أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-12-2015
2206
التاريخ: 18-10-2018
2271
التاريخ: 27-6-2019
2921
التاريخ: 29-6-2021
2183
|
أن هناك امرا يستوجب ان نوضحه ، أنه لا يوجد هناك قانونٌ دوليٌ محددٌ لحل المشاكل الناجمة عن الاستخدامات الأخرى، وما كان موجود هو مجرد تفسيرات وتحليلات قد تكون مناقضة للقانون الدولي المتعلق بالنهر الدولي الملاحي، ولهذا اعتمد بصورة كبيرة على الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف لوضع أسس للعمل بين الجهات المعنية المتعاقدة، والتي اصبحت بنفس الوقت أصبحت جزءاً من الأمثلة التي يستشهد بها "القانون الدولي".
أدناه أمثلة على بعض الاتفاقيات التي وقعت، لأمور متعلقة باستغلال الأنهار لغير أغراض الملاحة، والتي ترفض تركيا (وكذلك إيران) توقيع ما يماثلها، حيث قامت هاتان الدولتان بتشييد السدود والمحطات الكهرومائية والمشاريع الإروائية، وبدون موافقة أو حتى أخذ رأي الدولتين سوريا والعراق الواقعتين أسفل الأنهار الدولية المشتركة:
ـ الاتفاقية المعقودة أثناء مؤتمر جنيف الثاني للمواصلات في تشرين الثاني 1933 حول "استخدام القوى المائية في الأنهار الدولية"، والتي جاء فيها: أن على كل دولة تحتفظ في حدود قواعد القانون الدولي، بأن تقوم في إقليمها بجميع الأعمال التي تراها ملائمة لاستخدام القوى المائية ما لم تكن هذه الأعمال من شأنها أن تمس إقليم دولة أخرى، أو كان يترتب عليه أضرار جسيمة بدولة أخرى. وفي هذا الصدد يتعين قبل تنفيذها التفاوض بين الدول التي يهمها الأمر للوصول إلى اتفاق بشأنها.
ـ إعلان الدول الأميركية في كانون الثاني 1933، والذي اشتمل على مبادئ تعكس التعاون بين الدول ذات الانهار المشتركة في مجال استخدام المياه الدولية في الأغراض غير الملاحية، وفي استغلال الموارد المائية الدولية لتوليد الطاقة الكهرومائية، وفي ألأغراض الزراعية والصناعية. حيث تضمن الإعلان الحق لكامل الدول في استغلال ما يقع تحت سيادتها من مياه الأنهار الدولية للأغراض المشار إليها، مع التأكيد على أن لا يحق لأية دولة القيام بتغيير مجرى النهر الدولي لهذه الأغراض دون موافقة الدول ذات الانهر المشتركة، والتأكد من عدم الإضرار بمصالح هذه الدول. وكذلك عليها، وقبل القيام بأي مشروع، إخطار الدول الأخرى وإرفاق جميع الوثائق الفنية اللازمة لمعرفة صلاح المشروع. وفي حال تعذر الوصول إلى اتفاق بالطرق الدبلوماسية، يُلجأ إلى المعاهدات الجماعية والاتفاقيات السارية في القارة الأميركية.
ـ معاهدة بين الحكومتين البلجيكية والبريطانية في تشرين الثاني 1934 المتعلقة بحقوق المياه في نهر تنجانيقا ورافد رواندا الإفريقيين، وذلك في أثناء الفترة الاستعمارية لإفريقيا.
ـ المعاهدة الأميركية ـ المكسيكية في شباط 1943 لتنظيم استغلال مياه الأنهر المشتركة بينهما. وألحقت بالاتفاق الأميركي ـ المكسيكي في شباط 1944، والذي أوجب على الدولتين الوصول إلى اتفاق مسبق قبل إقامة مشاريع مائية.
ـ اتفاقية نهر درافا Drava الموقعة في سنة 1954 بين يوغسلافيا والنمسا، والتي تضمنت إقرار مبدأ التشاور بين دولة المجرى الأعلى (النمسا) ودولة المجرى الأسفل (يوغسلافيا)، في حالة تفكير دولة المجرى الأعلى القيام بأي مشروع، والتعهد بإجراء مفاوضات قانونية بشأن الحقوق في المياه.
