أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-1-2016
1854
التاريخ: 20-1-2016
1703
التاريخ: 2023-08-13
1053
التاريخ: 2023-08-14
1144
|
الانسان كائن حي متميز عن أحياء البيئة المتعددة والمتنوعة، لا يرقى إلى امكاناته وقدراته أي منها، غير مقيد ببيئة واحدة، اذ نجده يعيش في بيئات متعددة، مستخدما امكانياته كافة كي يغير فيها حتى تناسبه. ان قدرات الانسان الكبيرة مكنته من استكشاف البيئة والحصول منها على غذائه وكسائه ومأواه ومتطلبات صناعاته. ويضع الانسان نفسه خارج اطار انظمة البيئة معتبرا اياها ملكا خاصا به، يتصرف فيها منظما ومنسقا ومشكلا اياها بالكيفية التي ترضيه. والتفاعل بين البيئة والانسان قديم بقدم ظهور الجنس البشري. والبيئة منذ ان استوطنها الانسان قبل حوالي مليون عام تلبي مطالبه وتشبع الكثير من رغباته واحتياجاته(1).
وقد خلق الله سبحانه وتعالى البيئة بكل ما تحتويه من موارد طبيعية وعناصر حية وافلاك و... وأحكم صنعها بدقة بالغة من حيث الكم والنوع والخصائص والوظيفة، واعطى لكل شيء دوره في هذه الدنيا بحيث إن أي خلل يحدث في هذا الدور يعرض كل المخلوقات إلى الدمار ويهدد كيانها ووجودها، والامثلة على ذلك كثيرة بعدد الاشياء الموجودة فالشمس تجري لمستقر لها ولا يمكن لها ان تخرج من مكانها لتبتعد او تقترب من الارض. قال الله تعالى:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}[النمل: 88] .
فكل شيء عنده بمقدار معلوم بحسب علمه سبحانه وتعالى الذي يعلم وحده بان كل عنصر من عناصر البيئة بهذا القدر وبهذه الصفات كما حددها الله سبحانه وتعالى يكفل لهذه العناصر دورها المحدد والمرسوم لها من قبل الخالق القدير.
قال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر: 49].
وقال تعالى:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان: 2].
وقال تعالى:{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}[الرعد: 8].
وقال تعالى:{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[الحجر: 19].
والقدر كما جاء في كتب التفسير هو تحديد كل محدود بحده الذي يوجد به. وهذا التقدير البالغ الدقة الذي هو من صنع لدنٍ حكيم خبير هو الذي يعطي لكل عنصر او مكون من مكونات البيئة طبيعته الكمية والنوعية ووظيفته وعلاقته بالمكونات الاخرى، ومنهجه ودوره في الوجود.
وهنا يبرز دور الانسان ذلك المخلوق الذي جعله الله خليفة عنه في ملكه، وجعله وصيا على البيئة وليس مالكا لها، فهو وان سخر الله له ما في الكون، الا هذا التسخير ليس هدفا بحد ذاته، بل ليقوم بأداء وظيفته الاستخلافية في الارض بإعمارها، وذلك يكون بالالتزام الكامل بمنهج الله وشريعته، في كافة مجالات النشاط الانساني فالإنسان في ظل التعاليم الاسلامية مطالب بان يعمر الحياة بالعمل النافع المفيد، وان يسعى فيها سعيا حثيثا، واضعا في حسبانه انه مجزي بهذا العمل، ان خيرا فخيرا، وان شرا فشرا.
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[التوبة: 105] .
وبحكم الوصاية من الله فان دور الانسان عظيم وكبير، ومسؤوليته امام الله تفرض عليه منع الفساد في الارض، لان الانسان وحده من بين كل المخلوقات لديه القدرة على التدخل في البيئة سواء عن عمد او عن جهل ويحدث فيها تغييرات كبيرة سواء على مستوى الكم او الخصائص فيختل توازنها وتنقلب عناصرها من عناصر مفيدة إلى عناصر ضارة مسببة الكثير من المخاطر التي تهدد الحياة.
