أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-28
1122
التاريخ: 13-11-2020
1946
التاريخ: 2024-09-01
218
التاريخ: 13-11-2020
1864
|
لم يزل القرآن ـ منذ الصدر الأوَّل ـ في طور التجويد والتحسين ، لاسيَّما في ناحية كتابته وتجميل خطَّه من جميل إلى أجمل ، وقد أسهم الخطّاطون الكبار في تجويد خطِّ المصاحف وتحسين كتابتها .
وأوَّل مَن تنوَّق في كتابة المصاحف وتجويد خطِّها هو : خالد بن أبي الهياج المتوفّى حدود 100 هـ ، صاحب أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، وكان مشهوراً بجمال خطِّه وأناقة ذوقه ، ويقال : إنَّ سعداً ـ مولى الوليد وحاجبه ـ اختاره لكتابة المصاحف والشِعر والأخبار للوليد بن عبد الملك (86 ـ 96هـ) ، فكان هو الذي خطَّ قِبلة المسجد النبوي بالمدينة بالذهب من سورة الشمس إلى آخر القرآن ، وكان قد جدَّد بناءه وأوسعه عمَر بن عبد العزيز والياً على المدينة من قِبل الوليد وبأمرٍ منه ، وفرغ من بنائه سنة 90 هـ (1) .
وطلب إليه عمَر بن عبد العزيز أن يكتب له مصحفاً على هذا المثال ، فكتب له مصحفاً تنوَّق فيه ، فأقبل عمَر يقلِّبه ويستحسنه ، ولكنَّه استكثر من ثمنه فردَّه عليه ، والظاهر أنَّ ذلك كان أيّام خلافته (99 ـ 101هـ) التي كان قد تزهَّد فيها .
قال محمَّد بن إسحاق ـ ابن النديم ـ : رأيت مصحفاً بخطِّ خالد بن أبي الهياج ، صاحب علي ( عليه السلام ) ، وكان في مجموعة خطوط أثرية عند محمَّد بن الحسين المعروف بابن أبي بعرة ، ثمَّ صار إلى أبي عبد الله بن حاني ( رحمه الله ) (2) .
وقد ظلَّ الخطّاطون يكتبون المصاحف بالخطِّ الكوفي حتّى أواخر القرن الثالث الهجري ، ثمَّ حلَّ محلَّه خطُّ النَسْخ الجميل في أوائل القرن الرابع على يد الخطّاط الشهير محمَّد بن عليّ بن الحسين بن مقلة (272 ـ 328هـ) .
قيل : إنَّه أوَّل مَن كتب خطَّ الثلث والنسْخ ، وأوَّل مَن هَندس الحروف ـ إذ كان بارعاً في علم الهندسة ـ ووضع قواعدها وأصول رسمها ، واتَّفق الباحثون أنَّ الفضل الأكبر في تطوير وتحسين الخطِّ العربيّ الإسلامي وتنويعه ، يرجع إلى هذا الخطّاط الماهر الذي لم تنجب الأمّة الإسلامية لحدِّ الآن خطّاطاً بارعاً مثله .
وقد نُسب عدد من المخطوطات الأثريَّة إليه ، كالمصحف الموجود في متحف هراة بأفغانستان ، ويقال : إنَّه كتبَ القرآن مرَّتين (3) .
وقد بلغ خطّ النسخ العربي ذروَته في الجودة والحُسن في القرن السابع على يد الخطَّاط المستعصمي ، ياقوت بن عبد الله الموصلي (ت 689هـ) ، كتب سبعة مصاحف بخطِّه الرائع الذي كان يُجيده إجادة تامَّة ، ويكتب بأنواعه المختلفة حتّى صار مثلاً يُقتدى به (4) .
وهكذا صارت المصاحف تُكتَب على أسلوب خطِّ ياقوت حتّى القرن الحادي عشر ، ومنذ مفتتح القرن الثاني عشر اهتمَّ الأتراك العثمانيِّون عنايتهم بالخطِّ العربيِّ الإسلامي ، لاسيَّما بعد فتح سلطان سليم مصر وزوال حكم المماليك عنها ، فجعل الخطّ العربي يتطوَّر على أيدي الخطّاطين الفُرس الذين استخدمهم العثمانيّون في إمبراطوريتهم .
وقد نقل السلطان سليم جميع الخطّاطين والرسّامين والفنّانين إلى عاصمته ، وأضافوا للخطِّ العربي أنواع جديدة ، لازالت تُستعمل في الكتابات الدارجة : كالخطِّ الرقعي ، والخطِّ الديواني ، والخطّ الطغرائي ، والخط الإسلامبولي وغيرها .ومن الخطّاطين العثمانيّين الذين ذاع صِيتهم : الحافظ عثمان (ت 1110هـ) ، والسيد عبد الله أفندي (ت 1144هـ) ، والأستاذ راسم (ت1169هـ) ، وأبو بكر ممتاز بك مصطفى أفندي الذي اخترع خطّ الرقعة ، وهو أسهل الخطوط العربيَّة وأبسطها استعمالاً ، وقد وضع قواعده وكتب به لأوَّل مرّة في عهد السلطان عبد المجيد خان سنة 1280هـ (5) .