ـ المعاهدة الموقعة بين فرنسا وأسبانيا في عام 1957، والتي تنص على أن دولة أعالي النهر (المنبع) تخرق القانون الدولي إذا غيرت، أو خفضت كمية المياه المتدفقة إلى دولة المجرى الأسفل.
ـ اتفاقية نهر الهندوس بين الهند وباكستان في عام 1960، والتي أشارت مقدمتها إلى أنها استندت على مبادئ حسن النية وتحقيق أفضل استخدام لمياه نهر الهندوس فيما بينهما.
ـ اتفاقية حوض البلاتا Plata، الموقعة في نيسان 1967 بين حكومات خمس دول هي الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل والبارغواي والأروغواي، والتي تضمنت أحكاماً تتعلق باستخدام الثروات المائية من خلال تنظيم المجاري المائية والاستغلال العادل.
من الملاحظ أن جميع المعاهدات أعلاه، وغيرها، تنص صراحة على أن أحكامها هي تطبيق لقواعد القانون الدولي، والمقصود بالقانون الدولي هنا، هو ليس مجموعة قوانين محددة يمكن الإشارة إلى رقم القانون وتاريخه، وماذا يحدث في حالة عدم تنفيذه، ولكن المقصود به هو توجهات عامة يمكن الرجوع إليها كدليل عمل، مثل حسن الجوار، وعدم الإضرار بضرر "بالغ" للدول المجاورة، والتشاور، والإنصاف، والعدل، وغيرها، وكلها أمور عامة. ويلاحظ أيضاً أن هناك معاهدتين فقط تضمنت كل منهما بنوداً أشارت إلى أحكامها، بأنها لا تشكل سابقة ولا تعبر عن قاعدة قانونية وهما:
ـ معاهدة الولايات المتحدة مع المكسيك في عام 1906 حول نهر ريوغراندي، إذ ذكرت المادة الخامسة منها، بأن الولايات المتحدة بإبرام هذه المعاهدة، لا تسلم على أي نحو بإرساء أي مبدأ أو إيجاد أية سابقة. علماً أن المعاهدة ذكرت في مقدمتها، بأن الدافع الرئيسي لإبرام المعاهدة، هو رغبة الدولتين في تنظيم توزيع مياه النهر بينهما بشكل منصف.
ـ معاهدة الهند وباكستان في عام 1960 حول نهر الهندوس، حيث جاءت إحدى فقراتها لتقول: أنه لا يجوز أن يفسر الأطراف أي حكم في هذه المعاهدة، على أنه يترتب بأي شكل كان مبدءاً قانونياً عاماً أو سابقة.
معاهدات وبروتوكولات عراقية ـ تركية:
نرى أن نشير هنا إلى معاهدة الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين العراق وتركيا في 29 آذار 1946، والتي يتحدث عنها العديد من الكتاب باعتبارها جزءاً من القانون الدولي في تنظيم العلاقة المائية بين دولتين، وهي أيضاً وقعت في وقت مقاربٍ لتوقيع المعاهدات والاتفاقيات أعلاه.
إن المعاهدة أعلاه(1)، تتضمن نص المعاهدة التي تقع في سبع مواد، مع ست بروتوكولات، منها البروتوكول (1) "بشأن تنظيم مياه دجلة والفرات وروافدهما"، أما البروتوكولات الأخرى فهي بشأن "المواصلات البريدية والبرقية والتلفونية"، وبشأن "الأمور الاقتصادية عموماً"، وبشأن "الحدود".
وبرغم أن ما يهمنا في هذا الموضوع هو البروتوكول الأول من هذه المعاهدة، ولكن من الأفضل إعطاء موجز لموضوع هذه المعاهدة، قبل تبيان محتويات البروتوكول الأول.
عاد الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق من زيارته لتركيا في أواخر أيلول من عام 1945، بعد تباحثه مع رئيس جمهورية تركيا، واتفاقهما على العمل لزيادة التقارب التركي العراقي.
