أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2016
1499
التاريخ: 26-8-2016
1475
التاريخ: 29-8-2016
1253
التاريخ: 29-6-2020
1284
|
وفيه بيان مقتضى الأصل . ولنقدّم اُموراً :
الأوّل : في معنى التعبّدية والتوصّلية :
ربّما يقال في تعريف الاُولى بأنّها عبارة عن الوظيفة التي شرعت لأجل أن يتعبّد بها العبد لربّه ويظهر عبوديته ، وهي المعبّر عنها في الفارسية بـ «پرستش» ، ويقابلها التوصّلية ; وهي مالم يكن تشريعه لأجل إظهار العبودية(1) .
قلت : يظهر ما فيه من الخلل ـ وكذا في غيره من التعاريف ـ بتوضيح أقسام الواجبات ، فنقول :
منها : ما يكون الغرض من البعث إليه صرف وجوده ; بأيّ نحو حصل ، وكيفما تحقّق ، كستر العورة وإنقاذ الغريق .
ومنها : ما لا يحصل الغاية منها إلاّ بقصد عنوانه ، وإن لم يكن بداعي التعبّد والتقرّب ، كردّ السلام والنكاح والبيع .
ومنها : ما لا يحصل الغرض بقصد عنوانه ، بل يحتاج إلى خصوصية زائدة من الإتيان به متقرّباً إلى الله تعالى ، وهذا على قسمين : أحدهما ما ينطبق عليه عنوان العبودية لله تعالى ; بحيث يعدّ العمل منه للربّ عبودية له ، ويعبّر عنه في لغة الفرس
بـ «پرستش» ، كالصلاة والاعتكاف والحجّ ، وثانيهما : ما لا يعدّ نفس العمل تعبّداً أو عبودية ، وإن كان قربياً لا يسقط أمره إلاّ بقصد الطاعة ، كالزكاة والخمس .
وهذان الأخيران وإن كان يعتبر فيهما قصد التقرّب لكن لا يلزم أن يكونا عبادة بالمعنى المساوق بـ «پرستش» ; إذ كلّ فعل قربي لا ينطبق عليه عنوان العبودية . فإطاعة الولد لوالده والرعايا للملك لاتعدّ عبودية لهما بل طاعة ، كما أنّ ستر العورة بقصد امتثال الأمر وإنقاذ الغريق كذلك ليسا عبودية له تعالى ، بل طاعة لأمره وبعثه .
وحينئذ يستبدل التقسيم الثنائي إلى الثلاثي ، فيقال : الواجب إمّا توصّلي أو تقرّبي ، والأخير إمّا تعبّدي أو غير تعبّدي .
التعبّدي ما يؤتى به لأجل عبودية الله تعالى والثناء عليه بالعبودية ، كالصلاة وأشباهها ، ولأجل ذلك لا يجوز الإتيان بعمل بعنوان التعبّد لغيره تعالى ; إذ لا معبود سواه ، لكن يجوز إطاعة الغير متقرّباً إليه .
وغير التعبّدي من التقرّبي ما يؤتى به إطاعة له تعالى ، لا ثناءً عليه بالمعبودية ; فإذن يكون المراد من التعبّدي في المقام هو الواجب التقرّبي بالمعنى الأعمّ الشامل لكلا القسمين ; إذ مدار البحث ما يحتاج سقوط أمره إلى قصد الطاعة ; سواء أتى به بقصد التقرّب متعبّداً به لربّه ، أم بعزم التقرّب فقط .
فالأولى ـ دفعاً للالتباس ـ حذف عنوان التعبّدية وإقامة التقرّب موضعها .
فظهر : أنّ الذي يقابل التوصّلي هو التقرّبي ; أعني ما لا يسقط الغرض بالإتيان به إلاّ بوجه مرتبط إلى الله تعالى لا التعبّدي ، بل هو قسم من التقرّبي ، كما ظهر الخلل فيما تقدّم من التعريف وغيره ، فاغتنم .
الثاني : في إمكان أخذ قصد امتثال الأمر ونحوه في متعلّق الأمر :
كون الشيء قربياً إنّما هو لأجل اعتبار الإتيان به مع أحد الدواعي القربية ، ولكن وقع البحث بين الأعلام في جواز أخذه في المتعلّق وعدمه إذا اُريد به اعتبار قصد امتثال الأمر وإطاعته ، دون غيره من سائر الدواعي القربية ; وإن كان بعض الإشكالات مشتركاً بين الجميع ، وسيأتي توضيحه .
وقد تضاربت الآراء في إمكان أخذ قصد الأمر في متعلّق البعث وعدمه ; فمن قائل بامتناع أخذه فيه امتناعاً ذاتياً ; أي نفس التكليف محال ، ومن قائل بامتناع أخذه امتناعاً بالغير ; لكونه تكليفاً بغير المقدور ، ومن ثالث قال بالجواز ; وهو المختار ، ويظهر وجهه بعد دفع ما توهّم من الإشكالات التي اُورد على المختار :
فيما استدلّ به للقائلين بامتناع الأخذ ذاتاً :
أمّا الأوّل ـ أعني القول بالامتناع الذاتي ـ : فقد قرّر بوجوه :
منها : أ نّه يستلزم تقدّم الشيء على نفسه ; لأنّ الأحكام أعراض للمتعلّقات ، وكلّ عرض متأخّر عن معروضه ، وقصد الأمر والامتثال متأخّر عن الأمر برتبة ، فأخذه في المتعلّقات ، موجب لتقدّم الشيء على نفسه برتبتين(2) .
ومنها : أنّ الأمر يتوقّف على الموضوع ، والموضوع يتوقّف على الأمر ; لكون قصده متوقّفاً عليه ، فيلزم الدور(3) .
ومنها : أنّ الأخذ موجب لتقدّم الشيء على نفسه في مراحل الإنشاء والفعليـة والامتثال :
أمّا في مرحلة الإنشاء فلأنّ ما اُخذ في متعلّق التكليف في القضايا الحقيقية لابدّ وأن تكون مفروض الوجود ; سواء كان تحت قدرة المكلّف أولا ، فلو اُخذ قصد الامتثال قيداً للمأمور به فلا محالة يكون الأمر مفروض الوجود في مقام الإنشاء ، وهذا عين تقدّم الشيء على نفسه .
وأمّا الامتناع في مقامي الفعلية والامتثال فيرجع إلى القول الثاني أعني الامتناع بالغير(4) وسيأتي الكلام فيه .
وأنت خبير : على أنّ هذه الوجوه غير خالية عن المغالطة :
أمّا الأوّل : فلأنّ الأحكام ليست من قبيل الأعراض القائمة بالمتعلّقات ; إذ المراد من الحكم إن كان هو الإرادة باعتبار كونها مبدأ للبعث ففيه : أ نّها قائمة بالنفس قيام المعلول بعلّته ، ولها إضافتان : إضافة إلى علّته ـ أي النفس ـ وإضافة إلى المتصوّر ـ أعني الصورة العلمية للمراد ـ فهي كإضافة العلم إلى المعلوم بالذات في كلتا الإضافتين .
وإن كان المراد هو الوجوب والندب وغيرهما فهي اُمور اعتبارية لا خارج لها وراء الاعتبار حتّى تكون قائمة بالموضوعات أو المتعلّقات .
