المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

رسالة في العزاء بأبي جعفر ابن جبير
2024-01-07
صفات المتقين / لا يشمت بالمصائب
2024-04-23
Structure–Function Relationship of Glycosaminoglycans
1-10-2021
مفهوم التثليث ونشأته
24-09-2014
إدارة شئون القبيلة في الدنيا والدين في بلاد العرب.
2024-01-13
الشلمغاني (صعود وسقوط).
2024-03-26


الهيئة هل تدلّ على الوجوب أم لا؟  
  
1458   10:36 صباحاً   التاريخ: 8-8-2016
المؤلف : تقريرا لبحث السيد الخميني - بقلم الشيخ السبحاني
الكتاب أو المصدر : تهذيب الأصول
الجزء والصفحة : ج1. ص.194
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2016 1330
التاريخ: 5-8-2016 1260
التاريخ: 31-8-2016 1667
التاريخ: 1-9-2016 1484

...هل وضعت [الهيئة] للبعث الوجوبي أو الاستحبابي أو القدر المشترك بينهما أو لهما على سبيل الاشتراك اللفظي ؟

فلنقدّم لتحقيقه اُموراً :

الأوّل : إذا راجعت وجدانك تعرف أنّ المصالح والغايات المطلوبة ، لها دخل تامّ في قوّة الإرادة وضعفها ، كيف لا ، وأنّ الإرادة المحرّكة لعضلاته لإنجاء نفسه من الهلكة أقوى من الإرادة المحرّكة لها نحو لقاء صديقه ، وهي أقوى من المحرّكة لها للتفريح والتفرّج .

ويمكن أن يستكشف مراتب الإرادة واختلافها ـ شدّة وضعفاً ـ عن تحريك العضلات سرعة وبطءً فظهر أنّ إدراك أهمّية المصالح واختلاف الاشتياقات علّة لاختلاف الإرادة في الشدّة والضعف والتوسّط بينهما ، كما أنّ اختلاف الإرادة علّة لاختلاف حركة العضلات سرعة وبطءً وقوّة وضعفاً ، كلّ ذلك مع الإقرار بأنّ الإرادة من صُقع النفس وفاعليتها .

ومن الغريب : ما في تقريرات بعض الأعاظم من أنّ تحريـك النفس للعضلات في جميع الموارد على حدّ سواء(1) ; لأنّ الوجدان حاكم على خلافه ; ضرورة أقوائية إرادة الغريق لاستخلاص نفسه من الأمواج من إرادته لكنس البيت وشراء الزيت .

كما أنّ من العجيب ما عن بعض محقّقي العصر من أنّ الإرادة التكوينية لا يتصوّر فيها الشدّة والضعف(2) .

ولا يخفى بطلانه ; لأنّ الآثار كما يستدلّ بوجودها على وجود المؤثّرات ، كذلك يستدلّ باختلافها شدّة وضعفاً على اختلافها كذلك ; إذ الاختلاف في المعلول ناش عن الاختلاف في علّته ، ونحن نرى ـ بداهة ـ أنّ هناك اختلافاً في حركة العضلات في إنجاز الأعمال سرعة وبطءً ، وشدّة وضعفاً ، وهو يكشف عن اختلاف الإرادات المؤثّرة فيها .

فتلخّص : أنّ الإرادة تختلف شدّة وضعفاً باختلاف الدواعي ، كما أنّه باختلاف الإرادة تختلف حركة العضلات وفعاليتها . ثمّ إنّ التفصيل بين الإرادة التكوينية والتشريعية لا يرجع إلى محصّل .

الثاني : قد حرّر في موضعه أنّ الحقائق البسيطة التي تكون ذات التشكيك سنخ تشكيكها خاصّي; بمعنى أنّه يصير ما به الافتراق بين المراتب عين ما به الاشتراك ، كالوجود والعلم والإرادة والقدرة وغيرها(3) .

فحينئذ : افتراق الإرادة القوية عن الضعيفة بنفس حقيقة الإرادة ; إذ هي ذات مراتب شتّى وصاحبة عرض عريض ، ولا يكون الاختلاف بينهما بتمام الذات المستعمل في باب الماهيات ; ضرورة عدم التباين الذاتي بين الإرادة القوية والضعيفة ، ولا ببعض الذات ; لبساطة الإرادة في جميع المراتب ، ولا بأمر خارج ; لأنّه يلزم أن يكون كلتا الإرادتين في مرتبة واحدة ، وقد عرضت الشدّة والضعف على ذاتهما كعروض الأعراض على موضوعاتها ، وهو كما ترى . فالتشكيك واقع في ذاتها وبذاتها .

