أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-2-2017
2309
التاريخ: 22-2-2017
4824
التاريخ: 2023-04-28
1395
التاريخ: 23-2-2017
1415
|
ان تحديد طبيعة القواعد القانونية الموضوعية التي تحكم العلاقات ذات العنصر الاجنبي – بالتحديد – اثرها في ميدان تنازع القوانين الذي يدخل في موضوع القانون الدولي الخاص. اذ ان تطبيق مبدأ سلطان الارادة يتأثر بحسب طبيعة القواعد التي تحكم التصرفات القانونية المراد تطبيقه في نطاقها. اذ ينحصر تطبيق هذا المبدأ في نطاق عقود القانون الخاص، اما العقود الخاضعة للقانون العام او للقواعد التنظيمية الآمرة فهذه تطبق بشأنها قواعد اخرى. ومن هنا تظهر اهمية البحث في تحديد طبيعة قواعد قانون العمل. ان تقسيم القانون إلى عام وخاص يتم بالاستناد إلى معايير معينة للكشف عن مدى انتماء قانون معين إلى أي من الفرعين، والمعيار السائد للتمييز بين القانونين هو معيار ما اذا كانت الدولة او احد الاشخاص المعنوية العامة طرفا في العلاقة التي ينظمها القانون بوصفها صاحبة سيادة وسلطان ام لا، فان كانت الدولة مرتبطة بعلاقة وهي بهذه الصفة – اي بوصفها صاحبة سيادة وسلطان – فان القواعد التي تحكم هذه العلاقة تعتبر من القانون العام، وكذلك فان القواعد التي تكون الدولة محلا او موضوعا لها تعد ايضا من القانون العام(1) . اما اذا كانت العلاقة بين طرفين لم يكن احدهما من اشخاص القانون العام، فان القانون الذي يحكم مثل هذه العلاقة يعد قانونا خاصا. وهنا يثور التساؤل – فيما اذا اردنا ان نطبق المعايير انفة الذكر – إلى اي من القانونين ينتمي قانون العمل ؟ هناك عدة اراء بصدد تحديد طبيعة قانون العمل. فعقد العمل هو من العقود المسماة في القانون المدني، إلا ان المشرع أفرد لهذا العقد قانونا خاصا يتضمن شروطا معينة لحماية الطرف الضعيف في العلاقة وهو العامل، وبذلك ظهر قانون العمل باعتباره فرعا مستقلا او قانونا خاصا بالنسبة للقانون المدني(2) . وعلى ذلك فقد ظهرت ثلاثة اتجاهات بهذا الصدد، فالاتجاه الاول ذهب إلى اعتبار قانون العمل قانونا عاما، اما الثاني فذهب إلى اعتبار قانون العمل قانونا خاصا، في حين ذهب الاتجاه الثالث إلى ان قانون العمل هو قانون مستقل فهو مزيج من القانونين العام والخاص ويسمى بالقانون الاجتماعي.
اولاً: قانون العمل قانون عام.
