أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014
3674
التاريخ: 19-6-2016
2967
التاريخ: 27-11-2014
2243
التاريخ: 16-10-2014
17716
|
تقديم :
إن كتابة العلوم - أيا كانت - أمر يستحسنه العقل ويقتضيه الطبع ، وذلك لما فيه من الحفاظ على العلوم وصونها من الضياع. وإذا كان الأمر كذلك فإننا نعرف أنه إذا ورد حديث دال على خلاف ذلك (١) أو ثبت أنه (صلى الله عليه وآله) قد نهى بعض الصحابة عن الكتابة والتدوين فلابد وأن يحمل على بعض الوجوه التي لا تنافي الحسن العقلي والطبعي المشار إليه. ولأجل ذلك نجد النووي يقول : وفيه (أي في الذي هو بصدد شرحه) جواز كتابة الحديث وغيره من العلوم الشرعية ، لقول أنس لابنه : اكتبه. بل هي مستحبة.
وجاء في الحديث النهي عن كتب الحديث ، وجاء الإذن فيه. فقيل : كان النهي لمن خيف اتكاله على الكتاب وتفريطه في الحفظ مع تمكنه منه. والإذن لمن لا يتمكن من الحفظ. وقيل : كان النهي أولا لما خيف اختلاطه بالقرآن ، والإذن بعده لما أمن من ذلك. وكان بين السلف من الصحابة والتابعين خلاف في جواز كتابة الحديث ، ثم أجمعت الأمة على جوازها واستحبابها ، والله أعلم (٢).
وقد سبق في بحث " الخط القرآني " أن الإسلام يحث الناس على تعلم الكتابة ، وأن القرآن قد مجد القلم وعظمه ، حتى لقد أقسم الله تعالى به ، حيث يقول : * {ن والقلم} *. كما أنه قد أورد نعمة القلم بعد نعمة الخلق في مقام آخر ، فقال : * {اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم) * بعد قوله تعالى * {اقرأ باسم ربك الذي خلق} *.
وأما الرسول (صلى الله عليه وآله) فيكفي ما ورد عنه من أنه في غزوة بدر قد جعل تعليم الكتابة فداء للأسرى ، فقد روي عن جابر عن عامر أنه قال : أسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر سبعين أسيرا ، وكان يفادي بهم على قدر أموالهم. وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون ، فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلمهم ، فإذا حذقوا فهو فداؤه (3).
هذا بالإضافة إلى ما ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : القلب يتكل على الكتابة (4).
وبعد ذلك كله يمكن القول بأن من كان من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) يعرف الكتابة فإنه كان يكتب طبعا ما يسمعه من كتاب الله تعالى ، بمقدار ما كانت له به الوسائل والأدوات الكتابية المتوفرة له في ذلك العصر. وقد نقل أنهم كانوا يكتبون على الرقاع والأحجار وعظام الأكتاف وغير ذلك مما هو قابل لأن يكتب عليه.
محل البحث :
ثم البحث هنا ناظر إلى المصاحف التي كتبها الصحابة ونسبت إليهم وسميت بأسمائهم ، في العصر الذي كانت فيه المصاحف مختلفة ، وهي كتبت قبل عصر عثمان ، وذلك كمصحف أبي بن كعب مثلا.
وأما المصاحف التي كتبت في عصر عثمان وبعده فحيث إنها متوافقة من دون أي فرق بينها فليست موردا لبحثنا هنا. وكذلك فإن البحث ليس ناظرا إلى المصحف الذي كتبه كتاب الوحي للنبي (صلى الله عليه وآله) وجعله تحت فراشه وأوصى لعلي (عليه السلام) أن يجمعه ، فجمعه علي (عليه السلام) في ثوب واحد وختمه ، كما سيأتي.