الثالث : الأفعال الإرادية الصادرة عن الإنسان لابدّ وأن تكون مسبوقة بالإرادة ومبادئها من التصوّر ; حتّى تنتهي إلى الإرادة ويتبعها تحريك العضلات وأعمال الجوارح ; من اليد والرجل واللسان ، حسب ما يقتضيها سنخ الفعل .

والبعث باللفظ بما أنّه فعل اختياري صادر عن الآمر لا محيص عن مسبوقيته بمبادئ الاختيار ; حتّى التحريك للعضلات ; وهو اللسان هنا .

كما أنّ ما سبق في الأمر الأوّل من أنّ شدّة الإرادة وضعفها تابعة لإدراك أهمّية المراد جار في نفس البعث أيضاً ، بل ربّما تدرك شدّة الإرادة من أثناء الكلام وزواياه ، كما لو أدّاه بلحن شديد أو بصوت عال أو قارنه بأداة التأكيد أو عقّبه بالوعد والوعيد ، كما أنّه يدرك من خلاله فتور الإرادة وضعفها إذا قارنه بالترخيص في الترك أو جعل جزاء الترك أمراً طفيفاً يرجع إلى حال العبد في دنياه ، وغير ذلك ممّا يلوح منه الوجوب الكاشف عن شدّة الإرادة بعرضها العريض ، أو الاستحباب الكاشف عن ضعفها كذلك .

ثمّ إنّ البعث بالهيئة ليس باعثاً بالذات ومحرّكاً بالحقيقة ، وإلاّ لما انفكّ باعثيته عنه ، وما وجد في أديم الأرض عاص ولا طاغ ، ولما كان هناك ثواب لمن سلك في ربقة الإطاعة ، بل هي باعث إيقاعي اعتباري ، والباعث بالذات هو الملكات النفسانية والصفات الفاضلة ، كعرفان مقام المولى ولياقته وأهليته للعبادة ـ  كما في عبادة الأولياء ـ وكحبّه لمولاه أو لخوفه من ناره وسلاسله وطمعه في رضوانه وجنانه وغيرها ممّا تصير داعية للفاعل ، وإنّما الأمر محقّق لموضوع الإطاعة وموضح للمراد .

الرابع : أنّ كلّ ذي مبدأ يكشف عن تحقّق مبادئها المسانخة له ; فالفعل الاضطراري يكشف بوجوده الخارجي عند العقل عن تحقّق مبادئ الاضطرار ، كما أنّ الفعل الاختياري له كاشفية عن تحقّق مبادئه ، وليس هذا إلاّ دلالة عقلية محضة ، ككاشفية المعلول عن علّته بوجه .

فإذن : الأمر والبعث بآلة الهيئة بما هو فعل اختياري كاشف عن الإرادة المتعلّقة به ، كما أنّه بما هو بعث نحو المبعوث إليه كاشف عن مطلوبيته ، كلّ ذلك ليست دلالة لفظية وضعية ، بل عقلية محضة .

منشأ ظهور الصيغة في الوجوب:

إذا عرفت ما مهّدناه فاعلم : أنّه قد وقع الخلاف في أنّ هيئة الأمر هل تدلّ على الوجوب أولا ؟ وعلى الأوّل هل الدلالة لأجل الوضع أو بسبب الانصراف ، أو لكونه مقتضى مقدّمات الحكمة ؟ فيه وجوه ، بل أقوال .

وهناك احتمال آخر ـ وإن شئت فاجعله رابع الأقوال ـ وهو أ نّها كاشفة عن الإرادة الحتمية الوجوبية ; كشفاً عقلائياً ، ككاشفية الأمارات العقلائية .

ويمكن أن يقال : إنّها وإن لم تكن كاشفة عن الإرادة الحتمية إلاّ أنّها حجّة بحكم العقل والعقلاء على الوجوب ; حتّى يظهر خلافه ، وهذا خامس الوجوه .

فنقول : أمّا الدلالة الوضعية فإن اُريد منها أنّ البعث متقيّد بالإرادة الحتمية فهو ظاهر البطلان ; إذ قد أشرنا(4)  أنّ الإنشائيات ـ ومنها البعث بالهيئة ـ معان إيجادية ، لا يحكي عن مطابق خارجي لها ، بل توجد بشراشر شؤونها في ظرف الإنشاء .

