أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-8-2016
1099
التاريخ: 24-8-2016
629
التاريخ: 1-8-2016
511
التاريخ: 1-8-2016
616
|
ظاهر الأصحاب رضوان الله عليهم في غير الشبهات الموضوعية هو الوفاق على اعتبار الفحص فيها وعدم جريانها إلا بعد استفراغ الوسع في الأدلة واليأس عن الظفر بما يخالفها من الطرق الشرعية .
وتنقيح الكلام في ذلك يقع من جهات:
" الأولى " في اعتبار الفحص وعدمه.
" الثانية " في بيان مقداره.
" الثالثة " في استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدمه.
" الرابعة " في صحة العمل المأتى به قبل الفحص وعدمه.
(اما الجهة الأولى) فالكلام فيها يقع تارة في البراءة العقلية، وأخرى في البراءة الشرعية.
(اما البراءة العقلية) فيمكن ان يقال ان مقتضى القاعدة هو اشتراط الفحص فيها، نظرا إلى دعوى ان اللابيان الذي هو موضوع حكم العقل بقبح العقوبة عبارة عن خصوص الشك المستقر الذي لا يكون في معرض الزوال بالفحص عن الأدلة لا انه مطلق الجهل بالواقع، فمع احتمال زواله بالفحص وتمكنه من الوصول إلى الواقع لا يكاد يحرز الموضوع المزبور ومع عدم احرازه لا يكون للعقل حكم بالقبح، بل حينئذ يجئ احتمال الضرر والعقوبة فيتبعه حكم العقل بوجوب دفعه " نعم " ليس للعقل حينئذ حكم بحجية الاحتمال ومنجزيته للواقع نظير حكمه بحجة الظن في ظرف الانسداد لدى المشهور حتى يلزمه استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع ولو لم يكن له طريق واصل إليه على تقدير فحصه، وانما يكون ذلك من جهة احتمال الضرر الموضوع لحكمه بوجوب الدفع لعدم احراز موضوع القبح، ونتيجة ذلك أنه تكون العقوبة على الواقع متفرعة على فرض قيام الطريق الواصل إليه إلى المكلف على تقدير، فحصه منه، وعليه فلو ترك الفحص وعمل على خلاف الواقع لا يكون معاقبا على مخالفة الواقع، بل لو عوقب حينئذ فإنما يكون ذلك على تجريه محضا على القول به (هذا) في البراءة العقلية.
(واما في البراءة الشرعية) فمقتضاها هو عدم اشتراطها بالفحص بعكس ما اقتضته القاعدة في البراءة العقلية، نظرا إلى اطلاق أدلتها الشامل لمطلق الجهل بالواقع ولو قبل الفحص (وتوهم) انصراف هذه الأدلة أيضا إلى الشك المستقر الذي لا يكون في معرض الزوال بالفحص عن الأدلة فتوافق موضوعا مع البراءة العقلية في الاختصاص بما بعد الفحص من الأدلة والطرق الشرعية (مدفوع) بأنه دعوى بلا شاهد، بل الشاهد على خلافها وهو تمسك الأصحاب بأطلاق مثل دليل الرفع والحجب والحلية لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، فإنه لولا فهم الاطلاق منها لما كان وجه لتمسكهم بهذه الأدلة لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية (مؤيدا) ذلك بما في رواية مسعدة بن صدقة من قوله (عليه السلام) الأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم بها البينة (وعلى ذلك) ينقلب ما أسسناه في البراءة العقلية من اقتضاء القاعدة فيها وجوب الفحص إلى عدمه، فإنه بأطلاق أدلة الترخيصات الشرعية كدليل الحلية وحديث الرفع والحجب يرتفع حكم العقل بوجوب الفحص لأجل احتمال الضرر بارتفاع موضوعه، لوضوح انه مع جريانها يجزم بعدم الضرر، فلا يبقى معه حكم للعقل بوجوب الفحص، كما أنه على ذلك يكون عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية على القاعدة، لا ان ذلك لأجماع تعبدي في البين كما توهم، فمقتضى القاعدة حينئذ في جميع الشبهات موضوعية أو حكمية هو عدم وجوب الفحص فيها، فتحتاج في الخروج عن القاعدة في كل من الشبهات الموضوعية والحكمية إلى دليل مخرج من عقل أو نقل (وبعد ذلك) نقول انه في الشبهات الموضوعية قام الدليل على الخروج عن القاعدة في الجملة كما في موارد النفوس والاعراض المعلوم كثرة اهتمام فيها وكذا في مسألة النصاب في الزكاة لما ورد فيها من الامر بالتسبيك عند الاشتباه، بل ومسألة الاستطاعة المالية في الحج عند الشك فيها في وجه قوى وكذا باب الماليات كالدين المردد بين الأقل والأكثر مع ضبطه في دفتر الحساب وتمكنه من الرجوع إليه لمعرفة مقداره فان الظاهر هو بناء الأصحاب على التعدي مما ورد في باب الزكاة إلى مثل هذه الموارد.
(واما في الشبهات الحكمية) فلا اشكال في اعتبار الفحص في جريان البراءة فيها بل ومطلق الأصول النافية للتكليف (وعمدة الوجه) في ذلك هو دعوى العلم الاجمالي قبل الاخذ في استعلام المسائل بالفحص بواجبات ومحرمات كثيرة في المسائل المشتبه في مجموع ما بأيدينا من الاخبار المدونة في الكتب المعهودة مع كونها على نحو لو تفحصنا عنها لظفرنا بها ومقتضى هذا العلم الاجمالي هو وجوب الفحص في كل مسألة مسألة وعدم جواز الاخذ بالبرائة في المسائل المشتبه الا بعده (وقد نوقش فيه) بكونه أعم من المدعى (فان المدعي) انما هو وجوب الفحص في خصوص ما بأيدينا من الكتب المعروفة، والمعلوم بالإجمال يعم ذلك، لان متعلق العلم هي الاحكام الثابتة في الشريعة واقعا، لا خصوص ما بأيدينا، فلا ينفع الفحص حينئذ مما في أيدينا في جواز الاخذ بالبرائة " ويندفع " ذلك بأنه كما يعلم ذلك كذلك يعلم اجمالا بأحكام كثيرة في خصوص ما بأيدينا من الكتب بمقدار يحتمل انطباق ما في الشريعة عليها فينحل العلم الاجمالي الكبير حينئذ بالعلم الاجمالي الصغير ولازمه هو الاقتصار في الاخذ بالبرائة بالفحص عما بأيدينا من الكتب - وتوهم - منع هذا العلم الاجمالي الخاص وانه ليس لنا الأعلم اجمالي واحد وهو العلم بأحكام كثيرة في الشريعة فيما بأيدينا من الكتب فعلا وغيرها مما لا تكون بأيدينا " يدفعه " قضاء الوجدان بخلافه، ضرورة حصول هذا العلم الاجمالي الخاص لكل أحد قبل اخذه في استعلام المسائل بوجود تكاليف كثيرة في الشريعة في خصوص ما بأيدينا من الكتب " كما أن " توهم الزيادة المعلوم بالإجمالي في العلم الاجمالي العام على المعلوم بالإجمال في العلم الاجمالي الخاص الموجب لعدم جواز الاخذ بالبرائة بمجرد الفحص مما في أيدينا من الكتب " يدفعه " منع مثل هذا العلم الاجمالي، فان مجرد عدم وصول كثير من الاخبار المدونة في كتب أصحاب الأئمة عليهم الصلاة والسلام إلينا لمكان ظلم الظالمين لا يقتضى كون مضامينها من التكاليف مغايرة للتكاليف التي تضمنتها الاخبار التي بأيدينا " فان من المحتمل " كون مضامينها بعينها هي مضامين تلك الأخبار المدونة في الكتب التي بأيدينا كما هو غير عزيز أيضا، حيث يرى بالوجدان والعيان انه يكون حكم واحد مضمونا لأخبار كثيرة تبلغ عشرين أو أزيد - ومع هذا الاحتمال - أين يبقى مجال دعوى زيادة التكليف المعلوم بالإجمال في العلم الاجمالي العام من التكليف المعلوم بالإجمال في العلم الاجمالي الخاص حتى يمنع من الانحلال المزبور كما هو ظاهر - وقد نوقش - فيه أيضا بأنه أخص من المدعى، لان مقتضى العلم الاجمالي انما هو