وبعد أن عرفنا محل البحث هنا فإننا نقول :
إنه كان لعدد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) مصاحف جمعوها لأنفسهم ليقرأوا فيها ، فمنها :
مصحف علي بن أبي طالب (عليه السلام) :
ويدل عليه ما ورد في كتاب سليم بن قيس عن سلمان : أن عليا (عليه السلام) بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) لزم بيته ، وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتى جمعه ، وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع - إلى أن قال : - فجمعه في ثوب واحد وختمه (5).
وعن ابن شهرآشوب : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : يا علي ، هذا كتاب الله خذه إليك. فجمعه علي (عليه السلام) في ثوب ومضى إلى منزله ، فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) جلس علي فألفه كما أنزل الله ، وكان به عالما (6).
وعن الكلبي قال : لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قعد علي بن أبي طالب في بيته ، فجمعه على ترتيب نزوله ، ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كثير (7).
وعن الاحتجاج : أن عليا (عليه السلام) قال : يا طلحة ، إن كل آية أنزلها الله جل وعلا على محمد (صلى الله عليه وآله) عندي بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط يدي... الخ (8).
وعن محمد بن سيرين قال : ولو أصيب ذلك الكتاب لكان فيه العلم (9).
ويقول ابن النديم : وقد رأيت عند أبي يعلى حمزة الحسيني مصحفا بخط علي يتوارثه بنو حسن (10).
فظهر مما ذكرناه : أنه كان لعلي مصحف ، أخذه من بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأضاف إليه التنزيل والتأويل (11). وقد ورثه عنه الأئمة (عليهم السلام) إمام بعد إمام حتى انتهى إلى الأخير منهم ، كما ورد في الحديث المروي في الاحتجاج من أن طلحة سأل عليا بعض المسائل ، ومن جملتها قوله له : أخبرني عما في يدك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام ، إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك ؟ قال (عليه السلام) : إن الذي أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أدفعه إليه وصيي وأولى الناس من بعدي بالناس ابني الحسن ، ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين ، ثم يصير واحدا بعد واحد من ولد الحسين ، حتى يرد آخرهم حوضه (12).
ملاحظة : الظاهر أن المصحف الذي نسب إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق (13) هو نفس ذلك المصحف الذي ورثه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) ، فلا يعد مصحفه (عليه السلام) مصحفا آخر في قبال مصحف أبيه علي (عليه السلام).
مصحف فاطمة (عليها السلام) :
وقد ذكر في بعض التواريخ أن لفاطمة (عليها السلام) مصحفا كانت تستأنس به (14).
ولكن قد وردت أخبار تدل على أنه لم يكن قرآنا ، بل هو كتاب فيه علم ما يكون بعدها في ذريتها ، وهذه الأخبار موجودة في الكافي ، ونذكر منها على سبيل المثال الرواية التالية :
عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيدة قال : سأل أبا عبد الله بعض أصحابنا... وفيه قال (أي بعض الأصحاب) : فمصحف فاطمة ؟ قال : فسكت طويلا ثم قال : إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون ، إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوما وكان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها ، فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة (15).
هذا ، ولا يمكننا مع ذلك إنكار وجود مصحف قرآني لفاطمة (عليها السلام) ، لأن النفي أيضا يحتاج إلى الدليل. ولعله كان لها مصحف تقرأ فيه. لا أنها كانت تقرأ عن ظهر قلبها ، فإن القراءة في المصحف والنظر فيه أفضل من القراءة عن ظهر قلب ، كما في الروايات (16).
مصحف الخلفاء الثلاثة وحفصة :
إن المشهور المعروف هو : أن أبا بكر قد أمر زيد بن ثابت الصحابي بأن يجمع مصحفا ويكتبه حتى لا يضيع كتاب الله الكريم ، ففعل زيد ، وجمع القرآن من الصحف والعسب واللخاف التي كتبت على عهد النبي (صلى الله عليه وآله). وكان المصحف عند أبي بكر ، ثم عند عمر ، ثم عند حفصة بنت عمر ، إلى أن طلبه منها عثمان ، فأبت أن تعطيه إياه ، فعاهدها ليردنه إليها ، فبعثت به إليه ، فأمر عثمان بنسخه في المصاحف ، فنسخ ، ثم رده إلى حفصة ، وقد ذكرنا ذلك في بحث " من جمع القرآن ؟ " فليراجع ، وليراجع أيضا كتاب " البيان " للإمام السيد الخوئي (رحمه الله) ، باب صيانة القرآن عن التحريف ، وقد أورد أحاديث الباب عن الصحاح وكنز العمال بشكل واف.
