أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
878
التاريخ: 18-8-2016
1093
التاريخ: 18-8-2016
1026
التاريخ: 5-9-2016
1183
|
ولنقدم أُموراً:
الأمر الأوّل: حقيقة القياس:
القياس في اللّغة: هو التسوية، يقال قاس هذا بهذا أي سوّى بينهما، قال علي ـ عليه السَّلام ـ :«لا يقاس بآل محمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ من هذه الأُمّة أحد» (1) أي لا يُسوّى بهم أحد.
وفي الاصطلاح: استنباط حكم واقعة لم يرد فيها نصٌّ، عن حكم واقعة ورد فيها نصٌّ، لتساويهما في علّة الحكم، و مناطه وملاكه.
ثمّ إنّ أركان القياس أربعة:
الأصل: وهو المقيس عليه.
الفرع: وهو المقيس.
الحكم: وهو ما يحكم به على الثاني بعد الحكم به على الأوّل.
العلّة: وهو الوصف الجامع، الذي يجمع بين المقيس و المقيس عليه، ويكون هو السبب للقياس.
مثلاً إذا قال الشارع: «الخمر حرام لكونه مسكراً»، فإذا شككنا في حكم سائر السوائل المسكرة كالنبيذ والفقاع يحكم عليهما بالحرمة، لاشتراكهما مع الخمر في الجهة الجامعة.
الأمر الثاني: أقسام القياس:
إنّ القياس ينقسم إلى منصوص العلّة، ومستنبطها.
فالأوّل فيما إذا نصَّ الشارع على علّة الحكم وملاكه على وجه علم أنّها علّة الحكم الّتي يدور الحكم مدارها لا حكمته التي ربّما يتخلّف الحكم عنها.
والثاني، فيما إذا لم يكن هناك تنصيص من الشارع عليها، وإنّما قام الفقيه باستخراج علّة الحكم بفكره وجهده، فيطلق على هذا النوع من القياس، مستنبط العلّة.
وينقسم مستنبط العلّة إلى قسمين:
تارة يصل الفقيه إلى حدّ القطع بأنّ ما استخرجه علّة الحكم و مناطه.
وأُخرى لا يصل إلاّ إلى حدّ الظن بكونه كذلك. وسيوافيك حكم القسمين تحت عنوان «تنقيح المناط».
وقلّما يتّفق لإنسان عادي أن يقطع بأنّ ما وصل إليه من العلّة هو علّة التشريع ومناطه واقعاً، وأنّه ليس هناك ضمائم أُخرى وراء ما أدرك.
الأمر الثالث: الفرق بين علّة الحكم و حكمته:
الفرق بين علّة الحكم وحكمته، هو أنّ الحكم لو كان دائراً مدار الشيء وجوداً وعدماً، فهو علّة الحكمِ و مناطه، كالإسكار بالنسبة إلى الخمر، وامّا إذا كان الحكم أوسع ممّا ذُكر في النصّ، أو اسْتُنْبِطَ، فهو من حِكَم الأحكام و مصالحه، لا من مناطاته وملاكاته، فمثلاً:
الإنجاب وتكوين الأُسرة من فوائد النكاح و مصالحه، وليس من مناطاته وملاكاته، بشهادة أنّه يجوز تزويج المرأة العقيمة واليائسة ومن لا تطلب ولداً بالعزل، وغير ذلك من أقسام النكاح.
الأمر الرابع: القياس في منصوص العلّة:
العمل بالقياس في منصوص العلّة راجع في الحقيقة إلى العمل بالسنّة، لا بالقياس، لأنّ الشارع شرّع ضابطة كلّية عند التعليل، فنسير على ضوئها في جميع الموارد التي تمتلك تلك العلّة، كما في قول الإمام الرضا ـ عليه السَّلام ـ في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع: ماء البئر واسع لا يفسده شيء، إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح، ويطيب طعمه، لأنّ له مادة.(2)
فإنّ قوله :«لأنّ له مادة» تعليل لقوله: «لا يفسده شيء» فيكون حجّة في غير ماء البئر، لانّه يشمل بعمومه ماء البئر، وماء الحمام، والعيون وحنفية الخزّان وغيرها، فلا ينجس الماء إذا كانت له مادّة، و عندئذ يكون العمل بظاهر السنّة لا بالقياس، فليس هناك أصل ولا فرع ولا انتقال من حكم الأصل إلى الفرع، بل موضوع الحكم هو العلّة، والفروع بأجمعها داخلة تحتها.