 فإذن الهيئة موضوعة للبعث بالحمل الشائع ; أي ما هو مصداق له بالفعل وقائم مقام إشارة المشير ، فلا معنى ـ حينئذ ـ لتقييد البعث الخارج بالمفهوم أصلا .

ولو كان التقييد بوجود الإرادة الحتمية دون مفهومها ، ففيه : أنّه يستلزم تقييد المعلول بعلّته ; إذ البعث معلول للإرادة ; ولو بمراتب ، فلو تقيّد البعث بوجوده الخارجي بوجود الإرادة الحتمية لزم كون المتقدّم متأخّراً أو المتأخّر متقدّماً .

نعم ، هناك تصوير آخر ـ وإن كان يدفع به الاستحالة إلاّ أنّ التبادر والتفاهم على خلافه ـ وذلك: أنّه قد مرّ(5)  في البحث عن معاني الحروف أنّه لا يمكن تصوير جامع حقيقي بين معانيها ، من غير فرق بين الحاكيات أو الإيجاديات ; إذ الجامع الحرفي لابدّ وأن يكون ربطاً بالحمل الشائع ، وإلاّ صار جامعاً اسمياً .

 وما هو ربط كذلك يصير أمراً مشخّصاً لا يقبل الجامعية .

وعليه وإن كان لا يمكن تصوير جامع حقيقي بين أفراد البعث الناشئة عن الإرادة الجدّية إلاّ أنّه لا مانع من تصوير جامع اسمي عرضي بينها ، كالبعث الناشئ من الإرادة الحتمية ، ثمّ توضع الهيئة بإزاء مصاديقه ، من باب عموم الوضع وخصوص الموضوع له ، من غير تقييد .

هذا ، ولكن المتفاهم من الهيئة لدى العرف هو البعث والإغراء ، كإشارة المشير لإغراء غيره ، لا البعث الخاصّ الناشئ عن الإرادة الحتمية ، فتدبّر .

وأمّا القول بكون الوجوب مستفاداً من انصرافه إلى البعث المنشأ من الإرادة الحتمية فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه ; إذ المنشأ الوحيد لذلك هو كثرة استعماله فيه ; بحيث يوجب استئناس الذهن ، وهي مفقودة .

وبه يتّضح بطلان ما جعلناه قولا رابعاً ; من دعوى كونه كاشفاً عقلائياً عن الإرادة الحتمية ، والقدر المسلّم كونه كاشفاً عن إرادة الآمر في الجملة ، لا عن الإرادة الحتمية ; إذ الكشف من غير ملاك غير معقول ، وما يتصوّر هنا من الملاك هي كثرة الاستعمال فيما ادّعوه ; بحيث يندكّ الطرف الآخر لديه ، ويحسب من النوادر التي لا يعتني به العقلاء .

إلاّ أنّ وجدانك شاهد صدق على أنّ الاستعمال في خلاف الوجوب لا يقصر عنه ، لو لم يكن أكثر .

وأمّا القول بكون الوجوب مقتضى مقدّمات الحكمة فقد قرّبه وقوّاه بعض محقّقي العصر ـ رحمه الله ـ على ما في تقريراته بوجهين :

الأوّل : ما أفاده في مادّة الأمر أنّ الطلب الوجوبي هو الطلب التامّ الذي لاحدّ له من جهة النقص والضعف ، بخلاف الاستحبابي ; فإنّه مرتبة من الطلب محدودة بحدّ النقص والضعف ، ولاريب في أنّ الوجود غير المحدود لا يفتقر في بيانه إلى أكثر ممّا يدلّ عليه ، بخلاف المحدود فإنّه يفتقر بعد بيان أصله إلى بيان حدوده .

 وعليه يلزم حمل الكلام الذي يدلّ على الطلب بلا ذكر حدّ له على المرتبة التامّة ; وهو الوجوب ، كما هو الشأن في كلّ مطلق(6) .

