أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-07-2015
677
التاريخ: 25-10-2014
952
التاريخ: 25-10-2014
719
التاريخ: 5-08-2015
834
|
لا شكّ في أنّه صادق في كلامه وإخباره ، فإنّ الكذب قبيح وهو ينافي حكمته البالغة ... فلا يصدر عنه الكذب بالضرورة .
ثمّ إنّ الصدق وإن كان من نعوت الكلام باعتبار مطابقته للواقع ، لكنّ مرادنا هو الأعم ، وهو عدم إغرائه غيره بخلاف الواقع ، سواء كان من ناحية التكلّم ، أو من جهة الإلهام ، أو من جانب النقش في اللوح ، أو من غيرها ، فهو وإن كان قادراً على جميع القبائح إلاّ أنّه لا يفعلها البتة ؛ لأنّه حكيم ...
وهنا وجوه أُخر استدلّ بها على هذا الوصف كما في كفاية الموحّدين وغيرها :
1 ـ لا داعي للكذب سوى العجز والاضطرار المنفيين في حقّه تعالى فهو صادق .
أقول : حصر الداعي فيما ذُكر ممنوع ، كما يظهر ... في حكمته تعالى ، فهذا البيان ناقص إلاّ أن يرجع إلى ما قرّرناه .
2 ـ لو جاز عليه الكذب لارتفع منه الوثوق والاعتماد بوعده ووعيده ؛ لاحتمال تخلّفه في ثوابه وعقابه ، والتالي مخالف لضرورة العقل فكذا المقدّم .
أقول : وهذا من قبيل إثبات العلّة بالمعلول ثبوتاً وهو باطل جزماً .
وإن شئت فقل : إنّ الوثوق المذكور إنّما يحصل من أجل أنّه صادق ، فلو عُكس لجاء الدور المحال .
هذا ، ولكن العضدي والجرجاني والقوشجي نقلوا هذا الوجه عن المعتزلة بنحو آخر ، وهو: إنّ في ارتفاع الوثوق عن إخباره تعالى بالثواب ، والعقاب ، وسائر ما أخبر به من الأحوال الآخرة والأُولى ، فوات مصالح لا تُحصى ، والأصلح عليه واجب ، فلا يجوز الإخلال به .
أقول : وجوب الأصلح إن تمّ فهو لأجل محذور القبح ... وهو يكفي لإثبات صدقه بلا توسيط الوجوب المذكور .
3 ـ لو جاز عليه لانتفى فائدة الترغيب في الطاعات والترغيب على المعاصي ...
4 ـ جواز الكذب عليه مستلزم للظلم على العباد ؛ إذ يجوز حينئذٍ أن يأمر بالمفاسدة ويخبر عن المهالك ، وأن ينهى عمّا هو مصالحهم ومنافعهم ، وهذا ظلم .
أقول : وفيه أَوّلاً : إنّ الملازمة ممنوعة ؛ إذ جواز الكذب لا يلازم الظلم نفسه بل جوازه .
وثانياً : إنّ هذا ليس بدليل لمّي ولا إنّي ، فإنّ المقدّم لا علّية ولا معلولية له للتالي ، بل بطلان الكذب وبطلان الظلم ، وكلاهما معلولان لبطلان القبح وعدم صدوره عن الله الحكيم ، فتفطن .
5 ـ الكتاب والسُنة كقوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122].
أقول : الاستدلال بالأَوّل دور مصرّح ، وبالثاني دور مضمر كما هو ظاهر .
6 ـ اتّفاق الملل عليه .
أقول : وجهه ما مرّ فليس بدليل مستقل .
7 ـ إخبار الأنبياء والأوصياء بذلك بالتواتر .
وفيه : ما في سابقه مع أنّه ليس هنا خبر واحد صحيح نقل عن أحدهم في هذا الباب ، وإنّما نعلم ذلك ـ أي إخبار الأنبياء بصدقه تعالى ـ من جهة ما مرّ من الدليل العقلي ، كل ذلك ظاهر .
