أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2015
976
التاريخ: 10-12-2015
1357
التاريخ: 10-12-2015
944
التاريخ: 10-12-2015
1086
|
مسألة تنزيه الأنبياء من الذنب والخطأ يتفق عليها أغلب المسلمين، بل وحتى أصحاب الملل والشرائع الاخرى، لكن هناك اختلافات كثيرة وآراء وأقوالًا متنوّعة فيما يتعلّق بخصوصياتها، قد تناولتها كتب العقائد والتفسير، والحديث بالشرح والتفصيل.
المرحوم العلّامة الحلّي في كتابه «نهج الحقّ وكشف الصدق» «1» وكذلك هو وكل من شرح «تجريد العقائد» في شرح كلام الخواجة الطوسي «ويجب في النبي العصمة»، وكذلك «ابن أبي الحديد» في شرح نهج البلاغة «2»، حيث تناولوا كلّهم هذه الأقوال بشكل مطوّل، لكن المرحوم «العلّامة المجلسي» قام بشرح وترتيب هذا البحث بشكل أفضل من غيره، وهو ما سنذكر خلاصته أدناه على أمل الإحاطة بكل الأقوال المتعلقة بهذه المسألة، (إضافات وضعناها بين قوسين تخللت كلام هذا المحقّق العظيم).
اعلم أنّ الاختلاف الواقع في هذا الباب بين علماء الفريقين يرجع إلى أربعة أقسام :
أحدها، ما يقع في باب العقائد. وثانيها، ما يقع في التبليغ. وثالثها، ما يقع في الأحكام والفتيا.
ورابعها، في أفعالهم وسيرهم عليهم السلام. وأمّا الكفر والضلال في الإعتقاد، فقد أجمعت الامّة على عصمتهم عنهما قبل النبوّة وبعدها، غير أنّ الأزارقة من الخوارج جوّزوا عليهم الذنب.
وكلّ ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر عليهم، بل يحكى عنهم أنّهم قالوا : يجوز أن يبعث اللَّه نبيّاً علم أنّه يكفر بعد نبوّته! (لكن ضعف هذا الكلام هو بدرجة لا يمكن اعتباره ضمن أقوال العلماء المتقدّمين، وكذلك تعبير بعض مفسّري أهل السنّة في ذيل الآية :
{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} (الضحى/ 7).
وذيل الآية : {مَا كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} (الشورى/ 52).
وذيل الآية : {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} (الشرح/ 2).
والآية : {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (البقرة/ 131).
يبيّن أنّ البعض منهم يقول بجواز مسألة الكفر والشرك قبل النبوّة، لكن- وكما قلنا- لا يمكن اعتبار هذا الكلام من أقوال علماء الإسلام).
وامّا النوع الثاني وهو ما يتعلّق بالتبليغ فقد اتّفقت الامّة، بل جميع أرباب الملل والشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب والتحريف، فيما يتعلّق بالتبليغ عمداً أو سهواً إلّا «القاضي أبو بكر الباقلاني»، فإنّه جوّز ما كان من ذلك على سبيل النسيان وفلتات اللسان، (هذا القول نادر بدرجة بحيث لا يعتبر شيئاً في مقابل القول بالإجماع).
أمّا النوع الثالث وهو ما يتعلّق بالفتيا فأجمعوا على أنّه لا يجوز خطأهم فيها عمداً وسهواً، إلّاشرذمة قليلة من العامّة (التي خرقت هذا الإجماع، والتي لا يعتدّ بها أيضاً) (ينقل ابن أبي الحديد هنا عن الكرامية والحشوية «3» بأنّهم لم يقتصروا على القول بجواز الخطأ فقط في هذا القسم، بل استدلّوا بأسطورة الغرانيق الموضوعة لإثبات هذا المقصود بالنسبة للنبي الأكرم صلى الله عليه و آله «والعياذ باللَّه»).
