المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4955 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الضوء
2025-04-10
البلازما والفضاء
2025-04-10
الكون المتحرك
2025-04-10
الفيزياء والكون .. البلازما
2025-04-10
الفيزياء والكون.. الذرة
2025-04-10
D-dimer (Fragment D-dimer, Fibrin degradation product [FDP], Fibrin split products)
2025-04-10

كيف صلى الامام علي عليه السلام في اليوم التالي من البعثة والصلاة لم تفرض بعد ؟
2-6-2022
Osborne Reynolds
5-2-2017
أقران البيئة والتلوث الثقافي
30-10-2021
الأساس الشرعي والقانوني للدفوع
2023-07-20
الشيعة الإمامية والصحابة
9-11-2014
تحلل اللكنين Lignolysis
29-11-2018


برهان الإمكان (أثبات الصانع)  
  
3253   10:56 صباحاً   التاريخ: 23-10-2014
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : محاضرات الاستاذ الشيخ جعفر السبحاني
الجزء والصفحة : ص 62
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته /

 توضيحه يتوقف على بيان أمور :

الأمر الأول : تقسيم المعقول إلى الواجب والممكن والممتنع:

إنَّ كل معقول في الذهن إذا نسبنا إليه الوجود و التحقق ، فإما أن يَصِحَّ اتصافُه به لذاته أو لا.

الثاني هو ممتنع الوجود كاجتماع النقيضين.

والأَول : إما أَنْ يقتضي وجوبَ اتصافه به لذاته أو لا. و الأول هو واجب الوجود لذاته.

والثاني ، هو ممكن الوجود لذاته ، أعني به ما تكون نسبة كل من الوجود و العدم إليه متساوية.

وبعبارة أخرى : إذا تصورنا شيئاً ، فإما أنْ يكون على وجه لا يقبل الوجود الخارجي عند العقل أو يقبله. و الأول هو الممتنع بالذات كاجتماع النقيضين وارتفاعهما ، واجتماع الضدين ، ووجود المعلول بلا علة.

والثاني ، إما أنْ يستدعي من صميم ذاته ضرورة وجوده و لزوم تحققه

في الخارج ، فهذا هو الواجب لذاته. و إما أَنْ يكون متساوي النسبة إلى الوجود و العدم فلا يستدعي أَحدهما أَبداً ، و لأجل ذلك قد يكون موجوداً و قد يكون معدوماً ، و هو الممكن لذاته ، كأفراد الإِنسان و غيره.

وهذا التقسيم ، دائر بين الإِيجاب و السلب و لا شق رابع له ، و لا يمكن أَنْ يُتصور معقول لا يكون داخلا تحت هذه الأَقسام الثلاثة.

الأَمر الثاني : وجود الممكن رهن علّته :

إِنَّ الواجب لذاته بما أَنَّه يقتضي الوجود من صميم ذاته ، لا يتوقف وجوده على وجود علة توجده لاستغنائه عنها. كما أَنَّ الممتنع حيث يستدعي من صميم ذاته عدم وجوده فلا يحتاج في الإِتصاف بالعدم إلى علة. و لأَجل ذلك قالوا إِنَّ واجب الوجود في وجوده ، و ممتنع الوجود في عدمه ، مستغنيان عن العلة ، لأن مناط الحاجة إلى العلة هو الفقر و الفاقة ، والواجب ، واجبُ الوجود لذاته. و الممتنع ، ممتنعُ الوجود لذاته. و ما هو كذلك لا حاجة له في الإِتصاف بأَحدهما إلى علة. فالأَول يملك الوجود لذاته ، و الثاني يتّصف بالعدم من صميم الذات.

وأما الممكن فبما أَنَّ مَثَلَه إلى الوجود و العدم كَمَثَلِ مركَزِ الدائرةِ إلى محيطها لا ترجيحَ لواحد منها على الآخر ، فهو في كلٍّ من الإِتصافين يحتاج إلى علة تخرجه من حالة التساوي و تجرُّه إما إلى جانب الوجود أَو جانب العدم.