ان مناصري هذا الاتجاه يقرون بان التطور التأريخي لقانون العمل يدعو إلى القول بانه من فروع القانون الخاص ولا صلة له بالقانون العام، حيث انه ينظم العلاقات بين الافراد (العمال واصحاب الاعمال)، إلا ان ازدياد تدخل المشرعين في مختلف الدول في شؤون العمل والعمال وتنظيم علاقات العمل وعقوده وبنصوص امره ادى إلى خروج هذا القانون من فروع القانون الخاص ودخوله ضمن فروع القانون العام(3). ويستند انصار هذا الرأي إلى ان معيار التفرقة بين القانون الخاص و القانون العام، يكون حسب طبيعة المصالح التي تحميها القاعدة القانونية، فالقانون العام هو القانون الذي تغلب عليه المصلحة العامة، اما القانون الخاص فهو الذي تبرز فيه المصلحة الفردية، وحيث ان قانون العمل يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، لذا فأنهم يدخلونه في ميدان القانون العام(4). ان تطور قانون العمل قد ادى إلى ولوج احكام القانون العام بازدياد في احكامه وتنظيماته حتى طبعه بطابع تنظيمي(5). وكنتيجة لازدياد تدخل الدولة في شؤون العمل، خصوصا بعد انحسار الرأسمالية الحرة وميلاد الرأسمالية المقيدة، فقد ترتب على ذلك طغيان القواعد التشريعية الامره في قانون العمل واتساع مضمونه ونطاقة(6). وادى إلى استقلال قانون العمل عن القانون المدني ليصبح فرعا من فروع القانون العام، ذلك ان القانون الخاص في نظر انصار هذا الاتجاه هو قانون الحرية والاختيار وسلطان الارادة، بينما القانون العام هو قانون الامر والسيطرة. ويؤخذ على هذا الرأي، انه قد تجاهل المعايير الاساسية للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص وهي اما ان يكون احد اطراف العلاقة شخص عام, او ان تكون الدولة محلا او موضوعا للقواعد القانونية التي تنتمي إلى طائفة القانون العام. وحيث ان قانون العمل لا ينظم عمل السلطة العامة، ولا تبرم العقود الخاضعة لأحكامه بين اطراف من بينها سلطة عامة، بل يبرم فيما بين الافراد (العامل وصاحب العمل)، لذا فان قانون العمل لا يعتبر من القانون العام، حتى وإن كانت بعض قواعده آمره، لأن العبرة هي بتطبيق المعايير آنفة الذكر. أما بخصوص المعيار الذي اعتمده أنصار هذا الأتجاه وهو طبيعة المصلحة التي يهدف إليها القانون فيما إذا كانت مصلحة خاصة أم عامة، فيؤخذ على ذلك بأن القانون بمختلف فروعه يهدف إلى تحقيق المصلحتين العامة والخاصة في آن واحد، وإن البحث عن المصلحة الغالبة هو أمر تحكمي تخشى عواقبه. مثال ذلك قانون إيجار العقار، فهو قانون آمر يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة – المتمثلة في حل أزمة السكن – ويحمي مصلحة الطرف الضعيف في العلاقة العقدية وهو المستأجر فيها، ومع ذلك فإن عقد الإيجار يعد من عقود القانون الخاص. لذا فإن هذا المعيار يعد غير دقيق لأنه يؤدي الى الخلط بين القانونين العام والخاص وطمس معالم الحدود بينهما، فقواعد قانون العمل تحكم بصفة اساسية علاقات العمل القائمة بين العمال واصحاب الاعمال، وهذه العلاقات خاصة بطبيعتها ولا دخل لها بتنظيم السلطة العامة او بسيادة الدولة. ونتيجة لذلك فقد اتجه البصر الى اعتبار قانون العمل قانوناً خاصاً.
ثانياً: قانون العمل قانون خاص.