وجوب الفحص عن الأدلة قبل الظفر بها بمقدار المعلوم بالإجمال ولو في جملة من المسائل لا بعده، والمقصود في المقام انما هو وجوب الفحص مطلقا في كل مسألة وعدم جواز الاخذ بالبرائة الا بعد الفحص عن الأدلة فيها واليأس عن الظفر بها، وهذا مما لا يفي به التقريب المزبور للعلم الاجمالي قلنا بان العلم التفصيلي المتأخر بمقدار المعلوم بالإجمال الأول موجب لانحلاله أو لم نقل بذلك - وبتقرير آخر - ان كان الظفر بجملة من الاحكام بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيها موجبا لانحلال العلم الاجمالي وكون الشك في الباقي شكا في أصل التكليف فلا مقتضى لوجوب الفحص وعدم الرجوع إلى البراءة في الباقي، وان لم يكن موجبا لذلك فلا يجوز الرجوع إلى البراءة حتى بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل لبقاء العلم الاجمالي على حاله في المؤثرية في تنجيز أطرافه وعدم كون الفحص في محتمل التكليف واليأس عن الظفر على التكليف فيه مخرجا له عن الطرفية للعلم الاجمالي، مع أن ذلك خلاف المقصود لان المقصود هو جواز الرجوع إلى البراءة في كل مسألة بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل على التكليف - ويندفع - ذلك أيضا بأنه يتجه ذلك لو كان متعلق العلم الاجمالي مطلقا، أو كان مقيدا بالظفر به على تقدير الفحص ولكن كل تقريب العلم الاجمالي هو كونه بمقدار من الاحكام على وجه لو تفحص ولو في مقدار من المسائل لظفر به (واما لو كان) تقريبه بما ذكرناه من العلم بمقدار من الاحكام في مجموع المسائل المحررة على وجه لو تفحص في كل مسألة تكون مظان وجود محتمله لظفر به، فلا يرد اشكال، فإنه على هذا التقريب يترتب عليه النتيجة المزبورة وهي عدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص ولا يجدي في رفع اثر العلم مجرد الظفر بمقدار المعلوم بالإجمال في جملة من المسائل ليكون الشك بدويا في البقية، كما أنه يترتب عليه جواز الرجوع إلى البراءة في كل مسألة بعد الفحص وعدم الظفر فيها بالدليل على التكليف، فإنه بمقتضى التقييد المزبور يستكشف من عدم الظفر بالدليل فيها عن خروجها عن دائرة المعلوم بالإجمال من أول الامر (وقد أجاب بعض الأعاظم - قدس سره) عن الاشكال المزبور بوجه آخر وحاصله على ما في التقرير هو ان الانحلال انما يكون في مورد يكون متعلق العلم بنفسه عنوانا مرددا بين الأقل والأكثر، كما لو علم بان في هذا القطيع من الغنم موطوئة وتردد بين كونها عشرة أو عشرين (واما لو كان) متعلقه عنوانا ليس بنفسه مرددا بين الأقل والأكثر من أول الامر، بل المعلوم بالإجمال هو العنوان بماله في الواقع من الافراد، وكان التردد بين الأقل والأكثر في مصاديق ذلك العنوان، كما لو علم بموطوئية البيض من هذا القطيع بماله من الافراد وتردد البيض بين كونها عشرة أو عشرين (ففي هذه الصورة) لا ينحل العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيه، بل لابد من الفحص التام عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه (لان العلم) أوجب تنجز متعلقه بماله في الواقع من الافراد (فيجب في المثال) الاجتناب عن كل ما يحتمل كونه في الواقع من افراد البيض ولا يوجب العلم التفصيلي بموطوئية عدة من البيض يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيها انحلال العلم الاجمالي (وما نحن فيه) من هذا القبيل، لان المعلوم بالإجمال في المقام هي الاحكام الموجودة فيما بأيدينا من الكتب وبه قد تنجز جميع الأحكام المثبتة في الكتب، ولازمه وجوب الفحص من جميع الكتب ولو بعد الظفر بمقدار من الاحكام في بعض المسائل يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيها إذ لا ينحل العلم الاجمالي باستعلام جملة من الاحكام بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيها ومن هنا لا يجوز الاخذ بالأقل لو علم اشتغال ذمته بالدين لزيد بما في الطومار وتردد ما في الطومار بين الأقل والأكثر، بل لابد من الفحص عن جميع صفحات الطومار (وفيه ما لا يخفى) من الفساد ضرورة عدم اقتضاء مجرد العلم بتعلق التكليف بعنوان في الخطابات الانحلالية تنجزه بالنسبة إلى جميع ما لذلك العنوان في الواقع من الافراد ولو مع عدم احراز ان المشكوك فيه من افراده ومصاديقه، بل لابد حينئذ في تنجز التكليف بالنسبة إلى كل فرد من احراز انه من افراد ما علم تعلق التكليف به (والا فبدونه) تجري فيه البراءة لا محالة (الا ترى) انه لو ورد في الخطاب حرمة شرب الماء من كأس زيد وتردد كأسه بين الأقل والأكثر، أو ورد حرمة اكرام العالم الفاسق وتردد افراده بين الأقل والأكثر ونحو ذلك من الأمثلة في الخطابات الانحلالية في الشبهات الموضوعية أو الحكمية (فهل تجد) ان أحدا يلتزم فيه بالاحتياط، أو ترى ذلك مجرى للبرائة (وبالجملة) لا فرق في مرجعية البراءة في فرض انحلالية التكليف وتردده بين الأقل والأكثر بين ان يكون متعلقه عنوانا مرددا بين الأقل والأكثر، وبين ان يكون عنوانا ليس بنفسه مرددا من الأول بين الأقل والأكثر، وانما التردد بين ذلك في افراد ذلك العنوان ومصاديقه كما في عنوان العالم الفاسق وعنوان البيض من الغنم في المثال، فعلى كل تقدير في فرض انحلالية التكليف يكون العلم التفصيلي بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيه موجبا لانحلاله وصيرورة الشك في البقية بدويا فلا يجب في المثال المزبور الا الاجتناب عن المقدار الذي يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيه ويلزمه في المقام عدم وجوب الفحص في الرجوع إلى البراءة بعد استعلام جملة من الاحكام بمقدار المعلوم بالإجمال لانحلال العلم الاجمالي بالأحكام الموجودة فيما بأيدينا من الكتب بما استعلم تفصيلا وصيرورة الشك في البقية بدويا محضا، وحينئذ على القول بانحلال العلم الاجمالي السابق بالعلم التفصيلي البعدي يتوجه الاشكال المزبور وينحصر دفعه بما ذكرناه من البيان (واما ما أفيد) في مسألة الطومار عند اشتغال الذمة بالدين، فالوجه فيه لو قلنا بذلك انما هو من جهة دعوى انصراف أدلة البراءة بما إذا كان الجهل بالواقع من جهة القصور في المحل من حيث عدم تهيئة أسباب العلم للمكلف وعدم شموله لما كان الجهل من جهة عدم نظرا لمكلف وفحصه باختياره مع حصول أسباب العلم لديه (هذا مضافا إلى ما يرد عليه من أن لازم بقاء العلم الاجمالي في المقام وعدم انحلاله هو وجوب الفحص التام عليه إلى أن يقطع بالعدم ولا يكفيه الفحص بمقدار يحصل له الاطمئنان بالعدم وخروج المورد عن معرضية وجود الحكم، مع أن المقصود في المقام كفاية ذلك المقدار في جواز الاخذ بالبرائة (وقد استدل) لوجوب الفحص بأمور اخر
(منها) الاجماع القطعي قولا وعملا على عدم جواز الاخذ بالبرائة ومطلق الأصول النافية قبل الفحص واستفراغ الوسع في الأدلة.