وامّا النوع الرابع وهو أفعالهم، فقد اختلفوا فيها على خمسة أقوال :
1- مذهب الشيعة الإمامية وهو أنّه لا يصدر عنهم الذنوب الصغيرة أو الكبيرة ولا العمد والنسيان والخطأ في التأويل ولا للإسهاء من اللَّه سبحانه، ولم يخالف فيه (وفي مورد واحد فقط) إلّا الشيخ الصدوق وشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد فانّهما جوّزا الإسهاء لا السهو، الذي يكون من الشيطان وكذا القول في الأئمّة الطاهرين عليهم السلام.
2- أنّه لا يجوز عليهم فعل الكبائر، ويجوز عليهم فعل الصغائر إلّا الصغائر التي تشمئز منها النفوس، وكلّ ما ينسب فاعله إلى الدناءة والضعّة، وهذا قول أكثر المعتزلة «4».
3- أنّه لا يجوز أن يأتوا بصغيرة ولا كبيرة بشكل عمد، لكن يجوز على سبيل الخطأ أو السهو، وهو قول «أبي علي الجبائي» أحد متكلّمي المعتزلة ومن أقطابهم «5».
4- أنّه لا يقع منهم الذنب إلّا سهواً او خطأً، لكنّهم مسؤولون عما يقع منهم سهواً، وإن كان موضوعاً عن أممهم، لقوّة معرفتهم وعلو رتبتهم وكثرة دلائلهم، وأنّهم يقدرون من التحفّظ على ما لا يقدر عليه غيرهم .. وهو قول النظام «6» (الذي هو من علماء المعتزلة المعروفين في عهد بني العبّاس) وجعفر بن مبشّر ومن تبعهما.
5- أنّه يجوز عليهم الكبائر والصغائر عمداً وسهواً وخطأً، وهو قول «الحشوية» (الاخباريين من أهل السنّة، لكن لا يُعلم في الوقت الحاضر أحد منهم مؤيّد لهذا المذهب) وكثير من أصحاب الحديث من العامّة.
ثمّ يضيف المرحوم «العلّامة المجلسي» قائلًا :
ثمّ اختلفوا في وقت عصمة الأنبياء على ثلاثة أقوال.
الأوّل : إنّهم معصومون منذ ولادتهم إلى أن يلقوا اللَّه سبحانه، وهو مذهب أصحابنا الإمامية.
الثاني : إنّ عصمتهم تبدأ من حين بلوغهم، ولا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوّة، وهو مذهب كثير من المعتزلة.
الثالث : إنّ عصمتهم تبدأ من وقت «النبوّة»، وأمّا قبل ذلك فيجوز صدور المعصية عنهم، وهو قول أكثر «الأشاعرة» ومنهم الفخر الرازي، وبه قال «أبو هذيل» «وأبو علي الجبائي» من المعتزلة «7».
والملفت للنظر أنّ المصدر الرئيس لهذه الأقوال المتفرقة يعود بالدرجة الاولى إلى عاملين كما يبدو :
1- عدم وضوح البعض من ظواهر آيات القرآن التي يشمّ منها للوهلة الاولى نفي العصمة في بعض امورهم، في حين أنّ التدقيق في هذه الآيات، وتفسيرها على ضوء آيات القرآن الاخرى ينفي هذا التوهّم بالمرّة، ولكن نظراً لأنّ أهل الظاهر والجمود لم يكلّفوا أنفسهم عناء التحقيق والتدقيق فقد ابتلوا بمثل هذه العقائد.
2- فريق اعتبر بعض افراده الأدلّة العقليّة دخيلة في هذه المسألة، وفسّر آيات القرآن أفضل من صاحبه، كلّ اعتمد أحد الأقوال المتقدّمة، نظراً لتوهّمهم بأنّ الهدف من البعثة إنّما يتحقّق بالعصمة بعد النبوّة، أو العصمة في خصوص نطاق دائرة التبليغ، أو من الذنوب الكبيرة.