وفي 30/10/1945 قررت وزارة حمدي الباجه جي (بناءً على أمر الوصي)، تشكيل وفد برئاسة نوري السعيد للذهاب إلى أنقرة لوضع معاهدة "صداقة وحسن جوار"، وكان من ضمن الوفد المستر أتكنسن البريطاني مدير الري العام. وفي 22/1/1946 أعطي الوفد صلاحيات مطلقة منها التوقيع على المعاهدة. ولكن في 23/2/1946 تشكلت وزارة جديدة برئاسة توفيق السويدي، واتي استمرت في الحكم حوالي (100) يوم، إلى 30/5/1946، وفي هذه الأثناء كان نوري السعيد في أنقرة لإكمال المعاهدة. ولما اطلعت الوزارة الجديدة على مسودة الاتفاقية قررت في 11/3/1946 إعلام رئيس الوفد العراقي نوري السعيد برقياً بأن "مشروعكم الجديد يتطلب درساً واتصالاً لا يمكننا من تنفيذ رغبة الأتراك بشأنه. الآن نرجح أن تكتفوا بقضاء مهمتكم الاقتصادية، كما حددها مجلس الوزراء، وترك الأمور السياسية إلى وقت آخر مناسب، بحيث يشعرون أن الباب لا يزال مفتوحاً أمام الطرفين". لم يتقيد نوري السعيد بقرار مجلس الوزراء الجديد، واستمرت المفاوضات وتم التوقيع على المعاهدة والبروتوكولات في 29/3/1946. ومن الطريف أنه جاء في رد نوري السعيد لتبرير موقفه على توقيع هذه المعاهدة على ما تتضمن من مزايا، فإنه يضيف: " على الرغم من قناعتنا بالفوائد الجمة التي سوف يجنيها العراق من عقد المعاهدة، فقد استمزجنا رأي وزارة الخارجية البريطانية عن طريق السفارة البريطانية في أنقرة حول الموضوع، بالنظر لسعة اطلاعهم في الشؤون الدولية، ولما تحتمه علينا معاهدة التحالف، فكان الجواب مؤيداً لوجهة نظرنا ". على أية حال فان مجلس الوزراء صادق على المعاهدة، مع إضافة " مجلس الوزراء يحتفظ بفهم مضمون المادة الثالثة من اتفاقية الصداقة وحسن الجوار، أنها لا تعارض ميثاق جامعة الدول العربية و لا تخالف التزامات العراق بموجبه. وأن لا تفسر في المستقبل بشكل يعارض أو يخالف مفهوم الميثاق المذكور، وكذلك يقرر المجلس تبليغ هذه الفقرة أيضاً المتضمنة لهذا التحفظ، مع وثائق الإبرام، إلى الحكومة التركية". علماً أن وزارة السويدي الثانية استقالت في 30/5/1946 قبل أن يصادق مجلس الأمة، (مجلس النواب)، على المعاهدة، وحلت بعدها وزارة أرشد العمري (من 1/6/1946 إلى 16/11/1946)، ثم وزارة نوري السعيد التاسعة (بين 21/11/1946 وحتى 29/3/1947) حيث لم تعرض هذه المعاهدة في هذه الفترة على مجلس الأمة لإقرارها. وجاءت وزارة صالح جبر في 29/3/1947، وأقرّ مجلس الوزراء المعاهدة مجدداً في 20/5/1947 بعد حذف التحفظ، ووافق عليها مجلس الأمة في 7/6/1947 بالأغلبية الحكومية المعتادة. أما المادة الثالثة التي كان عليها الخلاف والتحفظ فتقول: "بتعهد الفريقان الساميان المتعاقدان بأن يتشاورا في الشؤون الدولية، ذات الصيغة العامة، وبالأخص في الشؤون ذات الصيغة الإقليمية التي يهمهما أمرها، وبأن يسدي كل منهما للآخر تأييداً وتعاوناً تامَين في السياسة التي سينتهجانها ضمن ميثاق الأمم المتحدة".