الأمر الخامس: قياس الأولوية:
القياس الأولوي: هو عبارة عن كونِ الفرع(ضرب الوالدين) أولى بالحكم من الأصل(التأفيف) عند العرف، مثل دلالة قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]على تحريم الضرب، ولا شكَّ في وجوب الأخذ بهذا الحكم، لأنّه مدلول عرفيّ، يقف عليه كل من سمع الآية.
الأمر السادس: تنقيح المناط أو إلغاء الخصوصيّة:
إذا اقترن الموضوع في لسان الدليل بأوصاف، وخصوصيات، لا يراها العرف المخاطب دخيلة في الموضوع، ويتلقّاها من قبيل التمثيل على وجه القطع واليقين، فهذا ما يسمّى بتنقيح المناط أو الغاء الخصوصية كما إذا ورد في السؤال: رجل شك في المسجد بين الثلاث و الأربع، فأُجيب بأنّه يبني على الأكثر، فإنّ العرف لا يرى للرجولية و مكان الشك(المسجد) تأثيراً في الحكم، ولذلك يرى الحكم ثابتاً لمطلق الشاك، من غير فرق بين الرجل والمرأة، و المسجد وغيره.
وهذا (قياس المرأة بالرجل وغير المسجد بالمسجد) ليس بقياس في الحقيقة بل حكم الكل مستفاد من النصّ، بمساعدة فهم العرف على عدم مدخلية القيدين.
وممّا ذكرنا ظهر انّ النزاع في حجّية القياس منحصر في القياس الذي استنبط المجتهد علّته ومناطه، من دون أيّ دلالة عليه من جانب الشرع وإنّما يقوم به عقل المستنبط وحدسه على حدّ الظنّ بأنّ ما استنبطه مناط الحكم وملاكه.
الأمر السابع: السبب من وراء العمل بالقياس:
ظهر القول بالقياس بعد رحيل النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لمواجهة الأحداث الجديدة، وكان هناك اختلاف حادّ بين الصحابة في الأخذ به، ولو توفّرت بأيديهم نصوص فيها لما حاموا حول القياس، ولكن إعواز النصوص جرّهم إلى العمل بالقياس لأجل معالجة المشاكل العالقة والمسائل المستحدثة، وقد نقل ابن خلدون عن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول إلاّ سبعة عشر حديثاً.(3) فإذا كان الصحيح عنده هذا المقدار اليسير فكيف يقوم باستنباط الأحكام من الكتاب والسنّة؟! فلم يكن له محيص إلاّ اللجوء إلى القياس والاستحسان.
فأئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ ولفيف من الصحابة و التابعين رفضوه وأكثروا من ذمِّه، والشيعة عن بكرة أبيهم تبعاً للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأهل بيته أبطلوا العمل بالقياس، ووافقهم من الفقهاء داود بن خلف، إمام أهل الظاهر، وتبعه ابن حزم الأندلسي، فلم يقيموا له وزناً، وأوّل من توسّع في القياس هو أبو حنيفة شيخ أهل القياس، وتبعه مالك، وابن حنبل.
وقد عقد شيخنا الحرّ العاملي في وسائله باباً خاصاً، أسماه باب «عدم جواز القضاء والحكم بالمقاييس» ونقل فيه ما يربو على عشرين حديثاً في النهي عن العمل بالقياس.
وممّا نقل فيه انّ أبا حنيفة دخل على أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ ، فقال له: «يا أبا حنيفة بلغني أنّك تقيس».
قال: نعم، قال: «لا تقس فانّ أوّل من قاس هو إبليس».(4) فقد قاس نفسه بآدم، فزعم أنّه أفضل من آدم، لأنّه خُلِق من طين، وهو خُلِقَ من النار، ولم يلتفت إلى أنّ ملاك السجود هو الروح الإلهية التي نفخت في آدم، فصار مجلى لأسمائه وصفاته تعالى و عاد معلّماً للملائكة.
