أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2016
1505
التاريخ: 29-6-2020
1527
التاريخ: 5-8-2016
2049
التاريخ: 8-8-2016
3095
|
لا ريب في أنّ تخصيص العامّ لا يوجب مجازيته مطلقاً ; متّصلاً كان المخصِّص أم منفصلاً .
ويتفرّع عليه : أنّه حجّة فيما بقي بعد التخصيص ، وعلى القول بالمجازية لازمه سقوطه عن الحجّية وصيرورة الكلام مجملاً .
وتوضيح ذلك : أنّ حقيقة المجاز ـ كما تقدّم ـ ليس عبارة عن استعمال اللفظ في غير ما وضع له; إذ التلاعب بالألفاظ لا حسن فيه ، وكون زيد أسداً لفظاً لا بلاغة فيه ، بل كلّ المجازات ـ من مرسل واستعارة ـ لا يستعمل لفظها إلاّ فيما وضع له ، لكن بادّعاء أنّ المورد وما سبق لأجله الكلام من مصاديقه ; وإن كانت العامّة غافلين عنه ، كما في قوله سبحانه : {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } [يوسف: 31] ، وتقدّم تفصيله ، فراجع(1) .
والقائل بأنّ العامّ المخصَّص مجاز لابدّ أن يصحّح مقالته بالادّعاء ; إذ قوام المجاز في جميع الأقسام والأمثلة إنّما هو بالادّعاء ، وأنّ ما قصده أيضاً هو نفسه أو من مصاديقه ، فانظر إلى قول الشاعر :
جددت يوم الأربعين عزائي والنوح نوحي والبكاء بكائي
ترى أنّ حسن كلامه وجمال مقاله إنّما هو في ادّعائه بأنّ النوح والبكاء منحصران في نوحه وبكائه ، وليس غيرهما نوحاً وبكاء .
وعليه لا يجوز أن يكون العامّ المخصّص من قبيل المجاز ; ضرورة عدم ادّعاء وتأوّل فيه ، فليس في قوله : {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ادّعاء كون جميع العقود هي العقود التي لم تخرج من تحته ، وأنّ الباقي بعد التخصيص عين الكلّ قبله ; إذ ليس المقام مقام مبالغة وإغراق حتّى يتمسّك بهذه الذوقيات ، وكذلك قوله سبحانه : {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] في المطلق الوارد عليه التقييد .
والحاصل : أنّ حمل العامّ المخصَّص على باب المجاز ـ مع أنّ مداره الادّعاء ، وهو غير مناسب في هذه العمومات التي لم يقصد منها إلاّ ضرب القانون ـ ضعيف جدّاً .
مع إمكان كونه حقيقة على وجه صحيح ، وإليك بيانه : إنّ الدواعي لإنشاء الحكم وإلقاء الأمر على المخاطب كثيرة جدّاً ، قد أشرنا إلى بعضها في باب الأوامر ، ومن تلك الدواعي هو ضرب القانون وإعطاء القاعدة الكلّية للعبيد بجعل حكم على عنوان كلّي نحو «أكرم العلماء» ، وللموضوع آلاف من المصاديق ، ولكن بعضها محكوم بالإكرام بالإرادة الجدّية ، وبعضها محكوم بعدم الإكرام كذلك .
وحينئذ : فالقائل يستعمل قوله «أكرم العلماء» في تمام أفراده الذي هو المعنى الحقيقي بالإرادة الاستعمالية ، ثمّ يشير بدليل منفصل أو متّصل على أنّ الفسّاق منهم وإن تعلّقت بهم الإرادة الاستعمالية وشملهم عموم القانون إلاّ أنّ الإرادة الجدّية في هذا المورد على خلافه ، وأنّهم يحرم إكرامهم أو لا يجب ، وهذا الجعل بهذه الكيفية ربّما يفيد العبد فيما إذا شكّ في خروج غير الفسّاق أو في المخصّص المجمل المنفصل الدائر بين الأقلّ والأكثر .
