أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2015
967
التاريخ: 10-12-2015
1395
التاريخ: 10-12-2015
1117
التاريخ: 10-12-2015
1146
|
بدون شك أنّ ادّعاء أيّ مدعٍ حول أي قضية لا يمكن قبوله إلّا بالدليل المقنع، فكيف إذا كانت القضية غاية في الأهميّة مثل نبوّة الأنبياء والادّعاء بنزول الوحي والارتباط باللَّه سبحانه ودعوة الناس إلى اتباعهم؟!.
وعلى هذا فإنَّ أوّل المسائل التي نواجهها هي مسألة الأدلةُ على نبوة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله.
وإنَّ هذه الدلائل التي نعلم إجمالًا بتفرعها تقع تحت أربعة عناوين وهي :
1- المعجزات.
2- مضمون الدعوة.
3- أخبار الأنبياء الماضين والكتب السماوية السابقة.
4- القرائن المختلفة : من دراسة سوابق حياته واقربائه وأصحابه والوسائل المتخذة للوصول إلى الهدف، ومقدار تأثيره في المجتمع، ومقدار اعتقاده وايثاره في سبيل هدفه، والأخلاق والصفات الاخرى التي تشكل أرضية لمعرفة صدق ادعائه.
بعد هذه الإشارة المختصرة نعود إلى معجزات النبي صلى الله عليه و آله فنقوم ببحث ودراسة للقرآن الذي يعتبر أول وأفضل وأخلد معجزة للنبي صلى الله عليه و آله وقبل كل شيء نقرأ منطق القرآن في وصف نفسه :
1- {قُل لَّئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَى ان يَأْتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرَآنِ لَايَأْتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لبعضٍ ظَهِيراً}. (الاسراء/ 88)
2- {أَمْ يَقُولُونَ افتَرَاهُ قُلْ فَأْتوُا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثلِهِ مُفَتَريَاتٍ وَادْعُوا مَنِ استَطَعتُمْ مِّنْ دُونِ اللَّهِ انْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. (هود/ 13)
3- {وَانْ كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَائَكُمْ مِّنْ دُونِ اللَّهِ انْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَانْ لَّمْ تَفعَلُوا وَلَنْ تَفعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ التَّى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ اعِدَّتْ لِلكَافِرِينَ}. (البقرة/ 23- 24)
4- {أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثلِهِ وادعُوا مَنِ استَطَعتُم مِّنْ دَونٍ اللَّهِ انْ كُنْتُم صَادِقِينَ}. (يونس/ 38)
5- {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَّا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثلِهِ انْ كَانُوا صَادِقِينَ}.
(الطور/ 33- 34)
6- {قُلْ فَأْتُوا بِكَتابٍ مِّنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ اهدَى مِنْهمَا اتَّبِعْهُ انْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فِانْ لَّمْ يَستَجِيبُوا لَكَ فاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ اهوَاءَهُم وَمَن اضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ انَّ اللَّهَ لا يَهدِى القَومَ الظَّالِمِينَ}. (القصص/ 49- 50)
7- {وَقَالُوا لَوْلَا انزِلَ عَليَهِ آيَاتٌ مِّنْ رَبِّهِ قُلْ انَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وانَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبينٌ* اوَلَمْ يَكْفِهِمْ انَّا انَزَلْنا عَليْكَ الكِتَابَ يُتلَى عَلَيِهمْ انَّ فِى ذَلِكَ لَرَحَمةً وذِكْرى لِقَومٍ يُؤْمِنُونَ}. (العنكبوت/ 50- 51)
في جميع الآيات السبع المذكورة ركّز القرآن الكريم على مسألة التحدي (الدعوة إلى المعارضة) التي هي من اركان الاعجاز، فتارة يقول بصراحة- وتارة اخرى بالدلالة الالتزامية- :
انَّ هذا الكتاب السماوي هو من عند اللَّه وإذا كنتم في شك وريب ممّا نزلنا فاجمعوا كلَّ قواكم من أجل الإتيان بمثله أو بسورة منه، لأنّه إذا كان من نتاج فكر البشر فأنتم بشر أيضاً ولديكم فكر وذكاء، وفي الواقع أنّ القرآن وبواسطة هذا المنطق العقلي الواضح أثبت اعجازه بصورة إجمالية.
