أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014
808
التاريخ: 25-10-2014
861
التاريخ: 25-10-2014
782
التاريخ: 25-10-2014
759
|
لا خفاء في أنّ كلامه حادث ، فإنّه عبارة عن إيجاد الصوت القائم بالهواء المعدوم في الأزل ، بناءً على حدوث العالَم ، وأيضاً قِدمه يستلزم وجود المخاطب القديم صوناً عن اللغوية ، والمسلّم بين المتكلّمين عدمه ، فيبطل قِدم الكلام ولو بتوارد الأمثال ، ويثبت حدوثه شخصاً ونوعاً .
وأيضاً الحروف المسموعة من الموجودات الغير القارّة ، ولا يمكن جمع حرفين منهما في آن واحد ، فلابدّ من الترتّب بينهما ، ولا شكّ أنّ الحرف المسبوق المتأخر عن السابق حادث ، فكذا السابق فإنّه سابق عليه بزمان محدود ، والمتقدّم على الحادث بمقدار محدود حادث بالضرورة ، كلّ ذلك واضح لا سترة عليه ، وقد نصّ عليه القرآن الكريم أيضاً حيث قال : {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2]وقال : {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ} [الشعراء: 5] .
ومع ذلك فالحنابلة ـ أتباع أحمد بن حنبل ، من أهل السُنة ـ ادّعوا أنّ كلامه حرف وصوت يقومان بذاته تعالى ، وأنّه قديم ، وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم جهلاً : الجلد والغلاف قديمان فضلاً عن المصحف (1) ، سبحانك عن هذه الضلالة العظيمة .
وأمّا الكرامية فهم وإن خالفوا هؤلاء في قِدم الكلام وقالوا بحدوثه ، لكنّهم وافقوهم في قيامه بذاته تعالى ؛ لتجويزهم قيام الحوادث به (2) ... وأنّ قيام الحوادث وحلولها به تعالى ممتنع عقلاً .
ومن هنا اخترع الأشاعرة الكلام النفسي ؛ ليصحّ قيامه بذاته ، ولا يلزم منه ما ذكره الكرامية ، فكأنّ هؤلاء الأحزاب لم يصلّوا إلى الحقّ أصلاً ، ولم يفهموا أنّ الحروف لا تصير قديمةً ، وأنّ الحادث لا يحلّ فيه تعالى ، وأنّ قيام الحادث به لا يستلزم الحلول حتى يحتاج إلى الاختراع الفاسد المذكور ، فإنّ قيام المبادئ بذويها على أنحاء شتّى ، ونحن نذكرها هنا فإنّه ينفعك في غير المقام أيضاً ، فلا تقع في الغلط والضلالة كما وقع فيه أقوام ، فنقول وبالله الاعتماد :
1 ـ القيام الحلولي : مثل : مريض ، ميت ، جائع ، خائف ، شجاع ، عالم ، حليم ، طويل ، أسود ، قائم ، عاشق ، غضبان ، راضٍ ، محبّ ، عدو ... إلى غير ذلك من المبادئ التي تحلّ محالها ، ويسمّى قيامها بالقيام الحلولي .
2 ـ القيام الانتزاعي : وهو ما ليس بإزاء المبدأ في الخارج شيء متأصّل ، ويعبّر عنه في بعض أفراده بالمحمول بالصميمة ، مثل : ممكن ، زوج ، مالك ، حر ، عبد ، مملوك ، أب ، ابن ، قريب ، بعيد ، واحد ... إلى غير ذلك من المبادئ الاعتبارية التي لا تحقّق لها في الخارج أصلاً ، وإنّما الموجود هو نفس الذات ، وأمّا المبدأ فهو إمّا في الذهن فقط كما هو الغالب ، أو في نفس الأمر كما في مثل الإمكان والامتناع ، وزوجية الأربعة ، ونحوها .
3 ـ القيام الوقوعي : مثل : محمود ، مضروب ، مشكور ، منصور ، معلوم ، معبود .... إلى غير ذلك من المشتقات التي تُحمل مبادئها على ذويها باعتبار وقوعها عليها وقوعاً حسّياً أو اعتبارياً .
4 ـ القيام الذاتي : وهو ما كان المبدأ نفس الذات ، مثل : قولنا : الوجود موجود ، فإذا قلت في تحليل الموجود : شيء له الوجود ، فذلك الشيء نفس الوجود بلا مداخلة شيء آخر ، ومثله قولنا : الضوء مضيء والنور منور .