وقرّره في المقام بتعبير واضح : من أنّ مقدّمات الحكمة كما تجري لتشخيص مفهوم الكلام سعةً وضيقاً ، كذلك يمكن أن تجري لتشخيص أحد مصداقي المفهوم ، كما لو كان لمفهوم الكلام فردان في الخارج ، وكان أحدهما يستدعي مؤونة في البيان أكثر من الآخر ، كالإرادة الوجوبية والندبية ; فإنّ الاُولى تفترق عن الثانية بالشدّة ; فيكون ما به الامتياز فيه عين ما به الاشتراك ، وأمّا الثانية فتفترق عن الاُولى بالضعف ; فما به الامتياز فيه غير ما به الاشتراك ، فالإرادة الندبية تحتاج إلى دالّين بخلاف الوجوبية(7) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه نظرات وتأمّلات :

منها : أنّ المقدّمات المعروفة لو جرت فيما نحن فيه لا تثبت إلاّ نفس الطلب الذي هو القدر المشترك بين الفردين .

وتوضيحه : أنّه قد مرّ في بحث الوضع : أنّ اللفظ لا يحكي إلاّ عمّا وضع بإزائه ، دون غيره من اللوازم والمقارنات ، والمفروض أنّ مادّة الأمر وضعت لنفس الجامع بلا خصوصية فردية، والإطلاق المفروض لو ثبت ببركة مقدّماته لا تفيد إلاّ كون ما وقع تحت البيان تمام المراد ، وقد فرضنا أنّ البيان بمقدار الوضع ، ولم يقع الوضع إلاّ لنفس الجامع دون الخصوصية ، فمن أين يستفاد كون الوجوب هو المراد دون الجامع ؟ مع أنّ مصبّ المقدّمات هو الثاني دون الأوّل ، والدلالة والبيان لم  يتوجّه إلاّ إلى الجامع دون الوجوب .

ودعوى : عدم الفرق بين القدر الجامع والطلب الوجوبي واضح الفساد ; لاستلزامها اتّحاد القسم والمقسم في وعاء الحدّ ، والضرورة قاضية بلزوم افتراق الفرد عن الجامع بخصوصيـة زائدة ، وسيأتي بقية المقال في تقسيم الأمر إلى النفسي والغيري .

فإن قلت : لازم إجراء المقدّمات في المقام كون الأمر ظاهراً في نفس الجامع ، مع أنّا نقطع بأنّه ليس له وجود إلاّ بوجود أفراده ، وليس له حصول إلاّ في ضمن أحد الفردين ، فكيف ينسب إلى المولى بأنّه تمام المراد ؟

قلت : هذا ـ لو سلّم ـ يكشف عن كون المقام خارجاً عن مصبّ المقدّمات ، وما ذكرنا من أنّ جريانها يوجب كونها ظاهراً في نفس الطلب لأجل المماشاة ، بل كما لا يوجب ظهورها في الجامع لا يوجب ظهورها في أحد القسمين مع كونه متساوي النسبة إليهما ، وما ذكرنا في المادّة جار في مفاد الهيئة حرفاً بحرف .

ومنها : أنّ كون ما به الاشتراك في الحقائق الوجودية عين ما به الامتياز لا يوجب عدم الاحتياج في صرف الجامع إلى أحد القسمين إلى بيان زائد عن بيان نفس الطبيعة ; ضرورة أنّ الأقسام تمتاز عن المقسم بقيد زائد في المفهوم ; وإن لم يكن زائداً في الوجود .

فالوجود المشترك مفهوماً بين مراتب الوجودات لا يمكن أن يكون معرّفاً لمرتبة منها ، بل لابدّ في بيانها من قيد زائد ـ ولو من باب زيادة الحدّ على المحدود  ـ فنفس مفهوم الوجود لا يكون حاكياً إلاّ عن نفس الحقيقة الجامعة بينها ، ولابدّ لبيان وجود الواجب ـ مثلا ـ إلى زيادة قيد ، كالتامّ والمطلق والواجب بالذات ونحوها ، فإذن الإرادة القوية ـ كالضعيفة ـ تحتاج إلى بيان زائد، وكذا نظائرها .

وبالجملة : الخلط حاصل من إسراء حكم الخارج إلى المفهوم .

وكون شيء جامعاً أو فرداً في لحاظ التحليل ووعاء المفهوم إنّما هو لأجل تميّز بينهما بإضافة قيد أو شرط ; ولو من باب زيادة الحدّ على المحدود .

ومنها : أنّ ما ذكره من أنّ ما بـه الاشتراك في طرف الناقص غير ما به الامتياز عجيب جدّاً ، بل غفلة عن حقيقة التشكيك في الحقائق البسيطة ; إذ الجمع  بين البساطة في الوجـود وبين كونـه ذا مراتب تتفاوت بالشدّة والضعف لا يصحّ إلاّ بالالتجاء إلى أنّ ما به الامتياز في جميع المراتب عين ما به الاشتراك ; قضاءً لحقّ البساطة .

