أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-7-2022
7329
التاريخ: 2-4-2017
6944
التاريخ: 13-4-2017
4906
التاريخ: 29-3-2016
4179
|
يقصد بنظام الوظائف المحجوزة قصر تولي بعض الوظائف في الدولة على بعض الأفراد أو الفئات لاعتبارات خاصة . ترى الدولة إزاءها وجوب قصر التعيين في تلك الوظائف على هؤلاء الأفراد أو تلك الفئات دون غيرهم من أفراد وفئات المجتمع الأخرى. من هنا اعتبر هذا النظام أو هذا الأسلوب كاستثناء من مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة. إذ ان هذه الوظائف تحجز لتلك الفئات أو هؤلاء الأفراد ويمتنع دخولها على غيرهم من أفراد أو فئات المجتمع . ويكون ذلك عادة بهدف رد دين في عنق الدولة أو عرفاناً من جانبها بالجميل لهؤلاء الأفراد وتلك الفئات لقاء ما بذلوه من تضحيات في سبيلها(1). فكون هذه الوظائف تحجز لهؤلاء الأفراد أو تلك الفئات فالنتيجة الحتمية لذلك أنها تستبعد من القواعد العامة في الالتحاق والتنافس عليها بين جميع من يرغب في تولي مثل هذه الوظائف وتخضع تبعاً لذلك لنظام خاص ويخضع القبول فيها والتنافس عليها لتلك الطوائف فقط دون سواها من بقية طوائف المجتمع. ويعرفها الفقه العربي بأنها وظائف قليلة الأهمية ولا تحتاج لإعداد فني كبير يحتفظ فيه المشرع لمشوهي الحرب ومن شاكلهم كمكافأة لهم تمكيناً من كسب رزقهم وذلك وفقاً لكشف يحدد أفضليتهم كلٌ على حدة في الحصول على الوظيفة. وعلى الإدارة ان تختار بالترتيب في هذا الكشف كلما خلت إحدى الوظائف المحجوزة . ولا تسري عليها القواعد العامة في المنافسة . وتخصص لطوائف معينة تكون قد تحملت قدراً كبيراً من ويلات الحرب ويكون التنافس على شغلها من بين تلك الطوائف دون سواها . وتشمل هذه الطوائف بصفة أصلية مشوهي الحرب . وتدمج فيها بعض التشريعات ، الأرامل اللائي فقدن أزواجهن بسبب الحرب وكذلك الأيتام بسببها(2). ويعرفها البعض الآخر بأنها وظائف محددة على سبيل الحصر يقتصر التعيين فيها على بعض الفئات التي عادة ما تكون قد تحملت قدراً كبيراً من انضوائها تحت النظم العسكرية ، سواء كان ذلك بطريق مباشر كمشوهي الحروب والمحاربين القدماء أو غير مباشر كاليتامى والأرامل والأولاد الذين يفقدون عائلاتهم . أو يعجزون عن مباشرة أي عمل كأثر من آثار الحرب ويكونون في وضع لا يسمح بالمحافظة على مستوى المعيشة التي كانوا عليها بحكم ان العائل قد مات أو لم يعد في استطاعته ان يجد العمل الذي يمكن ان يمارسه وفي مثل هذه الصورة تحجز الوظائف ليجري التنافس عليها من بين هذه الفئات لا ينافسهم فيها غيرهم(3). ويتفق هذا التعريف مع سابقه إلا انه أضاف ان هذه الوظائف تحجز كذلك ليس فقط للأولاد اليتامى بسبب الحرب بل لمن اصبح عائلهم عاجزاً عن مباشرة أي عمل كأثر لها. من خلال هذه التعريفات يتضح ان الأساس الذي يجب ان يقوم عليه في اختيار الأفراد لتولي الوظائف العامة هو مساواة جميع المواطنين الذين تتوافر فيهم شروط تولي هذه الوظائف طبقاً للقانون . ولكن ربما يكون للأدارة الخروج عن ذلك فتخصص بعض الوظائف لفئة معينة من المواطنين قد يكون ذلك لأسباب سياسية كما في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً حيث تحجز الوظائف القيادية للحزب المنتصر سياسياً الفائز في الانتخابات والذي تكون له سلطة الحكم(4). وقد يكون ذلك لأسباب اجتماعية وإنسانية كما هو الحال في حجز بعض الوظائف لمصابي الحروب التي تطورت وسائلها . حتى أصبحت أضرارها لا ترحم مدنياً أو عسكرياً أو قد تكون لأسباب اجتماعية كما هو الحال في حجز بعض الوظائف نتيجة للكوارث العامة أو للعجزة. فهذه الوظائف لا تحتاج إلى تخصص كبير أو إلى مستوى جيد من الكفاءة الجسمانية تحجز ولا تسري عليها الشروط العامة في مسابقات الاختيار وتخصص لطوائف معينة ممن تحملت قدراً كبيراً من ويلات الحروب فيكون التنافس فيما بين هذه الطوائف في تولي هذه الوظائف(5). ولما كان نظام الوظائف المحجوزة لا يوجد إلا حيث تتوافر حكمته المشروعة وهي حماية من تقرر لمصلحتهم في منافسة الآخرين الذين في وضع اقوى من المستفيدين بهذا النظام وبحكم ما أصابهم من عجز أو تشويه حال دون إكمال صلاحيتهم لتولي الوظائف العامة. أما إذا انتفت هذه الحكمة تبعاً لافتقار عنصر المنافسة المطلوبة لشغل الوظائف العامة فانه لا يكون ثمة نظام لحجز الوظائف "مثل هذه الوظائف" لافتقارها لعنصر المنافسة. وعلى هذا الأساس فانه في الدول الاشتراكية التي تلتزم بتعيين خريجيها فانها تلتزم بتوفير العمل لجميع المواطنين وإعمالاً لمبدأ تكافؤ الفرص المتساوية لكل المواطنين في الحصول على عمل كلٌ حسب قدرته فلا يكون ثمة ضرورة للأخذ بنظام الوظائف المحجوزة لان العمل سيكون متوفراً لكل مواطن(6).