لكن الحقّ هو أنّ الأنبياء معصومون بشكل عامّ من الذنوب العمدية وغيرها، كبيرة كانت أم صغيرة، قبل «البلوغ» و «النبوّة» أم بعدها، وكذلك من الخطأ سواء أكان في العقيدة، أو تبليغ النبوّة وأداء الرسالة، أو بيان الأحكام أو غيرها.
هذه هي عقيدة علماء الشيعة، عقيدة أصحابنا في تنزيه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام من كلّ ذنب ودناءة ومنقصة قبل النبوّة وبعدها، ودليلهم على ذلك روايات أئمّة الهدى عليهم السلام الثابتة قطعاً عن طريق إجماع الأصحاب، والروايات المتظافرة، حتّى صار ذلك من قبيل الضروريات في مذهب الإمامية» (انتهى كلام العلّامة المجلسي) «8».
ومع هذا فمن المثير للعجب ما ينسبه بعض أعداء الشيعة لهذا المذهب بما يتنفّرون منه في كلماتهم، كقولهم مثلًا : إنّ الشيعة يجوّزون تظاهر الأنبياء بالكفر تقيّة خوفاً على حياتهم!
ثمّ إنّهم انهالوا على هذه العقيدة بكلّ عنف! «9».
في حين أنّه لم يقُل أي من علماء الشيعة أي شيء حول هذا الموضوع، وكم كان مناسباً لو أنّ هذا القائل ذكر ولو اسم شخص واحد، أو كتاباً واحداً على أقلّ تقدير تذكر فيه مثل هذه العقيدة، وحسب قول المرحوم «العلّامة المظفّر» إنّ هذا الكلام كذب جلي، وربّما يكون السبب وراء هذه النسبة هو جعل عقيدة الشيعة في التقيّة محوراً لاستنباطهم الخاطىء، فمع أنّ إظهار الكفر بل وحتّى ما دونه غير جائز للأنبياء أبداً، مهما تعرّضت حياتهم المقدّسة للخطر في هذا الطريق، وغدت قرباناً للدين والعقيدة.
لكن التقية العملية، كالتي ظهرت من نبي الإسلام صلى الله عليه و آله في مسألة الهجرة، حين خروجه من مكّة سرّاً حتّى وصل المدينة فلا محذور فيها، ولا ربط لهذا بما قالوه.
______________________________
(1) دلائل الصدوق، ج 1، ص 368.
(2) شرح نهج البلاغة لإبن ابي الحديد، ج 7، ص 7- 20.
(3) «الكرامية» هم أتباع محمّد بن كرام الذي ظهر في القرن الثالث وقال بالتجسيم، و «الحشوية» (بفتح الشين أوسكونها) طائفة من المعتزلة الذين ذهبوا وراء ظواهر القرآن وقالوا بالتجسيم، وقال البعض إنّ هذه الفرقة الضالّة شاركت أوّلًا في درس الحسن البصري، وحينما سمع الحسن منهم كلاماً يخالف الإسلام أمر بإخراجهم.
(4) «المعتزلة» أتباع «واصل بن عطاء» الذي هو من تلاميذ الحسن البصري ثمّ أعلن عن مخالفته إيّاه واعتزله، ولذا عرف أصحابه بالمعتزلة ولهم مؤيّدون كثيرون بين أهل السنّة.
(5) «جبا» كان إسماً لإحدى مناطق خوزستان.
(6) إسمه «إبراهيم بن سيّار» ولقّب ب «النظام» لأنّه كان يمتهن حرفة ترتيب الأختام وبيعها في سوق البصرة، أو لأنّه كان يتحدّث بشكل منظّم.
(7) بحار الأنوار، ج 11، ص 89- 91.
(8) المصدر السابق، 91.
(9) الشيخ روزبهان في كتاب إبطال الباطل، طبقاً لما نقله في كتاب دلائل الصدوق، ج 1، ص 369.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|