أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-3-2017
907
التاريخ: 25-10-2014
2008
التاريخ: 25-10-2014
1179
التاريخ: 25-10-2014
1031
|
... أنّ الأوصاف الثمانية ـ التي هي الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة المسمّاة بصفات الكمال وصفات الذات ـ عين الذات وليست بزائدة عنها كعلمنا وقدرتنا وحياتنا الزائدة عن ذواتنا ، ردّا على الأشاعرة (1) ؛ وذلك لأنّ العينيّة صفة كمال لا تقتضي نقص صاحبها ، فهي ثابتة على وجه الوجوب له تعالى لئلاّ يلزم النقص والاحتياج ، أو كون فاقد القدرة قادرا على إيجاد القدرة لنفسه، وتعدّد القدماء المستلزم لتعدّد الواجب ...
ويطابقه النقل كما روي عن أبي عبد الله عليه السلام : « لم يزل الله عزّ وجلّ والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور (2) ».
وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : « إنّه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع (3) » إلى غير ذلك من الأخبار (4).
وأمّا قوله عليه السلام : « إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزليّة ، كان الله عزّ وجلّ ولا متكلّم (5) » ، وقوله عليه السلام : « لم يزل عالما قادرا ثمّ أراد (6) » ، وقوله عليه السلام : « خلق الله المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة (7) » ونحوها ممّا يدلّ على أنّ الكلام والإرادة من الصفات الزائدة ، فهي محمولة على زيادة الكلام ، بمعنى إيجاد ما يدلّ على المراد، أو المتكلّم به ، لا القدرة على إيجاده.
وكذا الإرادة بمعنى القصد والمشيئة ـ كما هو المتعارف في المحاورات العرفيّة ـ لا بمعنى العلم بالمصلحة المقتضي لمشيئة الفعل ، والعلم بالمفسدة المقتضي لمشيئة الترك ، فلا يلزم المخالفة مع ما عليه المتكلّمون من كون الكلام والإرادة من الصفات العينيّة.
وقوله تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ} [المائدة: 41] أو نحوه محمول على نفي المشيئة ، كحمل قوله تعالى : {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ...} [آل عمران: 142]على عدم حصول الامتياز الخارجيّ ، لا العلم الذاتي الذي هو نفس الذات المتميّز.
فإن قلت : العلم مثلا ـ بمعنى ظهور المعلوم للعالم ، أو انكشافه عنده بالحضور أو الحصول ، أو نحوهما ؛ والقدرة بمعنى التمكّن على الفعل والترك ؛ والحياة بمعنى صحّة الاتّصاف بالعلم والقدرة ونحو ذلك بسبب المصدريّة ، أو نحوها ـ من الأعراض التي لا يمكن أن تكون عين ذات الجواهر الممكنة ، فكيف تصحّ دعوى العينيّة بالنسبة إلى الواجب؟!
قلت : قد تطلق الألفاظ المذكورة على المعنى الوصفيّ والعرضيّ كما ذكر.
وقد تطلق على المعنى الاسميّ ، فالعلم يكون بمعنى منشأ انكشاف الأشياء وسبب ظهورها ، والقدرة بمعنى منشأ التمكّن على الفعل والترك ، والحياة بمعنى منشأ صحّة الاتّصاف بالعلم والقدرة ونحوه ، هي بهذه المعاني في الواجب عين الذات ، وفي الممكن أعراض تعرض الذات، والحمل في الواجب يكون بسبب التغاير الاعتباريّ ، والتعدّد والتكثّر إنّما يكون باعتبار الآثار الخارجيّة ، وإلاّ فهي في الخارج واحدة عين الذات.
وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف بقوله : ( ونفي الزائد ) بمعنى أنّ وجوب الوجود يقتضي عدم الوصف الزائد على ذاته تعالى ، وكون الصفات الذاتيّة المذكورة عين الذات ؛ حذرا عن لزوم النقص والاحتياج المنافيين لوجوب الوجود.
وقد يبيّن المراد بأنّ العلماء لمّا اختلفوا في أنّ البقاء صفة زائدة على الذات حتّى تكون الصفات ثمانية ـ كما عن الشيخ الأشعريّ ـ أم لا ـ كما عن الأكثرين ـ؟ (8) أشار بقوله : « ونفي الزائد» إلى أنّ البقاء ليس صفة زائدة ، بل هو عين الذات كسائر الصفات الذاتيّة ؛ فإنّه في مقام الآثار من شعب الحياة التي هي عين الذات ، وقد أشرنا إليه.
فلا يتوجّه ما تمسّك به الشيخ الأشعريّ من أنّ الواجب باق بالضرورة ، فلا بدّ أن يقوم به معنى هو البقاء كما في العالم والقادر ؛ لأنّ البقاء ليس من السلوب والإضافات وهو ظاهر ، وليس أيضا عبارة عن الوجود ، بل زائد عليه ؛ إذ الوجود متحقّق دونه كما في آن الحدوث.
