أقرأ أيضاً
التاريخ: 4/10/2022
1771
التاريخ: 18-2-2021
1711
التاريخ: 2023-03-25
1244
التاريخ: 2023-04-15
1251
|
الخوف منزل من منازل الدين و مقام من مقامات الموقنين ، و هو أفضل الفضائل النفسانية ، إذ فضيلة الشيء بقدر إعانته على السعادة ، و لا سعادة كسعادة لقاء اللّه و القرب منه ، و لا وصول إليها إلا بتحصيل محبته و الأنس به ، و لا يحصل ذلك إلا بالمعرفة ، و لا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر، و لا يحصل الأنس إلا بالمحبة و دوام الذكر، و لا تتيسر المواظبة على الفكر و الذكر إلا بانقلاع حب الدنيا من القلب ، و لا ينقلع ذلك إلا بقمع لذاتها و شهواتها ، و أقوى ما تنقمع به الشهوة هو نار الخوف ، فالخوف هو النار المحرقة للشهوات ، فإذن فضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات و يكف من المعاصي و يحث على الطاعات ، و يختلف ذلك باختلاف درجات الخوف .
وقيل : من أنس باللّه ، و ملك الحق قلبه ، و بلغ مقام الرضا ، و صار مشاهدا لجمال الحق : لم يبق له الخوف ، بل يتبدل خوفه بالأمن ، كما يدل عليه قوله سبحانه : { أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأنعام : 82] , إذ لا يبقى له التفات إلى المستقبل ، و لا كراهية من مكروه ، و لا رغبة إلى محبوب ، فلا يبقى له خوف و لا رجاء ، بل صار حاله أعلى منهما.
نعم ، لا يخلو عن الخشية - أي الرهبة من اللّه و من عظمته و هيبته - و إذا صار متجليا بنظر الوحدة لم يبق فيه أثر من الخشية أيضا ، لأنه من لوازم التكثر ، و قد زال , و لذا قيل : « الخوف حجاب بين اللّه و بين العبد ».
وقيل أيضا : «إذا ظهر الحق على السرائر لا يبقى فيها محل لخوف و لا رجاء».
وقيل أيضا : «المحب إذا شغل قلبه في مشاهدة المحبوب بخوف الفراق كان ذلك نقصا في دوام الشهود الذي هو غاية المقامات».
وأنت خبير بأن هذه الأقوال مما لا التفات لنا إليها ، فلنرجع إلى ما كنا بصدده من بيان فضيلة الخوف ، فنقول : الآيات و الأخبار الدالة عليه أكثر من أن تحصى ، و قد جمع اللّه للخائفين العلم و الهدى و الرحمة و الرضوان ، و هي مجامع مقامات أهل الجنان ، فقال : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر : 28] , وقال : {هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } [الأعراف : 154] , و قال : {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة : 8]. وكثير من الآيات مصرحة بكون الخوف من لوازم الإيمان ، كقوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال : 2] , و قوله : { وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران : 175] , و مدح الخائفين بالتذكر في قوله : { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } [الأعلى : 10] , و وعدهم الجنة و جنتين ، بقوله : {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات : 40،41] , و قوله : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن : 46] .
وفي الخبر القدسي : « و عزتي لا أجمع على عبدي خوفين و لا أجمع له أمنين ، فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ، و إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة» , وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) «رأس الحكمة مخافة اللّه» ، وقال ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) -: «من خاف اللّه أخاف اللّه منه كل شيء ، و من لم يخف اللّه أخافه اللّه من كل شيء» ، و قال لابن مسعود : «إن أردت أن تلقاني فأكثر من الخوف بعدي» ، و قال ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) «أتمكم عقلا أشدكم اللّه خوفا».
وعن ليث بن أبي سليم قال : «سمعت رجلا من الأنصار يقول : بينما رسول اللّه مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر، إذ جاء رجل فنزع ثيابه ، ثم جعل يتمرغ في الرمضاء ، يكوى ظهره مرة ، و بطنه مرة ، و جبهته مرة ، و يقول : يا نفس ذوقي ، فما عند اللّه أعظم مما صنعت بك.
ورسول اللّه ينظر إليه ما يصنع.
ثم إن الرجل لبس ثيابه ، ثم أقبل ، فأومئ إليه النبي ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) بيده و دعاه فقال له : يا عبد اللّه! رايتك صنعت شيئا ما رأيت أحدا من الناس صنعه ، فما حملك على ما صنعت؟ .
فقال الرجل : حملني على ذلك مخافة اللّه ، فقلت لنفسي : يا نفس ذوقي فما عند اللّه أعظم مما صنعت بك.
فقال النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : لقد خفت ربك حق مخافته ، و إن ربك ليباهي بك أهل السماء ، ثم قال لأصحابه : يا معشر من حضر! ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم.
فدنوا منه ، فدعا لهم ، و قال اللهم اجمع أمرنا على الهدى و اجعل التقوى زادنا ، و الجنة مآبنا».