يمكن ان ترد الأسباب التي تقوم عليها فكرة الوظائف المحجوزة إلى الاعتبارات الآتية :
1- ان نظام حجز الوظائف يعد مظهراً من مظاهر الضمانات الاجتماعية للمواطنين التي من مقتضاها ان يأمن المواطنون لكي يتمتعوا بالحماية الاجتماعية وغيرها من الحقوق ضد فقد القدرة على العمل جزئياً أو كلياً. وهذه الضمانات قد انتشرت أخيراً وتضمنتها دساتير الدول المختلفة وان كانت لا تدخل بطبيعتها في نطاق المسائل الدستورية كما تضمنتها المواثيق الدولية بحيث أصبحت من مستلزمات المجتمع الحديث على النطاق الداخلي والدولي(7). تماشياً مع هذا الاتجاه تقوم الدولة عادة بتضمين قوانينها ولوائحها ما ييسر للموظفين وأسرهم ضمان العيش الكريم وهي في هذا السبيل لا تلجأ إلى صورة من صور الضمان الاجتماعي ، بل تلجأ إلى عدة صور تشكل كل صورة منها أو في مجموعها هذا التضامن ومن بينها هذه الصورة ، صورة الوظائف المحجوزة لبعض الفئات مع مراعاة وجود تناسب بين طبيعة هذه الوظائف وبين طاقاتهم العقلية والبدنية.
2- ان من واجبات الدولة ان تعترف بالجميل للذين ضحوا بأرواحهم في سبيل حماية الدولة وحماية سيادتها من أي اعتداء وللذود عن كل شبر من أراضيها. ولكن اعتراف الدولة بهذا الجميل لا يحققه مجرد ان تقرر لهم أو لذويهم إعانات مالية أو عينية، لان الإعانة فوق ما فيها من مهانة فإنها لا تكفي عادة لسد حاجة ضحايا الحرب. أما العمل فانه يكفل رد الاعتبار إليهم وتمكينهم من الحصول على مورد كاف لحياتهم ويشعرهم أيضا بان الدولة تحفظ جميلهم . وان هذه الطريقة توفر المبالغ الكبيرة للدولة التي تدفع كإعانات بدون مقابل(8).
3- قضاء فترة طويلة في الخدمة العسكرية عن طريق التطوع لسهولة الحصول على عمل معين . فان ذلك يعتبر من اكثر الدوافع للأفراد على التطوع في خدمة القوات المسلحة.
4- ان الوقت الذي يقضيه المتطوع أو المجند في خدمة الجيش يكسبه ملكات لا يتمتع بها عادة زميله المدني . كالطاعة والنظام وروح القيادة وحسن التصرف . ولكن يقابل هذه الصفات عادة ضعف عام في مستوى الثقافة والمعلومات قد لا يمكنه من منافسة المدنيين في هذه الناحية ومن ثم فليس من العدل ان يخضع الاثنان لنوع واحد من الاختبارات(9).
5- تطور وسائل الدمار التي اشتدت ضراوتها في العصر الحديث وقيام الحروب من آن إلى آخر . أدى إلى ازدياد فرص التشويه والعجز عما كانت عليه في العصور السابقة ، الأمر الذي اقتضى اتخاذ موقف من الدول المختلفة يتناسب مع هذه الظروف ويحقق الأمان للمواطنين ولأسرهم من بعدهم وذلك عن طريق إقرارهم نظام حجز الوظائف بغية تحقيق هذه الغاية(10).