(ومنها) الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم كآيتي النفر والسؤال والأخبار الدالة على الحث والترغيب في التفقه والذم على ترك السؤال، بتقريب انه لولا وجوب الفحص لم يكن وجه لإيجاب السؤال والذم على تركه مع كون الشبهة بدوية الجارية فيها عموم كل شيء لك حلال وحديث الرفع والحجب .
(ومنها) الأخبار الدالة على مؤاخذة الجاهل بفعل المعاصي من جهة ترك تفقههم في الدين، مثل قوله (صلى الله عليه وآله) فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكز ومات قتلوه قتلهم الله الا سئلوا ألا يمموه .
(وقوله عليه السلام ) فيمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء ما كان أسوء حالك لو مت على هذه الحالة. ، بتقريب ان الذم على إطالة الجلوس لاستماع الغناء انما هو لعدم تعلمه حرمه الإطالة لاستماع الغناء (وقوله عليه السلام) في تفسير قوله تعالى {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149] من أنه يقال للعبد يوم القيمة هل علمت فان قيل نعم قيل فهلا عملت وان قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل .
حيث يدل على وجوب التعلم مقدمة للعمل وعدم جواز الاخذ بالبرائة بمجرد الشك في التكليف قبل استفراغ الوسع في الأدلة فيقيد بها أدلة البراءة (ولكن يرد) على الجميع أولا بعدم صلاحية هذه الأدلة لتقييد أدلة البراءة النقلية في الشبهات البدوية، لظهورها في الارشاد إلى حكم العقل بلزوم الفحص لأجل استقرار الجهل الموجب لعذره، فعموم أدلة البراءة حينئذ واردة عليها (لأنه) بقيام الترخيص الشرعي على جواز الارتكاب قبل الفحص يرتفع حكم العقل بوجوب الفحص (نعم) لو كان مثل هذه الأخبار مسوقا لأعمال التعبد في البين بوجوب الفحص في الشبهات الحكمية البدوية لكان لتقييد أدلة البراءة بمثلها مجال (ولكنه) كما ترى بابي سوقها عن إفادة ذلك، مضافا إلى مكان دعوى اختصاصها بصورة العلم الاجمالي بالحكم فتكون ظاهرة أيضا في الارشاد إلى حكم العقل بوجوب الفحص (وثانيا) بقصورها عن إفادة تمام المطلوب، لأنها ظاهرة في الاختصاص بصورة يكون الفحص فيها مؤديا إلى العلم بالواقع، والمطلوب يعم ذلك وما لم يكن الفحص مؤديا إلى العلم بالواقع.
(واما الاجماع) فلا وثوق به لقوة احتمال كون مدرك المجمعين هو حكم العقل وهذه الأدلة " ومنها " حكم العقل بعدم معذورية الجاهل القادر على الفحص التارك له واستحقاق العقوبة عند تأدية ترك فحصه للوقوع في مخالفة الواقع - وتقريبه - من وجهين :
الأول : حكمه بمنجزية احتمال التكليف وبيانيته للواقع قبل الفحص عن الأدلة نظير حكمه بحجية الظن في ظرف الانسداد على الحكومة وحكمه بوجوب النظر في المعجزة لاحتمال صدق مدعى النبوة (الثاني بما قربناه من كونه لأجل احتمال الضرر الموضوع لحكمه بوجوب دفعه لعدم استقرار الجهل الذي هو الموضوع لحكمه بقبح العقوبة والمعذورية لاحتمال ان يكون في البين طريق موصل إلى التكليف المحتمل وتمكنه من الوصول إليه (ويرد عليه) أيضا ما تقدمت الإشارة إليه من ورود اطلاق أدلة البراءة الشرعية المثبتة للترخيص في الارتكاب على الحكم العقلي المزبور بكلا تقريبه.
(الجهة الثانية) في مقدار الفحص الواجب، والظاهر أنه ليس له بنحو الكلية حد خاص وقدر معين، فان المدار فيه انما هو على ما يحصل معه اليأس عن وجود الدليل فما؟ بأيدينا من الكتب بنحو يستقر معه الشك في الواقعة، ويخرج عن معرضية الزوال على مسلك من اعتبر الفحص من جهة حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل أو منجزية نفس احتمال التكليف قبل الفحص، وتخرج معه الواقعة عن الطرفية للعلم الاجمالي على مسلك من اعتبره لأجل العلم الاجمالي كما قربناه، ويختلف مقدار ذلك باختلاف الاعصار بل الأشخاص أيضا، فالواجب على المكلف حينئذ هو بذل الجهد واستفراغ الوسع لتحصيل الأدلة فيما بأيدينا من الكتب وفى فحاوي كلمات الأصحاب لتحصيل الاجماع، بل اللازم أيضا الفحص عن أفكارهم في مقام تطبيق القواعد والكبريات على الموارد، إذ لعله قد خفى عليه شيء وبالفحص عن آرائهم يحصل له رأى آخر على خلاف رأيه الأول (وعلى كل حال) لابد في الفحص من بلوغه إلى حد يحصل معه اليأس العادي عن الظفر بالدليل على معنى بلوغه بمقدار تقتضي العادة بأنه لو كان في البين دليل على حكم الواقعة لوصل إليه بهذا المقدار من الفحص ولا يعتبر فيه أزيد من ذلك، ولعل من حدده بالخروج عن مظان الوجود أو بالعسر والحرج يريد به ما ذكرناه، لملازمة الخروج من مظان الوجود مع اليأس العادي عن وجوده، وكذلك العسر والحرج، فان الظاهر هو إرادة النوعي منها لا العسر والحرج الشخصي، ومثله يلازم اليأس العادي عن وجود الدليل على حكم الواقعة (الجهة الثالثة) في استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدمه (والأقوال) فيه ثلاثة (أحدها)، هو المنسوب إلى المدارك من استحقاق العقوبة على ترك الفحص والتعلم مطلقا صادف عمله الواقع أم خالفه .
