أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014
2646
التاريخ: 16-10-2014
1610
التاريخ: 16-10-2014
1271
التاريخ: 16-10-2014
5894
|
لقد كان من أثر إعطاء الشيخ عبده لنفسه الحرية الواسعة في فهم القرآن الكريم ، أنا نجده يخالف رأي جمهور أهل السنة (1) ، ويذهب على خلاف مذهب الأشعري في الأخذ بالظواهر والجمود عليها ، وترك الخوض في فهم حقيقتها أو تأويلها ، نراه يخالف هذا المسلك السلفي ، ويذهب الى ما ذهب إليه أهل الرأي والنظر والتمحيص وأصحاب التأويل ، وقد عبر عنهم الذهبي بالمعتزلة وليسوا هم وحدهم بل وأهل القول بالعدل وتحكيم العقل مطلقاً فيرى من الملائكة والشياطين ، القوى الفعالة المودعة في عالم الطبيعية ، في صالح الحياة أو فسادها ، أما إنها موجودات مستقلة ذوات شمائل وأعضاء كشمائل الإنسان وأعضائه ، حسب ما فهمه الظاهريون من تعابير الشرع التي هي أمثال واستعارات فلا ، نظراً لأنها موجودات لا تسانخ وجود الإنسان بذاته ، ولا هي على شاكلته .
قال في قصة سجود الملائكة لآدم وامتناع إبليس (البقرة : 34) :
" وذهب بعض المفسرين مذهباً آخر في فهم معنى الملائكة ، وهو : أن مجموع ما ورد في الملائكة من كونهم موكلين بالأعمال من إنماء نبات وخلقه حيوان وحفظ إنسان وغير ذلك ، فيه إيماء الى الخاصة بما هو أدق من ظاهر العبارة ن وهو أن هذا النمو في النبات لم يكن إلا بروح خاص ، نفخه الله في البذرة ، فكانت به الحياة النباتية المخصوصة ، وكذلك يقال في الحيوان والإنسان ، فكل أمر كلي قائم بنظام مخصوص تمت به الحكمة الإلهية في إيجاده ، فإنما قوامه بروح إلهي ، سمي في لسان الشرع ملكاً ، ومن لم يبال في التسمية بالتوقيف يسم هذه المعاني " القوى الطبيعية " ، إذا كان لا يعرف من عالم الإمكان إلا ما هو طبيعة ، أو قوة يظهر أثرها في الطبيعة . والأمر الثابت الذي لا نزاع فيه ، هو أن في باطن الخلقة أمراً هو مناطها ، وبه قوامها ونظامها ، لا يمكن لعاقل أن ينكره ، وإن أنكر غير المؤمن بالوحي تسميته ملَكاً ، وزعم أنه لا دليل على وجود الملائكة ، أو أنكر بعض المؤمنين بالوحي تسميته قوة طبيعية أو ناموساً طبيعياً ؛ لأن هذا الأسماء لم ترد في الشرع ، فالحقيقة واحدة والعاقل لا تحجبه الأسماء عن المسميات ، وإن كان المؤن بالغيب يرى للأرواح وجوداً لا يدرك كنهه ، والذي لا يؤمن بالغيب يقول لا أعرف الروح ، ولكن أعرف قوة لا أفهم حقيقتها ، ولا يعلم إلا الله ، علامَ يختلف الناس ، وكل يقر بوجود شيء غير ما يرى ويحس ، ويعترف بأنه لا يفهمه حق الفهم ، ولا يصل بعقله الى إدراك كنهه ؟ وماذا على هذا الذي يزعم أنه لا يؤمن بالغيب – وقد اعترف بما غيب عنه – لو قال : أصدق بغيب أعرف أثره ، وإن كنت لا أقدر قدره ، فيتفق مع المؤمنين بالغيب ، ويفهم بذلك ما يرد على لسان صاحب الوحي ، ويحظى بما يحظى به المؤمنين ؟
يشعر كل من فكر في نفسه ، ووازن بين خواطره ، عند ما يهم بأمر فيه وجه للحق أو للخير ، ووجه للباطل أو للشر ، بأن في نفسه تنازعاً ، كأن الأمر قد عرض فيها على مجلس شورى ، فهذا يورد وذاك يدفع ، وأحد يقول : افعل ، وآخر يقول : لا تفعل ، حتى ينتصر أحد الطرفين ، ويترجح أحد الخاطرين ، فهذا الشيء الذي أودع في أنفسنا ونسميه : قوة فكراً ، وهي في الحقيقة معنى لا يدرك كنهه ، وروح لا تكتنه حقيقتها ، لا يبعد أن يسميه الله ملَكاً ، أو يسمى أسبابه ملائكة ، او ما شاء من الأسماء ، فإن التسمية لا حجر فيها على الناس ، فكيف يحجر فيها على صاحب الإرادة المطلقة ، والسلطان النافذ والعلم الواسع !