ولو فرضنا كونها من قبيل الأعراض لكنّها ليست من الأعراض الخارجية ; بأن يكون العروض في الخارج ; ضرورة أنّ الصلاة بوجودها لا يعقل أن تكون معروضة للوجوب ومحلاّ لثبوته ; لأنّ الخارج ظرف سقوطه على وجه لا ثبوته ، فإذن لا محيص عن القول بكونها أعراضاً ذهنية ; سواء كانت عارض الوجود الذهني أو الماهية ، على فرق بينهما(5) .
وبذلك يندفع ما توهّم من تقدّم الشيء على نفسه ; إذ المتعلّقات بشراشر أجزائها ممكنـة التعقّل قبل تصوّر الأمر ، وإن كان في الوجود الخارجي على عكسه ، فالأحكام ـ على فرض تسليم كونها من قبيل الأعراض ـ متعلّقة بالمعقول الذهني على تحقيق ستعرفه ، والمعقول بتمام قيوده متقدّم على الأمر في ذلك الوعاء .
أضف إلى ذلك : أنّ هنا فرقاً بين الأجزاء الدخيلة في ماهية المأمور بها وبين ما هو خارج عنها ـ وإن كانت قيداً لها ـ إذ جزئية الاُولى ودخالتها فيها إنّما هو بنفس لحاظ الماهية من غير لزوم لحاظ مستأنف ، بخلاف الثانية ; إذ قولك «صلّ مع الطهور» تقييد لها بلحاظ ثان وتصوّر مستأنف بعد تصوّر الصلاة . ولا فرق بين قصد الأمر والطاعة وبين سائر القيود في لزوم لحاظ مستأنف في مقام التقييد ، ومعه يندفع الإشكال .
وأمّا الوجه الثاني : فيعلم ما فيه بما أوضحناه ; إذ هو مبني على ما هو خلاف التحقيق في باب تعلّق الأحكام من جعل المتعلّق هو الموضوع الخارجي ، وهو باطل بالضرورة ; لأنّ الخارج ظرف السقوط لا العروض .
وإن شئت قلت : إنّ إيجاد الموضوع في الخارج ـ أعني إتيان الصلاة في الخارج بقصد الأمر ـ يتوقّف على الأمر ، لكن الأمر متوقّف على الموضوع في الذهن ـ كما عرفت ـ دون الخارج ، فاختلف الطرفان ، فلا دور .
وأمّا الوجه الثالث : ففيه : أوّلا : أنّ جعل الأحكام من قبيل القضايا الحقيقية ـ حتّى ما صدر من الشارع بصيغة الإنشاء ـ غير صحيح جدّاً ، وسيأتي لبّ القول فيها في مبحث العموم والخصوص ، فانتظر .
وثانياً : أنّ ما ذكره ـ قدس سره ـ من أخذ المتعلّقات وقيودها مفروض الوجود ـ فمع ممنوعيته ـ كاف في رفع الدور وفي دفع تقدّم الشيء على نفسه ; إذ فرض وجود الشيء قبل تحقّقه غير وجوده واقعاً قبل تحقّقه ; إذ تحقّق الأوّل بمكان من الإمكان ; فإنّه لا يحتاج إلاّ إلى فرض فارض وتصوّر متصوّر ، وأخذ الأمر مفروض الوجود فرضاً مطابقاً للواقع ، لا يلزم منه التقدّم الممتنع ، بل يلزم منه فرض وجوده قبل تحقّقه .
ويوضح الحال : القيود المأخـوذة في متعلّقات الأحكام مـع كونها خارجـة عن دائرة الاختيار ; فقولـه تعالى : {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] يحكي عـن أنّ الأمر تعلّق بأمـر مقيّد بالوقت ، وأ نّـه فرض تحقّق الوقت
في محلّـه قبل وجـوده ، وهنا نقول : إذا أمـر الآمر بشيء بقصد الآمر فقد أخـذ الأمر مفروض الوجـود ; فرضاً مطابقاً للواقع ، ولا معنى لمطابقته إلاّ كونـه متحقّقاً في محلّه .
والحاصل : أنّ هذه الوجوه الثلاثة مع كونها متقاربة المضمون لا تصلح للمانعية ; لأنّ مرجع الأوّل إلى عدم تصوّر الشيء قبل وجوده ، وهو لا ينبغي أن يصدر عمّن تأمّل فيما يفعله يسيراً ; إذ الأفعال الاختيارية الصادرة عن الإنسان يكون تصوّرها مقدّماً على وجودها .
كما أنّ البرهان الثاني مبني على أساس منهدم في محلّه ; إذ الأمر متعلّق بالطبائع المتصوّرة الذهنية ، لا بقيد التحقّق الذهني دون الخارج ، وهي متقدّمة بقيودها على الأمر ، فلا يلزم تقدّم الشيء على نفسه .
كما أنّ الوجه الثالث مشتمل على مغالطة بيّنة ; حيث إنّ فرض تحقّق الشيء قبل وجوده غير تحقّقه كذلك ، فتدبّر وأجدّ فتجد .
وهناك وجه آخر لتقرير امتناعه الذاتي ، وملخّصه : أنّ التكليف بذلك المقيّد موجب للجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي ; لأنّ الموضوع بقيوده لابدّ وأن يكون ملحوظاً استقلالا ، وبما أ نّه طرف لإضافة القيد المأخوذ في الموضوع لابدّ من لحاظه أيضاً استقلالا ، والأمر بما أ نّه آلة البعث إلى المطلوب لا يلحظ إلاّ آلة إليه ، فيجمع فيه بين اللحاظين المتنافيين(6) ، انتهى .
والعجب أنّ القائل كيف لم يتفطّن على أنّ اللحاظين المتنافيين لم يجتمعا في وقت واحد ، وأنّ اللحاظ الاستقلالي مقدّم على الآلي منهما ؟ ! إذ قد عرفت أنّ الموضوع بتمام قيوده ـ ومنها قصد الأمر على المفروض ـ مقدّم تصوّراً على الأمر والبعث به . فاللحاظ الاستقلالي المتعلّق بالموضوع في ظرف التصوّر وقيوده متقدّم على الإنشاء وعلى الاستعمال الآلي . هذا حاله في عالم التصوّر .
وأمّا تقييد الموضوع في مقام الإنشاء الآلي فلا محيص عن تصوّر ذلك الأمر الآلي في مرتبة ثانية بنحو الاستقلال حتّى يرد عليه القيد ، بل هذا هو الطريق الوحيد في تقييد المعاني الحرفية ; إذ الظرف في قولنا «زيد في الدار يوم الجمعة» قيد للكون الرابط الذي هو معنى حرفي ، وهو ملحوظ في وقت التقييد استقلالا وفي لباس المعنى الاسمي ، وقد مضى أنّ القيود في المحاورات العرفية والعلمية راجعة ـ كثيراً ـ إلى النسب والروابط ، وأنّ تقييدها والإخبار عنها وبها لايمكن استقلالا ، إلاّ أ نّه يمكن تبعاً ، فراجع .
ثمّ إنّ هنا وجهاً خامساً للامتناع الذاتي ، وملخّص ما اُفيد بطوله : أ نّه يلزم منه التهافت في اللحاظ والتناقض في العلم ; لأنّ موضوع الحكم متقدّم عليه في اللحاظ ، وقصد الأمر متأخّر عنه في اللحاظ ، كما أ نّه متأخّر عنه في الوجود ، فيكون متأخّراً عن موضوع الأمر برتبتين ، فإذا أخذه جزءً من موضوع الأمر أو قيداً فيه لزم أن يكون الشيء الواحد في اللحاظ الواحد متقدّماً في اللحاظ ومتأخّراً فيه ، وهو في نفسه غير معقول وجداناً ; إمّا للخلف أو لغيره .
