أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-3-2018
1868
التاريخ: 24-10-2017
3967
التاريخ: 4-10-2017
3580
التاريخ: 2-6-2016
16979
|
جغرافية المشكلات الاجتماعية
تعددت تعريفات المشكلة الاجتماعية (Social Problem) لكن المتتبع لتلك التعريفات يجد أن العامل الجغرافي حاضر في جميعها باعتباره العامل المسبب والقادر على تفسير أسباب المشكلة وتحديد أبعادها، فالعالم الأمريكي Robert Merton أكد على أن المشكلة الاجتماعية هي الهوة الكبيرة بين المعايير الاجتماعية السائدة والواقع الاجتماعي، أو السلوك الاجتماعي Social Behaviour الذي يرى أفراد المجتمع بأنه سلوك غير مقبول ومتكرر الحدوث ولابد من السعي لإصلاحه ومعالجته وتغييره نحو الأفضل(1). ويرى آخرون أن المشكلة الاجتماعية عبارة عن حالة لا تتفق مع القيم التي يحملها غالبية أفراد المجتمع، وهم مؤمنون بضرورة تغييرها بما ينسجم مع إيمانهم وموروثهم الثقافي والحضاري. وهناك من يرى أن المشكلات الاجتماعية والظواهر الاجتماعية Social Phenomen والقضايا الاجتماعية Social issues تشير إلى معنى واحد.
تعرف المشكلة الاجتماعية بكونها ظاهرة غير طبيعية تحتاج إلى اتخاذ حلول معينة، وعمل منظم ودقيق، بهدف التحرر منها أو الحد من آثارها الخطيرة على الفرد والمجتمع، ولكي تكون هناك مشكلة لابد من وجود المشكلة بشكل محسوس ومادي، أي واقعية المشكلة كالجريمة أو الصراع الطائفي أو العنصري أو الفقر وعمالة الأطفال والتسول وو ...الخ. أما الشرط الآخر الذي يجب أن يتوفر في المشكلة الاجتماعية فهو الاعتراف المجتمعي بوجود المشكلة والحاجة إلى معالجتها، والحد من آثارها. فالمشكلة الاجتماعية في بعض المجتمعات لا تعرف هكذا في مجتمعات أخرى تبعاً للموروث القيمي والحضاري الموجود. أي أن تعريفنا للمشكلة الاجتماعية ينطوي على حكم قيمي Value Judgment تبعاً للمجتمع الذي شخصت به المشكلة الاجتماعية. أما جورج لندبرج فقد ذهب إلى أن المشكلة سلوك انحرافي في اتجاه غير موافق عليه من قبل المجتمع، له من الدرجة ما يعلو فوق مستوى الحد التسامحي للمجتمع، مما يؤدي إلى فعل يهدف إلى حماية المجتمع وإصلاح المخالف أو الجاني وتحذير كل إنسان من أن الانحراف الذي يتعدى نقطة معينة لا يسمح به المجتمع(2). ويعرف العلامة فير تشايلد المشكلة الاجتماعية على أنها موقف يحصل بفعل عوامل وظروف تتعلق بالبيئة الاجتماعية، ويستلزم معالجة إصلاحية تتطلب تجميع الوسائل والأساليب الاجتماعية للتصدي له ومعالجته. (3) وبازدياد النمو الحضري والتطور الحضاري تزداد الحياة الاجتماعية تأزماً وتصدعاً في العلاقات والروابط العائلية، وتنتشر المشكلات الاجتماعية بما تحمله من أعراض اجتماعية منحرفة، فتكثر الجرائم والسرقات، وتتفشي ظواهر الانتحار وتعاطي الخمور والمخدرات خاصة بين الأوساط الشبابية، والتفكك الاجتماعي وتدهور القيم، فضلا عن المشكلات في جميع المشكلات المتعلقة بالمدينة كالسكن والخدمات والاختناقات والتلوث والنقل وغيرها، وقد سجلت السنوات العشر الأخيرة من هذا القرن ارتفاعاً مذهلا في انتشار هذه المدن الرئيسة في العالم.