والنتيجة هي : أن مصحف الخلفاء الثلاثة وحفصة كان واحدا ، انتقل من واحد لواحد منهم ، فلما ماتت حفصة ارسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمه ،
فأعطاهم إياها ، فغسلت غسلا (17) ، أو أخذها مروان بن الحكم وأحرقها ، كما حكي عن بعض (18). ولكن في مصنف عبد الرزاق : أن حفصة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) دفعت مصحفا إلى مولى لها يكتبه وقالت : إذا بلغت هذه الآية : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة : 238] فآذني ، فلما بلغها جاءها فكتبت بيدها : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " (19).
وهذه الزيادة ليست قرآنية كما هو ظاهر من الرواية نفسها. والرواية تدل على أنها كان لها مصحف مختص بها ، ولكن لا يعلم أنها كتبته قبل عصر عثمان ، فلعلها كتبته بعده ، وكلامنا إنما هو في المصاحف التي كتبت قبل ذلك.
مصحف عبد الله بن مسعود :
قال ابن النديم : قال الفضل بن شاذان : وجدت في مصحف عبد الله بن مسعود تأليف سور القرآن على هذا الترتيب - ثم ذكره إلى أن قال الفضل : - قال محمد بن إسحاق : رأيت عدة مصاحف ، ذكر نساخها أنها مصحف ابن مسعود (20).
وذكر ابن أشتة في كتابه " المصاحف " بعد ذكره لسند الرواية : تأليف مصحف عبد الله بن مسعود : الطوال : البقرة والنساء... إلى آخر ما ذكره من الترتيب (21).
وقال ابن أبي داود : عندما جاء رسول الخليفة إلى الكوفة لأخذ المصاحف قام ابن مسعود خطيبا قائلا : أيها الناس ، إني غال مصحفي ، ومن استطاع أن يغل مصحفا فليغلل ، فإنه من غل يأت يوم القيامة بما غل ، ونعم الغل المصحف (22).
وقال ابن الأثير : إن أهل الكوفة قبلوا مصحف عثمان ، إلا أن بعضهم - وهو كثير - أمسكوا مصحف ابن مسعود ، فيقرأون بقراءته (23).
وفي رواية سليم بن قيس : أن طلحة قال لعلي (عليه السلام) : ما يمنعك يرحمك الله أن تخرج ما ألفت للناس ، وقد شهدت عثمان حين أخذ ما ألف عمر ، فجمع له الكتاب ، وحمل الناس على قراءة واحدة ، وفرق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار ، فما هذا الحديث ؟! (24).
هذه هي الشواهد التي تدل على أنه كان لابن مسعود مصحف خاص به.
وأما ما دل على أن له قراءة خاصة به فلا يدل على كونه ذا مصحف ، لاحتمال أن يكون حافظا للقرآن ، فكان إذا قرأه عن ظهر قلب قرأه على طريقة مخصوصة به غير مشهورة ، ولذلك يلاحظ أن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول : إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال ، فقال ربيعة (25) : ضال ؟ فقال : نعم ضال (26).
وقد نقل عن ابن مسعود جواز تبديل الكلمة القرآنية بغيرها مما كان مرادفا لها. وكان يقرأ قوله تعالى : {لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا} [الحديد : 13] أمهلونا أو أخرونا.
ونقل عنه أيضا أنه أقرأ رجلا { إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان : 43، 44] فقال الرجل : طعام اليتيم ، فردها عليه فلم يستقم بها لسانه ، فقال : أتستطيع أن تقول : طعام الفاجر ؟ قال : نعم ، قال : فافعل (27).
