أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2022
1336
التاريخ: 6-05-2015
6408
التاريخ: 17-12-2015
4712
التاريخ: 2023-04-15
1147
|
لسعة رحمة اللَّه انعكاسات واسعة في الأحاديث الإسلامية، والنماذج التالية تحكي عن هذه الحقيقة :
1- في حديث عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال : «اللَّه رحيم بعباده، ومن رحمته أنّه خلق مائة رحمة واحدة في الخلق كلهم فبها يتراحم الناس، وترحم الوالدة ولدها .... فإذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة الواحدة إلى تسع وتسعين رحمة فيرحم بها امة محمد صلى الله عليه و آله» (1).
2- في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «إذا كان يوم القيامة نشر اللَّه تعالى رحمته حتى يطمع ابليس في رحمته» (2).
3- قيل لعلي بن الحسين عليه السلام يوماً أنّ الحسن البصري قال : ليس العجب ممن هلك كيف هلك إنّما العجب ممن نجا كيف نجا فقال عليه السلام : «ليس العجب ممن نجا كيف نجا، وإنّما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة اللَّه» (3).
إلهي لا يعزّ على كرمك اللامتناهي أن تشملنا بزاوية من رحمتك الواسعة هذه.
و كلمة (ودود) مشتقة من مادّة (وُدّ)- بضم الواو- التي هي في الأصل بمعنى حب الشيء وتمنّي وجوده، لذا تستعمل في كلا المعنييْن (المحبة والتمنّي).
هذا ما ورد في المفردات ومقاييس اللغة، لكن لسان العرب ذكرها بمعنى المحبّة فقط، في حين أنّ موارد استعمالها في القرآن الكريم تدل بوضوح على أنّها استُعملت في معنى التمنّي والمحبّة أيضاً.
وعلى أيّة حال فإنّ هذه الكلمة صيغة من صيغ المبالغة وتعني الشخص الكثير المحبة، واللطيف أنّ هذه الصفة قد وردت في القرآن الكريم مصحوبةً بصفة الغفور مرّة، وبصفة الرحيم مرّة اخرى، وكلاهما تتأكدان بصفة (الودود).
يقول المرحوم الكفعمي في مصباحه : عندما تستعمل كلمة (ودود) كصفة من الصفات الإلهيّة، فإنّها تعني من يحب عباده فيرضى عنهم ويتقبل أعمالهم ... أو بمعنى مَنْ يلقي حب عبده في قلوب الآخرين حيث قال : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} (4). (مريم/ 96)
«الودود» : (الودود) فعول بمعنى (مفعول) كما يقال : هيوب بمعنى مهيب، يراد به أنّه مودود ومحبوب، ويقال : بل فعول بمعنى فاعل كقولك : غفور بمعنى غافر، أيّ يود عباده الصالحين ويحبهم، والود والوداد مصدره المودة، وفلان ودّك ووديدك أيّ حبّك وحبيبك (5).
واحتمل بعض أرباب اللغة كذلك أنّ كلمة (ودود) هنا تُعطي مفهوم اسم المفعول، وترمز إلى محبوبيّة اللَّه من قبل عباده المؤمنين (6).
لكننا نعتقد بأنّ المعنيين الثاني والثالث ضعيفان، ويظهر من موارد استعمال هذه الكلمة أنّ معناها الدقيق هو (المحبّة والتمني) الذي ذكرناه.
ومن البديهي اختلاف مفهوم المحبّة الإلهيّة مع مفهوم المحبة الإنسانية، فالمحبّة في الإنسان نوعٌ من التوجّه القلبي والرغبة الروحية، في حين أنّ اللَّه ليس له قلبٌ ولا روح، لهذا فإنّ محبته لعباده تأتي بمعنى فعله لما يُسبب خير البشر وسعادتهم، وتدل على لطفه وعنايته.