وعلى ذلك ليست الإرادة الضعيفة مركّبة من إرادة وضعف ، بل بتمام هويتها إرادة وتعدّ من المرتبة البسيطة ، وتكون بنفس ذاتها ممتازة عن القوية ، كما أنّ القوية ليست مركّبة من إرادة وقوّة .

والحاصل : أنّ كلتا المرتبتين بسيطتان جدّاً ; بحيث كان ما به الاشتراك فيهما عين ما به الامتياز ، وتكون الحقيقة ذات عرض عريض ، لكن في مقام البيان والتعريف يحتاج كلاهما إلى معرّف غير نفس المفهوم المشترك ، فالإرادة التامّة أو الطلب التامّ يحتاج إلى بيان زائد عن أصل الطلب كالإرادة الناقصة .

الوجه الثاني : أنّ كلّ طالب إنّما يأمر لأجل التوسّل إلى إيجاد المأمور به ، فلابدّ أن يكون طلبه غير قاصر عن ذلك ، وإلاّ فعلية البيان ، والطلب الإلزامي غير قاصر عنه دون الاستحبابي ، فلابدّ أن يحمل عليه الطلب(8) .

قلت : إن كان المراد من هذا الوجه أنّ الطلب الوجوبي لا يحتاج إلى بيان زائد بخلاف الاستحبابي ففيه : أنّه يرجع إلى الوجه الأوّل ، وقد عرفت جوابه .

وإن كان الغرض هـو أنّ الآمـر بصدد إيجاد الداعي في ضمير المأمـور لأجل تحصيل المأمـور به فهو مسلّم ، ولكن لا يفيد ما رامه ; إذ البعث لأجل إحـداثه أعمّ من الإلزامي وغيره .

وإن كان المقصود دعوى أنّ كلّ آمر بصدد تحصيل المأمور به على سبيل اللزوم فمع كونها مصادرة ممنوعة ; لأنّ الأوامر على قسمين .

وهناك تقريب آخر أفاده شيخنا العلاّمة : من أنّ الحمل على الوجوب لأجل أنّ الإرادة المتوجّهة إلى الفعل تقتضي وجوده ليس إلاّ ، والندب إنّما يأتي من قبل الإذن في الترك ; منضمّاً إلى الإرادة المذكورة ; فاحتاج الندب إلى قيد زائد بخلاف الوجوب ; فإنّه يكفي فيه تحقّق الإرادة فقط .

ثمّ أفاد : أنّ الحمل عليه لا يحتاج إلى مقدّمات الحكمة ; لأجل استقرار الظهور العرفي بمجرّد عدم ذكر القيد في الكلام ، ونظيـر ذلك قولنا «أكرم كلّ رجل» ; إذ لا نرى من أنفسنا في الحكم بالعموم في أفراد الرجل الاحتياج إلى مقدّمات الحكمة في لفظ الرجل ; بحيث لولاها كنّا نتوقّف في المراد من القضية المذكورة(9) ، انتهى .

والعارف بما أسلفناه في توضيح الإرادة القوية والضعيفة(10) ، وما سيأتي منّا في توضيح الأحكام الخمسة يقف على الخدشة فيما أفاده ; إذ الوجوب والندب من الاُمور الاعتبارية ينتزع من نفس البعث باعتبار مبادئه ; إذ البعث الصادر عن الإرادة الشديدة ينتزع منه الوجوب ، كما أنّ الصادر عن الضعيفة ينتزع منه الندب ، لا أنّ الندب يأتي من قِبَل الإذن في الترك منضمّاً إلى الإرادة المذكورة .

وبعبارة أوضح : أنّ الإرادة في الوجوب والندب مختلفة مرتبةً ـ كما تقدّم ـ ولا يمكن أن تكون الإرادة فيهما واحدة ، ويكون الاختلاف بأمر خارج . فحينئذ فالإرادة الحتمية نحو اقتضاء لها ليس لغير الحتمية .