ثانيها :، يظهر من الشيخ (قدس سره) واختاره بعض الأعاظم أيضا من استحقاق العقوبة على ترك الفحص والتعلم لكن لا مطلقا بل عند أدائه إلى مخالفة الواقع .
ثالثها : ما نسب إلى المشهور من استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع لو اتفق لا على ترك التعلم والفحص، فمن شرب العصير العنبي من غير فخص عن حكمه يستحق العقوبة ان اتفق كونه حراما في الواقع، وان لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب الا من حيث تجريه على القول به . ومنشأ هذا الخلاف هو الخلاف في وجوب التعلم المستفاد من العمومات المتقدمة من نحو قوله هلا تعلمت من حيث كونه وجوبا نفسيا استقلاليا كسائر التكاليف النفسية الاستقلالية الموجبة للعقوبة على مخالفتها، أو تهيئا انشاء لأجل تهيء المكلف بالفحص وتعلم الاحكام لامتثال الواجبات والمحرمات الثابتة في الشريعة - أو كونه - وجوبا طريقيا كسائر الاحكام الطرقية الثابتة في موارد الأصول والامارات المثبتة الموجبة لاستحقاق العقوبة على مخالفتها عند مصادفتها للواقع - أو وجوبا - شرطيا من جهة دعوى شرطية الفحص تعبدا لحجية أدلة الاحكام والأصول النافية - أو كونه - وجوبا مقدميا غيريا نظرا إلى دعوى مقدميه الفحص والتعلم للعمل بأدلة الاحكام (أو كونه) ارشاديا محضا إلى حكم العقل بلزوم الفحص للفرار عن العقوبة المحتملة اما لأجل العلم الاجمالي، أو لاستقرار الجهل الموجب لعذره، أو لحكمة بمنجزية احتمال التكليف قبل الفحص بناء على عدم اطلاق لأدلة البراءة الشرعية يشمل مطلق الشك في التكليف ولو قبل الفحص (ولكن التحقيق) هو ما عليه المشهور، لاباء مثل هذه العمومات عن كونها مسوقة لأعمال تعبد في البين يقتضى كونه اي التعلم واجبا نفسيا أو شرطيا، وظهور سوقها في كونها للإرشاد إلى ما هو المغروس في الذهن من حكم العقل بلزوم الفحص في الشبهات الحكمية وعدم جواز الاخذ بالبرائة فيها قبل الفحص، اما بمناط العلم الاجمالي بوجود التكليف في المشتبهات على التقريب المختار، أو بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل لعدم استقرار الجهل الموجب لعذره مع عدم اطلاق أيضا لأدلة البراءة الشرعية يشمل مطلق الشك في التكليف (كما يشهد) لذلك أيضا افهام العبد بما قيل له من قول هلا تعلمت وعدم تمكنه من الجواب بعدم علمه بوجوب التعلم، فإنه لولا سوق مثل هذه الأوامر للإرشاد إلى ما يحكم به العقل من وجوب الفحص والتعلم للفرار عن العقوبة المحتملة وعدم معذورية الجاهل مع التقصير في مخالفة التكليف الواقعي، لكان له ان يجيب بعدم علمه بوجوب الفحص والتعلم كما أجاب بذلك أولا حين ما قيل له هل عملت (وحينئذ) فلا مجال لرفع اليد عن ظهور هذه الأوامر في إرادة الارشاد بحملها على الوجوب النفسي الاستقلالي أو التهيء أو الوجوب الشرطي (كما لا مجال) أيضا لحملها على الوجوب الطريقي كما افاده بعض الأعاظم قده، بل لا يصح ذلك في المقام (لان الامر الطريقي) كما ذكرناه غير مرة هو ما يكون بحسب لب الإرادة في فرض الموافقة عين الإرادة الواقعية ويكون موضوعه عين موضوعها بحيث يكون امتثاله والعمل على وفقه عين امتثال الامر الواقعي، كما يكون ذلك في جميع الأوامر الواردة في موارد الامارات والأصول المثبتة حتى مثل ايجاب الاحتياط (ومن المعلوم) بالضرورة انه لا يكون المقام كذلك، لوضوح مبائنة الامر بتعلم حكم الصلاة مثلا مع الامر بالصلاة لاختلاف موضوعهما وعدم كون تحصيل العلم بأحكام الصلاة عين فعل الصلاة وامتثال الامر بها (ومعه) كيف يمكن توهم كون الامر بتحصيل الفحص والتعلم أمرا طريقيا (الا) ان يجعل الامر بالفحص والتعلم كناية عن لازمه الذي هو ايجاب الاحتياط والنهي عن مخالفة التكاليف الواقعية المحتملة، فيصلح حينئذ للطريقية، ولكنه عليه يتعين كونه للإرشاد محضا، حيث لا مجال لأعمال المولوية بعد استقلال العقل بوجوبه وحكمه بعدم معذورية الجاهل مع تقصيره في ترك تحصيل الواقع (نعم) يتجه ذلك بناء على عدم حكم العقل بلزوم الفحص، اما من جهة عموم اللابيان لمطلق الجهل بالواقع، أو من جهة اطلاق أدلة البراءة الشرعية وشمولها لمطلق الجهل بالواقع ولو قبل الفحص كما قويناه سابقا مع المنع عن تمامية تقريب العلم الاجمالي المذكور سابقا لوجوب الفحص (فإنه على هذا المبنى) يتعين حمل تلك الأوامر على المولوي الطريقي، لعدم تأتي الارشادية فيها مع جريان البراءة ولو شرعية وحكم العقل بعدم وجوب الاحتياط والفحص، وبعد كونها مسوقة لأعمال تعبد في المبين يقتضى وجوبه نفسيا لجهة موجبة لحسنه ذاتا أو شرطيا لحجية الأصول النافية .