وأحياناً لا يدرك الناس أن هناك مشكلة الاعتقاد بأن المشكلة هي جزء من الواقع دون الإحساس بوجودها، ولا الحاجة إلى معالجتها، فتناول الممنوعات في بعض المجتمعات أصبح جزءاً من حياتهم، ولم يتبلور لديهم وعي کاف بوجود المشكلة وضرورة الوقوف على أسبابها أو الحد من مضارها والعمل على إزالتها، كذلك الحال بالنسبة لظاهرة العنف ضد الأطفال أو تسلط بعض الطبقات الاجتماعية في بعض المجتمعات. وبذلك يمكن القول إن المشكلة نسبية تختلف بحسب الزمان والمكان، وإن العوامل الجغرافية بأبعادها الطبيعية والبشرية تساهم في بلورة وصيرورة المشكلة الاجتماعية، ومن هنا يأتي دور الجغرافي فيبين أسباب المشكلة والسعي إلى وضع الحلول المناسبة لها. والمشكلة الاجتماعية ظاهرة تحدث في المجتمعات البشرية كافة، ولكن أياً كان: نوع المشكلة الاجتماعية تمثل اضطراباً أو تعويقاً لسير الأمور، وهذا يولد نوعاً من المفارقات بين المكانات والمستويات المرغوبة من قبل الأفراد في المجتمع وبين الظروف الواقعية، وهذا يتطلب من أفراد المجتمع وجماعاته على حد سواء، أن يبحثوا عن الوسائل والأساليب الكفيلة بمعالجة المشكلة التي تواجههم. وقد تكون المشكلة الاجتماعية ذات تأثير كبير على الفرد والمجتمع، وتقف عائقاً أمام تقدم المجتمع وتطوره، وذلك من خلال كونها تتصف بالصفة الجمعية التي تشمل عدداً كبيراً من الأشخاص في المجتمع، تحول دون إنجازهم للأدوار الاجتماعية الموكلة إليهم من قبل الجماعة، وضمن ما هو متفق عليه داخل الجماعة.
لقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة في ظهور المشكلات الاجتماعية، وهناك العديد من المشكلات ارتبطت مع التطورات التكنولوجيا في مجال الأجهزة والآلات، فالتكنولوجيا الحديثة على سبيل المثال حلت محل الإنسان في كثير من جوانب الحياة الإنتاجية، فظهرت نتيجة لذلك مشكلة البطالة وما يترتب عليها من تبعات اجتماعية، كالإدمان والتفكك العائلي، وانتشار الأمراض النفسية والعقلية، وتشرد الأحداث وعمالة الأطفال، وغيرها من المشكلات الأخرى. كما أن اكتشاف أجهزة الاتصال الحديثة وسوء استعمالها ساهم هو الآخر في ظهور مشكلات اجتماعية متعددة، لاسيما في المجتمعات الشرقية ومنها المجتمعات العربية.
إن هناك ترابطاً واضحاً بين المشكلات الاجتماعية، لذلك فان أي خلل في البناء الاجتماعي يؤدي إلى مجموعة من التعقيدات الاجتماعية المترابطة ترابطاً عضوياً وهذه التعقيدات لا تخضع إلى مؤثرات خارجية، لأن التطورات التكنلوجية في حد ذاتها تقع ضمن العوامل الاجتماعية الأكثر تعقيداً وضغطاً على الإنسان. علماً بأن المشكلات الاجتماعية الحضرية الفردية والجماعية تتباين في شدتها وتتنوع في اتجاهاتها من فرد إلى آخر أو من مجموعة إلى أخرى. وعلى الرغم من أن المشكلات الاجتماعية قد احتلت حيزاً كبيراً من اهتمام علماء الاجتماع، إلا أن هذا المجال لم يكن حكراً على علم دون آخر. فقد خاض غماره العديد من الباحثين والمفكرين والمصلحين، ويذهب بعضهم إلى أن المشكلة الاجتماعية هي أساس نشوء الدراسات التاريخية بما تزخر به من تعقيدات وما تنطوي عليه من تحليلات، وفي الوقت الذي ساهمت فيه المشكلات الاجتماعية في تطور الفكر البشري، فإن الأخير ساهم في فهم المشكلات وإيجاد الحلول المناسبة لها، وتأسيساً على ما تقدم، يتضح أن المشكلات الاجتماعية من المواضيع المعقدة، والتي تتشابك مع مواضيع واتجاهات أخرى، وهذا التعقيد تولد نتيجة عدم الاتفاق على معنى المشكلة الاجتماعية، وضبابية التعاريف التي أنتجها العلماء والباحثون في هذا المضمار، فضلاً عن اتساع الموضوع وعدم وجود حدود واضحة له.