ثمّ إنّ هذا الإشكال غير الدور والتناقض في المعلوم والملحوظ ، بل يرجع إلى لزوم التهافت والتناقض في اللحاظ والعلم(7) ، انتهى .
ولعمر الحقّ : أ نّه لا ينبغي أن يجعل في عداد الإشكالات ; فضلا عن جعله من البراهين القاطعة : أمّا أوّلا : إذ اللحاظ والعلم في المقام ونظائره لم يؤخذا موضوعاً حتّى يثبت له حكم ، ويقال : إنّه بنفسه متهافت مع غيره ، بل اُخذ طريقاً إلى ملحوظه ومرآة إلى معلومه ; فإذن يكون ملاك التهافت المفروض في الملحوظ بما هو ملحوظ ، دون نفس اللحاظ .
وأمّا ثانياً : بعد ما كان مورد التهافت هو الملحوظ نقول : إنّا لا نتصوّر أن يكون شيء أوجب ذلك التناقض ; سوى تقييد الموضوع بما يأتي من قِبَل الأمر ، فيرجع الكلام إلى أنّ لحاظ الشيئين المترتّبين في الوجود في رتبة واحدة موجب للتهافت في اللحاظ والتناقض في العلم ، وقد عرفت تقريره من الوجوه السابقة وأجوبتها .
فيما استدلّ به للقائلين بامتناع الأخذ امتناعاً بالغير :
وأمّا القول الثاني ـ أعني امتناع أخذه في المتعلّق امتناعاً بالغير ـ فقد استدلّ له بوجوه عليلة ، نشير إلى مهمّاتها :
الأوّل : أنّ فعلية الحكم الكذائي تستلزم الدور ; لأنّ فعلية الحكم تتوقّف على فعلية موضوعه ـ أي متعلّقات متعلّق التكليف ـ ضرورة أ نّه مالم تكن القبلة متحقّقة لا يمكن التكليف الفعلي باستقبالها ، وفعلية الموضوع فيما نحن فيه تتوقّف على فعلية الحكم ، فما لم يكن أمر فعلي لايمكن قصده ، فإذا كانت فعلية الحكم ممتنعة يصير التكليف ممتنعاً بالغير ; ضرورة أنّ التكليف إنّما هو بلحاظ صيرورته فعلياً ليعمل به المكلّف(8) .
والجواب : أ نّك قد عرفت أنّ إنشاء التكليف على الموضوع المقيّد لا يتوقّف إلاّ على تصوّره ، فإذا أنشأ التكليف كذلك يصير الموضوع في الآن المتأخّر فعلياً ; لأنّ فعليته تتوقّف على الأمر الحاصل بنفس الإنشاء .
وبعبارة اُخرى : أنّ فعلية التكليف متأخّرة عن الإنشاء رتبة ، وفي رتبة الإنشاء يتحقّق الموقوف عليه .
بل لنا أن نقول : إنّ فعلية التكليف لا تتوقّف على فعلية الموضوع ; توقّف المعلول على علّته ، بل لابدّ في حال فعلية الحكم من فعلية الموضوع ، ولو صار فعلياً بنفس فعلية الحكم ; لأنّ الممتنع هو التكليف الفعلي بشيء لم يكن متحقّقاً بالفعل ، و أمّا التكليف الفعلي بشيء يصير فعلياً بنفس فعلية الحكم لم يقم دليل على امتناعه ، بل الضرورة قاضية بجوازه .
الثاني : أنّ الأمر يتوقّف على قدرة المكلّف ، وهي في المقام تتوقّف على الأمر(9) .
وفيه ما مرّ : من أنّ الأمر لا يتوقّف على قدرة العبد في ظرف البعث والأمر ; إذ ربّما يكون المأمور به مقيّداً بقيد غير حاصل في زمان البعث ، كالوقت ـ بناءً على جواز الواجب المعلّق ، كما سيأتي تحقيقه ـ بل يتوقّف على قدرته في مقام الامتثال ، وفي ذلك الوعاء يكون الأمر متحقّقاً .
الثالث : أنّ امتثال ذلك الأمر المقيّد بقصد أمره محال ، فالتكليف وانقداح الإرادة لأجله محال .
توضيحه : أنّ الأمـر لا يدعـو إلاّ إلى متعلّقه ، والمتعلّق هاهنا هـو الشيء المقيّد بقصد الأمر . فنفس الصلاة ـ مثلا ـ لا تكون مأموراً بها حتّى يقصد المأمور
امتثال أمرها ، والدعوة إلى امتثال المقيّد محال ; للزوم كون الأمر داعياً إلى داعوية نفسه ومحرّكاً لمحرّكية نفسه ، وهو تقدّم الشيء على نفسه برتبتين وعلّية الشيء لعلّة نفسه(10) .
والجواب عنه يظهر بتوضيح أمرين ، وإن مضت الإشارة إليهما :
الأوّل : أنّ متعلّقات الأوامر ليست إلاّ الماهيات المعقولة ، لا أقول إنّ المأمور به إنّما هي الصلاة في الذهن حتّى يصير امتثاله محالا ، بل طبيعة الصلاة بما أ نّها ماهية كلّية قابلة للانطباق على كثيرين ، والوجود الذهني آلة تصوّرها ، فالبعث إليها في الحقيقة أمر بإيجادها وتحصيلها .
فهي بما أ نّها مفهوم ، مأمور به ومعروض للوجوب ومتعلّق للحكم ـ على تسامح في إطلاق العرض عليه ـ والوجود الخارجي مصداق للمأمور به لا نفس الواجب ; ولذلك يكون الخارج ظرف السقوط دون الثبوت . وعليه فالموضوع في المقام ليس إلاّ الصلاة المتصوّرة مع قصد أمرها ، والإنشاء والأمر إنشاء على ذلك المقيّد .
الثاني : أنّ الأمر ليس إلاّ المحرّك والباعث الإيقاعي ، لا المحرّك الحقيقي والباعث التكويني ; ولهذا ليس شأنه إلاّ تعيين موضوع الطاعة ، من غير أن يكون له تأثير في بعث المكلّف تكويناً ، و إلاّ لوجب اتّفاق الأفراد في الإطاعة .
بل المحرّك والداعي حقيقةً ليست إلاّ بعض المبادئ الموجودة في نفس المكلّف ، كمعرفته لمقام ربّه ودرك عظمته وجلاله وكبريائه ، أو الخوف من سلاسله وناره ، أو الطمع في رضوانه وجنّته .
فحينئذ نقول : إن أراد القائل من كون الأمر محرّكاً إلى محرّكية نفسه : أنّ الأمـر الإنشائي المتعلّق بالعنوان المقيّد مـوجب لذلك المحال فقد عرفت أنّ الإنشاء والإيقاع لا يحتاج إلى مؤونـة أزيد مـن تصوّر الطرفين ، مع أ نّـه قد أقرّ بصحّـة ذلك الإيقاع .
وإن أراد : أنّ الأمر المحرّك للمكلّف تكويناً محرّك إلى محرّكية نفسه فهو باطل بحكم الأمر الثاني ، وأنّ نسبة التحريك إليه بضرب من التشبيه ; إذ العبد إذا أدرك استحقاق المولى للإطاعة أو خاف من ناره وغضبه ، ورأى أنّ الإطاعة لا يحقّق إلاّ بالإتيان بالصلاة المقيّدة فلا محالة يقوم بامتثاله كيف ما أمر .