فإذا صح الجري على هذا التفسير ، فلا يستبعد أن تكون الإشارة في الآية القرآنية الى أن الله تعالى لما خلق الأرض ودبرها بما شاء من القوى الروحانية التي بها قوامها ونظامها ، وجعل كل صنف من القوى مخصوصاً بنوع من أنواع الخلوقات ، لا يتعداه ولا يتعدى ما حدد له من الأثر الذي خص به ، خلق بعد ذلك الإنسان ، وأعطاه قوة يكون بها مستعداً للتصرف بجميع هذه القوى ، وتسخيرها في عمارة الأرض ، وعبر عن تسخير هذه القوى له بالسجود ، الذي يفيد معنى الخضوع والتسخير ، وجعله بهذا الاستعداد الذي لا حد له ، والتصرف الذي لم يعط لغيره ، خليفة الله في أرضه ؛ لأنه أكمل الموجودات في الأرض ، واستثنى من هذه القوى قوة واحدة ، عبر عنها بإبليس ، وهي القوة التي لزها الله بهذا العالم لزاً ، وهي التي تميل بالمستعد للكمال ، أو بالكامل الى النقص ، وتعارض مد الوجود لترده الى العدم ، أو تقطع سبيل البقاء ، وتعود بالموجود الى الفناء ، أو التي تعارض في اتباع الحق ، وتصد عن عمل الخير ، وتنازع الإنسان في صرف قواه الى المنافع والمصالح التي تتم بها خلافته ، فيصل الى مراتب الكمال الوجودي التي خلق مستعداً للوصول إليها ، تلك القوة التي ضللت آثارها قوماً فزعوا ان في العالم إلهاً يسمى إله الشر ، وما هي بإله ، ولكنها محنة إله لا يعلم أسرار حكمته إلا هو .
ولو أن نفساً مالت الى قبول هذا التأويل ، لم تجد في الدين ما يمنعها من ذلك ، والعمدة على اطمئنان القلب وركون النفس الى ما أبصرت من الحق " (2) .
ثم يعود في موضع آخر الى تقرير التمثيل في القصة ، فيقول : " وتقرير التمثيل في القصة على هذا المذهب هكذا : إن إخبار الله الملائكة بجعل الإنسان خليفة في الأرض هو عبارة عن تهيئة الأرض وقوى هذا العالم وأرواحه التي بها قوامه ونظامه ، لوجود نوع من المخلوقات يتصرف فيها ، فيكون به كمال الوجود في هذه الأرض . وسؤال الملائكة عن جعل خليفة يفسد في الأرض ؛ لأنه يعمل باختياره ، ويعطي استعداداً في العلم والعمل لا حد لهما ، هو تصوير لما في استعداد الإنسان لذلك ، وتمهيد لبيان أنه لا ينافي خلافته في الأرض . وتعليم آدم الأسماء كلها ، بيان لاستعداد الإنسان لعلم كل شيء في هذه الأرض ن وانتفاعه به في استعمارها . وعرض الأسماء على الملائكة وسؤالهم عنها وتنصلهم في الجواب ، تصوير لكون الشعور الذي يصاحب كل روح من الأرواح المدبرة للعوالم محدوداً لا يتعدى وظيفته . وسجود الملائكة لآدم ، عبارة عن تسخير هذه الأرواح والقوى له ، ينتفع بها في ترقية الكون بمعرفة سنن الله تعالى في ذلك . وإباء إبليس واستكباره عن السجود ، تمثيل لعجز الإنسان عن إخضاع روح الشر وإبطال داعية خواطر السوء التي هي مثار التنازع والتخاصم ، والتعدي والإفساد في الأرض . ولولا ذلك لجاء على الإنسان زمن يكون فيه أفراده كالملائكة بل أعظم ، أو يخرجون عن كونهم من هذا النوع البشري " (3) .
___________________________
1- راجع : التفسير والمفسرون ، ج2 ، ص572 .
2- المنار ، ج1 ، ص267-269 .
3- المصدر نفسه ، ص281 – 282 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|