ويظهر أنّ السبب في تفسير البعض كلمة (ودود) كإسم مفعول هو أنّهم لاحظوا بأنّ المحبّة بمعنى اسم الفاعل لا تليق بشأن الباري، لأنّها من عوارض الموجودات الإمكانية.
لكنها عندما تختصّ بالباري تعالى فانّما يُقصد منها آثارها الخارجيّة، وليس هذا هو المكان الوحيد الذي يستوجب هذا المعنى والتفسير، بل هنالك الكثير من الصفات والأفعال الإلهيّة من هذا القبيل بالضبط، كقولنا : إنّ اللَّه يغضب على المذنبين، أي يتصرف معهم تصرُّف الغضبان، وإلّا فالغضب الذي يُعطي معنى الهياج والاضطراب في نفس الإنسان لا يصدق أن يكون في الباري تعالى أبداً.
وعلى أيّة حال فإنّ الإيمان بهذه الصفة الإلهيّة له أثره التربوي العميق (كما هو الحال في بقية الصفات)، لأنّ محبّة اللَّه لعباده تؤدّي إلى إيجاد محبة العباد له، فالمحبّة الحقيقيّة لا تكون من طرفٍ واحد أبداً.
وعندما تدخل محبته في قلوب عباده ويعشقونه سيسيرون باتجاه رضاه، لأنّ العاشق يخطو وفق ما يرتضيه معشوقه دائماً.
وجاءت كلمة (رؤوف) من مادّة (رأفة) وتعني (الرحمة)- حسب قول الراغب الإصفهاني- والجدير بالذكر أنّ تسعة حالات من الإحدى عشرة حالة التي وردت فيها هذه الصفة الإلهيّة في القرآن الكريم رافقتها صفة (الرحيم) (7)، لذا فإنّ صِفَتيْ (رحيم) و (رؤوف) توكّدان مفهوم بعضهما البعض.
وهنالك جدال بين المفسّرين والمتكلّمين حول الاختلاف الموجود بين صفتي (رؤوف) و (رحيم)؟ فاعتقد البعض منهم بأنهما تعطيان مفهوماً واحداً، وعليه فإنّ ذكرهما إلى جنب بعضهما ذو صبغة تأكيد على الرحمة الإلهيّة اللامتناهية.
في حين وضَعَ البعضُ الآخر- كابن الأثير في نهايته- فرقاً بينهما، وهو : إنّ الرأفة مرحلة أدقّ وأسمى من الرحمة، ولا تستعمل أبداً في المسائل الرديئة، لكن الرحمة تستعمل في المسائل المكروهة التي توجد من ورائها مصلحة معينة (فقد يُمكن أن يُقال : إنّ الرحمة التي يحملها فلان دفعت به إلى قطع إصبعه المتعفّن وقايةً من سريان العفونة إلى بقية أعضاء بدنه، لكنه لا يصح استعمال تعبير «الرأفة» هنا) (8).
يقول المرحوم الكفعمي في مصباحه حول تفسير هذه الكلمة : (قال البعض : إنّ الرأفة مرحلة أسمى من الرحمة، في حين اعتقد البعض الآخر بأنّ دائرتها أكثر محدوديّة من دائرة الرحمة).
يقول المفسّر الكبير المرحوم الطبرسي في ذيل الآية 128 من سورة التوبة : يعتقد البعض بأنّ صفتي (رؤوف) و (رحيم) لهما مفهوم واحد، ماعدا كون الرأفة مرحلة أقوى من الرحمة، في حين قال جماعة آخرون : (تستعمل كلمة (رؤوف) في المطيعين و (رحيم) في المذنبين، ثم نقل عن بعض العلماء السالفين قولهم إنّ اللَّه لم يجمع بين هاتين الصفتين بحقِ أيٍّ من أنبيائه، لكنّه فعل ذلك كرامةً لنبيِّ الإسلام محمد صلى الله عليه و آله حيث وصفه في هذه الآية : {بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}، وكذلك وصف ذاته جلّ وعلا حيث قال : {إِنَّ اللَّه بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. (9) (البقرة/ 143)
قال الطبرسي في مجمع البيان في ذيل الآية : {بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. (التوبة/ 128)
قيل : هما واحد، والرأفة شدّة الرحمة، وقيل : رؤوف بالمطيعين منهم، رحيم بالمذنبين، وقيل : رؤوف بأقربائه، رحيم بأوليائه، رؤوف لمن رآه، رحيم بمن لم يره، وقال بعض السلف : لم يجمع اللَّه سبحانه لأحد من الأنبياء بين اسمين من اسمائه إلّا النبي صلى الله عليه و آله فإنّه قال :
بالمؤمنين رؤوف رحيم.