فالجعل على عنوان كلّي يصير ضابطة وتكون حجّة في الموارد المشكوكة ; إذ الأصل الدائر بين العقلاء هو تطابق الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدّية إلاّ ما قام الدليل من جانب المولى على خلافه ، فهذا الظهور بنحو العموم حجّة عليه في كلّ فرد من أفراده ; حتّى يقوم حجّة أقوى على خلافه .
فظهر : أنّ العامّ مستعمل في معناه الأوّل ، وأنّ التضييق والتخصيص في الإرادة الجدّية ، ومدار كون الشيء حقيقة أو مجازاً على الاُولى من الإرادتين دون الثانية ، ويصير حجّة في الباقي ; لما عرفت من أنّ الأصل الدائر بين العقلاء هو تطابق الإرادتين حتّى يقوم دليل أقوى على خلافه .
وإن شئت قلت : إنّ قوله تعالى : {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] استعمل جميع ألفاظـه فيما وضعت لـه ، لكن البعث المستفاد من الهيئة لم يكن في مورد التخصيص لداعي الانبعاث ، بل إنشاؤه على نحو الكلّية ـ مع عدم إرادة الانبعاث في مورد التخصيص ـ إنّما هو لداع آخر ; وهو إعطاء القاعدة ليتمسّك بها العبد في الموارد المشكوكة .
فالإرادة الاستعمالية التي هي في مقابل الجدّية قد تكون بالنسبة إلى الحكم بنحو الكلّية إنشائياً وقد تكون جدّياً لغرض الانبعاث ، وقوله سبحانه ( أوفُوا بِالعُقُودِ ) إنشاء البعث إلى الوفاء بجميع العقود ، وهو حجّة ما لم تدفعها حجّة أقوى منها . فإذا ورد مخصّص يكشف عن عدم مطابقة الجدّ للاستعمال في مورده ، ولا ترفع اليد عن العامّ في غير مورده ; لظهور الكلام وعدم انثلامه بورود المخصّص ، وأصالة الجدّ التي هي من الاُصول العقلائية حجّة في غير ما قامت الحجّة على خلافها .
لا يقال : إذا لم يكن البعث حقيقياً بالإضافة إلى بعض الأفراد ـ مع كونه متعلّقاً به في مرحلة الإنشاء ـ فلازمه صدور الواحد عن داعيين بلا جهة جامعة تكون هو الداعي(2) .
لأنّا نقول : إنّ التمسّك بالقاعدة المعروفة في هاتيك المباحث ضعيف جدّاً ـ كما هو غير خفي على أهله ـ وكفى في إبطال ما ذكر : أنّ الدواعي المختلفة ربّما تدعو الإنسان إلى شيء واحد .
أضف إلى ذلك : أنّ الدواعي المختلفة ليست علّة فاعلية لشيء ، بل الدواعي غايات لصدور الأفعال . وما قرع سمعك : أنّ الغايات علل فاعلية الفاعل(3) ليس معناه أ نّها مصدر فاعليته ; بحيث تكون علّة فاعلية لها ويصدر حركة الفاعل منها ، بل معناه أنّ الفاعل لا يصير مبدأ إلاّ لأجلها ، فالغاية ما لأجلها الحركة لا فاعل التحريك والحركة .
فإن قلت : إنّ حقيقـة الاستعمال ليس إلاّ إلقاء المعنى بلفظـه ، والألفاظ مغفول عنها حينه ; لأنّها قنطرة ومـرآة للمعاني ، وليس للاستعمال إرادة مغايرة لإرادة المعنى الواقعي ، والمستعمِل إن أراد مـن لفظ العامّ المعنى الواقعي فهو ، وإلاّ كان هازلاً(4) .
قلت : فيما ذكر خلط واضح ـ وإن صدر عن بعض الأعاظم ـ إذ ليس الإرادة الاستعمالية والجدّية متعلّقتين بلفظ العامّ ; بحيث يكون المراد الاستعمالي جميع العلماء والجدّي بعضهم ; حتّى يرد عليه ما ذكر ، بل الاستعمالية والجدّية إنّما هي بالنسبة إلى الحكم ; فما ذكر من الإشكال أجنبي عن مقصودهم .
