أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-07
1017
التاريخ: 25-6-2021
9384
التاريخ: 29-3-2017
2515
التاريخ: 31-5-2022
1936
|
يعد مبدأ سيادة القانون ، عنصراً في بناء الدولة القانونية ، ويتمثل في خضوع سلطات الدولة لحكم القانون خضوع المحكومين له(1) ، اذ بمقتضاه يكون المواطنون في مأمن من أن تعتدي عليهم الدولة على خلاف ما يجيزه القانون ، لأنه من المعروف ان السلطة الإدارية في العديد من الأنظمة تمتلك امتيازات عديدة تكفل لها وحدها حق الأمر والنهي بالإرادة المنفردة وحق التنفيذ المباشر لقراراتها بالقوة الجبرية على نحو من شأنه ان يؤدي الى انتقاص حقوق الأفراد والقضاء على حرياتهم(2).
ولعل أهم ما يميز مبدأ سيادة القانون ، أنه لا يجوز لأي من سلطات الدولة أن تصدر قراراً فردياً الا في حدود قاعدة عامة ، سواء أكانت قانوناً ام لائحة ، و كل قاعدة واجبة الاحترام، حتى من السلطة التي اصدرتها ، وان كل قيد يفرض على ممارسة الحقوق والحريات ، يتعين ان يصدر بتشريع صادر بموافقة البرلمان ، واخيراً كل سلطة يتعين عليها أن تحترم القرارات الصادرة عن السلطة التي تعلوها(3)
فضلاً عن ذلك ، ان سيادة القانون لا تعني فقط مجرد الالتزام باحترام احكامه ، بل تعني سموه في مضمونه من حيث احترام حقوق وحريات الأفراد ، اذ لا فائدة ترجى من قانون يكون اداة بيد السلطة لقهر الأفراد وكبت حرياتهم ، اذ يصبح الأخذ به من عدمه سيان اذ لم يحقق الأمن الحقيقي للأفراد ، اولم يضع قيوداً على سلطة اجهزة الدول في حال منحها سلطات واسعة لا حدود لها(4) . نتيجة لذلك ، أجمع علماء القانون والسياسة في العصر الحديث على تلازم هذا المبدأ مع وجود الدولة الديمقراطية بوصفها الضمانة الأكيدة ضد الاستبداد ، فالدولة لاتستطيع ان تكسب صفة الديمقراطية الا اذا استندت مؤسساتها على مبدأ سيادة القانون الذي يسود الحكام والمحكومين على حد سواء(5).
ونظراً لما يحمله هذا المبدأ من أهمية ، فقد نصت عليه دساتير العديد من الدول ، إذ تُعد بريطانيا أول دولة طبقت مبدأ سيادة القانون الذي تم اقراره بصورة رسمية في قانون الحقوق* الصادر في عام 1689 ومنذ ذلك الحين ورجال القانون والسياسية في بريطانيا يقدسونه ويعدونه جزءاً جوهرياً من قانونهم الدستوري وضمانة أساسية لحريات المواطن وحقوقه(6)
وفي مصر برز اهتمام المشرع الدستوري بمبدأ سيادة القانون واضحاً وجلياً ، اذ حرص على تأكيد هذا المبدأ في نص المادة (64) التي تضمنت بأن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة ، وفي المادة (65) نص على مبدأ خضوع الدولة للقانون ، وكان الباعث الدافع الى تكريس هذا المبدأ ، ماوقع في مصر من انتهاكات لقواعد القانون واحكامه بشكل سافر في عقد الخمسينات والستينات ، مما ادى الى ضياع المشروعية القانونية وإهدار الحقوق والحريات الفردية(7).
وبالرجوع الى دستور جمهورية العراق يتم ملاحظة ورود نصوص عدة تتعلق بالموضوع، فلو نظرنا الى ديباجته لوجدناها تتضمن العزم على احترام القانون والمضي قدما لبناء دولة القانون بالإضافة الى تأكيد هذا المبدأ عندما نص على أن ( السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات (8 ).(
بهذه النصوص الصريحة ، يتقرر في ظل دستور جمهورية العراق لعام 2005 مبدأ سيادة القانون وبالتالي تتوفر للأفراد ضمانة جديدة في مواجهة السلطات العامة ، إذ انه من البديهيات لا يكفي لحماية حقوق الافراد وحرياتهم ان يتأكد مبدأ سيادة القانون في شان علاقاتهم ببعضهم البعض بل يجب لتوكيد هذه الحماية أن يسود القانون علاقاتهم مع الهيئات الحاكمة في الدولة.