وليس هناك ادنى شك في ان قضية المحافظة على البيئة دون تغيير جوهري من قبل الانسان، تعتبر قضية بالغة الاهمية والخطورة في عصرنا الحاضر، ويجب ان نعي ابعادها جيدا عندما نتعامل مع بيئتنا حتى نحافظ على استمرارية بقاء مكوناتها وعناصرها كما خلقها الله سبحانه وتعالى لتؤدي دورها في خدمة البشرية دون مشكلات لا طاقة لنا بها، ونتفادى انتقام البيئة التي لا ترحم اذا ما أساء الانسان استخدامها بالإسراف او الافساد او التخريب.
واذا لم يلتزم الانسان بمنهج الله وشريعته انقلب تسخير الكون له إلى تسخير عليه. وبذلك تتولد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والبيئية التي تجعل حياة الانسان جحيما لا يطاق.
واذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق كل ما في البيئة بمقادير محددة، وصفات معينة بحيث تكفل لها هذه المقادير، وتلك الصفات القدرة على توفير سبل الحياة الملائمة للإنسان وغيره من الكائنات الحية الاخرى، التي تشاركه على الارض، فان مسؤولية الانسان تجاه هذا الكون البديع والنظام الالهي المقدر الموزون بحسابات دقيقة ان يعرف ويعلم بانه لا يملك الحق في العبث بهذا النظام، ومن واجباته ومسؤولياته التي يفرضها عليه الالتزام بتعاليم الله تعالى ان يحافظ على هذه النظم والقوانين.
ومن الامثلة المعلومة والواضحة على خضوع كل ما في الكون لدوره حيوية رسمها الخالق العظيم ووسمها بالدقة والاتزان هو جريان الحياة في هذا الكون بصفة مستمرة خلال سلسلة من عمليات التولد والموت والحياة.
فالحيوانات حين تموت، تتحلل اجسادها إلى التراب، وتقوم النباتات باستخلاص المواد الغذائية من التراب لتحولها إلى اوراق وثمار وبذور يعتمد عليها الانسان والطير والحيوان في غذائه، وتستمر عملية الموت والتحول والحياة، وفقا لما قدره الخالق العظيم.
يقول سيد قطب عن الكون الذي هو البيئة الكبرى للحياة.
وهو كون مقدر مدبر، ومسخر مسير، ان كل شيء فيه مخلوق بمقدار وكل شيء مخلوق بحكمة، ومخلوق لغاية وكل شيء فيه محسوب بحساب ليؤدي وظيفته، ويحقق الغاية من خلقه كذلك كل حركة فيه محسوبة بحساب دقيق، وموزونة بميزان لا يخطئ الظواهر الكونية ولو انها ناشئة من طبيعة تركيب هذا الكون الا انها هي الاخرى مدبرة مقدرة، وسيرة مسخرة(2).
ووحده الانسان الذي وهبه الله كمال العقل واطلق له حرية التصرف في الحياة، ولكن هذه الحرية تقابلها مسؤوليات جسام، ومهام كبرى تلقى على عاتقه لكونه المخلوق المميز الذي انفرد بخصائص ومزايا لم تكن لغيره من المخلوقات.
فالإنسان عنصر فعال في التأثير على بيئته، وتأثيراته الظاهرة للعيان محدودة. ورغم السعي الحثيث للإنسان لتسخير الامكانيات البيئية لخدمة مصالحه ومتطلباته، الا ان جشعه الشديد، جعل للعديد من استثماراته جوانب تخريبية، تمثلت؛ بالقضاء على مساحات كبيرة من الغطاء النباتي الطبيعي، وعلى اعداد كبيرة وانواع عديدة من الحيوانات، وفي تصحر مساحات من الاراضي الزراعية... فضلا عن الكثير من الظواهر الحياتية المعاشة التي تبين حجم التخريب الذي حدث بفعل عبث الانسان بأنظمة هذا الكون، وعمق المأساة التي حدثت في دنيا البشر بسبب البشر انفسهم.
________________
1ـ التلوث البيئي، م.س ص69.
2ـ سيد قطب – مقومات التصور الاسلامي –القاهرة- دار الشروق- 1980م- ص20.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|