نعم ، يجب أن تكون علة الوجود أمراً متحققاً في الخارج ، و أما علة العدم فيكفي فيها عدمُ العلة. مثلا : إن طردَ الجهل عن الإِنسان الأُمّي و إحلال العلم مكانَه ، يتوقفُ على مبادئ وجودية ، و أما بقاؤه على الجهل و عدم العلم فيكفي فيه عدم تلك المبادئ.

الأمر الثالث : في بيان الدور و التسلسل و بطلانهما:

الدور عبارة عن كون الشيء مُوجِداً لشيء ثانِ ، و في الوقت نفسه يكون الشَّيء الثاني موجداً لذاك الشيء الأَول. و هذا باطل لأنَّ مقتضى كونِ الأَول علة للثاني ، تقدُّمُه عليه و تأخُّرُ الثاني عنه : و مقتضى كون الثاني علة للأول تقدُّمُ الثاني عليه. فينتج كونُ الشيء الواحد ، في حالة واحدة ، و بالنسبة إلى شيء واحد ، متقدِّماً و غير مُتَقَدِّم ، و متأخراً و غير متأخر. و هذا هو الجمع بين النقيضين ، و بطلانه كارتفاعهما من الضروريات البديهية. فينتج أنَّ الدّورَ و ما يستلزمه محال.

ولتوضيح الحال نمثل بمثال : إِذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة و اشترط كلُّ واحد منهما لإِمضائها ، إمضاءَ الآخر ، فتكون النتيجة توقُّفُ إمضاء كلٍّ [منهما] على إمضاء الآخر و عند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاةً إلى يوم القيامة ، لما ذكرنا من المحذور.

وهاك مثالا آخر : لو أَراد رجلان التعاون على حمل متاع ، غيرَ أَنَّ كلاًّ يشترط في اقدامه على حمله إِقدام الآخر. فلن يحمل المتاع إلى مكانه أَبداً.

وأما التسلسل فهو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل و المعاليل الممكنة ، مترتبةً غير متناهية، و يكون الكل متَّسِماً بوصف الإِمكان بأَنْ يتوقف (أ) على (ب) ، و الثاني على (ج) ، و الثالث على رابع و هكذا دواليك تتسلسل العلل و المعاليل من دون أَنْ تنتهي إلى نقطة.

و باختصار : حقيقة التسلسل لا تخرج عن حدود تَرَتُّبِ علل و معاليل ، تكون متناهيةً من جانب ـ أعني آخرها ـ و غيرَ متناهية من جانب آخر ، أعني أوّلها. و على ذلك ، يتسم الجزء الأخير بوصف المعلولية فقط بخلاف سائر الأَجزاء ، فإِنَّ كلا منها مع كونه معلولا لما فوقه ، علة لما دونه ، فالمعلولية وصف مشترك بين الجميع ، سائدة على السلسلة و على أجزائها كلها بخلاف العلية فهي غير صادقة على الجزء الأخير. هذا واقع التسلسل.

وأما بيان بطلانه : إِنَّ المعلولية كما هي وصف عام لكل جزء من أجزاء السلسلة ، [هي] وصف لنفس السلسلة أَيضاً. و كما أَنَّ كلِّ واحدة من الحَلقات معلولة ، فهكذا مجموعها الذي نُعبِّر عنه بسلسلة المعاليل المترتبة ، أَيضاً معلول. فعندئذ يَطرَحُ هذا السؤال نفسَه : إِذا كانت السلسلةُ الهائلة معلولةً ، فما هي العلةُ التي أَخرجَتها من كَتْمِ العَدَمِ إلى عالم الوجود ، و من الظُّلْمَةِ إلى عالم النور؟ مع أَنَّ حاجَةَ المعلول إلى العلّةِ أَمرٌ بديهي. و قانونُ العليّةِ من القوانينِ الثابتة لا ينكره إِلاّ الغبي أَو المجادل في الأمور البديهية ، هذا من جانب. و من جانب آخر إِنَّ السلسلة لم تقف ولن تقف عند حدّ حتى يكونَ أولُ السلسلة علةً غيرَ معلول ، بل هي تسير و تمتد بلا توقف عند نقطة خاصة ، و على هذين الأمرين تتسم السلسلة بسمة المعلولية من دون أنْ يكونَ فيها شيءٌ يَتَّسِمُ بِسِمَةِ العليَّةِ فقط. و عندئذ يعود السؤال : ما هي العلة المحققة لهذه السلسلة المعلولة ، المخرجة لها عن كتم العدم إلى حيّز الوجود؟