وتقتضي الإشارة الى أن النص على مبدأ سيادة القانون في الدستور هو ضمانة أساسية لتدعيم وتوسيع المشروعية ، لأن الدستور يمثل بسموه وعلوه قمة المشروعية في الدولة ، لأنه كفيل الحقوق والحريات وعماد الحياة الدستورية واساس نظامها وعلى منواله وبالاتفاق مع احكامه تصدر جميع القوانين من بينها تلك التي تنظم ممارسة الأفراد للحقوق والحريات ، وبالتالي على جميع الحكام الالتزام بأحكامه ، والا كانت تصرفاتهم باطلة وفاقدة لكل قيمة (9) .
وقد اشار دستور جمهورية العراق لسنة 2005 الى مبدأ سمو الدستور، إذ نص على انه ( يعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ، ويكون ملزماً في كافة انحائه ، وبدون استثناء (10). (
ونتيجة لذلك ، فأن النص على الحقوق السياسية في صلب الوثيقة الدستورية ، يؤدي الى اعطائها قدسية خاصة ، كما تُعد في الوقت نفسه وسيلة فعالة لضمان حماية هذه الحقوق في مواجهة المشرع ، ويؤدي الى تمتعها بميزة الاستقرار والثبات التي تتمتع بها عادةً النصوص الدستورية خاصة وإن أغلبية هذه النصوص في الوقت الحاضر هي نصوص جامدة لا يجوز المساس بها الا طبقاً لإجراءات طويلة ومعقدة ينص عليها الدستور(11)، وهو ما تضمنه دستور جمهورية العراق لسنة 2005 من عدم جواز تعديل الحقوق والحريات الواردة فيه إلأ بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين و بالرجوع للشعب لاستفتائه على التعديل(12)
ويمكن ملاحظة ذلك كضمانة حقيقية للحقوق والحريات تجعلها بمنأى عن يد السلطات العامة وبالأخص السلطة التشريعية ، وهو مايجعل سلطة المساس بهذه الحقوق ، بيد الشعب الذي له السيادة وحده والذي يُعد مصدر جميع السلطات في الدولة ، وهو في الوقت نفسه نوع من الحظر الزمني والموضوعي على تعديل الدستور اراد به المشرع الدستوري العراقي أن يضفي قدسية على حقوق الإنسان وحرياته .
من خلال ما تقدم ، يتضح ان تمتع الحقوق والحريات بالصفة الدستورية يجعلها محمية بموجب مبدأ سمو الدستور، إلا إن هذه القيمة الدستورية لا تقتصر على الحقوق والحريات الواردة في صلب الوثيقة الدستورية ، وانما تسري على تلك الحقوق التي تتصدر مقدمات وديباجات العديد من الدساتير( 13).
ولم يتبع المشرع الدستوري العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية أسلوب تقرير الحقوق والحريات في ديباجة دساتيره لتجنب ما قد يثار بشان القيمة القانونية لها* كما لم يتبع ما نصت عليه بعض الدول من تقرير هذه الحقوق في قوانينها العادية كما هو الحال في انكلترا لما من شأنه أن يؤدي الى امكانية تدخل المشرع العادي في تعديل هذه الحقوق بالزيادة او النقصان، إنما اتبع نفس الأسلوب الذي اتبعه الدستور الأمريكي في تقرير الحقوق والحريات في نصوص وردت في صلب الوثيقة الدستورية مما اسبغ عليها من القوة ما للنصوص الدستورية الاخرى(14 ).
مما سبق يتبين ، أن وجود مبدأ سيادة القانون يعد ضمانة مهمة لحماية الحقوق السياسية بما يضعه من حدود وقيود على ممارسة السلطات العامة في الدولة لاختصاصاتها ، الا ان هذه الضمانة غير كافية ، فإن الاهم من وجود القانون ، هو نصوص هذا القانون ومضمونها التي قد تؤدي في حال تطبيقها من الناحية العملية الى الاجحاف بحقوق ، وحريات الافراد ، لذا لابد من توافر ضمانة اساسية الى جانبها تتعلق بتنظيم اجهزة الدولة تنظيماً يمنع الاستبداد ويحول دون الطغيان ويعمل في الوقت نفسه الى حماية حقوق وحريات الافراد وهذه الضمانة تتمثل بمبدأ الفصل بين السلطات.