وأمّا قوله : إنّ الصلاة غير متعلّقة بالأمر حتّى يأتي بها بقصد أمرها ; لأنّ المفروض أنّ الأمر لم يتعلّق إلاّ بالمقيّد بقصد الأمر ، فالجواب عنه يتوقّف على رفع الحجاب عن كيفية دعوة الأمر في المركّبات والمقيّدات إلى أجزائها وقيودها ، وسنحقّق الحال في ذلك إذا حان حينه عند البحث عن المقدّمات الداخلية .
ومجمل القول فيه : أنّ الأوامر المتعلّقة بالمركّبات والمقيّدات إنّما تتعلّق بهما بما أ نّهما موضوعات وُحدانية ـ ولو اعتباراً ـ ولها أمر واحد لا ينحلّ إلى أوامر متعدّدة ، ولا فرق بينهما وبين البسائط في ناحية الأمر ، فهو بعث وحداني تعلّق بالبسيط أو المركّب والمقيّد .
فالمطابق للبرهان والوجدان هو أنّ البعث في هذه الأقسام الثلاثة على وزان واحد ، لا ينحلّ الأمر إلى أوامر ، ولا الإرادة إلى إرادات ; وإن كانت تفترق في انحلال الموضوع في الأوّلين دون الثالث .
ولكن دعـوة الأمـر إلى إيجاد القيود والأجـزاء بعين الدعوة إلى إيجاد المركّب والمقيّد ، وإيجاد القيد أو الجزء امتثال للأمر المتعلّق بالمقيّد والمركّب ، لا امتثالٌ لأمرهما الضمني أو الانحلالي ـ كما اشتهر بين القوم ـ لأنّ العقل حاكم على أنّ كيفية امتثال الأمر المتعلّق بالمركّب والمقيّد إنّما هو بالإتيان بالأجزاء وإيجاد القيود .
فحينئذ : فالجزء أو القيد ليس غير مدعوّ إليهما رأساً ، ولا مدعوّ إليهما بدعوة خاصّة منحلّة ، بل مدعوّ إليهما بعين دعوته إلى المركّب أو المقيّد ; إذ الأمر واحد والمتعلّق فارد .
التحقيق في المقام :
إذا عرفت ذلك : تقدر على حلّ العويصة ; إذ المأمور به وإن كان هو المقيّد بقصـد الأمر ، وهو قد تعلّق بنعت التقيّـد ، إلاّ أنّ نفس الصلاة المأتي بها تكون مدعوّة بنفس دعوة الأمر المتعلّق بالمقيّد ، لا بأمـرها الخاصّ ، وهـذا يكفي في مقام الإطاعة .
وبعبارة اُخرى : أنّ المكلّف إذا أدرك أنّ الأمر متعلّق بالمقيّد بقصد الأمر ، ورأى أنّ إتيان الصلاة ـ أعني ذات المقيّد بالأمر المتعلّق بالمركّب ـ محصّل لتمام قيود الواجب فلا محالة يأتي بها كذلك ، ويعدّ ممتثلا لدى العقلاء .
على أنّ هنا جواباً آخر مبنياً على ما أخذه القوم قولا مسلّماً : وهو كون الأمر بذاته باعثاً ومحرّكاً مع قطع النظر عن المبادئ والملكات ; إذ غاية ما يلزم من هذا الوجه أن تكون محرّكيته بالنسبة إلى نفس الصلاة جائزة وبالنسبة إلى القيد الآخر ـ أعني قصد أمره ـ ممتنعة .
لكن لا معنى لمحرّكيته بالنسبة إليه بعد التحريك إلى نفس الطبيعة ; لأنّ التحريك إليه لغو ; لكونه حاصلا ، وتحصيله بعد حصوله محال ; لأنّ التحريك إلى نفس الصلاة بداعي امتثال الأمر المتعلّق بالمركّب يكفي في تحقّق المتعلّق مع قيده ، ويقال : إنّه أتى بالصلاة بقصد أمرها .
وعن بعض محقّقي العصر ـ قدس سره ـ هنا جواب مبني على انحلال الأمر إلى أوامر بعضها موضوع لبعض(11) . وأنت بعد الوقوف بما أشرنا إليه إجمالا تجد النظر في نقضه وإبرامه .
هذا كلّه إذا كان الأخذ في المتعلّق بأمر واحد ، وقد عرفت إمكانه وجوازه .
إمكان أخذ قصد الأمر في المتعلّق بأمرين مستقلين :
بقي شيء : وهو أنّه على القول بامتناع الأخذ فهل يمكن تصحيحه بأمرين : أحدهما متعلّق بنفس الطبيعة ، والآخر بالإتيان بها بداعي الأمر بها .
واستشكل المحقّق الخراساني : بأ نّه مع القطع بأ نّه ليس في العبادات إلاّ أمر واحد كغيرها : أنّ الأمر الأوّل إن يسقط بمجرّد موافقته ـ ولو لم يقصد الامتثال ـ فلا يبقى مجال لموافقة الثاني بعد موافقة الأوّل ، فلا يتوسّل الآمر إلى غرضه بهذه الوسيلة ، وإن لم يسقط فلا يكون إلاّ لعدم حصول الغرض ، ومعه لا يحتاج إلى الثاني ; لاستقلال العقل بوجوب الموافقة بما يحصل به الغرض(12) .
وفيه وجوه من النظر :
أمّا أوّلا : فإنّك قد عرفت أنّ ألفاظ العبادات موضوعة لمعنى غير مقيّد بشرائط آتية من قبل الأمر ; سواء قلنا بكونها موضوعة للصحيح أم للأعمّ ; إذ الشرائط الآتية من قبل الأمر خارجة من حريم النزاع والموضوع له اتّفاقاً .
فإذن نفس الأوامر المتعلّقة بالطبائع غير متكفّلة لإفادة شرطيتها ; لخروجها من الموضوع له ، فلابدّ من إتيان بيان منفصل لإفادتها بعد امتناع أخذها في المتعلّق ، بل مع جوازه أيضاً يكون البيان ـ لا محالة ـ منفصلا ; لعدم عين وأثر منها في الأوامر المتعلّقة بالطبائع . والإجماع والضرورة القائمتان على لزوم قصد الأمر أو التقرّب في العبادات يكشفان عن وجود أمر آخر ، كما لا يخفى .
وإن شئت قلت : إنّا نختار الشقّ الثاني من كلامه ; وهو أنّ الأمر الأوّل لا يسقط بمجرّد الإتيان ; لقيام الإجماع والضرورة على اعتباره في صحّة العبادات ، ولكن يستكشف حينئذ عن ورود تقييد لمتعلّق الطبائع ; لكون الصحّة وعدمها دائرتين مداره ، كما يستكشف بهما وجود أمر آخر ودليل منفصل إذا قلنا بعدم جواز الأخذ في المتعلّق ، كما هو المفروض في كلامه ـ قدس سره ـ.
وثانياً : أنّ ما ذكره في آخر كلامه من استقلال العقل بوجوب الموافقة بما يحصل به الغرض غير صحيح ; لأنّ مرجعه إلى أنّ العقل يستقلّ بالاشتغال ، ومعه لامجال لأمر مولوي .