(واما احتمال) كون الامر بالفحص والتعلم أمرا غيريا، فيدفعه انتفاء ملاك المقدمية فيه لوضوح انه لا يكون الفحص وتحصيل العلم بالأحكام مما يتوقف عليه فعل الواجبات وترك المحرمات بوجه لإمكان الاحتياط مع الشك فيها (نعم) في فرض يكون ترك الفحص والتعلم موجبا للغفلة عن صورة العمل في موطن ابتلائه، أو عن حكمه كما يتصور ذلك بالنسبة إلى كثير من أهل البوادي والسواد الذين لم يتعلموا شرائع الاسلام فغفلوا لأجله عن كثير من الواجبات والمحرمات واحكامها، أمكن دعوى مقدمية الفحص ووجوبه غيريا بمناط المفوتية (فإنه بدونه) لغفلته عن صورة العمل أو عن حكمه لا يقدر على الاخذ بالاحتياط في فعل الواجبات وترك المحرمات فيستقل العقل في مثله بلزوم الفحص وتحصيل العلم وعدم معذورية المكلف في تفويت القدرة باختياره على فعل المأمورية ترك المنهي عنه (بل وكذا الكلام) فيما لا يكون ترك الفحص والتعلم موجبا للغفلة عن صورة العمل أو عن حكمه مع كون الواجب من العباديات بناء على القول باعتبار الأمثال التفصيلي فيها، فإنه على هذا القول تكون القدرة على تحصيل الجزم بالامتثال منوطة بالفحص وتحصيل العلم ويكون تركه موجبا لتفويت القدرة على تحصيل القيد المزبور (وعليه) لا وجه لما عن بعض من اطلاق المنع من كون الفحص والتعلم من المقدمات الوجودية وما يتوقف عليه القدرة على فعل المأمور به خصوصا على مختاره من اعتبار الامتثال التفصيلي مهما أمكن في صحة العبادة (نعم) مع التمكن من الاحتياط في الواجبات التوصلية وكذا العبادية منها على المختار من عدم اعتبار الامتثال التفصيلي فيها لا مجال لدعوى مقدميه الفحص ووجوبه غيريا، لاستقلال العقل حينئذ بجواز ترك الفحص والاخذ بالاحتياط في مورد ابتلائه " ولكن " ذلك كله لا ينافي ما ذكرنا من ظهور هذه الأوامر في الارشاد إلى حكم العقل بلزوم الفحص عن الأدلة في مقام الاخذ بالبرائة للفرار عن العقوبة المحتملة بمناط العلم الاجمالي أو بمناط آخر غيره كما لا ينافي أيضا ظهورها في الحكم الطريقي ولو باعتبار لازمها الذي هو ايجاب الاحتياط علي المسلك الاخر الذي قدمناه كما هو ظاهر " ونتيجة ذلك كله " على كل من المسلكين في الأوامر المتعلقة بتحصيل الفحص والتعلم من الارشادية أو المولوية الطريقية هو استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الواقعي ان اتفق، لا على ترك الفحص مطلقا، ولا على تركه المؤدى إلى الوقوع في مخالفة التكليف الواقعي فإذا شرب العصير العنبي قبل الفحص يستحق العقوبة إذا صادف كونه حراما في الواقع وإذا لم يصادف فلا يستحق العقوبة الا من حيث تجربة على القول به (ولا فرق) في ذلك بين ان يكون هناك طريق تعبدي على طبق الواقع أو على خلافه بحيث لو تفحص لظفر به، أو لم يكن في الواقع طريق أصلا، (فإنه) على المختار يكون المنجز للواقع هو العلم الاجمالي لا وجود الطريق المنصوب إليه ولأجله يحكم العقل بعدم المعذورية مع التقصير واستحقاق العقوبة على مخالفة الواقع ان صادف ولو كان في الواقع طريق تعبدي يؤدى إلى خلافه (وكذلك الامر) على المسلك الاخر أيضا، فإنه عليه يكون المنجز للتكليف الواقعي هو الايجاب الطريقي ولا يفرق فيه بين وجود الطريق في الواقع وعدمه (نعم) انما يثمر وجود الطريق في الواقع وعدمه على بعض التقريبات المتقدمة لحكم العقل بعدم معذورية الجاهل، وهو تقريبه من جهة عدم احراز موضوع القبح لاحتمال وجود البيان في الواقع وتمكن المكلف من الوصول إليه بالفحص عنه مما بأيدينا من الأدلة (فإنه عليه) تكون العقوبة على الواقع مترتبة على وجدان الطريق المؤدى إليه على تقدير الفحص عنه، وبدونه لا عقاب على مخالفة الواقع الا من حيث تجربة على القول به فضلا عن صورة وجود الطريق على خلافه (كما لا فرق) بين ان يكون التكليف المحتمل من التكاليف المطلقة المنجزة، أو التكاليف الموقتة أو المشروطة قبل تحقق أوقاتها وشرائطها، فعلى ما ذكرنا من الارشاد لا يفرق العقل في لزوم الفحص وعدم معذورية الجاهل مع التقصير في ترك تحصيل الواقع بين تلك الموارد (وكذلك) الحال بناء على مقدمية الفحص ووجوبه غيريا بمناط المفوتية للقدرة على العمل في الموارد التي يتحقق فيها المناط المزبور (فإنه على المختار) في الواجبات المشروطة من الالتزام فيها بالوجوب الفعلي المنوط قبل حصول شرطها في الخارج، بجعل المشرط والمنوط به فيها هو الشيء بوجوده في لحاظ الامر المتحقق حالا حين انشاء الوجوب لا بوجوده العيني الخارجي وان الوجود الخارجي شرط لمحركية الامر لا لأصل فعليته لأشكال في وجوبه غيريا واستحقاق العقوبة على مخالفة الواجب بتركه، فإنه من قبل الطلب الفعلي المنوط بوجود الشرط في لحاظه الامر يترشح طلب غيري منوط بذلك الشيء في لحاظه إلى مقدماته الوجودية التي منها الفحص لحفظ القدة على الواجب في موطن حصول الشرط (كما لا اشكال) أيضا على مسلك من ارجع المشروطات طرا إلى المعلقات كالشيخ (قدس سره) حيث إن فعلية وجوبها حينئذ يستتبع قهرا ترشح الوجوب الغيري نحو المقدمات الوجودية، وبذلك يجب الفحص بوجوب غيري (نعم) بناء على مسلك المشهور في المشروطات من اشتراط الوجوب فيها بجميع مباديه بوجود الشرط في الخارج بحيث لا وجوب فيها الا بعد تحقق شرطه في الخارج، يشكل جدا الالتزام بوجوب التعلم والفحص غيريا، إذ بعد عدم اتصاف ذيه بالوجوب الفعلي قبل حصول شرطه يستحيل ترشح الوجوب الغيري إلى الفحص والتعلم، ولازمه هو عدم استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الواقعي بترك الفحص لعدم تعلق تكليف فعلي به لا قبل حصول الشرط لكونه مقتضى إناطة وجوبه بحصوله في الخارج، ولا بعده أيضا لعدم القدرة على المكلف به في موطن تحقق الشرط لأجل الغفلة الناشئة من ترك التعلم والفحص " ولأجل ذلك " التزم بعضهم كصاحب المدارك قده بالوجوب النفسي التهيء للتعلم واستحقاق العقوبة على ترك نفسه لا على ما أدى إليه من ترك الواجب " وبعض آخر " بوجوبه عقلا للقاعدة العقلية المشتهرة من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار " بتقريب " ان العقل كما يحكم بقبح تعجيز العبد نفسه عن القيام بالواجب في الواجب المطلق أو المشروط بعد حصول شرطه، كذلك يحكم بقبح تعجيز نفسه قبل حصول شرطه عن القيام بالواجب في موطن حصول شرطه فيجب عليه حفظ القدرة على الواجب في وقت امتثاله، كما يكون على ذلك ديدن العقلاء فيما يتعلق بهم من المصالح والاغراض فيما يأتي من الزمان " فان " بنائهم على الاحتفاظ بما يتمكنون معه على نيلهم بتلك المصالح والاغراض في موطنها (ولكنهما أيضا كما ترى) فان الأول منهما غير دافع للأشكال، إذ بعد ما لا يكون الغرض من الايجاب المزبور بحكم الوجدان هو مطلوبية التهيء في نفسه، وانما كان ذلك من جهة مقدميته للتوصل به إلى الايجاب البعدي المعلوم كون الغرض منه أيضا هو التوصل به إلى وجود المطلوب في موطن حصول شرطه. فلا جرم يعود الاشكال المزبور بأنه إذا كان مطلوبية المطلوب منوطة بوجود الشرط في موطن الخارج كيف يعقل وجوب ما هو مقدمة له قبله مع أن تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الوضوح كالنار على المنار (واما الثاني) فبان مورد تلك القاعدة العقلية المشتهرة هو ما إذا كان الامتناع ناشئا عن سوء اختيار المكلف ولا يكون ذلك الا إذا تحقق التكليف الفعلي بالواجب في حقه وقد تساهل المكلف