ولك إجراءُ هذا البيان في كل واحدة من حلقات السلسلة ، كما أُجْرِيَ في نفسِ السلسلة بعيِنها و تقول : إذا كان كلُ واحد من أَجزاءِ السلسلة معلولا و متسِماً بِسِمَةِ المعلولية ، فيطرح هذا السؤال نَفْسَهُ : ما هي العلة التي أخرجت كلَّ واحدة من هذه الأجزاء الهائلة الموصوفة بوصف المعلولية ، من حَيِّزِ العدم إلى عالَم الوجود.

وإذا كانت المعلولية آيةَ الفقر و علامة الحاجة إلى العلة ، فما تلك العلةُ التي نفضت غبار الفقر عن وجه هذه الحلقات و البَسَتْها لِبَاسَ الوجود و التحقّق و صيّرتها غنية بالغَير؟.

إِنَّ معلولية الأَجزاء التي لا تنفك عن معلولية السلسلة آية التعلق بالعلة ، و علامة التدلي بالغير، وسمةُ القيام به. فما هي تلك العلة التي تتعلق بها الأَجزاء؟ و ما ذاك الغير الذي تتعلق به السلسلة؟

وأنت إذا سألت كل حلقة عن حالها لأجابتك بلسانها التكويني بأنها مفتقرة في وجودها ، متعلقة في جميع شؤونها بالعلة التي أوجدتها. فإذا كان هذا حال كل واحدة من هذا الحلقات ، كان هذا أيضاً حال السلسلة برمّتها. و عندئذ نخرج بهذه النتيجة :

إنَّ كلَّ واحدة من أجزاءِ السلسلة معلولة ، و المركب من المعاليل (السلسلة) أيضاً معلول، و المعلول لا ينفك عن العلّة ، و المفروض أنَّه ليس هنا شيء يكون علّة و لا يكون معلولا و إلاّ يلزم انقطاع السلسلة و توقفها عند نقطة خاصة قائمة بنفسها أعني ما يكون علة و لا يكون معلولا ، و هذا خلف.

فإنْ قلت : إِنَّ كلَّ معلول من السلسلة مُتَقَوِّم بالعلّة التي تتقدمه ، و متعلق بها ، فالجزء الأَول من آخر السلسلة وجد بالجزء الثاني ، و الثاني بالثالث ، و هكذا إلى ما شاء الله من الأَجزاءِ غير المتناهية و الحلقات غير المحدودة. و هذا المقدار من التعلّق يكفي في رفع الفقر و الحاجة.

قلت : إِنَّ كل معلول ، و إِن كان يستند إلى علة تتقدمه ويستمد منها وجودَه ، ولكن لما كانت العلل في جميع المراحل متسمةً بسمة المعلولية كانت مفتقرات بالذات ، و مثل هذا لا يوجد معلولَه بالإستقلال ، و لا ينفض غبار الفقر عن وجهه بالأَصالة ، إذْ ليسَ لهذه العلل في جميع الحلقات دور الإِفاضة بالأَصالة و دور الإِيجاد بالإِستقلال بل دور مثل هذه العلل دور الوسيط والأَخذ من العلة المتقدمة و الدفع إلى معلوله ، و هكذا كل حلقة نتصورها علة لما بعدها. فهي عند ذاك لا تملك شيئاً بذاتها و إنما تملك ما تملكه من طرف العلة التي تتقدمها و مثلها حال العلل الأخرى من دون استثناء في ذلك. و مثل هذا لا يصيِّر السلسلة و لا أَجزاءَها غنية بالذات بل تبقى على ما و صفناها به من كونها مفتقرات بالذات و متعلقات بالغير. فلا بدّ أَنْ يكون هناك علة وراء هذه السلسلة ترفع فقرها و تكون سناداً لها.