ولعلّ ما أفاده شيخنا العلاّمة ـ أعلى الله مقامه ـ يبيّن ما أفاده القوم وراموه ; حيث قال : إنّ هذا الظهور الذي يتمسّك به لحمل العامّ على الباقي ليس راجعاً إلى تعيين المراد من اللفظ في مرحلة الاستعمال ، بل هو راجع إلى تعيين الموضوع للحكم(5) ، فراجع .
ثمّ إنّ بعض أهل التحقيق قد أجاب في «مقالاته» عن هذا الإشكال : بأنّ دلالة العامّ وإن كانت واحدة لكن هذه الدلالة الواحدة إذا كانت حاكية عن مصاديق متعدّدة فلا شبهة في أنّ هذه الحكاية بملاحظة تعدّد محكيها بمنزلة حكايات متعدّدة ; نظراً إلى أنّ الحاكي يتلوّن بلون محكيه ويقتضيه في آثاره ، فمع تعدّده يكون الحاكي كأنّه متعدّد . فحينئذ : مجرّد رفع اليد عن حجّية الحكاية المزبورة بالنسبة إلى فرد لا يوجب رفع اليد عن حجّيته العليا .
وأيّد كلامه بالمخصّص المتّصل ; مدّعياً أنّ الظهور في الباقي مستند إلى وضعه الأوّل . غاية الأمر تمنع القرينة عن إفادة الوضع لأعلى المراتب من الظهور ، فيبقى اقتضاؤه للمرتبة الاُخرى دونها بحاله(6) ، انتهى .
ولا يخفى : أنّ ما ذكره من حديث جذب الألفاظ لون محكيها أشبه بالخطابة ، ومبني على ما اشتهر من أنّ أحكام المعاني ربّما تسري إلى الألفاظ ; مستشهداً بأسماء ما يستقبح ذكره ; غافلاً عن أنّ قبحه لأجل أنّ التلفّظ به يوجب الانتقال إلى معناه ; ولذا لا يدرك الجاهل باللغة قبحه وشينه .
وعليه : فتعدّد المحكي لا يوجب تعدّد الحكاية بعد كون الحاكي عنواناً واحداً . فلفظ العامّ بعنوان واحد وحكاية واحدة يحكي عن الكثير ، فإذا علم أنّ اللفظ لم يستعمل في معناه بدليل منفصل ـ كما هو المفروض ـ لم تبق حكاية بالنسبة إلى غيره .
وما ذكره في المخصّص المتّصل من مراتب الظهور ممنوع ; ضرورة أنّ كلّ لفظ في المخصّص المتّصل مستعمل في معناه ، وأنّ إفادة المحدودية إنّما هو لأجل القيود والإخراج بالاستثناء . فلفظ «كلّ» موضوع لاستغراق مدخوله ; فإذا كان مدخوله قولنا «العالم إلاّ الفاسق» يستغرق ذلك المدخول المركّب من المستثنى منه والمستثنى ، من دون أن يكون الاستثناء مانعاً من ظهوره ; لعدم ظهوره إلاّ في استغراق المدخول ; أيّ شيء كان . ولو فرض أنّ القيد أو الاستثناء يمنعان عن ظهوره صار الكلام مجملاً ; لعدم مراتب للظهور .
وما ذكرنا من إجراء التطابق بين الإرادتين في كلّ فرد فرد غير مربوط بهذا الفرض ; لأنّ العامّ على ما ذكرنا قد انعقد له الظهور فيما وضع له ، وهذا العامّ مع هذا الأصل حجّتان حتّى يرد حجّة أقوى منهما . ولو أمعنت النظر فيه يسهّل لك التصديق .
___________
1 ـ تقدّم في الجزء الأوّل : 63 .
2 ـ نهاية الدراية 2 : 450 .
3 ـ راجع شرح الإشارات 3 : 15 ـ 16 ، الحكمة المتعالية 2 : 268 .
4 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 517 .
5 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 213 .
6 ـ مقالات الاُصول 1 : 438 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|