في تحصيل مقدماته حتى عجز عن امتثاله، وأما إذا لم يتحقق التكليف الفعلي في حقه كما هو مفروض البحث من اباطة التكليف بجميع مباديه بحصول الشرط في الخارج ففي هذه الصورة لا يكون تساهل المكلف في تحصيل تلك المقدمات قبل حصول الشرط في الخارج موجبا لتقصيره ليكون الامتناع امتناعا عن سوء اختياره فلابد حينئذ في جريان تلك القاعدة من اثبات وجوب تلك المقدمات من الخارج عقلا أو نقلا كي يصدق على ترك تحصيلها التفويت عن تقصير فيترتب عليه استحقاق العقوبة بمقتضى القاعدة المزبورة، والا فإثبات وجوبها بتلك القاعدة وكون التفويت المذكور عن تقصير دور واضح (وكيف كان) فقد تلخص مما ذكرنا كله ان أقوى الوجوه في المسألة هو ما نسب إلى المشهور من كون العقاب على ترك الواقع محضا، وان أضعف الوجوه هو ما نسب إلى المدارك من كون العقاب على نفس ترك التعلم والفحص مطلقا وان لم يؤد إلى ترك الواقع، فإنه مبنى على كون التعلم واجبا نفسيا تهيئيا، ومثله مع كونه خلاف المنساق من ظواهر النصوص قد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه، كما أن أردء الوجوه هو القول بكون العقاب على ترك التعلم والفحص المؤدى إلى ترك الواقع، إذ هو مبنى على جعل الامر بتحصيل العلم طريقيا ولو باعتبار لازمه الذي هو ايجاب الاحتياط والنهي عن مخالفة التكاليف الواقعية المحتملة، مع الالتزام أيضا بكونه في فرض المطابقة للواقع ايجابا نفسيا متعلقا بذات العمل في طول الايجاب الواقعي المتعلق به ليكون العقاب على مخالفة نفسه (وهو كما ترى) لما فيه أولا انه مع استقلال العقل بعدم معذورية الجاهل مع التقصير في ترك الواقع يتعين كون الامر به للإرشاد محضا حيث لا يبقى معه مجال لأعمال المولوية (وثانيا) ما عرفت من أن الحكم الطريقي المصطلح في باب الامارات والأصول هو ما يكون في لب الإرادة في فرض المطابقة عين الإرادة الواقعية القائمة بالمتعلق بحيث يكون امتثاله عين امتثال الامر الواقعي من دون ان يكون تحت انشائه إرادة أخرى وراء الإرادة الواقعية ومن المعلوم انه لا ينطبق ذلك على الحكم المذكور الا ان يكون لهذا القائل اصطلاح جديد في الحكم الطريقي .
(الجهة الرابعة) في صحة العمل المأتي به قبل الفحص وفساده (والتحقيق) في ذلك على ما يقتضيه أصول المخطئة هو كون العبرة في صحة عمل الجاهل وفساده بمطابقة الواقع ومخالفته، من غير فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات، فلو اتى الجاهل قبل الفحص بعمل عبادي أو معاملي بما يطابق البراءة، مثل لو اتى بالصلاة بدون السورة أو عقد بغير العربية بمقتضى البراءة من جزئية السورة ومن شرطية العربية، فان انكشف مطابقة العمل للواقع يكون صحيحا مجزيا، وان انكشف مخالفته للواقع يكون فاسدا غير مجز (ولا فرق) في ذلك بين العبادات والمعاملات، ولا بين ان يكون في البين طريق منصوب على وفق عمله أو على خلافه أو لم يكن في البين طريق أصلا، فان وجود الطريق المنصوب على الوفاق أو الخلاف على أصول المخطئة غير مثمر في هذه الجهة (ومن هنا لا نفرق أيضا بين ان يكون العمل الصادر من العامل حال صدوره عن استناد إلى طريق متبع من امارة معتبرة أو فتوى مجتهد ونحو ذلك، أولا عن استناد إلى طريق متبع، فان العبرة كلها في الصحة والفساد تكون بمطابقة العمل للواقع ومخالفته، فكلما كان العمل مطابقا للواقع كان صحيحا مجزيا لا محالة وان خالف الطريق المنصوب، وكلما كان مخالفا للواقع كان فاسدا وغير مجز وان وافق الطريق المنصوب الا إذا قام دليل بالخصوص من اجماع أو غيره على الاجتزاء به عن الواقع، والا فلا يثمر مجرد الموافقة لطريق منصوب في صحة العمل واجزائه (نعم) انما تثمر الموافقة للطريق المنصوب في مقام الحكم بالصحة والاجزاء ظاهرا عند عدم انكشاف المخالفة للواقع، فإنه يكفي في صحته مجرد موافقته للطريق المعلوم حجيته في حقه الواصل إليه ولو بعد عمله، ولا يلزم في ذلك أن يكون العمل عن اسناد إليه (ولكن) ذلك في صورة لم يكن في البين طريق معتبر آخر يقتضى فساد العمل والا فالحكم بالصحة والاجزاء مبنى على اخذ المكلف بالطريق الموافق لعمله (والسر في هذا التفصيل) انما هو من جهة احتياج الطرق عند ابتلائها بالمعارض في كونها حجة فعلية إلى الاخذ بها (فان) مقتضى القاعدة الأولية في المتعارضين بعد أن كان هو التساقط وعدم الحجية، فلا جرم بمقتضى القاعدة الثانوية المستفادة من اخبار التخيير يحتاج كل منهما في صيرورته حجة فعلية على المكلف إلى اخذه به واختياره ليصير بعد الاخذ حجة فعلية، والا فقبل الاخذ لا يكون واحد منهما حجة فعلية عليه (وعلى ذلك) فلو اتى المكلف بعمل عبادي أو معاملي قبل الفحص ثم ظهر بعد ذلك بدليلين أحدهما يوافق عمله والاخر يخالفه، فقبل الاخذ بأحدهما لا يكون المأتى به محكوما بالصحة ولا الفساد، واما بعد الاخذ بأحدهما فان كان المأخوذ هو الطريق الموافق يكون المأتى به من حين الاخذ محكوما بالصحة والاجزاء من الأول ويترتب عليه الأثر المقصود (والا) فيكون محكوما بالفساد وعدم الاجزاء من الأول (ويترتب) على ما ذكرنا انه لو عمل الجاهل العامي عملا من غير تقليد ثم بنى على التقليد فان وافق فتوى المجتهد الذي قلده بعد ذلك كان العمل صحيحا مجزيا وتبرء ذمته وان كان مخالفا لفتوى من يجب تقليده حال العمل " وان انعكس الفرض بان خالف فتوى المجتهد الذي قلده فعلا كان العمل فاسدا غير مجزى وان وافق فتوى من يجب تقليده حال العمل " لان ذلك " هو الذي تقتضيه الحجة الفعلية والامر بالمعاملة معها معاملة الواقع " وكذلك الكلام " فيما لو كان العمل حال وقوعه عن استناد إلى طريق متبع في نفسه ثم انكشف الخلاف بالظفر بقيام طريق أقوى من الطريق السابق مؤدى إلى خلافه " فان " مقتضى القاعدة على ما هو التحقيق من اعتبار الطرق والامارات من باب الطريقية والكاشفية لا الموضوعية والسببية هو عدم الاجتزاء بما عمل ولزوم اعادته على طبق الطريق الفعلي " حيث لا تجدي " قضية الاستناد إلى الطريق السابق الا مجرد المعذورية في مخالفة الواقع من حيث العقاب ما دام بقاء الطريق على حجيته وطريقيته، لا من حيث الحكم التكليفي والوضعي، فإذا زال حجيته بقيام طريق أقوى منه على خلافه يجب إعادة ما عمل سابقا على طبق الطريق الفعلي (وكذلك الكلام) فيما لو تبدل اجتهاده أو تقليده السابق باجتهاده أو تقليد آخر مؤدى إلى فساد ما عمل سابقا، فان اللازم هو إعادة ما عمل على طبق الحجة الفعلية، الا إذا قام دليل من اجماع أو غيره على الاجتزاء بما عمل وترتيب اثار الصحة عليه، كما في العبادات (فان الظاهر) هو قيام الاجماع فيها في الجملة على الاجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء في الصور التي يكون كشف الخلاف فيها ظنيا اجتهاديا لا قطعيا، بخلاف المعاملات بالمعنى الأعم فإنه لم يثبت فيها اجماع كذلك (وعلى ذلك) فلو عقد على امرأة بغير العربية مثلا معتقدا صحته باجتهاد أو تقليد فتبدل اجتهاده أو تقليده بعد ذلك إلى فساد العقد المزبور يجب عليه تجديد العقد عليها بمقتضى الاجتهاد أو التقليد الفعلي، وكذا فيمن اعتقد اجتهادا أو تقليدا حلية الذبيحة بفري الودجين فتبدل اجتهاده أو تقليده بعدم حليتها الا بفري الأوداج الأربعة، (فإنه) يجب عليه ترتيب آثار الميتة عليها من النجاسة وحرمة الاكل وعدم جواز البيع ونحو ذلك من الآثار المبتلى بها فعلا.