أدلّة القائلين بالقياس:
أ. الدليل النقلي:
واعلم أنّ الأصل الأوّلي في الظنون التي لم يقم دليل على حجّيتها، هو عدم الحجّية ـ و قد سبق انّ الشكّ في حجّية كلّ ظن ـ لم يقم على حجّيته دليل يلازم القطع بعدم الحجّية مالم يدل دليل عليه(5) ، وقد استدل القائلون بحجّية القياس بوجوه نشير إلى أهمّها:
1. حديث الجارية الخثعمية قالت: يا رسول اللّه إنّ أبي أدركته فريضة الحج شيخاً، زمناً لا يستطيع أن يحج، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟
فقال لها: «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه، أكان ينفعه ذلك؟» قالت: نعم، قال: «فدَيْن اللّه أحقّ بالقضاء».
2. حديث ابن عباس: انّ امرأة جاءت إلى النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقالت: إنّ أُمي نذرت أن تحجّ فماتت قبل أن تحجّ، أفأحج عنها؟ قال: «نعم حجّي عنها، أرأيت لو كان على أُمّك دَيْن أكنت قاضية؟».
قالت: نعم، فقال: «اقضوا للّه فإنّ اللّه أحقّ بالوفاء».(6)
وجه الاستدلال: انّ الرسول ألْحق دَيْن اللّه بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه، وهو عين القياس بشهادة أنّه قال: «فدَيْن اللّه أحقّ بالقضاء والوفاء».(7)
يلاحظ على الاستدلال بكلا الحديثين ـ مضافاً إلى أنّ الاستدلال على حجّية قياس غير المعصوم، بقياس المعصوم نوع من القياس، وهو أوّل الكلام ـ أنّ القياس الوارد في كلام النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ من باب القياس الأولوي، وذلك لأنّه إذا وجب الوفاء بحقوق الناس حسب النص فحقوق اللّه أولى بالقضاء والوفاء ـ كما نصّ به النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في الحديث ـ وأين هذا من مورد النزاع؟! وقد تقدّم انّ القياس الأولوي عمل بالنصّ، لأنّه مدلول عرفي.
3. حديث عمر بن الخطاب، قال: قلت: يا رسول اللّه، أتيتُ أمراً عظيماً، قبّلتُ وأنا صائم، فقال رسول اللّه: «أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم»، فقلتُ: لا بأس بذلك، فقال رسول اللّه: «فصم».
وجه الاستدلال: انّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قاس القُبْلة بالمضمضة، فحكمَ بعدم بطلان الصوم فيها إيضاً.
يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ الحديث دليل على بطلان القياس، لأنّ عمر ظنَّ أنّ القُبلة تُبطل الصوم قياساً على الجماع، فردَّ عليه رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : بأنّ الأشياء المماثلة و المتقاربة لا تستوي أحكامها.
وثانياً: أنّ القياس عبارة عن استفادة حكم الفرع من حكم الأصل، بحيث يستمد الفرع حكمه من الأصل، وليس المقام كذلك، بل كلاهما في مستوى واحد كغصني شجرة، أو كجدولي نهر .
وإن شئت قلت: إنّ المبطل هو الشرب لا مقدّمته (المضمضة)، كما أنّ المبطل هو الجماع لا مقدّمته، فبما أنّ المخاطب كان واقفاً على ذلك الحكم في
الشرب، دون الجماع، أرشده النبي إلى تشبيه القُبلَة بالمضمضة إقناعاً للمخاطَب، لا استنباطاً للحكم من الأصل.
