أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-7-2016
2268
التاريخ: 27-2-2021
2502
التاريخ: 2023-03-22
1447
التاريخ: 21-7-2016
2264
|
اعني الحضور و التفهم و التعظيم و الهيبة و الرجاء و الحياء ، هو تحصيل أسباب هذه المعاني وقد عرفت أسبابها.
وطرق العلاج في تحصيل هذه الأسباب انما يتم بأمرين : الأول- معرفة اللّه ، و معرفة جلاله وعظمته و استناد الكل إليه ، و معرفة كونه عالما بذرات العالم و بسرائر العباد.
ويلزم ان تكون هذه المعرفة يقينية ، ليترتب عليها الأثر, اذ ما لم يحصل اليقين بأمر، لا يحصل التشمر في طلبه و الهرب عنه , و هذه المعرفة هي المعبر عنها بالايمان.
ولا ريب في كونها موجبة لحصول المعاني المذكورة و أسبابها , اذ المؤمن يكون البتة حاضر القلب مع ربه عند مناجاته ، و متفهما لما يسأله عنه ، معظما له ، و خائفا منه ، و مستحييا من تقصيره.
الثاني- فراغ القلب ، و خلوه من مشاغل الدنيا , فان انفكاك المؤمن العارف ، المتيقن باللّه و بجلاله و عظمته ، و باطلاعه عليه من المعاني المذكورة في صلاته ، لا سبب له إلا تفرق الفكر، و تقسم الخاطر، و غيبة القلب عن المناجاة ، و الغفلة عن الصلاة ، ولا تلهى عن الصلاة إلا الخواطر الردية الشاغلة.
فالدواء في إحضار القلب هو دفع كل تلك الخواطر و لا يدفع الشيء إلا بدفع سببه , و سبب توارد الخواطر، إما أن يكون أمرا خارجا ، او أمرا في ذاته باطنا.
و الأول : ما يظهر للبصر، او يقرع على السمع , فان ذلك قد يختطف الهمّ حتى يتبعه و يتصرف فيه ، ثم ينجر منه الفكر إلى غيره ، و يتسلسل فيكون الابصار او الاستماع سببا للافتكار، ثم يصير بعض تلك الأفكار سببا للبعض , و من قويت رتبته و علت همته ، لم يلهه ما يجرى على حواسه , و لكن الضعيف لا بد و ان يتفرق فيه فكره , فعلاجه : قطع هذه الأسباب ، بأن يغض بصره ، او يصلى في بيت مظلم ، و لا يترك بين يديه ما يشغل حسه ، و يقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره ، و يتحرز من الصلاة على الشوارع وفي المواضع المنقوشة المصبوغة ، و العمارات العالية المرتفعة , و لذلك كان المتعبدون يصلون في بيت مظلم صغير، سعته بقدر السجود ، ليكون اجمع للهم , والاقوياء كانوا يحضرون المساجد ، و يغضون البصر، و لا يتجاوزونه موضع السجود ، كما ورد الامر به و يرون كمال الصلاة في الا يعرفوا من على يمينهم و شمالهم.
واما الثاني : اعني الأسباب الباطنة ، فهي أشد , فان من تفرقت همومه ، و تشعبت خواطره في أودية الدنيا ، لم ينحصر فكره في فن واحد ، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب , و غض البصر لا يغنيه ، فان ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل , فهذا علاجه : ان يرد نفسه قهرا الى فهم ما يقرؤه ، و يشغلها به عن غيره ، و يعينه على ذلك ان يستعد له قبل التحريم ، بان يجدد على نفسه ذكر الآخرة ، و خطر المقام بين يدي , اللّه - تعالى- ، و هو المطلع ، و يفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه من أمر الدنيا ، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره فهذا طريق تسكين الأفكار , فان لم تسكن افكاره بهذا الدواء المسكن ، فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من اعمال العروق ، و هو ان ينظر في الأمور الشاغلة الصارفة له عن إحضار القلب , و لا ريب في انها تعود إلى مهماته ، و هي إنما صارت مهمة لأجل شهواته فليعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات و قطع تلك العلائق , فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه و جند ابليس عدوه ، فإمساكه اضر عليه من إخراجه ، فيتخلص عنه باخراجه.
وهذا هو الدواء القامع لمادة العلة ، و لا يغني غيره , فان ما ذكر من التلطف بالتسكين و الرد إلى فهم الذكر، إنما ينفع في الشهوات الضعيفة ، والهم الذي لا يشغل الا حواشي القلب. و اما الشهوة القوية المرهقة ، فلا ينفع معها التسكين ، بل لا تزال تجاذبها و تجاذبك ثم تغلبك ، و تنقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة , ومثاله مثال رجل تحت شجرة أراد ان يصفو له فكره و كانت اصوات العصافير تشوش عليه ، فلم يزل يطيرها بخشبة هي في يده و يعود إلى فكره فتعود العصافير، فيعود إلى السفير بالخشبة ، فقيل له : إن هذا سير الواني و لا يتقطع ، فان أردت الخلاص فاقطع الشجرة , فكذلك شجرة الشهوة ، إذا استعملت و تفرعت اغصانها انجذبت إليها الافكار انجذاب العصافير إلى الأشجار، و انجذاب الذباب إلى الاقذار، و الشغل يطول في دفعها , فان الذباب كلما ذب آب ، و لأجله سمي ذبابا ، و كذلك الخواطر , و هذه الشهوات كثيرة قلما يخلو العبد منها ، و يجمعها أصل واحد ، و هو حب الدنيا ، و ذلك رأس كل خطيئة ، وأساس كل نقصان ، و منبع كل فساد , و من انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا يتزود منها و يستعين بها على الآخرة ، فلا يطمعن في ان تصفو له لذة المناجاة في الصلاة , فان من فرح بالدنيا فلا يفرح باللّه و بمناجاته ، و همة الرجل مع قرة عينه فان كانت قرة عينه في الدنيا انصرف همه لا محالة إليها , و لكن - مع هذا- لا ينبغي ان تترك المجاهدة ، ورد القلب إلى الصلاة ، و تقليل الأسباب الشاغلة ، فهذا هو الدواء ، و لمرارته استبشعته الطباع ، و بقيت العلة مزمنة ، و صار الداء عضالا , حتى ان الأكابر اجتهدوا ان يصلوا ركعتين لا يحدثون أنفسهم فيهما بأمور الدنيا ، فعجزوا عنه , فإذا لا مطمع فيه لا مثالنا ويا ليت سلم لنا من الصلاة ثلثها او ربعها من الوساوس ، لنكون ممن خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا.
وعلى الجملة: فهمة الدنيا و همة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح فيه خل ، فبقدر ما يدخل فيه الماء يخرج منه الخل لا محالة ، و لا يجتمعان , ثم جميع ما ذكر إنما هو في الخواطر المتعلقة بالأمور المهمة من الدنيا ، حتى إذا خرجت هذه الأمور من القلب ، خرجت منه هذه الخواطر أيضا , و قد تكون الخواطر من مجرد الوساوس الباطنة و الخيالات الفاسدة من دون تعلقها بشغل و عمل دنيوي يكون لها ، و من دون اختيار للعبد في خطورها و عدم خطورها.
والامر فيها اصعب ، و ان كان لقلع حب الدنيا و شهواتها عن القلب مدخلية عظيمة في زوالها أيضا ، إذ مادة هذه الوساوس أيضا ، إما حب المال و حب الجاه ، او حب غيرهما من الأمور الشهوية الدنيوية.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|