وبعبارة أخرى : اِنَّ كلَّ حلقة من هذه الحلقات (غير الأخيرة) تحمل سمتين : سمة العلية ، و بهذه السمة تُوجِدُ ما قبلها ، و سمةِ المعلولية ، و بهذه السمةِ تعلن أَنَّهَا لم تملك ما ملكَتْهُ ولم تدفع ما دفعَتْهُ إِلى معلولها إِلاَّ بالاكتساب مما تقدمها من العلّة. و هذا الأَمر جار و سائدٌ في كل حلقة و كل جزء يقع في أفق الحس أو الذهن. فإِذاً تصبح نفسُ السلسلة و جميعُ أَجزائِها تحمل سمة الحاجة و الفقر ، و التعلّقِ و الرَّبطِ بالغير. و مثل تلك السلسلة لا يمكن أَنْ تُوجَد بنفسها إلاَّ بالإِستناد إلى موجود يحمل سمةً واحدة و هي سمةُ العلية لا غير ويتنزه عن سمة المعلولية. و عند ذاك تنقطع السلسلة و تخرج عن كونها غير متناهية إلى التناهي.

تمثيلان لتقريب امتناع التسلسل :

إذا أردْتَ أن تستعينَ في تقريب الحقائقِ العقْلية بالأمثلة الملموسة فهاك مثالين على ذلك :

الأول : إنَّ كل واحدة من هذه المعاليل ـ التي نشير إليها بالإِشارة العقلية و إن لم نقدر على الإِشارة إليها عن طريق الحسّ لكونها غير متناهية ـ بحكم فقرها الذاتي ، بمنزلة الصفر. فاجتماع هذه المعاليل بمنزلة اجتماع الأصفار. و من المعلوم أنَّ الصِّفْر بإضافة صِفْر ، بإضافة صِفْر ، صِفْرٌ مهما تسلسل ، و لا ينتج عدداً صحيحاً. فلأجل ذلك يحكم العقل بأنَّه يجب أن يكونَ إلى جانب هذه الأصفار عدداً صحيحاً قائماً بالنفس حتى يكون مصححاً لقراءتها ، و لولاه لما كان للأصفار المجتمعة الهائلة أيُّ دور في المحاسبة ، فلا يُقْرَأ الصفر مهما أُضيفَتْ إليه الأصفار.

الثاني : إنَّ القضايا المشروطة إذا كانت غيرَ متناهية و غيرَ متوقفة على قضية مطلقة ، لا تخرج إلى عالم الوجود. مثلا إذا كان قيام زيد مشروطاً بقيام عمرو ، و قيامُه مشروطاً بقيام بكر ، و هكذا دواليك إلى غير النهاية ، فلن يتحقق القيام عندئذ من أي واحد منهم أَبداً ـ كما إِذا شرط الأَول إِمضاءَه للورقة بإِمضاءِ الثاني ، و الثاني بإِمضاءِ ثالث و هكذا ، فلن تُمْضَى تلك الورقة إلى الأبد ـ إلاَّ إِذا انتهت تلك القضايا إِلى قضية مُطْلَقَة بأَنْ يكونَ هناك من يقومُ أَو يمضي الورقة من دون أَنْ يكون فعلُه مشروطاً بشيء.

فهذه المعاليلُ المتسلسلة ـ بما أَنَّ وجودَ كلٍّ منها مشروط بوجودِ علة تتقدمه تكون قضايا مشروطةً متسلسلةً غيرَ متناهية فلا تَخْرُجُ إلى عالم الوجود ما لم تصل إلى قضية مطلقَة ، أَي إلى موجود يكون علةً محضةً و لا يكونَ وجوده مشروطاً بوجودِ علَّة أخرى ، و عندئذ يكون ما فرضناه متسلسلا غير متسلسل ، و ما فرضناه غير متناه متناهياً.