هذا ونود أن نضيف أن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت فترة صراعات ومتغيرات كبيرة على الصعيد الدولي عامة، وعلى صعيد المنطقة بشكل خاص، حيث كانت الولايات المتحدة تحاول خلالها ان تحل محل بريطانيا في النفوذ داخل المنطقة، بالإضافة إلى تحالف الجهتين الأميركية والبريطانية ضد الاتحاد السوفيتي والحيلولة دون انتشار المد الشيوعي والأفكار الاشتراكية وبروز حركات التحرر والحركات القومية، والعمل على الوصول إلى معاهدات جديدة مع القوى الاستعمارية، منها معاهدة بورتسموث التي وقعتها حكومة صالح جبر وأحبطها الشعب العراقي بوثبته في عام 1948، علاوة على ذلك فإن الدول الغربية كانت تعمل المستحيل من أجل خلق كيان غريب "إسرائيل" على التراب الفلسطيني. إضافة لذلك فإن إحدى مهام زيارة الوصي عبد الإله إلى أنقرة، كانت للطلب من الحكومة التركية تسليم الشهيد صلاح الدين الصباغ أحد قواد انقلاب أيار 1941، والذي هرب إلى تركيا إثر فشل الانقلاب بتدخل بريطانيا المباشر. وفعلاً سلمته الحكومة التركية وتم شنقه أمام باب وزارة الدفاع في 16/10/1945.
إن البروتوكول رقم (1) والملحق بالمعاهدة، "بشأن تنظيم مياه دجلة والفرات وروافدهما بين العراق وتركيا" تضمن ما يلي:
ـ "بناءاً على تقديرهما أهمية ـ دور الحكومة العراقية ـ في القيام بإنشاءات وأعمال للوقاية على نهري دجلة والفرات وروافدهما لإدامة مورد منتظم من المياه، وتنظيم سيلها أثناء الفيضانات لإزالة خطر الغرق، وحيث قد يظهر أثناء التحريات، أن المواقع الأكثر ملائمة لإنشاء الخزانات والأعمال المماثلة التي سيقوم بها العراق على نفقته تماماً، كائنة في الأراضي التركية، وحيث اتفقا على تأسيس محطات مقاييس دائمة في الأراضي التركية لتسجيل مقادير تلك المياه، وتبليغ العراق بقراءات تلك المقاييس بانتظام. ولما كانا قد وافقا مبدئياً على جعل كل من أعمال الوقاية الذي ينشأ من تلك المياه ملائماً على قدر الإمكان لمصلحة القطرين، لأغراض الري وتوليد القوة الكهربائية المائية لذلك فقد اتفقا على ما يلي:"
وهنا يظهر بوضوح سبب اهتمام وتوقيع الجانب التركي لهذا البروتوكول، فالغاية بالنتيجة قد تؤدي، (وهي بالتأكيد ستؤدي)، إلى قيام الجانب العراقي ببناء سدود ومحطات كهرومائية في تركيا، وعلى "نفقة الجانب العراقي تماماً". لهذا ففي وجود مثل هذا الاحتمال الكبير، فمن المؤكد أن توافق تركيا على مواد البروتوكول المبينة أدناه، سيما وأن مناسيب دجلة والفرات بدأت بالزيادة منذ آذار 1946، وكان فيضان دجلة في ذلك العام أعظم فيضان شهدته بغداد وما جاورها منذ سنوات عديدة، حتى أن المياه طغت على معسكر الرشيد فغمرته، وأتلفت ما ادخره الجيش العراقي من سلاح وعتاد فيه.
"المادة الأولى: يوفد وبأسرع ما يمكن إلى تركيا هيئات من الفنيين، ممن هم في خدمته لغرض إجراء التحريات، والقيام بأعمال المسح، وجمع المعلومات المائية والجيولوجية وغيرها من المدلولات لتمكنهم من اختيار مواقع السدود ومحطات المقاييس وغيرها من الأعمال ووضع التصاميم لها، وذلك تبعاً للحاجة على نهري دجلة والفرات وروافدهما. تنظم من قبل تركيا الخرائط الواجب تهيئتها بنتيجة القيام بأعمال المسح. يتحمل العراق جميع النفقات المقتضية للقيام بالأعمال المذكورة في هذه المادة."
وهنا يتم التأكيد على أن السدود كانت ستشيد في تركيا وعلى نفقة الجانب العراقي بالكامل، وبضمنها كلف الخرائط التي ستعدها تركيا. علماً أن "الهيئات من الفنيين" ستكون بالتأكيد غير عراقية بغالبيتها العظمى، سيما وأن مدير عام الري هو أصلاً بريطاني الجنسية، ولم تكن توجد كوادر عراقية مقتدرة في ذلك الوقت.