وأمّا الذين ينكرون الحسن والقبح العقليين بلسانهم ، فاستدلّوا على إثبات صدقه تعالى بأُمور :
1 ـ إنّ الكذب نقص ، والنقص عليه محال إجماعاً ، وأيضاً فيلزم على تقدير أن يقع الكذب في كلامه ، أن نكون نحن أكمل منه في بعض الأوقات ، أعني وقت صدقنا في كلامنا .
2 ـ إنّه لو اتّصف بالكذب لكان كذبه قديماً ؛ إذ لا يقوم الحادث بذاته تعالى ، فيلزم أن يمتنع عليه الصدق المقابل لذلك الكذب ، وإلاّ لجاز زوال ذلك الكذب وهو محال ، فإنّ ما ثبت قِدمه امتنع عدمه ، واللازم باطل ، فإنّا نعلم بالضرورة أنّ مَن علم شيئاً أمكن له أن يخبر عنه على ما هو عليه .
3 ـ وعليه اعتمادهم لصحّته ودلالته على الصدق في الكلام النفسي واللفظي معاً ، وهو خبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكونه صادقاً في كلامه كلّه ، وهذا ممّا يُعلم بالضرورة من الدين ، بل نقول تواتر عن الأنبياء ( عليهم السلام ) كونه صادقاً .
لا يقال : صدق النبي موقوف على تصديق الله إيّاه ، وهو موقوف على كونه تعالى صادقاً ، فلو ثبت صدقه تعالى بصدق النبي لزم الدور .
فإنّه يقال : تصديق النبي غير موقوف على صدقه تعالى بل على المعجزة ، فهو تصديق فعلي لا قولي ، ودلالتها على التصديق دلالة عادية لا يتطرّق إليها شبهة .
أقول : أمّا الوجه الأَوّل فهو مخصوص بالكلام النفسي ـ كما صرّح به الجرجاني ـ دون اللفظي فإنّه من الأفعال ، والنقص فيها عين القبح العقلي كما اعترف به العضدي في مواقفه ، وهو عندهم غير ثابت ، وما تكلّف القوشجي من إجرائه في اللفظي أيضاً ، لا يرجع إلى محصّل أصلاً .
وكذا الوجه الثاني كما اعترف به العضدي أيضاً ، فإنّ الكلام اللفظي الكاذب حادث فلا يمتنع عدمه .
فهذان الوجهان إن تمّا لدلاّ على صدق الكلام النفسي ، دون اللفظي الذي هو الأهم في المقام ، وقد عرفت أنّ النفسي غير معقول ، وما هو معقول لا يكون مدلول اللفظي قطعاً.
فهذان الوجهان ساقطان ، مع أنّ الوجه الأَوّل يزيّف ، بأنّ الكبرى ممّا لا دليل عليها إلاّ الإجماع، الذي استفادوا حجّيته من ظواهر الكتاب والسُنة ، ومن الضروري أنّ اعتبارهما موقوفين على صدقه تعالى في كلامه ، وهو عين النزاع في المقام .
وأمّا لزوم أكمليتنا منه تعالى ، فبطلانه على قواعد الأشعريين غير بيّن ، ولا بمبيّن ، فإنّ أئمتهم يقولون : إنّ القول بالكمال والنقصان خطابي .
والوجه الثاني ممنوع من جهة أنّ دعوى الضرورة المذكورة من قبيل قياس الغائب على الشاهد، فإنّ كذبنا غير قديم ؛ فلذا يمكننا التكلّم صادقين بالضرورة ، وأمّا إذا كان قديماً فلا تجري فيه الضرورة المذكورة .
وأيضاً ينتقض بامتناع الكذب عليه ، فإنّ صدقه قديم فيمتنع عدمه فلا يمكنه الكذب ، مع أنّا نعلم بالضرورة أنّ مَن علم شيئاً يمكنه الإخبار على خلافه .
وأمّا الوجه الثالث فهو يزيّف :
أَوّلاً : ... في مبحث علمه تعالى في جواب مَن استدلّ على إثباته بالأدلة النقلية .