إنَّ الآية الاولى تقف بوجه المعاندين قائلة : {قُلْ لَّئِنِ اجتَمَعَتِ الانسُ وَالجِنُّ عَلَى انْ يَأْتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعَضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيراً}.
فهذه الآية تدعو من جهة أفراد البشر كافة دعوة عامة، ومن جهة اخرى فهي تدعو جميع أفراد البشر في عصرنا والعصور الآتية نظراً إلى خلود دعوة القرآن، ومن جهة ثالثة، وبملاحظة كلمة «اجتمعت»، وجملة {بَعضُهْم لِبعَضٍ ظَهِيراً} تبين أنّها دعوة للمشركين كافة للتعاون فيما بينهم وشحذ الهمم، وتوحيد أفكارهم في مجرى واحد من اجل المقابلة بالمثل، ومن جهة رابعة، فإنّ إثارة الخصم والتحرش به من أجل تأجيج غيرته قد اتخذ أقوى أشكال التحدي، وحينما خاطبهم بكلام قاطع : {لا يأتون بمثله}، فهو دليل قوي على ارتباطه الوثيق بعالم ما وراء الطبيعة.
إنّ هذا التحدي وهذا النداء كان موجهاً إلى أبناء البشر جميعاً في كل زمان ومكان، لأنّ دوافع أعداء الإسلام للقضاء عليه في عصر النبوة وفي كل عصر وزمان قائمة وقوية، ومن المُسلَّم أنّه لو كانت لديهم قدرة على ذلك لما تماهلوا عن ذلك، وتاريخ الإسلام وتاريخ كل العالم لم يذكر لنا بأنّ شخصاً أو جماعة قد أقدمت على هذا العمل، وهذا دليل على عجزهم وعدم قدرتهم، وفي النتيجة فهو دليل على عظمة واعجاز القرآن الكريم.
ويستفاد من هذه الآية أنّ الاجتماع وحده لا يؤثر في حل المشكلات مالم يكن بعضهم ظهيراً لبعض لحماية ومساعدة بعضهم للبعض الآخر وإسداء النصح لبعضهم الآخر.
كما نلفت الانظار إلى أنّ القرآن لا يكتفي في التحدي بالبلاغة وجمال البيان فقط، بل الشبه من جميع الجوانب الشاملة للمحتوى والمعارف والأحكام وكل شيء، وهذا ما تؤكده كلمة (مثله) الواردة في الآية.
في الآية الثانية يقلص القرآن تحديه عن الاتيان بمثله، ويطلب من الخصم أن يأتي بعشر سور وهو أقل من عشر كل القرآن قائلًا : {أَمْ يَقُولُونَ افتَرَاهُ قُلْ فَأْتوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثلِهِ مُفَتَرَياتٍ} ولم يكتف بهذا بل صرح : {وادعُوا مَنِ استَطَعُتم مِّن دُونِ اللَّه ان كُنُتم صَادِقِينَ}.
وفي الآية الثالثة نرى أنّ التحدي القرآني يصل إلى أقل من 1 خ قائلًا : {وَان كُنتُمْ فِى رَيبٍ مِّمَا نَزَّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثلِهِ} ثم أضاف : {وَادعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
فمن الواضح أنّ المراد من : {شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّه} أنصارهم وكل من اعتقد اعتقادهم لأنهم هم الذين شهدوا لصالحهم في رد وتكذيب رسالة النبي صلى الله عليه و آله. ومن الطبيعي أن يتعاونوا فيما بينهم ليأتوا بسورة واحدة مماثلة لسورة من القرآن وإلّا لو كان المراد من {شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّه} الإتيان بسورة تماثل سورة من القرآن لكان من المفروض مطالبة اللَّه بالشهادة قبل أي شخص آخر، ولذا فإنّ أول تفسير للآية نقله المرحوم الطبرسي في مجمع البيان عن ابن عباس هو : المراد منها الأعوان والأنصار، وأضاف : إنّه يطلق على الأعوان والأنصار : شهداء، لحضورهم وشهودهم حين التعاون.