ونقل عنه أيضا أنه كان لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف ، وقال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل شئ (28).
وكان يحك المعوذتين من المصحف ، ويقول : لا تخلطوا القرآن بما ليس منه ، إنهما ليستا من كتاب الله ، إنما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن يتعوذ بهما. وعن البزار : لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة (29).
وأخيرا ، فإن رأينا في ابن مسعود هو رأي الرازي ، من أن اللازم هو إحسان الظن به ، وأن نقول : إنه رجع عن هذه المذاهب (30). ولرد كلامه مقام آخر.
مصحف أبي بن كعب :
قال ابن النديم : قال الفضل بن شاذان : أخبرنا الثقة من أصحابنا ، قال : كان تأليف السور في قراءة أبي بن كعب بالبصرة في قرية يقال لها : قرية الأنصار على رأس فرسخين ، عند محمد بن عبد الملك الأنصاري ، أخرج إلينا مصحفا ، وقال : هو مصحف أبي ، رويناه عن آبائنا... الخ (31).
وعن ابن أشتة في كتاب " المصاحف " : أنبأنا محمد بن يعقوب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو جعفر الكوفي ، قال : هذا تأليف مصحف أبي... ثم ذكر كيفية تأليفه (32).
وعن ابن سيرين ، قال : كتب أبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين ، واللهم إنا نستعينك ، واللهم إياك نعبد ، وتركهن ابن مسعود ، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين (33).
وقال الطبرسي : روي أن أبيا لم يفصل في مصحفه بين سورتي الفيل والإيلاف (34).
هذا ، ولكن لا يخفى أن ما روي عن أنس بن مالك - بأن من جمع القرآن على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن
ثابت ، وأبو ثابت (35) - لا يدل على وجود مصحف لأبي ، ويحتمل أن يكون المراد من الجمع هو الجمع في الصدور - كما شرحه في فتح الباري -. ويؤيده التعبير في بعض النسخ " إن من أخذ القرآن ". ومن المعلوم أن الأخذ ليس ظاهرا في الكتابة ، إن لم نقل إنه ظاهر في الحفظ في الصدور.
كما أن قول الصادق (عليه السلام) " أما نحن فنقرأ على قراءة أبي " (36) لا يدل على وجود مصحف لأبي لعين ما أشرنا إليه آنفا.
ثم إنه لابد من الإشارة إلى أن أبيا كان - كعبد الله بن مسعود - يجوز تبديل الكلمات القرآنية بمرادفاتها ، وذلك مثل قوله في الآية {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البقرة : 20] يجوز تبديله ب " سعوا فيه " أو " مروا فيه ".
وأضاف كلمة " حم " في أول سورة الزمر ، ولم يكتب في مصحفه البسملة بين سورتي الفيل والإيلاف (37).
وأضاف أيضا في مصحفه دعاءي القنوت زاعما أنهما من القرآن ، وقد سميتا بسورتي الحفد والخلع ، لورود هاتين الكلمتين فيهما ، ونص السورتين على ما حكاه السيوطي عن عبيد بن عمير :
بسم الله الرحمن الرحيم : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد ولك نصلي وإليك نسجد ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى نقمتك ، إن عذابك بالكافرين ملحق (38).
وكيف كان ، فإن كل ما خالف المصحف المتداول بين المسلمين الموجود الآن مردود على قائله ، ولا مجال للاعتناء ولا للاعتداد به ، ولهذا البحث مجال آخر.
مصحف عبد الله بن عباس :
أورده السجستاني في مصاحف الصحابة ، ولكنه استدل عليه ، أي استدل عليه بقراءاته المتميزة عن غيرها. وهذا - كما تقدم - لو ثبت فإنه لا يدل على وجود مصحف له ، لأنه من المحتمل أنه كان إذا قرأ عن ظهر قلبه قرأ على خلاف المشهور والمعروف.