وفيه ـ مضافاً إلى جريان البراءة في المورد ، ..أنّ حكم العقل بالاشتغال ليس ضرورياً ، بل أمر نظري تضاربت فيه الأفكار ، واكتفاء الشارع بحكمه إنّما يصحّ لو كان الحكم بالاشتغال مقتضى جميع العقول ، ومع هذا الاختلاف يبقى مجال لإعمال المولوية ; ولو لأجل ردّ القائلين بالبراءة .
والحاصل : أنّ ما قرع سمعك من انتفاء مناط المولوية في موارد الأحكام العقلية ليس بالمعنى الذي تتلقّاه من الأفواه ، بل له حدود وشروط .
وثالثاً : أنّ ما أفاده من أنّ المولى لا يتوسّل بغرضه بهذه الوسيلة مدفوع بأنّ ترك الأمر الثاني ـ ولو برفع موضوعه ـ موجب للعقوبة ; فيحكم العقل بلزوم إطاعته ، وليس للمولى وسيلة إلى التوسّل بأغراضه إلاّ الأمر والإيعاد بالعقاب على تركه .
توهّم ودفع :
ربّما يختلج في البال : أ نّه إذا فرضنا أنّ المصلحة قائمة بالطبيعة المقيّدة بقصد الأمر ـ كما هو المفروض في العبادات ; إذ روحها هو التقرّب وقصد الامتثال أو ما يقوم مقامهما ، وإلاّ لصار لزوم إتيانها مع القربة لغواً ـ يكشف هذا عن خلوّ الطبيعة المجرّدة عن القيد من المصلحة . فحينئذ لايمكن أن تتعلّق الإرادة بالمجرّد عن القيد ثبوتاً ، كما لايمكن البعث الحقيقي إليه ; إذ الحكم ; أعني البعث ومبدئه ـ الذي هو الإرادة ـ يتّبعان الملاك الذي هو المصلحة بالضرورة ، ومع فرض عدمها لا ينقدح الإرادة ، كما لا يقع مورد البعث .
إذا عرفت هذا فنقول : إذا فرضنا أنّ الأمر المتعلّق بنفس الطبيعة الخالية عن القيد ليس صالحاً للباعثية فكيف يمكن الأمر ثانياً بالإتيان بها بباعثية الأمر وداعويته ؟ بل لا يمكن للمولى أن يأمر بالإتيان بها بداعي أمره ، بعد ما فقدت المصلحة وخلت عن الإرادة ولم تقع مورد البعث الحقيقي .
ثمّ إنّه لو فرضنا تعلّق الأمر به ، لكنّه لا يكون إلاّ أمراً صورياً ; أعني ما لا يترتّب عليه غرض ، ولا يكون ذا مصلحة وفائدة . وقصد هذا الأمر الصوري لا يكون مقرّباً ، بل القصد وعدمه سواء ; فلا يصل المولى إلى مطلوبه بهذه الوسيلة أيضاً .
قلت : إنّ الإشكال ـ بل الإشكالين ـ لأجل مغالطة في البين ; إذ ما زعم من امتناع تعلّق الإرادة والبعث بالطبيعة المجرّدة عن القيد إنّما هو فيما إذا كان المولى مكتفياً به ، و أمّا إذا صار بصدد إفهام القيد بدليل آخر فلا نسلّم امتناعه ، بل إذا كان الغرض قائماً بوجود مركّب أو مقيّد كما يجوز أن يأمر بالأجزاء دفعة ، كذلك يجوز أن يبعث إلى الأجزاء واحداً بعد واحد .
وبذلك يظهر لك مقرّبية هذا الأمر فيما نحن فيه ; لأنّ تمام المحصّل للغرض هو الطبيعة مع قصد أمرها ، ففرق بين المقام الذي يكون قصد الأمر قيداً متمّاً للغرض وبين سائر القيود التي لم يكن بتلك المثابة ، فعلى الأوّل يكون قصد الأمر المتعلّق بالطبيعة محصّلا للغرض ومقرّباً من المولى بخلاف الثاني ، فلا تغفل .
تتميم : في إتيان الفعل بداعي المصلحة أو الحسن أو المحبوبية :
هذا كلّه لو قلنا بأنّ المعتبر في العبادات هو قصد الأمر ، و أمّا لو قلنا بأنّ المعتبر فيها هو إتيان الفعل بداعي المصلحة أو الحسن أو المحبوبية ، فقد ذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ أخذها بمكان من الإمكان ، لكنّها غير مأخوذة قطعاً ; لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال(13) .
الظاهر : أنّ بعض الإشكالات المتقدّمة واردة على المفروض ، فيقال في تقريره : إنّ داعوية المصلحة ـ مثلا ـ لمّا كانت مأخوذة في المأمور به تصير الداعوية متوقّفة على نفسها ، وداعية إلى داعوية نفسها ; لأنّ الفعل لا يكون بنفسه ذا مصلحة حتّى يكون بنفسه داعياً إلى الإتيان ، بل بقيد داعويتها . فلابدّ أن يكون الفعل مع هذا القيد ـ القائم بهما المصلحة ـ داعياً إلى الإتيان ، وهذا عين الإشكال المتقدّم .
وأيضاً لمّا كانت المصلحة قائمة بالمقيّد يكون الفعل غير ذي المصلحة ، فلا يمكن قصدها إلاّ على وجه دائر ; لأنّ قصد المصلحة يتوقّف عليها ، وهي تتوقّف على قصدها بالفرض .
ويرد أيضاً ما قرّر هناك : من أنّ الداعي مطلقاً في سلسلة علل الإرادة التكوينية ; فلو اُخذ في العمل الذي هو في سلسلة المعاليل يلزم أن يكون الشيء علّة لعلّة نفسه ، فإذا امتنع تعلّق الإرادة التكوينية امتنع تعلّق التشريعية ; لأنّها فرع إمكان الاُولى .
ولك أن تذبّ عن الأوّل : ببعض ما قدّمناه في قصد الأمر . وأضف إليه : أ نّه يمكن أن يقال : إنّ للصلاة مصلحة بنحو الجزء الموضوعي ، ولمّا رأى المكلّف أنّ قصدها متمّم للمصلحة ; فحينئذ لامحالة تصير داعية إلى إتيانها بداعي المصلحة ، من غير لزوم كون الداعي داعياً .
وبذلك يتّضح قطع الدور ; فإنّ قصد المصلحة ـ التي هي جزء الموضوع ـ يتوقّف عليها ، وهي لا تتوقّف على القصد ، وبما أنّ المكلّف شاعر بأنّ هذا القصد موجب لتمامية الموضوع وحصول الغرض فلا محالة تصير داعياً إلى إتيان الفعل قاصداً . نعم لايمكن قصد تلك المصلحة مجرّدة ومنفكّة عن الجزء المتمّم ، وفيما نحن فيه لايمكن التفكيك بينهما .
وأمّا الجواب عن الثالث : فبمثل ما سبق من أنّ الداعي والمحرّك إلى إتيان المأمور به بعض المبادئ الموجودة في نفس المكلّف ، كالحبّ والخوف والطمع ، وتصير تلك المبادئ داعية إلى طاعة المولى ، بأيّ نحو أمر وشاء .