إن "المادة الثانية" من البروتوكول تتعلق بالسماحات والمساعدات والتسهيلات التي تقدمها تركيا. والمادة "الثالثة" تتعلق بتأسيس وتشغيل وصيانة المحطات الدائمية لمقاييس المياه، واتي ستتم من قبل تركيا، و على أن يتحمل الجانبان العراقي والتركي مناصفة مصاريف التشغيل. وترسل التقارير برقياً كل يوم إلى الجانب العراقي حول مناسيب المياه في مناطق مختلفة من دجلة والفرات مع إرسال التقارير الشهرية، ويتحمل الجانب العراقي جميع المصاريف المتعلقة بإرسال المعلومات.
أما "المادة الرابعة"، فإنها تقول: "توافق الحكومة التركية مبدئياً على إنشاء ـ وفق الاتفاق المذكور في الفقرة التالية ـ الأعمال التي تظهر ضرورة على إنشائها من نتيجة التحريات المذكورة في المادة الأولى أعلاه. يكون كل عمل ـ ما عدا عمل محطة مقاييس دائمة ـ، تابعاً لاتفاقية تعقد على حده بشأن موقعه وكلفته وتشغيله وصيانته، وكذلك بشأن استعماله من قبل تركيا لغرض الري وتوليد الكهرباء".
(المادة الخامسة) من البروتوكول تقول: "توافق تركيا على إطلاع العراق على أية مشاريع خاصة بأعمال الوقاية، قد تقرر إنشاءها على أي من هذين النهرين، أو روافدهما، وذلك لغرض جعل تلك الأعمال تخدم ـ على قدر الإمكان ـ مصلحة العراق كما تخدم مصلحة تركيا.
من أعلاه نرى وكأن المشاريع التي سيشيدها العراق في تركيا وعلى نفقته الخاصة بالكامل، "ستوافق عليها تركيا، وإن هذه المشاريع ومن الصيغ الموضوعة أعلاه ستخدم بالأساس تركيا في الخزن والري والمحطات الكهرومائية، وستخدم "على قدر الإمكان" العراق. ولا أعرف كيف لا توافق تركيا على مثل هذا العرض السخي جداً، كما لا أدري كيف يوافق العراق على ذلك، إلاّ إذا كان تحت ضغوط هائلة بسبب الفيضانات المدمرة، (ولنترك الضغوط السياسية الخارجية، حيث كانت تركيا حليفا قويا ومخلصا للغرب)، كما ويحتمل أن تكون هناك "مشورة فنية" تقول لا يمكن حل مشكلة الفيضانات المدمرة في العراق إلاّ من خلال السدود في تركيا.
إن "المادة السادسة" والأخيرة من هذا البروتوكول تتعلق بقيام كل من الطرفين "بتعيين ممثل عنه بأسرع ما يمكن. ويقوم الممثلان بالتشاور في جميع الأمور الضرورية لتنفيذ هذا البرتوكول، ويكون الممثلان الموما إليهما بمثابة مرجع الاتصال المختص بين كلا الطرفين".
إنني أستغرب حين يشير الكثير من الكتاب الجادين على أن هذا البروتوكول يخدم الجانب العراقي، إلى درجة أن الدكتور العادلي في كتابه القيم "النهر الدولي" الذي اعتمدناه كمصدر مهم في كتابة هذا الجزء من الدراسة يقول: "إن هذه الاتفاقية قد حققت " اعترافاً تركيا " بالحقوق المائية المكتسبة للعراق في حوضي دجلة والفرات، كما أعطي العراق حقوقاً هامة تتمثل..... قيام الفنيين بالإشراف على المحطات التركية ومراقبتها..... تقديم كافة المعطيات والمقاييس المائية له..... قبول تركيا بإنشاء سدودها وفق دراسة الخبراء العراقيين والأتراك، وأن موقع كل سد تركي والغرض منه سيكون موقع اتفاق مع العراق... واطلاع العراق على جميع المشاريع التركية الخاصة بما يخدم مصلحتيهما."