نعم ، قد حكى عن محمد بن عمر الرازي في كتاب الأربعين أن ابن عباس رئيس المفسرين كان تلميذ علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فأثرنا نقل ترتيب مصحفه كما ذكره الشهرستاني ، وهو سند أمين (39).
مصحف عائشة :
ذكره السجستاني ، وذكر غيره ، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق عن هشام بن عروة قال : قرأت في مصحف عائشة : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (وصلاة العصر) وقوموا لله قانتين " (40).
مصحف أم سلمة :
ذكره السجستاني أيضا ، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق عن عبد الله بن رافع أنه قال : أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفا ، وقالت : إذا بلغت : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " فأخبرني. فأخبرتها فقالت : اكتب : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (وصلاة العصر) وقوموا لله قانتين " (41). والزيادة المذكورة كما أشرنا إليه فيما سبق ليست قرآنية كما هو ظاهر.
ذكر المصاحف الاخر :
ثم إنه قد ذكر السجستاني مصاحف أخرى للصحابة ، وهي : مصحف عبد الله بن الزبير ومصحف عبد الله بن عمر ، ولكنه لم يأت بدليل يدل على ما ذكر ، وما ذكره لا يكفي ، فالإضراب عنهما أولى. أضف إلى ذلك : أن توحيد المصاحف في زمان عثمان ومتابعة الصحابة في ذلك لا يبقي لهذا البحث فائدة ، لأنه في زمان عثمان أتلفت سائر المصاحف بالإحراق أو بالغسل ، وعليه فلا فائدة في البحث عن شئ لا وجود له.
توحيد المصاحف وقصة حذيفة وعثمان :
ثم إنه بعد أن طال الزمان بعد الرسول وشاع بين الناس جواز تبديل الكلمات القرآنية بمرادفاتها - تبعا لأبي وابن مسعود وأمثالهما كما سبق - كثر الخلاف والجدل في ذلك حتى كفر الناس بعضهم بعضا.
وقد نقل عن أبي قلابة أنه قال : لما كانت خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل ، والمعلم يعلم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون ، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين ، حتى كفر بعضهم بعضا ، فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال : أنتم عندي تختلفون ، فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافا (42).
ومضى الزمان حتى جاء حذيفة (43) وطلب من عثمان أن يدرك الأمة ، قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
وتفصيل ذلك : قال البخاري : حدثنا موسى ، حدثنا إبراهيم ، حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه : أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم
في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام ، فنسخوها في المصاحف - إلى أن قال : - ففعلوا ، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوه ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق... الخ (44).
وقال ابن حجر في شرح هذا الحديث : وفي رواية عمارة بن غزية : أن حذيفة قدم من غزوة ، فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أدرك الناس ، قال : وما ذلك ؟ قال : غزوت فرج أرمينية ، فإذا أهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق ، وإذا أهل العراق يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام ، فيكفر بعضهم بعضا (45).
تلقي عمل عثمان بالقبول والرضا :
ولقد تلقى الصحابة عمل عثمان هذا بالقبول والرضا ، ولم يسمع عن أحد أنه لامه أو انتقده عليه إلا ابن مسعود. فقد قال اليعقوبي : كان عبد الله بن مسعود بالكوفة فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبد الله بن عامر ، وكتب إليه عثمان أن أشخصه إنه لم يكن هذا الدين خبالا وهذه الأمة فسادا. فدخل المسجد وعثمان يخطب ، فقال عثمان : إنه قد قدمت عليكم دابة سوء. فكلمه ابن مسعود بكلام غليظ ، فأمر به عثمان ، فجر برجله حتى كسر له ضلعان ، فتكلمت عائشة وقالت قولا كثيرا (46).
وقيل : إنه أيضا رجع إلى رأي عثمان ، ولا خلاف (47).
نعم ، ربما ينتقد عثمان على أمره بإحراق بقية المصاحف ، حتى سمي بمحرق المصاحف ، والبحث في جواز إحراق المصاحف في بعض الصور أو حرمته مجال آخر.