فقد خرجنا بهذه النتيجة و هي أَنَّ فَرْضَ عِلَل و معاليلَ غير متناهية ، فرضٌ محال لاستلزامه وجود المعلول بلا علة. فيكون الصحيح خلافَه أَي انقطاع السلسلة ، إذ لا واسطة بين الإِيجاب و السلب (1).

إلى هنا تمت المقدمات التي لها دور في توضيح برهان الإِمكان و إليك نفس البرهان.

تقرير برهان الإِمكان:

لا شك أَنَّ صفحة الوجود مليئة بالموجودات الإِمكانية بدليل أنها توجَد

وتنعدم ، وتَحْدُث وتفنى ، ويطرأ عليها التبَدل والتغيّر ، إلى غير ذلك من الحالات التي هي آيات الإِمكان و سمات الافتقار.

وهذه الموجودات الإمكانية ، الواقعة في أفق الحس إمَّا موجودات بلا علة أَوْ لها علّة. و على الثاني فالعلّة إِمّا ممكنة أَوْ واجبة. ثم العلّة الممكنة إما أَنْ تكون متحققة بمعاليلها (أي الموجودات الإِمكانية) ، أَوْ بممكن آخر.

فعلى الأَول ـ أي كونها موجودات بلا علة ـ يلزم نقضُ قانونِ العليّةِ و المعلولية و أنّ كلَّ ممكن يحتاج إِلى مؤثر. و مثلُ هذا لو قلنا بأن علَّتَها نفسُها ، مضافاً إلى أَنَّ فيه مفسدةَ الدور.

وعلى الثاني ـ أي كونها متحققة بعلّة ممكنة و العلة الممكنةُ متحققةٌ بهذه الموجوداتِ الإِمكانية ـ يلزم الدور المحال.

وعلى الثالث ـ أي تحققها بممكن آخر و هذا الممكن الآخر متحقق بممكن آخر و هكذا ـ يلزم التسلسل الذي أَبطلناه.

وعلى الرابع ـ أَي كون العلة واجبة ـ يثبت المطلوب.

فاتضح أَنَّه لا يصح تفسير النظام الكوني إِلاّ بالقول بانتهاء الممكنات إلى الواجب لذاته القائم بنفسه ، فهذه الصورة هي الصورة التي يصحَّحُها العقلُ و يَعُدُّها خاليةً عن الإِشكال. و أما الصور الباقية فكلها تستلزم المحال ، و المستلزم للمحال محال.

فالقول بكونها متحققة بلا علة أَوْ كونِ علتِها نفسَها ، يدفعه قانون العليّة الذي هو معترف به عند الجميع ، كما أَنَّ القول بكون بعضها متحققاً ببعضها الآخر ، و ذاك البعضِ الآخر متحقق بالبعض الأَول يستلزم الدور.

والقول بأَنَّ كلَّ ممكن متحققٌ بممكن ثان و الثاني بثالث و هكذا يستلزم التسلسل.

فلم يبق إِلاّ القول بانتهاء الممكنات إلى الواجب بالذات ، القائم بنفسه ، المفيض للوجود على غيره.

خاتمة المطاف :

قَدْ تَعَرفْتَ على مقدّمات برهان الإِمكان و أنَّ الاستنتاج منه متوقفٌ على امتناع الدور و التسلسل، و لولا تسليم امتناع هذين الأمرين ، لأصبح القياس عقيماً و البرهان غيرَ منتج. و الذي نركز عليه هنا هو أنَّ كلَّ ما استُدِلَّ به على إثبات الصَّانع لا يكونُ منتجاً إلاَّ إِذا ثبت قَبْلَه امتناع الدور و التسلسل. ولولا هذا التسليم لكانت البراهين ناقصةً ، غير مفيدة.

