقة المالك على ملكه.
وان شئت قلت: ليس الملك اللازم والجائز نوعان أو صنفان من الملكية، بل الملكية أمر واحد، وانما التفاوت في أحكامها فالملك الجائز هو الذي يجوز الفسخ فيه، والملك اللازم هو الذي لا يؤثر فيه الفسخ، هذا مضافا الى ما قد يقال من ان التسبب هنا ليس شرعيا فالحكومة باطلة فتأمل.
الثالث: وقد يعارض هذا الاستصحاب في خصوص البيع باستصحاب بقاء الجواز الحاصل من خيار المجلس، فيقال: نعلم بان الملك كان جائزا قابلا للفسخ عند كونهما في المجلس، وبعد افتراقهما ليشك في بقاء هذه الحالة فيستصحب بقاء الجواز.
وفيه أولا ان خيار المجلس يرتفع بصريح روايات الباب بعد افتراقهما، وثانيا عند الافتراق ينقلب الموضوع الى موضوع آخر، والاستصحاب مع عدم بقاء الموضوع باطل قطعا.
وان أريد الاستصحاب بنحو استصحاب الكلي من القسم الثالث بان يقال ان خيار المجلس قد ارتفع قطعا ولكن يحتمل حدوث حكم آخر بالجواز عند ارتفاعه أو مقارنا له، ولكن المحقق في محله عدم حجية استصحاب الكلي من القسم الثالث.
هذا كله مضافا الى ان خيار المجلس ينحصر بالبيع، ولا يجري في سائر العقود مع ان أصالة اللزوم عام في جميعها بل وقد يكون البيع خاليا عن خيار المجلس لاشتراط سقوطه من أول الأمر، أو غير ذلك. فهذا الدليل لو فرض صحته لكان أخص من المدعى.
4- بناء العقلاء على اللزوم :
ومما يمكن الاستدلال به على أصالة اللزوم في المعاملات هو بناء العقلاء الذي أمضاه الشارع بسكوته وتقريره، لا بل بإمضائه بما عرفت من الايات والروايات.
فإن بنائهم قد استقر على الحكم ببقاء آثار كل عقد الا ان يثبت حق الفسخ لأحد الطرفين، فلا يجوز عندهم فسخ البيع ولا النكاح ولا الإجارة ولا غيرها ما لم يثبت حق لأحد الطرفين على الفسخ، وبعبارة أخرى بقاء آثار المعاملات عندهم لا يحتاج الى دليل، بل هو مقتضى طبيعتها، والذي يحتاج الى الدليل هو نفي آثارها وإلغائها وما لم يكن هناك دليل، بقيت الاثار على حالها.
____________
(1) المكاسب ص 85.
(2) القواعد والفوائد ج 2 ص 242.
(3) المسالك، ج 1 ص 320.
(4) الخلاف ج 2 كتاب الإجارة مسألة 2 ص 206.
(5) مفتاح الكرامة ج 7 ص 300.
(6) تعليقات السيد على المكاسب أبواب الخيارات ص 4.
(7) المستدرك ج 2 كتاب التجارة أبواب الخيار ح 1 و3 الباب 4 ص 473.
(8) المستدرك ج 2 كتاب التجارة أبواب الخيار ح 1 و3 الباب 4 ص 473.
(9) الوسائل ج 12 أبواب الخيار الباب 6 الحديث 2.
(10) الوسائل ج 12 أبواب الخيار الباب 6 الحديث 2.
(11) الوسائل ج 12 أبواب الخيار الباب 6 الحديث 5.
(12) صحيح البخاري ج 3 ص 119 كتاب التجارة الباب 14 باب أجر الثمرة.
(13) رواه المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ج 3 ص 99.
(14) الوسائل ج 16 أبواب المكاتبة الباب 4 الحديث 3.
(15) الوسائل ج 16 أبواب المكاتبة الباب 4 الحديث 5.
(16) الوسائل ج 16 أبواب المكاتبة الباب 11 الحديث 1.
(17) الوسائل ج 3 كتاب الصلاة أبواب مكان المصلى الباب 3 الحديث 1.
(18) الوسائل ج 3 كتاب الصلاة أبواب مكان المصلى الباب 3 الحديث 3.
(19) الوسائل ج 6 كتاب الخمس الباب 3 من أبواب الأنفال الحديث 6.
(20) السنن للبيهقي ج 6 كتاب الغصب ص 100.
(21) مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 72.
(22) الوسائل ج 12 احكام الخيار الباب 1 ح 1 و2.
(23) الوسائل ج 12 احكام الخيار الباب 1 ح 3 و4.
(24) الوسائل ج 12 احكام الخيار الباب 1 ح 5.
(25) الوسائل ج 12 احكام الخيار الباب 1 ح 7.
(26) المكاسب ص 216.
(27) السنن لابن ماجه ج 2 ص 736.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|