وعن ابن أبي داود بسند (يراه صحيحا) عن سويد بن غفلة قال : قال علي : لا تقولوا في عثمان إلا خيرا ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملا منا ، قال : ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول : إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد يكون كفرا. قلنا : فما ترى ؟ : قال : أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد ، فلا تكون فرقة ولا اختلاف ، قلنا : فنعم ما رأيت (48).
وأضاف ابن الأثير هنا أنه قال : فلو وليت منه ما ولى عثمان سلكت سبيله (49).
وفي رواية سليم بن قيس : أن طلحة سأل عليا (عليه السلام) عن أمور ، منها قوله لعلي (عليه السلام) : وما يمنعك يرحمك الله أن تخرج ما ألفت للناس ، وقد شهدت عثمان حين أخذ ما ألف عمر ، فجمع له الكتاب ، وحمل الناس على قراءة واحدة ، ومزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود ، وأحرقهما بالنار ، فما هذا ؟ - إلى أن قال طلحة : - ما أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه من القرآن ، ألا تظهره للناس ؟ قال : يا طلحة عمدا كففت عن جوابك. قال : فأخبرني عما كتب عمر وعثمان ، أقرآن كله ؟ أم فيه ما ليس بقرآن ؟ قال طلحة : بل قرآن كله ، قال : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة ، فإن فيه حجتنا ، وبيان حقنا ، وفرض طاعتنا (50).
فيبدو من الحديث أن ما فعله عثمان بالقرآن لم يضر بكرامته ، بل هو قرآن كله ، من أخذ به نجا من النار. ويؤيد ذلك : أن عليا (عليه السلام) حينما تصدى للخلافة وصار قادرا على رفع ما يضر بالقرآن وبالإسلام - لو كان - نراه لم يقدم على التصرف فيما فعله عثمان ، من اتخاذه قرآنا واحدا يسمى إماما ، ثم إلزامه الناس
باتباعه وإتلاف غيره من المصاحف. فلو كان ذلك مضرا لحاول علي (عليه السلام) رفع هذا الضرر والعودة إلى السيرة الأولى.
إرسال المصاحف إلى الآفاق :
ثم إنه لما كتبت المصاحف أمر عثمان بإرسالها إلى الآفاق ، إلا واحدا منها أبقاه عنده ، ويسمى " إماما ".
قال اليعقوبي : وبعث بها إلى الأمصار ، وبعث بمصحف إلى الكوفة ، وبمصحف إلى البصرة ، ومصحف إلى المدينة ، ومصحف إلى مكة ، ومصحف إلى مصر ، ومصحف إلى الشام ، ومصحف إلى البحرين ، ومصحف إلى اليمن ، ومصحف إلى الجزيرة ، وأمر الناس أن يقرأوا على نسخة واحدة (51).
وقال السيوطي : اختلف في عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق ، والمشهور أنها خمسة. وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال : أرسل عثمان أربعة مصاحف ، وقال : سمعت أبا حاتم السجستاني يقول : كتب سبعة مصاحف ، فأرسل إلى مكة ، وإلى الشام ، وإلى اليمن ، وإلى البحرين ، وإلى البصرة ، وإلى الكوفة ، وحبس بالمدينة واحدا (52).
وقال الرافعي : كانت المصاحف سبعة في قول مشهور - إلى أن قال : - ثم أمر بما عدا ذلك من صحيفة أو مصحف أن يحرق. ولم يجعل في عزيمته تلك رخصة سائغة لأحد. وكان جمع عثمان في سنة ٢٥ للهجرة (53).
وكيف كان ، فإن عصر عثمان كان عصر توحيد المصاحف ، وكان الصحابة يؤيدون ذلك ويشجعونه ، حتى حسمت مادة الخلاف ، ولم يترق الأمر إلى الحد الذي ترقى إليه الخلاف في قدم القرآن وحدوثه ، حيث كفرت كل من الطائفتين الطائفة الأخرى ، وتسبب ذلك في سفك الدماء ، وكثيرا من المحن والإحن.