وكذلك نلاحظ هنا ما لهذه الصفة الإلهيّة من الأثر التربوي والبلاغ الخاص في قلوب المؤمنين، لأننا نرى بأنّ اللَّه رؤوف رحيم، ورسوله صلى الله عليه و آله رؤوف رحيم أيضاً، لذا يجب أن يكون شيعتهم ومحبّوهم رؤوفين رحماء أيضاً، وينعكس على وجودهم شعاعٌ من الرحمة الإلهيّة العامة والخاصة.
تكررت كلمة «لطيف» سبع مرّات في القرآن الكريم، وقد وردت كصفة من صفات اللَّه في جميع هذه الموارد وغالباً ما اقترنت بصفة (خبير) (10). ووردت لوحدها في موضعين فقط (11).
وعلى أيّة حال فإنّ هذه الكلمة مشتقة من مادّة (لطف)، وتعني : العمل الظريف والدقيق والمحبّة والحنان، وتُطلق أيضاً على كلّ من الموجودات الصغيرة اللينّة، والحركات الظريفة، والقيام بالأعمال الدقيقة، والأمور التي لا تدركها حواس الإنسان.
وعندما تختصّ هذه الصفة بالباري تعالى فإنّها تعطي معنى الرفق والمداراة الإلهيّة بينه وبين عباده، وتوفيقهم وحفظهم من المشاكل (12).
يقول ابن الأثير في تفسير هذه الكلمة : اللطيف من يجمع بين (الرفق في العمل) و (العلم بدقائق المنافع وإيصالها إلى أصحابها).
ويقول المرحوم الكفعمي رحمه الله في (المصباح) : «إنّ دعوة الباري، في المشكلات، بهذه
الصفة له أثر عميق في رفع وإزالة المنغّصات» (13).
وقد فسّر المرحوم العلّامة الصدوق رحمه الله، في كتاب التوحيد، هذه الصفة الإلهيّة كما يلي :
«إنّه لطيفٌ بعباده، يُحسنُ إليهم، ويُنعم عليهم، ثم أضاف قائلًا : اللطف هو نفس الإحسان والعزّة، ثم ذكر الحديث الشهير الذي يقول : «إنّ معنى اللطيف إنّه هو الخالق للخلقِ اللطيف» كما أنّه سمي) «العظيم لأنّه الخالق للخلق العظيم».
ومن الممكن الجمع بين كل هذه المعاني في مفهوم كلمة (لطيف) الواسع.
أمّا السّر من اقتران صفة (اللطيف) ب (الخبير) في أغلب الآيات القرآنية فهو أنّ صفة (الخبير)- طبقاً لما قاله بعض المحققين تشير إلى الإطلاع العميق والعلم والإحاطة الدقيقة بالحقائق، ممّا يتناسب مع مفهوم صفة (اللطيف).
إنّ البلاغ والأثر التربوي الذي يتركه الإيمان بهذه الصفة واضح جدّاً لأنّه يؤمل الإنسان بالألطاف الإلهيّة الخفيّة والجليّة من جهة، ومن جهةٍ اخرى يحث بني البشر للتلطف والترحّم على بعضهم البعض، ومن جهة ثالثة يدفعهم إلى الاطلاع على مخلوقات اللَّه الظريفة جدّاً والتفكُّر فيها، ولكل واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة أثر بليغ في تربية الناس.