في الواقع لم أفهم البرتوكول بالفهم المبين أعلاه، وقد أكون خاطئاً في فهمي له ، والقارئ سيكون الحكم، إذ كل ما مذكور فيه من "حقوق" للعراق هي تحصيل حاصل لأية دولة تريد ان تشيد منشآت بكلف عالية لدى دولة أخرى على نفقتها الخاصة، لخدمة الدولة الأخرى و"خدمتها"، فعند ذاك سيذهب فنيون إلى الدولة الأخرى ويطلعون ويحصلون على المعلومات اللازمة لإنشاء هذه المنشآت. علماً أنني أؤكد مرة أخرى أنه لم يدر في بال أحد في ذلك الوقت بأنه ستكون هناك أزمة شحة مياه، وإنما ما كان موجود فعلاً هو أزمة فيضانات. إضافة لذلك فإن ما سمي الاعتراف بـ "حقوق العراق" من قبل تركيا، سيتم فقط بعد أن يصرف العراق في داخل تركيا مبالغ ضخمة جداً مقارنة بميزانيته في ذلك الوقت. رغم ذلك لم يعترف البرتوكول بوجود حقوق مكتسبة للعراق في مياهه، ولم تحدد كميات الحد الأدنى للمياه المصرفة إلى العراق وسوريا.
هذا ولقد تم في سنوات لاحقة توقيع البرتوكولات التالية مع تركيا
ـ بروتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين العراق وتركيا (أنقرة 17/1/1971)، إذ أن مسألة المياه جاءت ضمن اتفاق اقتصادي وفني عام، وفي وقت كانت تركيا فيه تضع برنامج ملء خزان كيبان.
نصت المادة الثالثة من البروتوكول على أن "بحث الطرفان المشاكل المتعلقة بالمياه المشتركة للمنطقة واتفقا على ما يلي:"
"تجري السلطات التركية المختصة أثناء وضع برنامج ملء خزان كيبان جميع المشاورات التي تعتبر مفيدة مع السلطات العراقية بغية تأمين حاجات العراق وتركيا من المياه بما في ذلك ملء خزان الحبانية وكيبان." و"يشرع الطرفان في أسرع وقت بالمباحثات حول المياه المشتركة ابتداءاً بالفرات وبمشاركة جميع الأطراف المعنية."
ـ بروتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين العراق وتركبا (أنقرة 25/12/1980)، والذي انضمت إليه سوريا في عام 1983.
حيث نص الفصل الخامس منه والخاص بالمياه الإقليمية على:
"اتفق الطرفان على التعاون في مجال السيطرة على تلوث المياه المشتركة في المنطقة". و"وافق الطرفان على إنشاء لجنة مشتركة للمياه الإقليمية التركية ـ السورية ـ العراقية، مهمتها دراسة الشؤون المتعلقة بالمياه الإقليمية وخصوصاً حوضي دجلة والفرات، واقتراح الطرق التي تؤدي إلى تحديد كمية المياه المعقولة العادلة التي يحتاجها كل من البلدان الثلاثة من الأنهار المشتركة..."
ما نلاحظه في هاتين البروتوكولين وجود لغة تختلف عن لغة التهديد والتعنت التركية، التي كانت عليها في الثمانينات التسعينات من القرن الماضي. إذ نجد هنا تعابير "المياه المشتركة"، و"المياه الإقليمية التركية ـ السورية ـ العراقية"، و"تحديد كميات المياه المعقولة والعادلة التي يحتاجها كل من البلدان الثلاثة من الأنهار المشتركة". أؤكد هنا ما ذكرته سابقاً هو أن ضعف العراق نتيجة حروبه مع إيران ودخوله الكويت، والحصار الذي فرض عليه، أدى إلى تغير الموقف التركي وتفرده في القرارات والإجراءات، واعتقد الأتراك في حينه أن بإمكانهم الحصول على أية كميات من المياه، طالما ظل الموقف العراقي بهذا الضعف، و ظل العداء السوري العراقي على حاله .
______________________
(1) تاريخ الوزارات العراقية , الطبعة السادسة ,الجزء السابع عبد الرزاق الحسني
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|