وقدر رجح الفخر الرازي في تفسيره بعد ذكر معنيين للفظ الشهداء (أي : الأصنام، والأعوان، والأنصار) المعنى الثاني (1). وارتضى بعض المفسرين هذا المعنى أيضاً.
والسورة : تمثل جزءاً من آيات القرآن، تبدأ ب «بسم اللَّه ...».
وتختم قبل مجيء «بسم اللَّه» جديدة في السورة التي تليها، ماعدا سورة واحدة وهي سورة التوبة أو سورة براءة.
وقيل : إنّ كلمة سورة مأخوذة من «سُور» وهو الجدار المحيط بالمدن، فكأنّما أعتُبرَ القرآن بمجموع آياته، دولة عظيمة واسعة، والسور القرآنية مُدن هذه الدولة العظيمة.
وبناءً على هذا الدليل نعتقد بوجود ترابط واتصال بين آيات السورة الواحدة، وإن لم يكن واضحاً في الظاهر أحياناً وهذا الارتباط نظير وجود نوع من الانسجام والارتباط بين البيوت والعمارات والشوارع لكل مدينة مع أنّ فيها المساجد والمدارس والأسواق والمناطق المأهولة بالسكان، كل كيان في موضعه المناسب.
ويستفاد من هذا المعنى أنّ السور كانت في وقت نزول القرآن على هذه الهيئة العالية بخلاف تصوُّر بعض الجّهال وإن كان بعض من الآيات النازلة أحياناً يُتخذ له مكان معين في سورة خاصة بأمر من النبي صلى الله عليه و آله.
وجملة : «من مثله» تتضمن معنى شيء يكون على شاكلة القرآن في كل أوصافه التي تشمل (الفصاحة) و (بلاغة الألفاظ) مع المحتويات والمعارف القيّمة (2).
والشاهد على هذا الكلام ما ورد في قوله تعالى : {فَأتُوا بِسُورَةٍ مِثلِهِ}. (يونس/ 38)
ونقرأ في قوله تعالى : {فَلَيأتُوا بِحَديثٍ مِّثلِهِ}. (الطور/ 34)
وعلى هذا الأساس يستبعد كثيراً احتمال عودة ضمير (مثله) إلى النبي صلى الله عليه و آله بأنّ يكون معناها : إذا كنتم مرتابين في أصل هذه الآيات السماوية فأعثروا على رجل مثل محمد صلى الله عليه و آله لم يكن قد درس على الاطلاق وأتوا بآيات تناظر الآيات التي أتى بها.
إنَّ هذا المعنى بعيدٌ وإن ذكرهُ جماعة من المفسرين إمّا على وجه الاحتمال أو على وجه القبول.
ويحتمل أيضاً اجتماع التعبيرين في هذا المعنى، ويصير مفهومه بهذا الشكل : آتوا بسورة مثل سور القرآن من شخص لا يعرف القراءة والكتابة، كالنبي صلى الله عليه و آله.
والحديث الذي ورد في «تفسير البرهان» جمع هذين المعنيين في عبارة واحدة (3).
وعلى كل حال يقول عز من قائل في تعقيب هذه الآية : {فَإِنْ لَّم تَفعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فاتَّقُوا النّارَ الَّتي وَقُودُها النَّاسُ وَالحِجَارَةُ اُعدَّتْ لِلكَافِرِينَ}.
وتضمنت الآية الرابعة أيضاً التحدي بالإتيان بسورة تشابه سور القرآن فيقول عز وجل :
{امْ يَقولُونَ افتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بسُورَةٍ مِّثلِهِ وادعُوا مَن استَطَعتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ان كُنُتم صَادِقِينَ}.
إنّ لفظة «سورة» تشمل السور الطوال والقصار في القرآن، والتعبير (بمثله) إشارة إلى مماثلته من جميع الجهات، وجملة : {وَادعُوا مَنِ استَطَعتُمْ مِّن دوُنِ اللَّهِ} شاملة لكل ما سوى اللَّه تعالى.