ب: الدليل العقلي:
ويقرّر بوجهين:
أ. انّه سبحانه ما شرّع حكماً إلاّ لمصلحة، وأنّ مصالح العباد هي الغاية المقصودة من تشريع الأحكام، فإذا ساوت الواقعةُ المسكوت عنها، الواقعةَ المنصوص عليها في علّة الحكم التي هي مظنّة المصلحة، قضت الحكمة و العدالة أن تساويها في الحكم، تحقيقاً للمصلحة التي هي مقصود الشارع من التشريع، ولا يتفق وعدلَ اللّه و حكمتَه أن يحرّم الخمر لإسكارها محافظة على عقول عباده، ويبيح نبيذاً آخر فيه خاصيّة الخمر، وهي الإسكار، لأنّ مآل هذا ، المحافظةُ على العقول من مسكر، وتركها عرضة للذهاب بمسكر آخر.(8)
يلاحظ عليه: أنّ الكبرى مسلّمة، وهي أنّ أحكام الشرع تابعة للمصالح والمفاسد، إنّما الكلام في وقوف الإنسان على مناطات الأحكام وعللها على وجه لا يخالف الواقع قيد شعرة، و أمّا قياس النبيذ على الخمر فهو خارج عن محلّ الكلام، لأنّا نعلم علماً قطعيّاً بأنّ مناط حرمة الخمر هو الإسكار، ولذلك روي عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ أنّه سبحانه حرّم الخمر وحرّم النبيُّ كلَّ مسكر.(9) ولو كانت جميع الموارد من هذا القبيل لما اختلف في حجية القياس اثنان.
ولأجل إيضاح الحال، و أنّ المكلّف ربّما لا يصل إلى مناطات الأحكام، نقول:
اعلم أنّه إذا نصّ الشارع على حكم ولم ينصّ على علّته ومناطه، فهل للمجتهد التوصّل إلى معرفة ذلك الحكم عن طريق السبر والتقسيم بأن يُحصر الأوصاف التي توجد في واقعة الحكم، وتصلح لأن تكون العلّة، واحدة منها، ويختبرها وصفاً وصفاً، وبواسطة هذا الاختبار تُستبعد الأوصاف التي لا يصحّ أن تكون علّة، ويستبقي ما يصحّ أن يكون علة، وبهذا الاستبعاد وهذا الاستبقاء يتوصل إلى الحكم بأنّ هذا الوصف هو العلّة؟
ولكن في هذا النوع من تحليل المناط إشكالات واضحة مع غض النظر عن النهي الوارد في العمل بالقياس:
أوّلاً: نحتمل أن تكون العلّة عند اللّه غير ما ظنّه بالقياس، فمن أين نعلم بأنّ العلّة عندنا وعنده واحدة؟
ثانياً: لو افترضنا أنّ المُقيس أصاب في أصل التعليل، ولكن من أين نعلم أنّها تمام العلّة، لعلّها جزء العلّة وهناك جزء آخر منضمّ إليه في الواقع ولم يصل المُقيس إليه؟
ثالثاً: نحتمل أن تكون خصوصية المورد دخيلة في ثبوت الحكم، مثلاً لو علمنا بأنّ الجهل بالثمن علّة موجبة شرعاً في فساد البيع، ولكن نحتمل أن يكون الجهل بالثمن في خصوص البيع علّة، فلا يصحّ لنا قياس النكاح عليه، إذا كان المهر فيه مجهولاً، فالعلّة هي الجهل بالثمن، لا مطلق الجهل بالعوض حتى يشمل المهر، ومع هذه الاحتمالات لا يمكن القطع بالمناط.
وقد ورد على لسان أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ النهي عن الخوض في تنقيح المناط، و يشهد بذلك ما رواه أبان بن تغلب، عن الإمام الصادق ـ عليه السَّلام ـ يقول أبان:
قلت له: ما يكون في رجل قطع اصبعاً من أصابع المرأة، كم فيها؟
قال: «عشر من الإبل».
قلت: قطع اثنتين؟
قال: «عشرون».
قلت: قطع ثلاثاً؟
قال: «ثلاثون».
قلت: قطع أربعاً؟
قال: «عشرون».
قلت: سبحان اللّه، يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون، ويقطع أربعاً، فيكون عليه عشرون؟! إن هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله، و نقول: الذي جاء به شيطان.
قال: «مهلاً يا أبان: هذا حكم رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية. فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان: إنّك أخذتني بالقياس، والسنّة إذا قيست مُحِق الدين».(10)
والإمام ليس بصدد تخطئة أبان لقطعه الحاصل من القياس، بل بصدد إزالة يقينه بالتصرّف في مقدّماته، وهو أنّه أخذ الشريعة من القياس.