مضافا إلى أنّه ردّ بالنقض بالحدوث ؛ فإنّه غير الوجود ؛ لتحقّق الوجود بعد الحدوث ، والحلّ (9) بأنّ البقاء وجود مخصوص ؛ فإنّه وجود مستمرّ كما أنّ الحدوث أيضا كذلك ؛ فإنّه وجود بعد العدم.
وحكى الفاضل القوشجي عن الأكثرين ـ القائلين بأنّ البقاء ليس صفة زائدة ـ أنّهم استدلّوا عليه بوجوه :
« أحدها : أنّ المعقول منه استمرار الوجود ، ولا معنى لذلك سوى الوجود من حيث انتسابه إلى الزمان الثاني.
وثانيها : أنّ ذات الواجب لو كان باقيا بالبقاء الذي هو ليس نفس ذاته ، لما كان الوجود لذاته ؛ لأنّ ما هو موجود لذاته فهو باق لذاته ؛ ضرورة أنّ ما بالذات لا يزول أبدا ، وإذا فسّر البقاء بصفة يعلّل بها الوجود في الزمان الثاني ، لكان لزوم المحال أظهر ؛ لأنّه يؤول إلى أنّ الواجب موجود في الزمان الثاني لأمر سوى ذاته.
واعترض [ عليه ] صاحب الصحائف (10) بأنّ اللازم ليس إلاّ افتقار صفة إلى صفة أخرى ، ولا امتناع فيه كالإرادة تتوقّف على العلم ، والعلم على الحياة.
وردّ بأنّ افتقاره في الوجود إلى أمر سوى الذات ينافي الوجوب بالذات.
أقول : فيعود إلى الوجه الأوّل ؛ إذ لا بدّ في إتمامه من أنّ البقاء وجود خاصّ ، فباقي المقدّمات مستدرك.
وثالثها : أنّ الذات لو كان باقيا بالبقاء لا بنفسه ، فإن افتقر صفة البقاء إلى الذات ، لزم الدور ؛ لتوقّف ثبوت كلّ في الزمان الثاني على الآخر ، وإن افتقر الذات إلى البقاء مع استغنائه عنه ، كان الواجب هو البقاء لا الذات ، هذا خلف ، وإن لم يفتقر أحدهما إلى الآخر ، بل اتّفق تحقّقهما معا ـ كما ذكره صاحب المواقف (11) ـ لزم تعدّد الواجب ؛ لأنّ كلاّ من الذات والبقاء يكون مستغنيا عمّا سواه ؛ إذ لو افتقر البقاء إلى شيء آخر ، لافتقر إلى الذات ؛ ضرورة افتقار الكلّ إليه ، والمستغني عن جميع ما سواه واجب قطعا.
هذا ، مع أنّ ما فرض ـ من عدم افتقار البقاء إلى الذات ـ محال ؛ لأنّ افتقار الصفة إلى الذات ضروريّ.
ورابعها : أنّ البقاء لو كان صفة أزليّة زائدة على الذات ، قائمة به كانت بالبقاء ويتسلسل.
فإن قيل : هو باق بالبقاء لكن بقاؤه نفسه ليس زائدا عليه حتّى يتسلسل.
قلنا : فحينئذ يجوز أن يكون البارئ تعالى باقيا ببقاء هو نفسه » (12).
أقول : الدليل الإجماليّ على ثبوت تلك الصفات له تعالى أنّ ثبوتها كمال وعدمها نقص ، ولا شكّ في صحّة اتّصاف الموجود ـ بما هو موجود ـ بها ، بمعنى أنّ حيثيّة الموجود لا تنافي الاتّصاف بها وإن أمكن تحقّق المنافي لها في بعض الموجودات كالصورة والطبيعة الزائدة على وصف الموجوديّة ، فالموجود الذي ليس فيه إلاّ جهة الموجوديّة ليس فيه ما ينافي الاتّصاف بالكمال ، وواجب الوجود موجود بما هو موجود من غير خصوصيّة زائدة ؛ لما مرّ من أنّ حقيقته عين الوجود ، وليس حقيقته إلاّ الوجود ، فليس فيه خصوصيّة تكون فرعا لماهيّة زائدة على الوجود ، فليس فيه ما ينافي الاتّصاف بالكمالات ، وقد مرّ أنّ كلّ ما يمكن اتّصاف الواجب به ، فهو واجب الحصول ؛ لامتناع كون صفته تعالى بالقوّة ، فواجب الوجود متّصف بالكمالات المذكورة على وجه الوجوب.
وأيضا : فإنّ آثار تلك الصفات ، الصادرة عن الواجب ـ كانكشاف الأشياء ونحوه ـ إمّا أن تكون بلا منشأ أو معه. والأوّل مستلزم للترجيح بلا مرجّح ، أو الترجّح بلا مرجّح ، وكلاهما فاسد.
وعلى الثاني إمّا أن يكون المنشأ غير ذاته تعالى ، أو نفس ذاته.