يذهب انصار هذا الاتجاه الى اعتبار قانون العمل فرعا من فروع القانون الخاص(7). لأنه يحكم بصفة اساسية الروابط والعلاقات الخاصة بين العمال واصحاب الاعمال ولا شأن لقواعده الغالبة بالقانون العام. فبالرغم من تدخل المشرع بالكثير من القواعد التنظيمية للعمل ذات الطبيعة الآمرة – الأمر الذي ادى الى الحد من مبدأ سلطان الارادة في انشاء العلاقة العقدية وترتيب اثارها – فان عقد العمل مع ذلك لا يزال هو المصدر الغلاب لعلاقات العمل الفردية. ان قانون العمل يضم عادةً قواعد تحكم عقد العمل الفردي وقواعد تنظيمية للعمل، والاخيرة تسري على كافة علاقات العمل سواء نشأت عن عقد عمل صحيح او باطل. إلا انه يلاحظ بأن عقد العمل لا يزال – وحتى بعد تدخل المشرع في تنظيمه – عقداً رضائياً ملزماً للجانبين يخضع للمبادئ العامة في نظرية العقد. لذا فان القواعد القانونية التي تنظمه هي اقرب الى القانون الخاص منها الى القانون العام. ويؤكد اصحاب هذا الاتجاه بأن تدخل الدولة في تشريع القواعد الامرة لتنظيم شؤون العمل لا يؤثر في طبيعة هذا القانون، ذلك ان التدخل التشريعي في العلاقات الخاصة اصبح هو سمة العصر و سنّته التي لا تترك للافراد حرية التعاقد في روابطهم و علاقاتهم الخاصة(8). و على ذلك فان قانون العمل يدخل ضمن طائفة القوانين الخاصة، و لكن يلاحظ بأنه يتضمن في الوقت نفسه قواعد آمرة تتدخل السلطة العامة بمقتضاها في روابط العمل وعلاقاته مثل تحديد الاجور و مدة العمل و غيرها. و هذا ما دفع البعض الى القول بأن قانون العمل هو قانون مختلط(9). لأنه يجمع بين قواعد القانون العام و الخاص، و يذهب انصار هذا الرأي الى ان هذا الاختلاط لا يؤثر في وحدة قانون العمل، اذ تتجلى هذه الوحدة في ناحية علمية اولاً، حيث من المفيد ان تجمع كل القواعد القانونية المنظمة لعلاقات العمل في قانون واحد لكي يصبح نظاما قانونيا متكاملا، بالاضافة الى ذلك فان هذه الوحدة تتجلى من ناحية قانونية ثانياً، وذلك عند تفسير قواعد هذا القانون، حيث ان تشريعات العمل كافة تكمل بعضها بعضاً وان كانت تنتمي الى فروع مختلفة من القانون(10). ومما يؤخذ على هذا الرأي ان المناط في تحديد انتماء قانون معين الى القانون العام او الخاص لا يكون بطبيعة كل قاعدة من قواعده وإلا انتهى الامر الى ان تصبح اغلب القوانين قوانين مختلطة، بل ان المناط في ذلك يكون بطبيعة القواعد الاساسية التي يتضمنها القانون من دون ان يؤثر في ذلك مالبعض قواعده التكميلية من طبيعة مختلفة. اذن يمكن القول بأن قانون العمل له طبيعة خاصة ولكنه منظم بقواعد قانونية تنظيمية منتمية الى القانون العام. وعلى هذا النحو فان نظم القانون العام المتعلقة بشؤون العمل تمثل الاستثناء، ويبقى الاصل هو ارتباطه بالقانون الخاص، ولا يؤثر هذا الارتباط الاستثنائي بالقانون العام، على طبيعة قانون العمل، اذ ان العبرة في تحديد طبيعة القانون ليست بطبيعة كل قاعدة من قواعده وانما تكون بطبيعة قواعده الاساسية. و الواقع ان قانون العمل اذا كان قد اخذ بعضا من قواعده عن القانون الخاص و بعضا اخر عن القانون العام، فانه اصبح اليوم مستقلا عن القانون الخاص و العام، مما دفع البعض الى القول بان قانون العمل قد ادى الى ضعضعة الاسس التقليدية لتقسيم القانون الى عام و خاص(11). و هذا ما ادى الى ظهور اتجاه ثالث لتحديد طبيعة قانون العمل.