أمّا طباعة المصحف الشريف فقد مرَّت ـ ككتابته خطّاً ـ بأطوار التجويد والتحسين ، فلأوَّل مرَّة ظهر القرآن مطبوعاً في البندقية في حدود سنة 950هـ = 1530م ، لكنَّ السلطات الكنيسيّة أصدرت أمراً بإعدامه حال ظهوره .
ثمَّ قام ( هنلكمان ) بطبع القرآن في مدينة ( هانبورغ ) ـ ألمانيا ـ سنة 1104هـ = 1694م ، ثمَّ تلاه ( مراكى ) بطبعه في ( بادو ) سنة 1108هـ = 1698م .
وقام مولاي عثمان بطبع القرآن بطبعةٍ إسلامية خالصة في مدينة ( سانت بتر سبورغ ) ـ روسيا ـ سنة 1200هـ = 1787م ، وظهر مثلها في ( قازان ) .
وقام ( فلوجل ) بطبعته الخاصَّة للقرآن في مدينة ( لينزبورغ ) سنة 1252هـ = 1834م ، فتلقّاها الأوروبيون بحماسة منقطعة النظير ؛ بسبب إملائها السهل ، ولكنَّها ـ كسائر الطبعات الأوربية ـ لم تنجح في العالم الإسلامي .
وأوَّل دولة إسلامية قامت بطبع القرآن ـ فكان نصيبها النجاح ـ هي : إيران (6) ، طبعت طبعتين حجريَّتين جميلتين ومنقَّحتين في حجم كبير ، مع ترجمة موضوعة تحت كلِّ سطر من القرآن ، ومفهرستين بعدَّة فهارس : إحداهما كانت في طهران سنة 1243هـ = 1828م ، والأخرى في تبريز 1248هـ = 1833م .
وظهرت في الهند ـ في هذا العهد ـ أيضاً عدَّة طبعات .
ثمَّ عُنيت الأستانة ـ تركيا العثمانية ـ ابتداءً من سنة 1294هـ = 1877م بطبع القرآن طبَعات أنيقة ومتقنة جدّاً .
وقامت روسيا المَلكية عام 1323هـ = 1905م بطبع قرآن كُتب بخطٍّ كوفي قديم ، في حجم كبير ، يُظنَّ أنّه أحد المصاحف العثمانيَّة الأُولى ، خالٍ عن النُقَط والتشكيل ، سقطت من أوَّله ورقات ، وناقص من آخره أيضاً ، يبتدئ من قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] وينتهي إلى قوله : {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف: 4] عثروا عليه في سمرقند ، فامتلكته المكتبة الملَكيَّة في بتر سبورغ ، ثمَّ تولّى طبعه معهد الآثار في طشقند طبعة فوتوغرافية على نفس الرسم والحجم في خمسين نسخة ، وأهداها إلى أهمّ جامعات البلاد الإسلامية ، ومنها نسخة في مكتبة جامعة طهران مسجَّلة برقم المطبوعات (14403 DSS) .
وأخيراً قامت مصر بطبعة ممتازة للمصحف الشريف سنة 1342هـ = 1923م ، تحت إشراف مشيخة الأزهر ، وبإقرار لجْنةٍ عيَّنتها وزارة الأوقاف ، وقد تلقّى العالم الإسلامي هذه الطَبعة بالقبول ، وجرت عليها سائر الطبعات .
كما ظهرت في العراق سنة 1370هـ = 1950م طبعة بارزة أنيقة للقرآن ، وهكذا اهتمّت الأُمم الإسلامية في مختلف الأقطار بطبع هذا الكتاب ونشْره على أحسن أسلوب وأجمل طراز ، ولا تزال .
_______________________
(1) تاريخ اليعقوبي : ج3 ، ص30 و36 .
(2) الفهرست : الفنّ الأوّل من المقالة الأُولى ص9 ، والفنَّ الأوّل من المقالة الثانية ص46 .
(3) الخطّ العربي الإسلامي لتركي عطية : ص155 . والخطّاط البغدادي ص16 .
(4) الخطّ العربي الإسلامي : ص171 . مصوَّر الخطّ العربي لناجي المصرف : ص92 .
(5) الخط العربي الإسلامي : ص123 .
(6) مباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي صالح : ص99 . وينقل عن المستشرق (بلاشير) معلومات هامَّة بهذا الصدد اعتمدناها في هذا العَرْض .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|