6- كما ان التقدم العلمي كان مدعاة للاعتماد أساسا على الآلات والمعدات مما لا يقتضي في كثير من الأحوال بذل مجهود بدني شاق من الفرد . الأمر الذي ييسر لكثير من المشوهين والعاجزين جزئياً من ان يقوموا بالأعمال التي توكل إليهم بعد تدريب بسيط لقيام الآلات بالعمل والإنتاج وان المجهود البشري في الحالات التي يكون فيها مجال لنظام الحجز لا يستتبع بذل طاقات بدنية يعجز عنها أصحاب الحق في هذه الوظائف المحجوزة وان اقتضى في بعض الأحوال بذل مجهود ذهني. ومن هذا المنطلق لم يتردد الفقه الفرنسي في اعتبار هذه الوسيلة استثناء من مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة. فقد ذهب بعض من الفقه الفرنسي إلى اعتبار نظام الوظائف المحجوزة يمثل مخالفة لمبدأ المساواة في دخول الوظائف العامة وانه يستند إلى الاهتمام بمصلحة بعض الأشخاص ولا سيما الذين ابتلوا في الحرب(11). وجانب آخر قال ان هذا النظام يشكل في القانون العام الفرنسي كما في كثير من البلدان الأخرى استثناء مهماً على مبدأ المساواة في الالتحاق بالوظائف العامة(12). واخرون قالوا ان تصدعاً خطيراً لمبدأ المساواة في الوظائف العامة نتج من تشريع الوظائف المحجوزة(13). أو هو مجاملة لبعض الفئات الذين تحجز لهم الوظائف أو ان تقرر لهم أسبقية في الالتحاق بها(14).
_______________________
1-Elin Ayoub : La fonction publique – P.88 “S acquitter d une dette Sacree”
2- د. سليمان الطماوي / مبادئ القانون الإداري المصري والعربي ، دار الفكر العربي ،1961 ،ص598.
د. سليمان الطماوي / مبادئ علم الإدارة العامة ، مصدر سابق ، 1970 ، ص 535-536.
د. محمود عاطف البنا / مبادئ القانون الإداري في الأموال العامة والوظيفة العامة ، دار الفكر العربي ، بلا سنة نشر ، ص185.
د. علي محمد بدير ود. عصان البرزنجي و د. مهدي ياسين السلامي / مبادئ واحكام القانون الإداري ،1993، ص304.
د. فوزي حبيش / الوظيفة العامة وادارة شؤون الموظفين ، المنظمة العربية للعلوم الإدارية ، ص100.
مصطفى الشريف / تولية الوظائف العامة على ضوء قانون الأساس العام للعامل في الجزائر ، ر. ماجستير في الإدارة والمالية مقدمة إلى معهد العلوم القانونية والإدارية في الجزائر ،1985،ص160.
3- د. الدماصي / مصدر سابق ، ص275-276.
4- Bernard gournay. Jean , franc,ois kesler et jeanne siwek – administration publique – presses University de France . p.350.
د. سليمان الطماوي / مبادئ علم الإدارة العامة ، ط4 ، دار الفكر العربي ، ص524.
د. سليمان الطماوي / الوجيز في القانون الإداري ، 1967 ، ص389.
د. سليمان الطماوي / الوجيز في القانون الإداري ، دراسة مقارنة ، 1979 ، ص428.
د. فؤاد العطار / القانون الإداري ، ط3 ، ص462.
5- د. حسين الدوري / مصدر سابق ، ص113.
6- جيرزي سياروشياك / وضع الوظيفة العامة في الدول الاشتراكية – ترجمة الجهاز المركزي للتنظيم والادارة المصري – بحث من سلسلة الدراسات القانونية المقارنة التي تصدرها هيئة الأمم المتحدة عن نظم الخدمة المدنية ، ص4.
7- د. فؤاد العطار / النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، مصر 1966 ، ص574.
8- د. حسين الدوري / مصدر سابق ، ص114.
9- د.سليمان الطماوي / طرق اختيار الموظفين ، بحث منشور في مجلة العلوم الإدارية المصرية ، ع3 لسنة 1965 ، ص210.
10- د. الدماصي / الحقوق الدستورية في المجال الوظيفي " نظام حجز الوظائف " بحث منشور في مجلة العلوم الإدارية ،ع3 سنة 1973 ، ص12.
11- دي لوبادير / القانون الإداري ، 1973 ،ص59.
12- جريجوار / مصدر سابق ، ص171.
13- الن بلانتي / مصدر سابق ، ص164.
14- لويس فوجير / مصدر سابق ، ص185.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|