ومن هذا القبيل الصفات الذاتية الثابتة للواجب الوجود ، بناءً على مذهب أهل الحقّ من عينيتها مع الذات ، فإذا قلنا إنّه عالم ، قادر ، حيّ ، وغير ذلك فقد اعترفنا بقيام مبادئها بذاته تعالى ، والحال أنّها نفس ذاته المقدّسة .
وأمّا على زعم الأشعريين فهي داخلة في القسم الأَوّل ، وعلى حسبان جمع من الاعتزاليين داخلة في القسم الثاني كما لا يخفى على البصير .
فإن قلت : فقد اختلف إطلاق هذه الصفات عند أهل الحقّ على الخالق والمخلوق ؛ حيث إنّ قيام مبادئها في الأَوّل ذاتي وفي الثاني حلولي ، فهل يلتزمون بالاشتراك أو المجاز أو غير ذلك ؟
قلت : لا بل الإطلاق على كلا الموردين حقيقة ، والاستعمال بنحو فارد ، والاختلاف الواقع في ناحية المصداق ، غير مرتبط بجانب المفاهيم التي عليها مدار وضع الألفاظ ، وتحقيق هذه المسألة في أُصول الفقه .
5 ـ القيام الصدوري : وهو ما كان المبدأ صادراً عن الفاعل وحالاًّ في غيره ، كالقاتل ، والكاسر ، والجارح ، والضارب ، والمعطي ، والمكرِم ونحوها ، ومن هذا القبيل التمّار ، والحدّاد ، واللابن ، والصبّاغ ، ونحوها بناءً على تفسيرها ببائع التمر والحديد واللبن أو صانع الحديد وعامل الصبغ ، وأمّا لو فسّرناها بغير هذا المعنى ، فلابدّ من جعل القيام فيها قسماً برأسه ، وتسميته بالقيام الاعتباري ؛ إذ لا يدخل في القسم الثاني كما لا يخفى .
وهذا التقسيم ممّا لا يحتاج إلى دليل وشاهد ، فإنّه بيّن في نفسه ، فإنّ العاقل إذا تصوّره على وجهه يصدّقه لا محالة ، ويذعن بأنّ المشتقّات وما بحكمها لم توضع للقيام الحلولي فقط ، بل لمطلق القيام وتعيين أحد الأقسام من خصوصيات الموارد ، كما في سائر الألفاظ الموضوعة ، كلفظ الإنسان مثلاً فإنّه وضع للطبيعي الجامع ، وأمّا كونه متحرّكاً أو ساكناً ، عالماً أو جاهلاً ، ذكراً أو أُنثى ، إلى غير ذلك من أقسامه ، فهو يستفاد من الخارج وهذا واضح جداً ، اللهم إلاّ أن يرجّح الشخص تقليد مشايخه الأَوّلين على وجدانه وإدراكاته الأَوّلية .
فإذا تحقّق ذلك فاعلم أنّ جميع أفعاله تعالى قائمة به قياماً صدورياً ، كما أنّ صفاته الذاتية قائمة به قياماً ذاتياً كما مرّ ، فالتكلّم كنظائره من الأفعال صادر عنه وقائم به قياماً صدورياً ، ويحلّ في جسم من الأجسام لا فيه تعالى ، بل الصحيح أنّ قيام مبدأ التكلّم بالمتكلّم الممكن أيضاً قيام صدوري ، وفرقه عن الواجب بالجارحة المخصوصة لا يرتبط بما هو محل البحث ، فإنّ صدور الكلام عن العضو المذكور ، غير معتبر في مفهوم التكلّم أصلاً ، كعدم اعتبار جهل المتكلّم ، أو فقره ، أو سيادته ، أو علمه ، أو غير ذلك من الخصوصيات ، بل معناه هو إيجاد الكلام ...
وأنت من عقائد الحنابلة والكرامية في الكلام اللفظي ، ومن أوهام الأشعرية في الكلام النفسي الآتي وغيره من المسائل الأُصولية ، تعلم قيمة قول نبيك الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، مَن ركبها نجا ، ومَن تركها غرق ) والهداية من الله تعالى .
________________________
(1) شرح المواقف 3 / 76 وكذلك في غيره .
وفي الحاشية شرحها : نقل عن بعضهم ، أنّ الجسم الذي كُتب به القرآن فانتظم حروفاً ورقوماً هو بعينه كلام الله ، وقد صار قديماً بعد ما كان حادثاً !.
(2) المصدر نفسه .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|