وقال ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) -: «ما من مؤمن يخرج من عينيه دمعة ، و إن كانت مثل رأس الذباب ، من خشية اللّه ، ثم يصيب شيئا من حر وجهه ، إلا حرمه اللّه على النار» ، و قال : « إذا اقشعر قلب المؤمن من خشية اللّه تحاتت عنه خطاياه كما يتحات من الشجر ورقها» ، و قال : «لا يلج النار أحد بكى من خشية اللّه حتى يعود اللبن في الضرع» , و قال سيد الساجدين (عليه السلام) في بعض أدعيته : «سبحانك! عجبا لمن عرفك كيف لا يخافك» , وقال الباقر (عليه السلام) : «صلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالناس الصبح بالعراق ، فلما انصرف وعظهم، فبكى و أبكاهم من خوف اللّه ، ثم قال : أما و اللّه لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) -: و أنهم ليصبحون و يمسون شعثا غبرا خمصا بين أعينهم كركب البعير يبيتون لربهم سجدا و قياما ، يراوحون بين أقدامهم و جباههم ، يناجون ربهم في فكاك رقابهم من النار و اللّه لقد رأيتهم مع هذا و هم خائفون مشفقون» ، و في رواية أخرى : «و كأن زفير النار في آذانهم ، إذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما تميد الشجر، كأنما القوم باتوا غافلين» ، ثم قال (عليه السلام) : «فما رئي (عليه السلام) بعد ذلك ضاحكا حتى قبض».
وقال الصادق (عليه السلام) : «من عرف اللّه خاف اللّه و من خاف اللّه سخت نفسه عن الدنيا».
وقال عليه السلام : « إن من العبادة شدة الخوف من اللّه تعالى يقول : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر : 28] , و قال : { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة : 44] , قال : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } [الطلاق : 2] , و قال : « إن حب الشرف و الذكر لا يكونان في قلب الخائف الراهب» , و قال (عليه السلام) : «المؤمن بين مخافتين : ذنب قد مضى ما يدري ما صنع اللّه فيه ، و عمر قد بقى لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك ، فهو لا يصبح إلا خائفا و لا يصلحه إلا الخوف» ، و قال (عليه السلام) : «خف اللّه كأنك تراه ، و إن كنت لا تراه فإنه يراك ، و إن كنت ترى أنه لا يراك ، فقد كفرت ، و إن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين إليك» ، و قال (عليه السلام) «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا ، و لا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف و يرجو» و قال (عليه السلام) : «مما حفظ من خطب النبي ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) أنه قال : أيها الناس! إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، و إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ، ألا إن المؤمن يعمل بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما اللّه صانع فيه و بين أجل قد بقى لا يدري ما اللّه قاض فيه ، فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه و من دنياه لآخرته ، و من الشبيبة قبل الكبر وفي الحياة قبل الممات ، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب و ما بعدها من دار إلا الجنة أو النار».
ثم الأخبار الواردة في فضل العلم و التقوى و الورع و البكاء و الرجاء تدل على فضل الخوف لان جملة ذلك متعلقة به تعلق السبب أو تعلق المسبب ، إذ العلم سبب الخوف ، و التقوى و الورع يحصلان منه و يترتبان عليه - كما ظهر مما سبق - و البكاء ثمرته و لازمه ، و الرجاء يلازمه و يصاحبه إذ كل من رجا محبوبا فلا بد أن يخاف فوته ، إذ لو لم يخف فوته لم يحبه فلا ينفك أحدهما عن الآخر، و إن جاز غلبة أحدهما على الآخر، إذ من شرطهما تعلقهما بالمشكوك لأن المعلوم لا يرجى و لا يخاف ، فالمحبوب المشكوك فيه تقدير وجوده يروح القلب و هو الرجاء ، و تقدير عدمه يؤلمه و هو الخوف ، و التقديران يتقابلان.
نعم أحد طرفي الشك قد يترجح بحضور بعض الأسباب ، و يسمى ذلك ظنا ، و مقابله وهما فإذا ظن وجود المحبوب قوى الرجاء و ضعف الخوف بالإضافة إليه ، و كذا بالعكس ، و على كل حال فهما متلازمان ، و لذلك قال اللّه سبحانه.
{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] , و قال : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة : 16].
وقد ظهر أن ما يدل على فضل الخمسة يدل على فضيلته ، و كذا ما ورد في ذم الأمن من مكر اللّه يدل على فضيلته ، لأنه ضده ، و ذم الشيء مدح لضده الذي ينفيه.
ومما يدل على فضيلته ما ثبت بالتواتر من كثرة خوف الملائكة و الأنبياء و أئمة الهدى (عليهم السلام ) كخوف جبرائيل ، و ميكائيل ، و إسرافيل ، و حملة العرش ، و غيرهم من الملائكة المهيمين و المسلمين.
وكخوف نبينا ، و إبراهيم ، و موسى ، و عيسى، و داود ، و يحيى , و غيرهم.
وخوف أمير المؤمنين و سيد الساجدين و سائر الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) .
ش
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|