وعلى الأوّل يلزم الاحتياج المنافي لوجوب الوجود ، وتعدّد الواجب إن كان ذلك الغير واجبا وتقدّم الشيء على نفسه إن كان ممكنا ؛ لاستناد ذلك الممكن إلى الواجب استنادا محوجا إلى القدرة والعلم ونحوهما ، وجميع ذلك محال ، فتعيّن الثاني ، فيلزم كون ذاته تعالى منشأ للآثار المترتّبة على الصفات كالعلم والقدرة ، فيكون ذاته منشأ لانكشاف الأشياء كما أنّ علمنا منشأ له، وهكذا سائر الآثار ، فيثبت المطلوب.
وأيضا : لو لم يكن تلك الصفات ثابتة له تعالى ، يلزم نقص الواجب في مرتبة الذات ، وإن لم يتفاوت الأمر بالنسبة إلى الآثار بأن كان ذاته نائب الصفات مع أنّه تعالى معط لتلك الكمالات التي لا توجب نقص الذات ، ومعطي الشيء لا بدّ أن يكون واجدا له وغير فاقد له.
وأيضا : ظواهر الآيات والأخبار (13) ـ نحو قوله تعالى : {عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [النحل: 70] وغيره ـ دالّة على كون ذاته تعالى صاحب الصفات لا نائب الصفات ؛ لأنّ المشتقّ حقيقة فيما ثبت له المبدأ لا ما ناب عنه ، فالقول بأنّ ذاته تعالى نائب الصفات مخالف لها (14).
ويجب أن يكون اتّصافه تعالى بتلك الصفات على طريق أكمل بمعنى أنّه تعالى في اتّصافه بها لا يحتاج إلى قيام صفة زائدة به ، بل ذاته تعالى بذاته متّصف بمفاهيمها بأن يترتّب عليه بذاته ما يترتّب على غيره بصفة زائدة ، وكما أنّ الصفات في غيره منشأ لحصول آثارها ، كذلك ذاته تعالى منشأ لحصولها ؛ لئلاّ يلزم النقص في الذات بالاحتياج إلى الصفات ، وتعدّد الواجب، أو احتياج الواجب إلى غيره المستلزم للإمكان ، وتعدّد الواجب ، أو تقدّم الشيء على نفسه إن كان ذلك العين ممكنا محتاجا إلى الواجب المؤثّر فيه تأثيرا محتاجا إلى ثبوت القدرة والعلم ونحوهما ، مع أنّ العينيّة كمال بالنسبة إلى الزيادة وقد مرّ أنّ كلّ كمال ممكن في حقّه تعالى ، وواجب الثبوت له تعالى.
وصل : الاعتقاد بأنّ الصانع الواجب بالذات صاحب الصفات لا نائب الصفات من أصول المذهب الجعفريّ ولو كمالا ، ومنكره ـ كشارح المواقف (15) ـ ليس له مذهب كامل ، ومن لم يعرف ذلك الاعتقاد الحقّ ولم ينكره ، كان من المستضعفين في المذهب ، كما أنّ منكر أصل من أصول الدين خارج عن الدين ، ومن لم يعرفه ولم ينكره كان من المستضعفين في الدين.
__________________
(1) انظر « الملل والنحل » 1 : 95 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 19 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 8 : 44 وما بعدها.
(2) « التوحيد » : 139 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 1 ؛ « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ، ح 1.
(3) « التوحيد » : 144 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 9 ؛ « الكافي » 1 : 108 باب آخر وهو من الباب الأوّل ، ح 1.
(4) راجع « التوحيد » : 139 ـ 148 ؛ « الكافي » 1 : 107 ـ 109.
(5) « التوحيد » : 139 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 1 ؛ « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ، ح 1.
(6) « التوحيد » : 146 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 15 ؛ « الكافي » 1 : 109 باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ، ح 1.
(7) « التوحيد » : 148 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 19 ؛ « الكافي » 1 : 110 باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ح 4.
(8) لمزيد المعرفة حول الأقوال في هذه المسألة راجع « الأربعين في أصول الدين » 1 : 259 ـ 265 ؛ « المحصّل » : 408 ـ 410 ؛ « نقد المحصّل » : 292 ـ 293 ؛ « كشف المراد » : 290 ؛ « مناهج اليقين » : 179 ؛ « شرح المواقف » 8 : 106 ـ 109 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 164 ـ 168 ؛ « إرشاد الطالبين » : 213 ـ 215 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 320 ـ 323.
(9) أي وردّ بالحلّ.
(10) نقله التفتازانيّ عنه في « شرح المقاصد » 4 : 166 وكذا في « مفتاح الباب الحادي عشر» : 120.
(11) « شرح المواقف » 8 : 107.
(12) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 323.
(13) انظر المصادر المتقدّمة في ص 284 من هذا الجزء.
(14) نسب هذا القول إلى المعتزلة ، كما في « الفرق بين الفرق » : 78 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 70 ؛ « شرح المنظومة » قسم الفلسفة : 161.
(15) « شرح المواقف » 8 : 44 ـ 49.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|