(تنبيه) قد تبين مما ذكرنا سابقا في الجاهل التارك للفحص من دوران استحقاق العقاب على مخالفة لواقع وعدمه الملازمة بين استحقاق العقاب وفساد العمل واقعا وكذلك الملازمة بين صحة العمل واقعا وعدم استحقاق العقاب (ولكن) قد انتقض هذه الملازمة في موردين (أحدهما) الجهر بالقراءة في موضع وجوب الاخفات وبالعكس جهلا بالحكم ولو عن تقصير (وثانيهما) الاتمام في موضع وجوب القصر وبالعكس على قول وان كان التحقيق خلافه (فان الأصحاب) قدس أسرارهم قد أفتوا تبعا للنصوص المتضافرة المروية عن الأئمة عليهم السلام بصحة الصلاة في الموردين مع الجهل بالحكم ولو عن تقصير، مع التسالم على استحقاق العقوبة أيضا بمقتضى اطلاق كلماتهم من عدم معذورية الجاهل بالحكم عن تقصير (ولأجل ذلك) وقع الاشكال بأنه كيف يمكن الجمع بين صحة المأتى به واستحقاق العقاب (بتقريب) ان المأمور به ان كان هو المأتى به كما يشعر به قوله (عليه السلام ) تمت صلوته فلا معنى لاستحقاق العقاب، وان كان غيره فلا وجه لصحة المأتى به وتماميته في الوفاء بالفريضة مع فرض انكشاف الخلاف في الوقت والتمكن من الاتيان بما هو الواجب واقعا (ولكن) يمكن الذب عن الاشكال بالالتزام بتعدد المطلوب بان يكون الجامع بين القصر والتمام، وكذا الجهر والإخفات مشتملا على مرتبة من المصلحة الملزمة ويكون لخصوصية القصرية وكذا الجهرية مصلحة زائدة ملزمة أيضا، مع كون المأتى به الفاقد لتلك الخصوصية من جهة وفائه بمصلحة الجامع المتحقق في ضمنه مفوتا للمصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية القصرية أو الجهرية بحيث لا يبقى مع استيفائها به مجال لتحصيل مصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية، وذلك أيضا لا بمناط العلية كي يلزم حرمته وفساده، بل بمناط المضادة بين المصلحتين ولو من جهة حديهما القائمين بالخصوصيات المفردة للطبيعة (فإنه بهذا البيان) يمكن الجمع بين صحة المأتى به في حال الجهل وتمامية في الوفاء بالفريضة الفعلية، وبين استحقاق العقوبة على ترك الواجب " حيث إن " صحة المأتى به وتمامية انما هو لوفائه بمرتبة من المصلحة الملزمة القائمة بالجامع المتحقق في ضمنه وصيرورته بذلك مأمورا به بمرتبة من الامر المتعلق بالجامع ضمنا " واما استحقاق " العقاب فهو من جهة تفويته للمصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية القصرية، أو الجهرية والإخفاتية " واما توهم " اقتضاء البيان المزبور للاجتزاء بالفاقد للخصوصية مطلقا حتى في صورة العلم بوجوب الخصوصية، لوضوح عدم كون العلم بوجوبها موجبا لقلب الفاقد عما له من الوفاء بمصلحة الطبيعي والجامع، ومثله مما يقطع بفساده فمدفوع " بأنه كذلك لولا اختصاص فردية الفاقد بحال الجهل بالامر بالخصوصية والا فينحصر الفرد في حال العلم بخصوص الواجد، ومعه لا يعقل تحقق المصلحة ولو بمرتبة منها بغير الواجد حتى يتوجه الاشكال المزبور " وبما ذكرنا " يندفع أيضا ما عن بعض من الاشكال على التقريب المزبور بأنه ان كان للخصوصية القصرية أو الجهرية دخل في مصلحة الواجب في حال الجهل فلا يعقل حصولها وسقوط التكليف عنه بفعل الفاقد لتلك الخصوصية خصوصا مع امكان استيفاء تلك الخصوصية في الوقت كما لو علم بالحكم في الوقت، لأنه لا يعتبر في استيفاء المصالح الا مجرد القدرة على فعل متعلقاتها وهي بالوجدان حاصلة، الا إذا كان ثبوت المصلحة في الصلاة المقصورة مشروطا بعدم سبق الصلاة التامة من المكلف وهذا خلف، فان لازمه خلو الصلاة المقصورة عن المصلحة في حال الجهل ولازمه عدم استحقاق العقاب رأسا وان لم يكن لها دخل في مصلحة الواجب، فاللازم هو الحكم بالتخيير بين القصر والتمام غايته ان يكون القصر أفضل فردي التخيير لاشتماله على الخصوصية الزائدة ولا وجه لاستحقاق العقاب " إذ فيه " ان للخصوصية القصرية وان كان دخل في مصلحة الواجب حتى في حال الجهل الا ان دخلها انما هو في كمال المصلحة لا في أصلها ولو بمرتبة ملزمه منها وهذه المرتبة تحصل لا محالة بفعل الفاقد غايته ان يكون حصولها به موجبا لعدم التمكن من استيفاء الزائد لمكان تضاد المصلحتين ولو بلحاظ حديهما القائمين بالخصوصيات المفردة للطبيعي بنحو لا يمكن اجتماعها في الاستيفاء وبهذه الجهة قلنا باستحقاق العقوبة على تفويت المصلحة الزائدة (قوله) انه لا يعتبر في استيفاء المصلحة الا القدرة على متعلقها وهي حاصلة بالوجدان خصوصا في الوقت (فيه) ان الحاصل بالوجدان انما هو القدرة على الاتيان بصورة الصلاة المقصورة ، لا القدرة على الاتيان بحقيقتها القائمة بها المصلحة الكاملة ولا ملازمة بين القدرة على صورة الصلاة والقدرة على استيفاء مصلحتها كما هو ظاهر (واما قوله الا إذا كان ثبوت المصلحة في الصلاة المقصورة مشروطا الخ، ففيه ان المشروط بعدم سبق الصلاة التامة من المكلف انما هو القدرة على استيفاء مصلحة الصلاة المقصورة لا أصل مصلحتها، وبينهما فرق واضح، والتوالي الفاسدة انما تترتب على الثاني لا الأول، فإنه يكون من قبيل تفويت