والجغرافية من أكثر العلوم التي ينبغي أن تدلي بدلوها في هذا المجال، لذلك فقد أبدى الجغرافيون منذ أمد بعيد اهتماماً كبيراً بالمشكلات الاجتماعية، لاسيما فيما يتعلق بالحرمان والجوع وتوزيع الثروة الاقتصادية وغير ذلك من الأمور(4)، لأن المشكلة الاجتماعية مهما اتسعت واختلف النقاش عن ماهيتها فهي لا تعدو كونها نتاجاً للمكان الذي يمثل الساحة التي تتمحور عليها الدراسات الجغرافية. كما أن العوامل الجغرافية كالهجرة والتحضر والتصنيع Industrialization وغيرها من العوامل، تساهم في ظهور المشكلات الاجتماعية وتحدد حجمها وأهميتها وتأثيراتها تبعاً لقوة تلك العوامل، لأن الأخيرة تساهم في زعزعة المنظومة القيمية السائدة في المجتمع الأصلي وتعطي احتمالية لظهور مشكلات متعددة وفقاً للتغيرات الجغرافية الحاصلة، وتبعاً لذلك، فإن المشكلات الاجتماعية عملية قائمة ومتواصلة لأن العوامل الجغرافية غير ثابتة بل متغيرة زمانياً ومكانيا.
وهناك تفسيرات متعددة لواقع المشكلة الاجتماعية، منها التفسير الاجتماعي الذي وجدت فيه الجغرافية ضالتها. ويقوم هذا التفسير على أساس وجود تغير في المؤسسة الاجتماعية، وهذا التغير السلبي أو الإيجابي سيجد صداه في المؤسسات الاجتماعية الأخرى، الأمر الذي يولد تصادماً واختلافاً بين الحديث والسائد. أما التفسير الآخر للمشكلات الاجتماعية، فيقوم على أساس الاختلافات بين الأشخاص من حيث الميول والاتجاهات، مما يساهم في خروج بعضهم عن المتعارف والمألوف، وهذا بحد ذاته بعد انحرافاً أو سلوكاً غير سليم من وجهة النظر الاجتماعية.
إن من العلامات المميزة للمشكلات الاجتماعية أنها شديدة الصلة بالقيم الاجتماعية السائدة، لأنها متصلة اتصالاً وثيقاً بالعلاقات الإنسانية، أو هي مشكلات تمثل خروجاً على ما يمكن اعتباره صواباً أو مألوفاً على وفق ما يحدده المجتمع، أو بمعنى آخر، إن المشكلات تعتبر كذلك لأنها تحدث خلخلة وهزة في النمط الاجتماعي للمجتمع، وهو أمر متغير زمانياً ومكانياً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جبارة عطية جبارة والسيد عوض علي، المشكلات الاجتماعية، دار الوفاء، الاسكندرية، 2003، ص14.
(2) محمد عاطف غيث، المشاكل الاجتماعية والسلوك الانحرافي، دار المعرفة الجامعية الاسكندرية، 2000، ص20.
(3) فهمي سليم الغروي وآخرون، المدخل إلى علم الاجتماع، دار الشروق للنشر والتوزيع، الاردن، 2005، ص364-365.
(4) محمد عبد الرحمن الشرنوبي، الجغرافية بين العلم التطبيقي والوظيفة الاجتماعية، نشرة جغرافية، العدد (31)، قسم الجغرافية بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، يوليو 1981، ص16.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|