فإذا أمر بإتيان الصلاة بداعي المصلحة تصير تلك المبادئ المتقدّمة داعية إلى إتيانها بداعي المصلحة ، من غير لزوم تأثير الشيء في علّته . ألا ترى أ نّك إذا أحببت شخصاً جليلا ـ حبّاً شديداً ـ فأمرك بإتيان مبغوض لك تجد في نفسك داعياً إلى إتيانه لأجل حبّه وإرادة طاعته وطلب مرضاته ، من غير لزوم الدور .
الثالث : في مقتضى الأصل اللفظي في المقام :
إنّك قد عرفت بما لا مزيد عليه إمكان أخذ قصد الأمر والامتثال أو غيره من قصد المصلحة والمحبوبية في المتعلّق ، فعليه يقع هذه العناوين في عرض سائر الأجزاء والشرائط من المؤثّرات في الغرض ، فيجب على المولى بيان تلك الاُمور لو كان واحد منها دخيلا في الغرض . فلو أحرزنا كونه في مقام بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه ، ومع ذلك لم يظهر في خلال بيانه من هذه العناوين عين ولا أثر يستكشف عدم دخالتها في الغرض المطلوب .
فإن قلت : إنّ التمسّك بالإطلاق إنّما يصحّ إذا كان كلّ من وضع القيد ورفعه بيد الآمر ، ولكن باعثية الأمر وداعويته إلى المتعلّق لازم ذاتي لا تنفكّ عنه ولا عن متعلّقه ; أمّا عن الأمر فواضح ، و أمّا عن المتعلّق لأنّ الداعي إلى الأمر بالشيء هو جعل الداعي إلى الإتيان به ، فمتعلّق الأمر هو طبيعة الفعل التي جعل المولى داعياً للعبد إلى الإتيان بها ، لا مطلق طبيعته ، وكيف يتمسّك بالإطلاق ؟
قلت : إنّ كون الواجب توصّلياً ليس معناه إلغاء باعثية الأمر ومحرّكيته ; بأيّ معنى تصوّرت حتّى يلزم تفكيك ما هو ذاتي للشيء عنه ، بل هي موجودة لم يمسّ بكرامتها في كلّ من القربيات والتوصّليات .
بل المراد أنّ غرض الآمر : تارة يحصل بصرف وجود الشيء في الخارج ، بأيّ داع أتاه العبد ، كدفن الميّت ; فإنّ الغرض هو مواراته تحت الأرض ; سواء كان المحرّك إلى هذا العمل هو أمر المولى ودرك عظمته ، أم كان هو قطع رائحته .
واُخرى : يكون الغرض بحيث لا يحصل إلاّ بقصد أمره وإتيانه لأجل أ نّه أمر بذلك ، ففي كلا القسمين لم يمسّ بكرامة داعويته ، وإنّما التصرّف في حصول المطلوب فقط ، فتدبّر .
وبعبارة اُخرى : لا كلام في أنّ الداعوية لا تنفكّ عن الأمر ومتعلّقه مطلقاً ، ولكن الكلام في أنّ هذه الدعوة هل تعلّقت بذات العمل ، أو به مع قيد آخر كقصد الامتثال أو غيره ; حتّى يكون القيد مأخوذاً في المتعلّق قبل تعلّق الدعوة ، لا جائياً من قبلها ومنتزعاً من المتعلّق بعد تعلّقها به .
ولا شكّ في أنّ الأوّل هو المتعيّن ; ضرورة أنّ البعث تعلّق بنفس الطبيعة بلا قيد ، وما جاء من قِبل الأمر لا يكون مدعوّاً إليه ، ولا العبد مأخوذاً بإتيانه . فالكلام في الإطلاق المقابل للتقييد هو إطلاق متعلّق الأمر ، لا سلب داعوية الأمر .
ثمّ إنّ شيخنا العلاّمة ـ أعلى الله مقامه ـ بعد ما كان بانياً على جواز الأخذ في المتعلّق ، وأنّ الأصل في الأوامر كونها توصّلياً رجع في أواخر عمره الشريف إلى أصالة التعبّدية ، وبه عدل عن كثير من مبانيه السابقة .
وملخّص ما أفاده مبني على مقدّمات :
منها : أنّ الأوامر إنّما تتعلّق بنفس الطبائع ; أي المفاهيم الكلّية اللابشرطية العارية عن كلّ قيد ، لا بصرف الوجود أو الوجود السعي .
ومنها : أنّ العلل التشريعية كالعلل التكوينية طابق النعل بالنعل ، فكلّ ما هو من مقتضيات الثانية يكون من مقتضيات الاُولى أيضاً ، كتكثّر المعلول بتكثّر علّته ، وكعدم انفكاك المعلول عنها ، وغير ذلك . وعلى ذلك بنى ـ قدس سره ـ القول بعدم التداخل في الأسباب ، والقول بظهور الأمر في الفور ودلالته على المرّة .
ومنها : أنّ القيود اللبّية ، منها ما يمكن أخذها في المتعلّق على نحو القيدية اللحاظية كالطهارة ، ومنها ما لا يمكن أخذها في المتعلّق وتقييده بها ، إلاّ أ نّه لا ينطبق إلاّ على المقيّد ; بمعنى أنّ له ضيقاً ذاتياً لا يتّسع غيره بدون دليل يوجب التوسعة ، كمقدّمة الواجب ـ بناءً على وجوبها ـ فإنّ الإرادة من الآمر المستتبعة للبعث لا تترشّح على المقدّمة مطلقاً ـ موصلة كانت أم لا ـ لعدم الملاك فيها ، ولا على المقيّدة بالإيصال ; لاستلزامه الدور المقرّر في محلّه ، ولكنّها لا تنطبق إلاّ على المقدّمة الموصلة . وكالعلل التكوينية ; فإنّ تأثيرها ليس في الماهية المطلقة ، ولا المقيّدة بقيد المتأثّرة من قِبَلها ; فإنّها ممتنعة ، بل في الماهية التي لا تنطبق إلاّ على المقيّد بهذا القيد كالنار ; فإنّ معلولها ليست الحرارة المطلقة ـ سواء كانت مولدة عنها أم لا ـ ولا المقيّدة بكونها من علّتها التي هي النار ، لكنّها لا تؤثّر إلاّ في المعلول المنطبق المخصوص .
إذا تمهّدت هذه المقدّمات فنقول : إنّ المأمور به ليس إلاّ نفس الطبيعة القابلة للتكثّر بحكم المقدّمة الاُولى ، كما أنّ المبعوث إليه ليست الصلاة المطلقة ; سواء كانت مبعوثاً إليها بهذا الأمر أم بغيره ، ولا المقيّد بكونها مأموراً بأمرها المتعلّق بها ، بل ما لا ينطبق إلاّ على الأخير لا بنحو الاشتراط ، بل له ضيق ذاتي لا يبعث إلاّ نحو المأمور بها ، كما في العلل التكوينية .
وبعبارة أوضح : أنّ الأوامر تحرّك المكلّف نحو الطبيعة التي لا تنطبق إلاّ على المتقيّدة لبّاً بتحريكها إيّاه نحوها . فإذا أتى المكلّف بها من غير دعوة الأمر لا يكون آتياً بالمأمور به ; لأ نّه لا ينطبق إلاّ على المقيّد بدعوة الامر ، فمقتضى الأصل اللفظي هو كون الأوامر تعبّدية قربية ، انتهى بتوضيح .