وكلمة (حفيّ) مشتقة من مادّة (حفاء) على وزن (سمَاء) ومن مادّة (حَفا) على وزن (جَفا) ولها عدّة معانٍ ذكرتها مصادر اللغة، من جملتها : سير الإنسان حافي القدمين، والإلحاح في السؤال، العلم والإطلاع على شيء، الإلحاح في عمل الخير.
وقال جماعة أيضاً : إنّها تعطي معنى ترقق جلد القدم، وكعب الحذاء، وحافر الجواد، بسبب كثرة السير (14).
إلّا أنّه ليس مستبعداً أن يكون الأصل الحقيقي لكل هذه المعاني هو الالحاح في السير بشكل يصبح جلد القدم أو الحذاء رقيقاً أو مُستهلكاً، ثم استعملت في حالة الالحاح والمبالغة في كل شيء من قبيل : الالحاح في السؤال عن شيء ما بقصد الاطلاع، والالحاح في طلب علم الخير.
ووردت هذه الكلمة في القرآن في ثلاثة موارد، الأول في مورد الإلحاح في السؤال، كما في قوله تعالى : {إِن يَسْأَلكُمُوهَا فَيُحفِكُم تَبخَلُوا}!. (محمد/ 37)
وفي مورد العلم والمعرفة كما في قوله تعالى : {يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا}.(الأعراف/ 187)
وفي مورد الإلحاح في عمل الخير كما في الآية : {سَلَامٌ عَلَيكَ سَأَستَغفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا} (مريم/ 47).
وعلى أيّة حال فعندما تختصّ هذه الكلمة بالباري تعالى فإنّها يُمكن أن تعطى معنى العالم والخبير، وفي هذه الحالة تكون من صفات الذات وليس الفعل، وربّما تأتي بمعنى منتهى الإحسان والمحبّة أيضاً، فتُعد في هذه الحالة من صفات الفعل الإلهي.
وبالمناسبة فانّها وردت في القرآن كصفة مرّة واحدة فقط، وبمعنى منتهى الإحسان والمحبّة والتي وردت في قصة إبراهيم وعمّه التي ذكرناها سابقاً.
ويتضح البلاغ التربوي الذي تحمله هذه الصفة الإلهيّة في طياتها، بقرينة ما ذكرناه في الصفات المشابهة لها، وذلك لأنّها تحيي بصيص الأمل في قلوب العباد وتقربهم نحوه- سبحانه- من جهة، ومن جهة اخرى تعطي درساً في الإحسان والمحبّة والحنان.
__________________________
(1) مستدرك سفينة النجاة نمازي شاهرودي، ج 4، ص 135.
(2) بحار الأنوار، ج 7، ص 287، (باب ما يظهر من رحمته تعالى في القيامة).
(3) سفينة البحار، ج 1 ص 517.
(4) مصباح الكفعمي، ص 325.
(5) توحيد الصدوق، ص 214.
(6) مجمع البحرين، مادّة (ود)؛ توحيد الصدوق، ص 214.
(7) البقرة، 143؛ التوبة، 117؛ التوبة، 128؛ النحل، 7 و 47؛ الحج، 65؛ النور، 20؛ الحديد، 9؛ الحشر، 10.
(8) نهاية ابن الأثير، مادّة (رأف)، ونفس هذه المادّة في (لسان العرب) و (مجمع البحرين).
(9) تفسير مجمع البيان، ج 5، ص 86.
(10) الأنعام، 103؛ الحج، 63؛ لقمان، 16؛ الملك، 14؛ الأحزاب، 34.
(11) يوسف، 100؛ الشورى، 19.
(12) مفردات الراغب الأصفهاني ولسان العرب، مادّة (لطف).
(13) مصباح الكفعمي، ص 322.
(14) مفردات الراغب؛ لسان العرب؛ مقاييس اللغة؛ نهاية ابن الأثير؛ تاج العروس؛ وكتاب العين.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|