مثلا : إِنَّ برهان النظم الذي هو من أَوضح البراهين و أعمِّها لا يكون منتجاً و دالا على أنَّ للعالَم خالقاً واجباً ، و أنَّ سلسلة الكون منتهيةً إليه ، إلاَّ إذا ثبتَ قبلَه امتناعُ الدور و التسلسل. لأَنَّ النظام البديعَ آيةُ كونِه مخلوقاً لعلم وسيع و قدرة فائقة يعجز الإِنسان عن وصفهما و تعريفهما. و أَما كون ذلك العلم واجباً و تلك القدرة قديمة ، فلا يثبتُ بذلك البرهان. إِذ من المحتمل أَنْ يكونَ خالقُ النّظام ممكناً مخلوقاً لموجود آخر و هكذا ، إِما أَنْ يدورَ أوْ يتسلسل. فإِثباتُ كونِ النظامِ و سلسلةِ العللِ و المعاليلِ متوقفةً عند نقطة خاصّة هي واجبةٌ لا ممكنةً ، غنية لا فقيرة ، قائمةٌ بنفسها لا بغيرها ، يحتاج إِلى تسليم امتناع الدور و التسلسل كما هو واضح ، فكأنَّ المُسْتَدِلَّ ببرهان النظمِ أو سائر البراهين أخذ امتناعهما أصلا مسلماً عند الاستدلال بها.

برهان الإمكان في الذكر الحكيم :

إنَّ الذكرَ الحكيم طرح معارفَه و أصولَه مدعومة بالبراهين الجليّة ، و لم يكتف بمجرد الدعوى بلا دليل ، فهو كالمعلِّم يلقي دروسه على تلاميذه بالبينة و البرهان. فالإِستدلالُ بهذه الآياتِ ليس كاستدلال الفقيه بها على الفروع ، فإنَّ الفقيه أثبَتَ أنَّ الوحيَ حجةٌ فأخَذَ بتفريعِ الفروع و إقامةِ الحُجَّةِ عليها من الوحي ، بل الإِستدلال بها في هذا الموقف الذي نحن فيه كالإِستدلال بسائر البراهين الموروثة عن الحكماء و المتألهين. و قد أشار سبحانه في الآيات التالية إلى شقوق برهان الإِمكان.

فإلى أَنَّ حقيقةَ الممكن ، حقيقةٌ مفتقرة لا تملك لنفسها وجوداً و تحقُّقاً و لا أيَّ شيء آخر ، أشار بقوله : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]

و مثله قوله سبحانه : {أَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم: 48]

و قوله سبحانه : {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38]

و إِلى أنَّ الممكنَ ، ومنه الإِنسان ، لا يتحقق بلا علَّة ، و لا تكون علَّتُهُ نفسَهُ ، أَشار سبحانه بقوله : {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]

و إلى أَنَّ الممكن لا يصح أَنْ يكونَ خالقاً لممكن آخر بالأَصالة و الإِستقلال و من دون الإِستناد إِلى خالق واجب ، أَشار سبحانه بقوله : { أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 36]

فهذه الآيات و نظائِرُها تستدل على المعارف العقلية ببراهين واضحة و لا تتركها بلا دليل. (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. إنّ بطلان التسلسل من المسائل المهمة في الفسلفة الإِلهية و قد طرحه الفلاسفة في أَسفارهم وأَثبتوا البطلان بحجج كثيرة تناهز العشر. ولكنَّ أَكثرها غيرُ مُقنع لأَنهم استدلوا على البطلان بالبراهين الهندسية التي لا تجري إلا في الامور المتناهية و ما ذكرناه من البرهان ، برهان فلسفي محض مقتبس من أصول الحكمة المتعالية التي أَسَّسها صَدْرُ الدين الشّيرازي وأَرْسى قواعدها تلامذة مدرسته و أبرزهم في العصر الأخير سيّدنا الراحل المغفور له العلاّمة الطباطبائي ( قدس سرّه ) .

2ـ كما أَنَّ فيها دلالة واضحة على أَنَّ التفكّر المنطقيّ مما يتوخَّاه القرآن الكريم و يدعو البشرية إِليه. ولو كانت الفلسفة بمعنى التفكّر الصحيح و البرهنة المبتنية على المدعى ، فقد فتح بابها القرآن الكريم.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.