مصحف علي (عليه السلام) لم يحرق :
ثم إنه لا يخفى أن عثمان وإن أمر بإحراق المصاحف إلا أن مصحف علي (عليه السلام) لم يحرق لأن عليا (عليه السلام) - كما في رواياتنا - قد دفعه إلى ابنه الحسن (عليه السلام) ، وهو دفعه إلى أخيه الحسين (عليه السلام) ، ثم صار من واحد لواحد من ولد الحسين ، حتى وصل إلى الإمام المهدي المنتظر والتاسع من ولد الحسين (عليهم السلام) ، وهو الذي يخرج المصحف الذي كتبه جده علي (عليه السلام) (54).
ويؤيد ذلك ما ورد عن ابن سيرين - القريب العهد من عصر الجمع والإحراق - أنه قال : تطلبت ذلك الكتاب ، وكتبت فيه إلى المدينة ، فلم أقدر عليه (55).
فابن سيرين إذا يحتمل وجود مصحف علي (عليه السلام) بالمدينة ، وإلا لما تطلبه ولما أرسل فيه إلى المدينة.
ويؤيد ذلك أيضا ما سبق عن ابن النديم أنه قال : وقد رأيت عند أبي يعلى حمزة الحسيني مصحفا بخط علي يتوارثه بنو حسن (56).
الخلاصة :
فتلخص مما سبق : أنه كان لبعض الصحابة مصاحف يقرأون فيها ، وهم :
١ - علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، كان له مصحف ألفه ، وأضاف إليه التأويل والتنزيل ، ولم يحرق في عصر عثمان ، وورثه الأئمة من أبنائه الطاهرين ، حتى انتهى إلى الإمام القائم من آل محمد (عليهم السلام) ، وهو يخرجه إلى الناس.
٢ - ابن مسعود ، له مصحف على ترتيب المصحف الحاضر تقريبا ، لأنه قدم السور الطوال ثم التي تليها في ذلك ، ولم يعط مصحفه لعثمان ، إلى أن رجع إلى
عثمان على قول. وكان يبدل الآيات القرآنية بمرادفاتها ، وكان يحك المعوذتين من مصحفه ، ويقول : إنهما ليستا من كتاب الله ، كما أنه كان لا يكتب فاتحة الكتاب في مصحفه.
٣ - أبي بن كعب ، له مصحف على ترتيب المصحف الحاضر تقريبا ، وكان أيضا يبدل الألفاظ القرآنية بمرادفاتها. وأعطى مصحفه لعثمان فأحرقه. وكان يكتب في مصحفه دعاءي القنوت. ويرى أنهما من القرآن. ولم يفصل في مصحفه بين سورتي الإيلاف والفيل بالبسملة.
٤ - عبد الله بن عباس ، له مصحف. وقد نقل الشهرستاني ترتيبه في مقدمة تفسيره.
ثم هناك مصحف أم سلمة ومصحف عائشة حسب ما تقدم.
وتلخص أيضا : أن توحيد المصاحف أوجب حسم مادة الخلاف ، وحفظ القرآن ، وصار للعالم الإسلامي قرآن واحد ، تطبع منه ملايين النسخ من دون أدنى تفاوت فيها.
____________________
(١) كما عن صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. (مناهل العرفان : ج ١ ص ٢٨٥).
(٢) صحيح مسلم (شرح النووي) : ج ١ ص ٢٤٤.
(3) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٤. وراجع بحث " الخط القرآني في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) " من هذا الكتاب.
(4) الوافي : ج ١ باب فضل الكتابة.
(5) كتاب سليم بن قيس : ص ٦٥.
(6) التمهيد في علوم القرآن : ج ١ ص ٢٩١ نقله عن مناقب ابن شهرآشوب.
(7) نفس المصدر : ص ٢٩٠ نقله عن التسهيل لعلوم التنزيل.
(8) الإحتجاج للطبرسي : ج ١ ص ١٥٣.