وثانياً : إنّه لا دلالة للمعجزة على صدق النبي في دعوى نبوته على أُصولهم ، فإنّهم ينكرون تعلّل أفعاله بالأغراض ، ويجوّزون عليه جميع القبائح العقلية ، بدعوى أنّه لا قبح بالنسبة إليه تعالى ، فإذن إجراء المعجزة وإن كان يدلّ على وجود الواجب الوجود : لكنّه لا يدل عل نبوّة المدّعي ، فإنّ الله لم يجرِها لتصديق دعواه ، وإلاّ لزم تعلّل أفعاله بالغرض، وهو مستلزم لنقصه في أوهامهم ، ودعوى الضرورة في حصول العلم العادي مع هذا البناء مجازفة واضحة ومكابرة ظاهرة ؛ ولذا اضطر بعضهم ، بأنّ يجوّز الكذب على الله (1) تعالى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً .
وهذا معنى قول بعض أصحابنا : إنّ القواعد الإسلامية لا تجري على أُصول الأشاعرة ، وهو متين ، فإنّه إذا لم يثبت صدقه تعالى فلا يثبت شيء من الشرعيات الاعتقادية والعملية ، فيجوز حينئذٍ إنكار جملة من الضروريات الدينية ، إلى غير ذلك من المفاسد الكثيرة .
بقي في المقام أمران :
الأمر الأَوّل :
لا إشكال في حدوث صدقه فإنّه من صفة أفعاله ، نعم لا يقال في العرف : كان الله ولم يكن صادقاً لإشعاره بثبوت ضدّه له ، بل لابدّ أن نقول : كان الله ولم يكن متكلّماً أو فاعلاً، فالمسلوب هو المنشأ .
هذا ولكن في رواية جابر عن الباقر ( عليه السلام ) قال : ( إنّ الله تبارك وتعالى كان ـ ولا شيء غيره ـ نوراً لا ظلمة فيه ، وصادقاً لا كذب فيه ، وعالِماً لا جهل فيه ، وحياً لا موت فيه ، وكذلك هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبداً ) (2) ، وفي رواية المفضّل عن الصادق ( عليه السلام ) ( ... وصدق ليس فيه كذب ، وعدل ليس فيه جور ... كذلك لم يزل ولا يزال ... إلخ ) (3) .
أقول : ويمكن حمل الصدق فيهما على الحقّ والكذب على الباطل ، فيرجعان إلى الصفات الثبوتية ، وتشهد له صحيحة هشام بن سالم (4) عن الصادق ( عليه السلام ) ففيها : ( هو نور لا ظلمة فيه ، وحياة لا موت فيه ، وعلم لا جهل فيه ، وحقّ لا باطل فيه ... إلخ ) ، ويُحتمل أن يكون الصدق والعدل بمعنى سلب الكذب والجور كما ذكره الإمام أيضاً ، ولا شك أنّه تعالى كان في الأزل غير كاذب ولا بجائر ، والأمر سهل .
الأمر الثاني :
... أنّ امتناع الكذب عليه تعالى إنّما هو من جهة عدم صدور القبح عنه و ... أنّ الصحيح كونه بالوجوه والاعتبار ، فإذن يمكن أن يقول قائل : بمنع امتناع الكذب عليه ؛ إذ على هذا القول ـ أي كون القبح بالوجوه والاعتبار ـ يمكن أن تتحقّق في الكذب مصلحة مرجّحة لوقوعه رافعة لقبحه ، فإذا تطرّق هذا الاحتمال فقد بطل الاستدلال على امتناع الكذب المذكور .
ويؤيّده ما ثبت عند أصحابنا الإمامية ـ رضي الله عنهم ـ من جواز التقية على الإمام ، فإنّها لا تختصّ عندهم بالأفعال ، بل تجري في الأقوال أيضاً ، فإذا جاز أن يقول الإمام عبارةً كاشفة عن الواقع على خلاف ما هو عليه ؛ مراعاةً لمصلحة التقية ، جاز مثله في حقّ النبي بل وفي حق الله تعالى .
ومن هنا ذهب بعض الزنادقة من المنتسبين إلى الإسلام ـ كما في الفصول الغروية في الأُصول الفقهية ـ إلى أنّ الأخبار الواردة في الشريعة ـ ممّا يتعلّق بتعذيب الكفّار والفسّاق بأسرها ـ أخبار صورية غير مطابقة للواقع ، قصد بها مجرّد التخويف ؛ لحفظ النظام وتكميل الأنام .