فعلى هذا الأساس إذا كان القرآن نتاج فكر بشري، فإنّ إنساناً آخر يستطيع أن يأتي بمثله فضلًا عن أن يستعين أيضاً بأشخاص لا يحصون، وبالأخص مع كثرة وجود الفصحاء والبلغاء في أوساط العرب الجاهليين سابقاً.
ويستفاد ضمنياً من هذه الآية والآيات السابقة أنّ أفضل طريق للوصول إلى الأهداف المهمّة هو الاستفادة من الأطروحات المشتركة، وقد ذكر القرآن ذلك في الوقت الذي لم تكن مسألة الاجتماعات والمؤتمرات للوصول إلى حقائق المسائل المهمّة مطروحة على صعيد الواقع وحتى مساعي وجهود العلماء كانت تتخذ صبغة فردية وشخصية.
في الآية الخامسة ذكر هذا المعنى نفسه في قالب آخر، يقول عز من قائل : {امْ يَقولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَّا يُؤمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثلِهِ إن كَانُوا صَادِقِينَ}.
و«تَقَوَّلَ» : مأخوذة من لفظة (تَقُّول) بحسب ما ورد عن المرحوم «الطبرسي» في مجمع البيان : هو بمعنى الكلام الذي يختلق ويفتعل بتكلف ومشقة، ويستعمل عادةً في الكذب والزور، لأنّه ليس من الواقع في شيء ولا يخلو من تكلف (4).
ويمكن الإشارة «بحديث مثله» إلى تمام القرآن أو بضع سور أو سورة واحدة، أو حتى أقل من ذلك لإطلاق كلمة (الحديث) على كل منها.
يقول الراغب في المفردات : كل كلام ينقل إلى الإنسان عن طريق السماع المباشر، أو الوحي، في اليقظة، أو في المنام، فهو يسمى بالحديث.
الآية السادسة من سورة القصص تطرقت إلى الحديث عن الإتيان بكتاب يشابه هذا الكتاب (القرآن)، يقول عز من قائل : {قُل فأتُوا بِكِتَابٍ مِّن عِندِ اللَّهِ هُوَ اهًدى مِنهُمَا اتَّبِعْهُ انْ كُنْتُم صَادِقِينَ}.
ثم من أجل تعرية وفضح أساريرهم الملوثة، وبيان الاعجاز القرآني يعقب اللَّه تعالى بقوله : {فَانْ لَّمْ يستَجيبُوا لَكَ فَاعلَم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ اهَواءَهُم}.
أي : إذا عجز هؤلاء عن الإتيان بمثله فهو دليل على أنّ هذا الكتاب ليس وليد فكر البشر. وإلّا فليس هناك مبرر لعجز الفصحاء والبلغاء الذين يعيشون بين ظهرانيهم مع كل جهودهم ومساعيهم التي بذلوها.
ولفظة (كتاب) تعني كل شيء (مكتوب) و (مدوّن).
وبناءً على هذا فهو شامل لتمام القرآن ولا جزائه المختلفة أيضاً، خصوصاً إذا نظرنا إلى أنّ هذه الآية جاءت في سورة القصص، وقد نزلت في مكة، ومن المعلوم أنّ القرآن لم ينزل بتمامه في ذلك الزمان، فيتضح أنّه إضافة إلى كونه معجزة بأجمعه فإنّ أجزاءه المختلفة معجزة أيضاً.
وفي الآية السابعة والأخيرة من البحث جاء الردُّ على المحتجين فيقول تعالى على لسانهم : {وَقَالُوا لَولَا انزِلَ عَلَيهِ آيَاتٌ مِّن رَبِّهِ»، فيرد عليهم بقوله : «قُلْ انَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وانَّمَا أَنا نَذِيرٌ مّبِينٌ}.
ثم يعقِّب على ذلك بقوله : {اوَلَمْ يَكْفِهِم أَنَّا انَزَلنَا عَليكَ الكِتَابَ يُتلَى عَليِهِم}.
يعني لماذا يطلب هؤلاء معجزات اخرى على الرغم من وجود هذه المعجزة الإلهيّة العظيمة؟
فعلى هذا الأساس يُعلن بصراحة عن اعجاز القرآن ويتحدى المناوئين بالدلالة الالتزامية ويدعوهم إلى المنازلة.