(9) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ١٨٥.
(10) الفهرست : ص ٤٨.
(11) التنزيل هو الوحي الذي نزله الله وليس من القرآن ، ولعله في تفسير القرآن. والتأويل : ما يؤول إليه الأمر وعاقبته مما يفسر به القرآن أيضا.
(12) الإحتجاج للطبرسي : ج ١ ص ١٥٥.
(13) راجع تاريخ القرآن للزنجاني : ص ٨٥.
(14) تاريخ القرآن للدكتور راميار : ص ١٧٥ (فارسي).
(15) الكافي : ج ١ ص ٢٤١ ح ٥.
(16) راجع الكافي : ج ٢ ص ٦١٤ باب قراءة القرآن في المصحف ح ٥.
(17) إعجاز القرآن للرافعي : ص ٣٩.
(18) مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح : ص ٨٣ نقله عن كتاب المصاحف للسجستاني ص ٢٤.
(19) المصنف لعبد الرزاق : ج ١ ص ٥٧٨.
(20) الفهرست : ص ٤٥.
(21) نقله عنه السيوطي في الإتقان : ج ١ ص ٦٦.
(22) المصاحف للسجستاني : ص ١٥.
(23) الكامل في التاريخ : ص ١١٢.
(24) كتاب سليم بن قيس : ص ٩٩.
(25) هو ربيعة الرأي ، وكان فقيه أهل المدينة في عصره.
(26) الكافي : ج ٢ ص ٦٣٤ باب النوادر من كتاب فضل القرآن ح ٢٧.
(27) نقله عنه السيوطي في الإتقان : ج ١ ص ٤٨.
(28) نقله عنه السيوطي في الدر المنثور : ج ١ سورة الفاتحة.
(29) نفس المصدر : ج ٦ سورة الفلق ، عن أحمد والبزار والطبراني وابن مسعود.
(30) التفسير الكبير : ج ١ ص ٢١٣.
(31) الفهرست : ص ٤٦.
(32) نقله عنه السيوطي في الإتقان : ج ١ ص ٦٦.
(33) نفس المصدر : ص ٦٧.
(34) تفسير مجمع البيان : ج ١٠ في تفسير سورة الإيلاف.
(35) صحيح البخاري : ج ٦ ص ١٠٣.
(36) الكافي : ج ٢ ص ٦٣٤ باب النوادر من كتاب فضل القرآن ح ٢٧.
(37) تفسير مجمع البيان : ج ١٠ في تفسير سورة الإيلاف.
(38) الإتقان : ج ١ ص ٦٧.
(39) تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني : ص ٥٤.
(40) المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : ج ١ ص ٥٧٨.
(41) المصنف لعبد الرزاق : ج ١ ص ٥٧٩.
(42) مناهل العرفان : ج ١ ص ٢٤٩ عن السجستاني في المصاحف.
(43) حذيفة بن اليمان العبسي رحمه الله تعالى ، عداده في الأنصار ، أحد الأركان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام). (جامع الرواة للأردبيلي).
(44) صحيح البخاري : ج ٦ ص ٢٢٦.
(45) فتح الباري : ج ٩ ص ١٤ و ١٥.
(46) تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ص ١٥٨.
(٤7) مباحث في علوم القرآن : هامش ص ٨٢.
(48) الإتقان : ج ١ ص ٦١.
(49) الكامل في التاريخ : ج ٣ ص ١١٢.
(50) كتاب سليم بن قيس : ص ١٠٠.
(51) تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ص ١٥٨.
(52) الإتقان : ج ١ ص ٦٢.
(53) إعجاز القرآن : ص ٣٩.
(54) راجع كتاب سليم بن قيس : ص ١٠١.
(55) التمهيد في علوم القرآن : ج ١ ص ٢٨٩ ، وراجع الإتقان : ج ١ ص ٥٧ ، والاستيعاب بهامش الإصابة : ج ٢ ص ٢٥٣ ، والطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٠١.
(56) الفهرست : ص ٤٨.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|