وأمّا قياسه نفي الاحتياج إلى مقدّمات الحكمة على القضية المسوّرة بلفظة «كلّ» فغير صحيح ; إذ عدم الاحتياج في المسوّرة بلفظة «كلّ» ـ وسيوافيك تفصيله في مباحث العموم ـ لأجل بيان لفظي بالنسبة إلى نفس الأفراد دون أحوالها ; إذ سور القضية متعرّض وضعاً لكلّ فرد فرد بنحو الجمع في التعبير ، ومع البيان كذلك لا معنى لإجراء المقدّمات ، بخلاف المقام .

نعم ، هنا إشكال آخر يرد على كلّ من قال بدلالة الأمر على الوجوب أو الندب ـ بأيّ دليل تمسّك ـ ومن قال باستعماله فيهما حقيقة أو مجازاً ; إذ انتزاعهما أو اعتبارهما ـ على الفرق المقرّر في محلّه بين الانتزاعيات والاعتباريات ـ إن كان بلحاظ الإرادة الحتمية أو المصلحة الملزمة في الوجوب وعدمهما في الندب فمن البيّن أنّ ذلك من مبادئ الاستعمال وهو مقدّم بالطبع على الاستعمال ، وإن كان بلحاظ حتمية الطاعة أو عدمها فمن الواضح أنّهما منتزعتان بعد الاستعمال ، فلا يعقل الاستعمال فيهما على جميع الأقوال .

لكن بعد اللتيا والتي لا إشكال في حكم العقلاء كافّة على تمامية الحجّة على العبد مع صدور البعث من المولى ـ بأيّ دالّ كان ـ وقطع عذره وعدم قبوله باحتمال نقص الإرادة وعدم حتمية البعث وغير ذلك .

ولاريب في حكمهم بلزوم إطاعة الأوامر الصادرة من المولى ، من غير توجّه إلى التشكيك العلمي ; من احتمال كونه صادراً عن الإرادة غير الحتمية ، أو ناشئاً عن المصلحة غير الملزمة .

وليس ذلك لدلالـة لفظية أو لجهـة الانصراف أو لاقتضاء مقدّمات الحكمـة أو لكشفه عن الإرادة الحتمية ، بل لبناء منهم على أنّ بعث المولى لا يترك بغير  جـواب ، كما لا يترك باحتمال الندب . فتمام الموضوع لحكمهم بوجوب الطاعـة هو نفس البعث مالم يرد فيه الترخيص .

هذا من غير فرق بين ما دلّ على الإغراء والبعث ، سواء كان الدلالة بآلة الهيئة أو بإشارة من يده أو رأسه ، فالإغراء بأي دالّ كان هو تمام الموضوع لحكم العقلاء بتمامية الحجّة ، إلاّ أن يدلّ دليل على الترخيص . ولعلّ ذلك منظور شيخنا العلاّمة ، أعلى الله مقامه .

كيفية دلالة الجمل الخبرية على الطلب والوجوب إذا أحطت خبراً بما ذكرنا ; من أنّ تمام الموضوع لحكم العقلاء هو نفس البعث ، من غير فرق بين الدوالّ ، يتّضح لك أنّ الجمل الخبرية المستعملة في مقام البعث ، والإغراء كالهيئات في حكم العقلاء بلزوم إطاعتها .

نعم ، الكلام كلّه في كيفية دلالتها على البعث ، وما ذكرنا سابقاً في تحقيق معنى المجاز ، وأنّه استعمال فيما وضع له بجعله عبرة إلى المقصود(11)  يوضح كيفية دلالتها ، فالجمل الخبرية مستعملة في معانيها الإخبارية بدعوى تحقّقها من المخاطب وأنّه يقوم به ، من غير احتياج إلى الأمر ، بل فطرته السليمة ورشده في حيازة المصالح تبعثه إليه ، بلا دعوة داع .

فقول الوالد لولده : «ولدي يصلّي» أو «يحفظ مقام أبيه» لا يريد منها إلاّ الأمر ، لكن بلسان الإخبار عن وقوعه وصدوره عنه بلا طلب من والده ، بل بحكم عقله ورشده وتمييزه .

____________
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 135 ـ 136 .

2 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 212 ـ 213 .

3 ـ الحكمة المتعالية 1 : 427 ـ 446 ، شرح المنظومة ، قسم الحكمة : 22 .

4 ـ تقدّم في الصفحة 191 .

5 ـ تقدّم في الصفحة 46 .

6 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 197 .

7 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 214 .

8 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 197 .

9 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 74 .

10 ـ تقدّم في الصفحة 194 .

11 ـ تقدّم في الصفحة 62 .




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.