يقول المفسر الكبير المرحوم الطبرسي في مجمع البيان : إنّ في إنزال القرآن دلالة واضحة ومعجزة لائحة وحجة بالغة تنزاح معه العلة وتقوم به الحجة فلا يحتاج في الوصول إلى العلم بصحة نبوته إلى غيره. على أنّ إظهار المعجزات مع كونها إزاحة للعلة تراعى فيه المصلحة فاذا كانت المصلحة في اظهار نوع منها لم يجز إظهار غيرها (5).
وتتبين أهميّة هذا البحث من خلال التوجه إلى النكتتين اللتين وردتا في (تفسير القرطبي) و (ظلال القرآن) :
إحداهما : إنّ خوارق العادات الجسمية تتوافق غالباً مع الأفراد المبتلين بالمسائل الحسية، وتتناسب مع بداية التفكير البشري، أمّا مثل هذه المعجزة الروحية التي تنطوي على جنبة معنوية فهي تنسجم مع الحقبة المتفتحة للفكر البشري.
والاخرى : اضافة إلى مخالفته خوارق عادات الأنبياء (نظير معجزة موسى وعيسى عليهما السلام التي ألقيت عليها مسوح السحر تشكل هذا الإعجاز (الذي هو من جنس الكلام) من ألفاظ يقوى عليها جميع الأفراد من أصحاب تلك اللغة (6).
تحصَّل من ذلك أنّ القرآن الكريم أشار في سبع آيات من السور المختلفة على الأقل إلى أنّه معجزة إلهيّة كبرى، وقام بتحدي المنكرين له بطرق مختلفة.
ومن المعلوم أنّ أيَّ شخص قام بعمل خارق للعادة ودعا جميع الناس إلى معارضته ومنازلته وعجزوا عن القيام به فذلك دليل على إعجاز عمله.
وبعبارة اخرى احتج القرآن عليهم في هذه العبارات بكلام فريد من نوعه بقوله : إذا كنتم تعتقدون بأنّ هذه الآيات هي من صنع عقل البشر فأنتم أيضاً بشر، ولكم عقول وأفكار ولا يندر وجود البلغاء والمتكلمين والفصحاء في أوساطكم، فاذا كنتم صادقين في هذا الادّعاء فأتوا بآيات مثل هذه الآيات. فيدعوهم إلى المشاركة في هذه المنازلة من خلال عباراته المتنوعة والمثيرة.
من جهة اخرى لو كان بإمكان أولئك الانتصار في مثل هذه المنازلة، لحشدوا كلَّ قواهم لأنَّ الانهزام في هذه المواجهة يساوي التضحية بكل شيء عندهم.
لقد كان القرآن في مواجهة حادة مع اسس ثقافتهم المتمثلة في عبادة الأوثان والمتغلغلة في مختلف شؤون حياتهم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أنزل شيوخهم ووجهاءهم وأثرياءهم المغرورين من اوج جبروتهم وقدرتهم إلى منتهى الحضيض، وسلب منهم امتيازاتهم المصطنعة والموهومة كافة.
وبغض النظر عن الشواهد التاريخية التي سوف نشير إليها لاحقاً فإنّ العوامل المحركة للمقابلة بالمثل كانت كثيرة جدّاً وإذا كان باستطاعتهم حقاً أن يجردوا النبي محمداً صلى الله عليه و آله من السلاح بهذا الاسلوب، لما دعت الحاجة إلى كل هذه الحروب الدموية، والمجابهات الساخنة وحيث إننا نراهم قد توسلوا بكل شيء سوى محاولة الإتيان بمثل آيات القرآن، فهذا بنفسه أكبر دليل على انهزامهم في هذه المنازلة.
_______________________
(1) تفسير الكبير، ج 2، ص 119.
(2) وبناء على ذلك فإنّ (من) إمّا زائدة أو بيانية.
(3) تفسير البرهان، ج 1، ص 67. ح 1.
(4) تفسير مجمع البيان، ج 9، ص 168.
(5) تفسير مجمع البيان، ج 7، 8، ص 289.
(6) تفسير في ظلال القرآن، ج 6، ص 422؛ وتفسير القرطبي، ج 7، ص 571.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|