لكن النظر الدقيق يقضي على خلافه :
أمّا أوّلا : فلأنّ قياس التشريع بالتكوين قياس مع الفارق ; لأنّ المعلول في العلل التكوينية ـ خصوصاً في الفاعل الإلهي الذي هو العلّة الحقيقي ، لا الفاعل المادّي الذي هو في سلك المعدّات والعلل الإعدادية ـ إنّما هو ربط محض بعلّته لا شيئية له قبل تأثير علّته ، ففعليته ظلّ فعلية علّته ، وهذا بخلاف التشريع ; فإنّ تشخّص الإرادة التي تعدّ علّة تشريعية من تشخّص المراد ; إذ هي من ذوات الإضافة لا يعقل تعلّقها بشيء مجهول ، وهكذا الأمر ; فإنّ المبعوث إليه في الأوامر يكون رتبته ـ تصوّراً ـ مقدّماً على البعث ، وقس عليهما نظائرهما .
وأولى منه بعدم التسليم : ما اختاره في باب تعدّد الأسباب ; فإنّ اقتضاء كلّ علّة تكوينية معلولا مستقلاّ إنّما هو لقضية إيجاب كلّ علّة مؤثّرة وجوداً آخر يكون معلولا ووجوداً ظلّياً له . و أمّا الإرادة فلا معنى لتعلّقها بشيء واحد زماناً ومكاناً مرّتين ، بل لا يقع الشيء الواحد تحت دائرة الإرادة إلاّ مرّة واحدة ، ولا تحت أمر تأسيسي متعدّد ; فإذن تكثّر الإرادة تابع لتكثّر المراد . وأمّا المعلول التكويني فتكثّره تابع لتكثّر علّته . وأيضاً عدم انفكاك المعلول عن علّته إنّما هو لكون وجود العلّة التامّة كاف في تحقّقه ، فلا معنى للانفكاك . و أمّا الإرادة فيمكن أن يتعلّق بأمر استقبالي وحالي ، فإثبات الفورية من هذه الجهة مخدوش أيضاً .
وأمّا ثانياً : فلأنّ ما ذكره من المقدّمة الاُولى كاف في نقض مراده ; إذ الواجب هو ما وقع تحت دائرة الطلب ، والقيود المنتزعة من تعلّق الأمر بها لا تكون مأموراً بها إلاّ أن تؤخذ في المتعلّق ، كسائر القيود .
وبالجملة : أنّ الواجب التوصّلي والتعبّدي يشتركان في أ نّه إذا تعلّق الأمر بشيء ينتزع منه عنوان كونه مبعوثاً إليه ، ويفترقان في أنّ المطلوب في الأوّل هو نفس الطبيعة وفي الآخر هي مع قصد التقرّب . وبما أنّ الأمر لا يكون محرّكاً إلاّ إلى نفس الطبيعة لا إلى غيرها فلابدّ وأن يكون مثل تلك القيود مورداً للبعث ، لو كانت دخيلة في الغرض .
وأمّا ثالثاً : فلأنّ ما هو المعلول في كلتا العلّتين إنّما هو نفس الطبيعة ، لا ما لا ينطبق إلاّ على المقيّد ; إذ النار إنّما تحرق نفس القطن وتتعلّق بنفس الطبيعة ، والتقييد منتزع بعد التعلّق والإحراق .
والحاصل : أ نّه بتعلّق الإحراق بها يصير الطبيعة موصوفة بوصف أ نّها لايمكن أن تنطبق إلاّ على المقيّد ، لكن رتبة هذا القيد والوصف بعد تحقّق الإحراق ، ولا يمكن أن يصير موجباً لضيق الطبيعة المتعلّقة بالإحراق .
وقصارى الكلام : أنّ المادّة موضوعـة لنفس الطبيعة ; والهيئة دالّـة على البعث إليها . والذي قام به البيان هو ذات الطبيعة ، وانتزاع عناوين مـن تعلّق الأمـر عـن المأمور به لايوجب أمراً ، بل لايمكن وقوعها تحت الطلب ، ومعه لامعنى لوجوب إتيانها .
الرابع : في تحرير الأصل العملي في المقام:
لا ريب في جريان البراءة العقلية على القول بإمكان الأخذ في المتعلّق ; إذ يصير قصد الأمر ـ حينئذ ـ كسائر القيود العرضية ، فيتحقّق موضوع البراءة الذي هو قبح العقاب بلا بيان .
وأمّا على القول بامتناع الأخذ فربّما يؤخذ هنا بقاعدة الاشتغال عقلا ، مع تسليم جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الارتباطيين ; قائلا بأنّ الشكّ في المقام في كيفية الخروج من عهدة التكليف المعلوم ثبوته ، فلا يكون العقاب على تركه عقاباً بلا بيان ، ولكن الشكّ في الارتباطيين في كمّية المتعلّق قلّةً وكثرةً ، فعليه البيان بشراشر أجزائه وشرائطه(14) .
وإن شئت قلت : إنّ تحصيل الغرض مبدأ للأمـر ، فإذا علم أصل الغرض وشكّ في حصولـه ـ للشكّ في كون المأتي به مسقطاً للغرض وحـده بلا قيد التقرّبية ـ فلا محالة يجب القطع بتحصيل الغرض بإتيان جميع ما له دخـل في ذلك ; ولو احتمالا(15) .
وفيه : أ نّه لا معنى لسقوط الأمر إلاّ إيجاد ما أمر به المولى وبعث المكلّف إليه وتمّت حجّته بالنسبة إليه ، فلو امتثـل كذلك وأوجد ما تعلّق به العلم وما تمّ البيان عليه وقامت الحجّـة عليه لا يتصوّر ـ حينئذ ـ لـه البقاء على صفة الحجّيـة ; إذ لو كان دخيلا في الطاعة وفي تحقّق المأمور به لما جاز له الكفّ عن البيان ; ولو بدليل آخر .
والاكتفاء بحكم العقل بالاشتغال في المقام مدفوع بأ نّه ـ بعد الغضّ عن أنّ المورد داخل في مجرى البراءة ـ إنّما يفيد لو كان من الواضحات عند عامّة المكلّفين ; بحيث يصحّ الاتّكال عليه ، لا في مثل المقام الذي صار مطرحاً للأنظار المختلفة والآراء المتشتّتة .
أضف إلى ذلك : أ نّه لا فارق بين المقامين ، وما ذكر من البرهان لإثبات الاشتغال جار في الأقلّ والأكثر أيضاً ; إذ القائل بالاشتغال هناك يدّعي أنّ الأمر بالأقلّ معلوم ونشكّ في سقوطه لأجل ارتباطية الأجزاء(16) ، أو أنّ الغرض المستكشف من الأمر معلوم ونشكّ في سقوطه بإتيان الأقلّ ، فيجب الإتيان بكلّ ما احتمل دخله في الغرض(17) .
هذا ، مع أنّ مجرّد عدم إمكان تقييد المأمور به لا يوجب عدم إمكان البيان مستقلاّ ـ كما مرّت إليه الإشارة ـ إذ لو توقّف حصول غرض المولى على أمر وراء المأمور به وجب عليه البيان .
ولك أن تقول : إنّ ما اشتهر من وجوب تحصيل العلم بحصول أغراض المولى ومقاصده لا يرجع إلى محصّل ; إذ الأغراض إن كانت حاصلة بنفس ما وقع تحت دائرة البيان فما هو واجب تحصيله ـ حينئذ ـ في محيط العبودية هو ما تعلّق به البيان ; من الأجزاء والشرائط ، ويتبعه الغرض في الحصول ، وإن كانت غير حاصلة إلاّ بضمّ ما لم تقم عليه حجّة بعدُ ، فلا نسلّم وجوب تحصيله ، وهذا لا ينافي .. وجوب تحصيل الغرض المعلوم اللازم الحصول . مع إمكان أن يقال : إنّه يستكشف من عدم البيان أنّ الغرض قائم بالمبيّن .