هذا ولكن هذا الإشكال مقطوع البطلان ، فإنّ القبح وإن كان بالوجوه والاعتبار ، غير أنّه من الواضح أنّ قبح الكذب لا يزول ، إلاّ من جهة الاضطرار الممتنع في حقّ القادر على كلّ شيء، فإنّه لا يُعجزه شيء في السماوات والأرض ، فلا يعقل جواز الكذب في حقّه أبداً ، وهذا ظاهر .
وأمّا النبي فقد استدلّ المحقّق الأُصولي صاحب الفصول على امتناع الكذب في حقه بوجهين :
الأَوّل : إنّ المعجزة تدلّ على تصديق الله إيّاه فيما يدّعي ويُخبر به ، ولا ريب في قبح تصديق الكاذب إلاّ مع الاضطرار ؛ لأنّه في معنى الكذب ، وقد ثبت امتناع الاضطرار عليه تعالى .
الثاني : إنّه لو جاز التقية على الأنبياء لزال فائدة بعثتهم ، وهو منافٍ للحكمة الباعثة عليه . ثمّ قال : وأمّا الإمام فليس الحال فيه كذلك ، والفرق أنّ النبي منصوب بقاعدة اللطف ؛ لإظهار الحقّ ، وإمحاق الباطل ، وإتمام الحجّة ، وقطع المعاذير على مَن آمن برسالته ومَن كفر بها ، سواء أَمن من شره أو لم يأمن ، وأمّا الإمام فهو وإن كان قائماً مقام الرسول ، في كونه الرئيس العام الواجب اتّباعه على سائر الأنام ، إلاّ أنّ منصبه منصب العلماء الحاملين لأحكام الشريعة وأسرارها ، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عند التمكّن من الضرر ، فإذا اضطرّوا إلى التقيّة في الكلام جاز لهم ذلك بطريق التورية .
والسر في ذلك : أنّ الحجّة قد تمّت ولزمت على الأنام ببيان الرسول ( عليه وآله السلام)، حتى بالنسبة إلى وجوب معرفة الإمام واتّباعه ، فشأنه بعد الرسول إنّما هو إزاحة الجهل، ببيان ما يحتاج إليه من تفاصيل المعارف والأحكام مع أمن الضرر ، ولا ريب أنّ هذا لطف آخر لا يغني عنه اللطف السابق ، وعند التحقيق هذا كمال لذلك اللطف ... إلخ .
أقول : لم أرَ لحدّ الآن أحداً من علمائنا ذكر جواز التقية على النبي ( صلى الله عليه وآله) ، غير أنّ جملةً من علماء العامة نسبه إلى الإمامية ، وأنّهم يقولون بجواز التقية على النبي ، وهذه النسبة كذب ، بل الأمر بالعكس ؛ إذ يظهر من بعض رواياتهم أنّ النبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله ) كان يتّقي من قوم عائشة ، كما ورد (5) أنّه ( صلى الله عليه وآله ) قال لعائشة : ( لولا أنّ لقومك عهداً بالجاهلية ـ وفي رواية عهد حديث بالكفر ـ وأخاف أن ينكر قلوبهم لأمرت بالبيت فهدم ، فأدخلت ما أخرج عنه ... إلخ ) ، فتدبّر .
وأمّا ما ذكره صاحب الفصول قدّس سره من الوجهين المتقدّمين ، والفرق بين الإمام والنبي فهو ممنوع بل ظاهر الفساد ، كما لا يخفى على الخبير .
_______________________
(1) نقله السيد الجليل المعاصر في حاشيته على إحقاق الحق 1 / 231.
(2) بحار الأنوار 4 / 69.
(3) المصدر نفسه 3 / 306.
(4) المصدر نفسه 4 / 70.
(5) رواه القاضي في صوارمه عن الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عائشة ، ومن المتّفق عليه ، وذكره شارح الوقاية من الحنفية في كتاب الحجّ .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|