والذي يكشف عن هذا المطلب، هو أنّ الجارية تحت العبد إذا أعتقت فلها الخيار إن شاءت مكثت مع زوجها، وإن شاءت فارقته، أخذاً بالسنّة حيث إنّ بريدة كانت تحت عبد، فلمّـا أُعتقت، قال لها رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ :«اختاري فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد، وإن شئت أن تفارقيه».(11)
ثمّ إنّ الحنفية قالت بأنّ الجارية تحت الحرّ إذا أُعتقت لها الخيار كالمعتقة تحت العبد لاشتراكهما في كونهما جاريتين اعتقتا، ولكن من أين نعلم بأنّ الانعتاق تمام المناط للحكم؟ و لعلّ كونها تحت العبد وافتقاد المماثلة جزء العلّة؟ فما لم نقطع بالمناط لا يمكن إسراء الحكم، وهذا هو الذي دعا الشيعة إلى منع العمل بالقياس وطرح تخريج المناط الظني الذي لا يغني من الحق شيئاً.
إلى هنا تمّ الدليل الأوّل للقائلين بالقياس وإليك دليلهم الثاني.
ب. انّ نصوص القرآن والسنّة متناهية، والوقائع غير محدودة فلا يمكن أن تكون النصوص المتناهية مصادر تشريعيّة لما لا يتناهى، والقياس هو المصدر التشريعي الذي يساير الوقائع المتجدّدة، ويكشف عن حكم الشريعة فيما يقع من الحوادث.(12)
يلاحظ عليه: أنّ استدلاله هذا أشبه بدليل الانسداد عند القائلين بحجّية الظن المطلق، ومن المعلوم أنّه لا تصل النوبة إلى الظن إلاّ بعد انسداد باب العلم، والعلمي، لكنه مفتوح عندنا ببركة أحاديث العترة الطاهرة الّذين أمر النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بالتمسّك بهم وبالكتاب معاً.
إنّ أهل القياس من السنّة رووا وصحّحوا حديث الثقلين فيجب عليهم الرجوع إليهم في العقيدة والشريعة لكونهم عدل القرآن ولو رجعوا إليهم لاستغنوا عن العمل بالقياس الذي ما أنزل اللّه به من سلطان.
إلى هنا تبيّن عدم توفر دليل صالح لحجّية القياس مع قطع النظر عن النهي الوارد فيه، وقد عرفت تضافر الروايات على النهي عن القياس، ولنذكر ما روي عن أعلام السنّة حول القياس:
1. روي عن ابن سيرين أنّه قال: أوّل من قاس إبليس، وما عُبدت الشمس والقمر إلاّ بالمقاييس.
2. وروي عن الحسن البصري: أنّه تلا هذه الآية: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [الأعراف: 12]، قال: قاس إبليس وهو أوّل من قاس.
3. وروي عن مسروق أنّه قال: إنّي أخاف وأخشى أن أقيس فتزلّ قدمي.
4. وروي عن الشعبي قال: واللّه لأن أخذتم بالمقاييس لتُحرّمنّ الحلال ولتحلنّ الحرام.
إلى غير ذلك.(13)
_____________
1. نهج البلاغة، الخطبة الثانية.
2. وسائل الشيعة:1، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
3. مقدمة ابن خلدون:444، الفصل السادس في علوم الحديث. نعم الحنفية ينكرون هذه النسبة إلى إمامهم.
4. الوسائل: الجزء18، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 24.
5. مرّ صفحة 51 من هذا الكتاب.
6. السرخسي، أُصول الفقه:2/130.
7. السرخسي، أُصول الفقه:2/130.
8. عبد الوهاب الخلاف: مصادر التشريع الإسلامي: 34ـ35.
9. الكليني : الكافي:1/265، باب التفويض إلى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .
10. الوسائل:19، الباب44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث1.
11. الشوكاني: نيل الأوطار:3/152.
12. الشوكاني: نيل الأوطار:3/152.
13. الدارمي، السنن:1، باب تفسير الزمان، ص65.ولاحظ كتاب العدة للشيخ الطوسي:2/688ـ 690للوقوف على كلمات نفاة القياس من أعلام السنّة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|