____________
1- د.رياض عزيز هادي ، حقوق الإنسان ، بدون ذكر الناشر ، بغداد ، 2005 ، ص108.
2- د.مها بهجت يونس الصالحي ، الحكم بعدم دستورية نص تشريعي ودوره في تعزيز دولة القانون ، الطبعة الاولى، بيت الحكمة ، بغداد ، 2009 ، ص37،36.
3- د. محمد صلاح عبد البديع السيد ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات العامة ، الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2009 ، ص85.
4- د. حميد حنون خالد ، نظام الحكم في مجتمع وادي الرافدين ، بحث منشور في مجلة الحقوق، كلية الحقوق ، الجامعة المستنصرية ، العدد الثاني ، 2006، ص305.
5- د.طعيمه الجرف ، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون ، بدون طبعة ، مكتبة القاهرة الحديثة ، بدون ذكر سنة النشر ، ص8،7.
* يعد قانون الحقوق او مايطلق عليه اعلان الحقوق وثيقة انكليزية اقرت من جانب البرلمان في شباط 1689 انتهت بها سلطة الملوك المطلقة في تعطيل القوانين وعدم العمل بها او الاستغناء عنها دون موافقة البرلمان ، كما اقرت حق الشعب في تقديم العرائض والتظلمات الى الملك دون جواز تعرضهم للعقاب ، وتتمثل المناسبة الحقيقية التي دعت البرلمان الى اصدار هذا الإعلان هو دعوة الشعب الأنكليزي للملك وليم اوف اورانج لتبؤ العرش بعد تنازل الملك جان الثاني عنه ، إذ وجد البرلمان ان هذه مناسبة لتحديد الروابط بين الملك والشعب وتأكيد حقوق الأفراد. للمزيد من المعلومات ، راجع د. مازن ليلو راضي ، د.حيدر ادهم عبد الهادي ، مدخل لدراسة حقوق الانسان ، الطبعة الاولى ، بدون ذكر الناشر ، بدون ذكر مكان للنشر ، 2010، ص98.
6- د. خضر خضر، مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان ، الطبعة الثانية ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، طرابلس ، 2004 ، ص252.
7- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، بدون طبعة ، بدون ذكر الناشر ، 1977، ص636.
8- ينظر نص المادة (5) وديباجة دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
9- د.ابراهيم عبد العزيز شيحا ، د.محمد رفعت عبد الوهاب ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، بدون ذكر الناشر، 2005، ص508.
10- المادة (13/اولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
11- د.مها بهجت يونس ، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، بحث منشور في مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية ، العدد1، بدون ذكر سنة النشر ، ص134،133.
12- ينظر نص المادة (126/ ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
13- د.منذر الشاوي ، القانون الدستوري ، الجزء الثاني ، بدون ذكر الناشر ، بدون ذكر مكان النشر ، 1970، ص141.
*ثار خلاف بين الفقهاء حول القيمة القانونية لمقدمات الدساتير واعلانات الحقوق ومدى تمتعها بقوة النصوص الدستورية ، إذ ذهب قسم من الفقهاء الى القول بأن لها قيمة قانونية ملزمة وانها تفوق القواعد الدستورية وتعلوها ، بينما انكر بعضهم بأن يكون لها اي قيمة قانونية ملزمة وفي رأيهم فهي لاتعدوا ان تكون مجرد إعلان مبادئ فلسفية مستوحاة من مبادئ القانون الطبيعي ، أما الأتجاه الثالث فقد ذهب الى ان مقدمة الدستور برمتها بما تحتويه من حقوق وحريات تتمتع بقوى قانونية معادلة للدستور، ونحن نميل الى تأييد الاتجاه الاخير الذي يرى ان لديباجة الدساتير قوة قانونية ملزمة تعادل قوة النصوص الدستورية مادامت جزءاً منه وهي واجبة الأحترام من قبل المشرع العادي والمواطنين طالما انها نافذه في الدولة. للمزيد من المعلومات ، راجع د. ابراهيم عبد العزيز شيحا ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، مصدر سبق ذكره ، ص198،194،191
14- د. مازن ليلو راضي ، د.حيدر ادهم عبد الهادي ، مصدر سبق ذكره ، ص195،194.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|