يرى انصار هذا الرأي بأن قانون العمل هو قانون مستقل يحتل اليوم مكانا خاصا بين الفروع القانونية و العلوم الاقتصادية، لاحتوائه على قواعد قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها (كتحديد الاجور و ساعات العمل و غيرها), و على قواعد من القانون الخاص المتضمنة احكام عقد العمل الفردي. و لارتباطه من جهة اخرى بالاقتصاد الاجتماعي الذي يبحث في تدخل الدولة في تنظيم العلاقات الصناعية و في آثار هذا التدخل على التخطيط الاقتصادي و الاجتماعي(12). و من التبريرات التي سيقت لدعم هذا الرأي، فقد قيل بأن قانون العمل و ان كان قد اخذ بعضاً من قواعده عن القانون الخاص وبعضاً عن القانون العام، فانه لا يعتبر مُكونا من قواعد متنافرة من هذين القانونين، بل انه مزج بينهما ليغدو قانونا مستقلا قائما بذاته، له اهدافه و اتجاهاته المنفصلة عن اتجاهات و اهداف كل من القانونين العام و الخاص، و اطلق عليه اسم، القانون الاجتماعي. و قد استحدَث هذا الفرع الجديد من القانون قواعد و نظريات سبق بها الفرعين المتقدمين عليه، من ذلك الاعتراف بنشوء قواعد قانونية تلقائية في المجتمع الحرفي، و خلق نوع من المسؤولية الجزافية المبنية على تحمل المخاطر(13). هذا و يقصد بالقانون الاجتماعي، مجموعة القواعد التي تهدف الى تنظيم الحياة الاقتصادية و المهنية ( أي الصناعة و التجارة و العمل). و يمتاز هذا القانون بأنه قانون حديث النشأة و بأنه ذو طابع اجتماعي و تضامني(14). و تنضوي تحت هذا القسم من القانون الفروع التي خرجت عن القانون المدني بقواعد خاصة ، و يبرز فيها دور الدولة بشكل واضح في تنظيم العلاقات القانونية للأفراد ، كقوانين العمل و الضمان الاجتماعي و التعاون و الاصلاح الزراعي(15). و يبدو بأن الفقه الراجح(16). قد استقر في الوقت الحاضر على اعتبار قانون العمل قانوناً قائماً بذاته مستقلاً عن القانونين العام و الخاص و أنه قانون ينفرد بمميزات خاصة وبخصائص لا يتسم بها أي قانون اخر.
_______________________________
- د. عبد الباقي البكري، و د. زهير البشير، المدخل لدراسة القانون، جامعة بغداد, بيت الحكمة، 1989, ص 189.
2- د. عبد الواحد كرم, المصدر السابق, ص 19- 20، د. عدنان العابد، المصدر السابق، ص 33.
3- د. شاب توما منصور، المصدر السابق، ص 37. وكذلك Ghestin, (j.), Op.Cit., p.13:
4- المصدر نفسه، ص 38- 39.
5- حيث كان لنظام الوظيفة العامة وكذلك نظام عقود امتياز الخدمة العامة وعقود الاشغال العامة وادخال الدولة شروطا في صالح الاجراء، اثرا في تنظيم احكام عقد العمل. ومما تجدر الاشارة اليه ان المشرع العراقي قد اخذ بهذا الاتجاه، اي انه يعد قانون العمل من فروع القانون العام. انظر: د. شاب توما منصور، المصدر نفسه، ص 36 وما بعدها.
6- Rivero Et Savatier, Op.Cit., P.33 Et S.
7- د. عبد الواحد كرم، المصدر السابق، ص20، د. هشام علي صادق، دروس في قانون العمل المصري واللبناني، الدار الجامعية، بيروت، 1982، ص47-48.
8- د. هشام علي صادق، المصدر السابق، ص47.
9-د. جلال القريشي، قانون العمل، مصدر سابق، ص41. وكذلك: Gamillscheg ,(F), Les Principes Du Droit Du Travail International, Rev. Crit., 1961, No.2, P.286 ..
0- د. رمضان ابو السعود، الوسيط في شرح قانون العمل المصري واللبناني، الدار الجامعية، بيروت، 1983، ص18.
1- د. جلال القريشي، قانون العمل، المصدر السابق، ص41، د.شاب توما منصور، مصدر سابق، ص39-40.
2- د. رمضان ابو السعود، المصدر السابق، ص19. وكذلك :
Szaszy, (I), Iaterational Labour Law, Akademiai kiado, Budapest, 1968, P.5.
3- المصدر نفسه، ص19.
4- د. شاب توما منصور، المصدر السابق، ص40 هامش (2).
5- د. عبد الواحد كرم، المصدر السابق، ص20.
6- د. عدنان العابد، المصدر السابق، ص33. وكذلك: Rivero Et Savatier, Op., Cit., P. 15.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|