شرط الواجب لا الوجوب، فالإشكال المزبور بلزوم الخلف وعدم استحقاق العقاب ناش عن الخلط بينهما فتدبر (وحينئذ) فعلى ما ذكرنا لا قصور في المقام بالجمع بين استحقاق العقوبة وصحة المأتى به بعنوان كونه فريضة فعلية كما هو ظاهر قوله (عليه السلام) تمت صلوته المنصرف إلى كون اتيانه بهذا العنوان، حيث إنه بالالتزام بتعدد المطلوب يكون المأتى به صحيحا ومأمورا به بالأمر بالجامع بين الفردين المتحقق في ضمن هذا الفرد أيضا، من دون حاجة إلى اثبات الامر به من الخارج (نعم) انما يحتاج إلى ذلك فيما لو كان فردية الفاقد للطبيعة في ظرف الجهل بالأمر بأصل الطبيعة التي هي مرتبة من المطلوب، فإنه بعد استحالة شمول الامر بالطبيعة لمثل هذا الفرد، لا محيص في كونه مأمورا به بالأمر الفعلي من أن يكون بأمر آخر غير الامر بالطبيعي المتحقق في ضمن الخصوصية (لا فيما كان فرديته) في ظرف الجهل بالأمر بالخصوصية، فإنه حينئذ يمكن كونه مأمورا به فعلا بنفس الامر بالطبيعي المتحقق في ضمنه خصوصا إذا قلنا بعدم اختصاص فردية الفاقد للطبيعي بحال الجهل بوجوب الخصوصية أيضا وان غايته هو انحصار فرد الجامع عند العلم بوجوب الخصوصية بخصوصية الواجد، لا اختصاص فردية الفاقد بحال الجاهل به (وعليه) فلا بأس بالإتيان به بداعي الامر بالطبيعي المتحقق في ضمنه (ولا وجه) لمنع كونه مأمورا به بالأمر الفعلي، إذ لا يلزم من الالتزام بما ذكرنا محذور بعد سقوط الامر بالخصوصية في ظرف الجهل به عن المحركية الفعلية خصوصا مع الغفلة عن الواقع لأجل ترك الفحص حيث لا يلزم منه اجتماع الامرين في المحركية الفعلية في زمان واحد كما هو ظاهر (وبذلك) أيضا نقول انه لا يحتاج في تصحح الامر الفعلي بالفاقد إلى التشبث بقاعدة الترتب المعروف، كي يمنع عن صحة كبرى القاعدة تارة، وعن صغراها في المقام أخرى، وان كان التحقيق هو صحة كبرى القاعدة، بل وصغراها أيضا في المقام مع قطع النظر عما ذكرناه ولو بالالتزام بطولية المصلحتين وكون الامر بالفاقد مشروطا بمخالفة الواقع عن جهل، فإنه بهذا المقدار يمكن الالتزام في المقام بالخطاب الترتيبي إذ لا نعني من الخطاب الترتيبي الذي هو محل النزاع الا اجتماع الامر المطلق بشيء والمشروط بمخالفته بشيء آخر في زمان واحد كان طولية الامرين من جهة طولية المصلحتين أو من جهة طولية القدرة على استيفائهما كما هو ظاهر (وقد يتقصى) عن الاشكال بوجه آخر، وحاصله هو انه من الممكن في مسألة الجهر والإخفات ان يكون الواجب على عامة المكلفين هو القدر المشترك بينها ويكون الجهر والإخفات بالقراءة في موارد وجوبهما واجبان نفسيان مستقلان في الصلاة بنحو تكون الصلاة ظرفا لامتثالهما كسائر موارد وجوب الشيء في ظرف واجب آخر الا انه بالعلم به ينقلب وجوبه النفسي إلى وجوب الغيري ويصير قيدا للصلاة ولا مانع من أن يكون صفة العلم موجبة لتبدل صفة الوجوب من النفسية إلى الغيرية، وبذلك يرتفع أصل الاشكال اما صحة المأتى به فلكونه مأمورا به في حال الجهل، واما العقاب فهو من جهة ترك الواجب النفسي، وكذلك الامر في مسألة الاتمام في موضع وجوب القصر فيكون الواجب على المسافر هو أحد الامرين من القصر والتمام تخييرا، ولكن في القصر خصوصية تقتضي تعينه لا على وجه القيدية بل على وجه النفسية وبالعلم بالحكم ينقلب وتصير تلك الخصوصية قيدا للصلاة (وفيه) مضافا إلى بعده في نفسه وان صفه استقلالية الوجوب بعد أن كانت محفوظة في رتبة سابقة على العلم بها يستحيل صيرورة العلم بها موجبا لانقلاب الوجوب عما هو عليه من الصفة في مرتبة وجوده إلى صفة أخرى (نعم) الممكن انما هو صيرورة العلم بوجوب الشيء موجبا لأحداث وجوب آخر في المرتبة المتأخرة عنه، ولكن لازم ذلك في المقام هو الالتزام بتعدد العقوبة عند ترك الجهر بالقراءة مع العلم بوجوب الجهر، أحدهما على ترك الجهر المعلوم وجوبه " نفسيا، وثانيهما على ترك الصلاة المقيدة به في الرتبة المتأخرة عن العلم وهو كما ترى " ولكنه " على ما في التقرير عدل عن ذلك فالتزم بان الواجب على المسافر الجاهل انما هو التمام ولا يصح منه القصر ولو تمشى منه قصد القربة واستظهر أيضا تسالم الفقهاء على ذلك بعدما استظهر خلافه سابقا ومنع عن أصل العقاب " وفيه أيضا " لا يخفى فإنه من غرائب الكلام خصوصا فيما استظهره من تسالم الأصحاب على ذلك، إذ هو مع كونه على خلاف ما بنوا عليه من اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل وما تقتضيه اطلاق كلامهم باستحقاق الجاهل بالحكم عن تقصير للعقاب الشامل للمقام بل تصريح بعضهم بذلك، انه لا يستفاد من كلماتهم في المقام الا صحة المأتى به تماما في حال الجهل بالحكم تبعا لما في النصوص من أنه لا إعادة عليه إذا لم تقرأ عليه آية التقصير ولم يعلمها " واما " ان الواجب واقعا في حق المسافر الجاهل هو التمام بحيث لا يصح منه القصر ولو تمشى منه قصد القربة فلا، بل الظاهر هو تسالمهم على الصحة قصرا في الفرض المزبور.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|