وأمّا البراءة الشرعية : فتارة يفرض الكلام فيما إذا جاز تقييد المأمور به بالقيود الآتية من قبل الأمر ، واُخرى فيما إذا لم يجز ذلك إلاّ بأمر آخر ، وثالثة فيما لا يجوز مطلقاً . وعلى أىّ حال : تارة يفرض مع القول بجريان البراءة العقلية في قصد الأمر ، واُخرى مع القول بعدمه . فالصور المتصوّرة ستّة . والأقوى جريانها في جميع الصور .
وربّما يقال(18) بعدم جريانها مطلقاً على القول بالاشتغال العقلي ، وجريانها على القول بجريان البراءة العقلية ، إلاّ فيما لايمكن أخذ القيد في المأمور به ; ولو بأمر آخر . فالصور الممنوعة أربعة :
أمّا الاُولى ـ أعني عدم الجريان فيما إذا أمكن الأخذ في المأمور به بأمر واحد مع القول بالاشتغال العقلي ـ فلقصور أدلّة البراءة النقلية عن شمول مثل المورد ; فإنّ ملاكها هو كون الأمر المشكوك فيه إذا لم يأمر به المولى كان ناقضاً لغرضه ، والمورد ليس كذلك ; فإنّ القيد المزبور ـ على فرض دخالته ـ يجوز للمولى الاتّكال على حكم العقل بالاشتغال ، ولا يوجب عدم البيان نقض الغرض . وليس المدّعى أنّ حكم العقل بالاحتياط رافع لموضوع البراءة حتّى يستشكل بلزوم الدور ، بل المدّعى قصور أدلّة البراءة عن مثل المورد ، انتهى .
وفيه : أ نّا لا نرى قصوراً في أدلّتها ولا انصرافاً في إطلاقاتها بعد كون الموضوع قابلا للرفع والوضع ، بل جريانها فيما يحكم العقل بالاشتغال أولى وأقرب من جريانها فيما يكون المورد محكوماً بالبراءة العقلية ; إذ ظاهر الأدلّة هو المولوية لا الإرشاد ، فيصحّ إعمالها بالحكم بالبراءة فيما لولاها لكان محكوماً بالاشتغال عقلا ، وهذا بخلاف ما إذا اتّحدا مفاداً ونتيجة ; بأن يكون مجرى البراءة عقلا وشرعاً ; إذ حكمه ـ حينئذ ـ يصير إرشادياً محضاً .
وأمّا الصورة الثانية ـ أعني مالا يمكن الأخذ إلاّ بأمر آخر مع الاشتغال عقلا ـ فلأنّ جريان البراءة لا يثبت أنّ متعلّق الأمر الأوّل تمام المأمور به إلاّ على القول بالأصل المثبت ، بخلاف ما إذا قلنا بإمكان الأخـذ في متعلّق الأمر الأوّل ; فإنّ الشكّ يرجع إلى انبساط الأمر على الجزء والقيد المشكوك فيه . فمع جريان البراءة يكون باقي الأجزاء بنظر العرف تمام المأمور به ، فيكون من قبيل خفاء الواسطة ، انتهى .
وفيه أوّلا : أنّ القول بوجوب العلم بكون المأتي به تمام المأمور به من قبيل الالتزام بشيء لا يجب الالتزام به ; إذ الواجب ليس عنوان تمام المطلوب حتّى يجب إحرازه ، بل ما قامت عليه الحجّة واستوفاه البيان ; سواء اُحرز كونه تمام المأمور به أم لا ، هذا .
وثانياً : أنّ رفع الجزء المشكوك فيه ملازم عقلا لكون البقية تمام المطلوب ، وهذا عين الأصل المثبت ، من غير فرق بين وحدة الأمر وتعدّده .
وثالثاً : أنّ الأمر الثاني ناظر إلى متعلّق الأمر الأوّل بتصرّف فيه ببيان قيده وشرطه ، وليس مفاده أمراً مستقلاّ ـ وإن شئت فسمّه بتتميم الجعل ـ فيرى العرف هذين الأمرين ـ بعد التوجّه إلى الناظرية ـ أمراً واحداً . وعليه فلو كان هنا خفاء الواسطة يكون في الموردين بلا فرق بينهما .
وأمّا الصورة الثالثة والرابعة ـ أعني عدم إمكان الأخذ مطلقاً ; سواء قلنا بالبراءة العقلية أم لا ـ فلأنّ جريانها موقوف على كون المشكوك فيه قابلا للوضع والرفع شرعاً ، ومع عدم جواز الأخذ لايمكن الوضع ، فلا يمكن الرفع . ودخله في الغرض واقعي تكويني غير قابل للوضع والرفع التشريعيين ، وغير المفروض من القيود وإن كان دخله تكوينياً لكنّه لمّا كان قابلا لهما يجوز التمسّك بدليل الرفع لرفعه ، انتهى .
وفيه : أنّا لا نتصوّر للمفروض مصداقاً ; إذ كيف يمكن دخالة شيء في الغرض ، ولايمكن للمولى بيانه وإظهاره ؟ وعليه لا محيص عن جريان أدلّة الرفع بعد إمكان وضعه في نظائر المقام .
____________
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 137 ـ 138 .
2 ـ اُنظر درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 94 .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ أجود التقريرات 1 : 106 ـ 108 .
5 ـ الفرق بين اللازمين أنّ وجود الماهية في لازم الوجودين دخيل في ثبوت اللزوم وتحقّقه ، ولكنّه في لازم الماهية دخيل في ظهور الملازمة لا في ثبوتها ، مثلاً : لو قلنا بأنّ الزوجية من لوازم وجود الأربعة ـ الخارجي والذهني ـ يكون لوجودها دور وتأثير في ثبوت الملازمة بين وجود الأربعة والزوجية على نحو لولا وجودها ، لما كانت هناك ملازمة ، بخلاف ما لو قلنا بأنّها من لوازم ماهية الأربعة فيكون لوجود الأربعة دور في كشف الملازمة وظهورها لا في أصل الملازمة.
وكان سيدنا الاُستاذ يميل إلى النظر الثاني مستدلاً بأنّ الإنسان ربما يتصور الأربعة مع الزوجية، مع الغفلة عن وجودها الذهني، فلو كان للوجود دور في ثبوت الملازمة، لكانت الغفلة عن وجود الأربعة ملازماً للغفلة عن وجود الزوجية مع أنّها ليست كذلك . [المؤلّف] .
6 ـ اُنظر نهاية الاُصول : 112 .
7 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 229 ـ 231 .
8 ـ اُنظر نهاية الدراية 1 : 326 .
9 ـ اُنظر درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 94 .
10 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 95 .
11 ـ مقالات الاُصول 1 : 236 ، نهاية الأفكار 1 : 190 .
12 ـ كفاية الاُصول : 96 .
13 ـ كفاية الاُصول : 97 .
14 ـ نهاية الدراية1 : 345 .
15 ـ نفس المصدر 1 : 342 .
16 ـ الفصول الغروية : 357 / السطر 11 .
17 ـ كفاية الاُصول : 414 .
18 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 243 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|