أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2015
943
التاريخ: 23-11-2014
1193
التاريخ: 10-12-2015
942
التاريخ: 23-09-2014
1243
|
أ) عجز الإنسان عن التقنين الدقيق
هناك علاقة وثيقة وواضحة جدّاً بين بعثة الأنبياء عليهم السلام والهدف من خلق الإنسان، ولا يمكن لأحد الجمع بين الإيمان باللَّه وبين إنكار حكمته في كلّ الكون، خصوصاً خلقة الإنسان، بناءً على هذا فلابدّ من وجود هدف وراء خلق الإنسان، وليس هذا الهدف سوى تربية مخلوق كامل يشعّ منه نور من صفات جمال الحقّ وجلاله، ويليق بنيل القرب الإلهي.
ومن البديهي أنّ تربية موجود كهذا بدون تخطيط دقيق ومسبق في كافّة أبعاد الحياة غير ممكن، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فهذه البرامج ليست بتلك السهولة التي يمكن للإنسان الإحاطة بجميع أبعادها مستعيناً بعقله الناقص ولعدم تمكّن الجميع من التعامل مع الوحي الإلهي بصورة مباشرة.
ويُفهم من هذه المقدّمات التي اشير إلى كلّ منها بصورة مختصرة، بداهة أن يختار اللَّه تعالى نوّاباً من قبله ليحملوا مشعل الهداية الإلهيّة إلى المجتمع البشري ليخرجوه من الظلمات إلى النور، ومن النقص إلى الكمال، ومن الجهل إلى العلم، ومن الإنحراف إلى التقوى ومكارم الأخلاق، ولا يخفى أنّ عدم تحقّق بعثة الأنبياء يؤدّي إلى عبثية خلق الإنسان وانتفاء الغاية والهدف.
وحيث إنّ الإنسان مدني بالطبع يستأنس بالحياة الاجتماعية، فقد أودع اللَّه تعالى حبّ مثل هذه الحياة في باطنه ليقوده عن طريقها نحو الهدف الأسمى، إذ إنّ محدودية القوّة البدنية والفكرية للإنسان المنزوي لا يمكن إنكارها، فلو عاش لوحده بعيداً عن أفراد نوعه لما وجدت هناك حضارة ولا اختراع واكتشاف ولا علوم ومعارف، إذ إنّ اجتماع وتلاقح عقول وأفكار وتجارب بني الإنسان هي السبب وراء ظهور قوّة عظيمة وتوفير الأرضيّة المناسبة للحركة التكاملية في تمام الجوانب الماديّة والمعنوية وبسرعة خاطفة.
فلو عاش الإنسان على انفراد لبقي لحدّ الآن في العصر الحجري، ولما تعلّم القراءة والكتابة على أكبر الظنّ، فضلًا عن كلّ هذه العلوم والإختراعات والإكتشافات، وخلاصة القول هي أنّ أكبر إنجازين للإنسان هما حريّة التفكير، والتمتّع بالإبتكار والابداع والاختراع، فضلًا عن الرغبة في حياة اجتماعية في المرحلة المتقدّمة.
لكنّ من الواضح جدّاً أنّ الحياة الجماعية مع كلّ ما تحمله من بركات هي السبب من جهة اخرى وراء خلق المشاكل والمصادمات والازمات وتعارض الأهواء الشخصية، وإنّ طيّ المسير التكاملي إنّما يتسنّى لذلك المجتمع الذي تشخّص فيه واجبات كلّ فرد وحقوقه، ومن هنا تظهر الحاجة إلى سنّ القوانين الاجتماعية وتنظيم حقوق أفراد المجتمع، فالقانون هو الذي يعيّن واجبات كلّ فرد بالضبط كما يعيّن حقوقه، وأخيراً يقدّم خطّة القضاء على المشاكل وحلّ الخصومات ويبيّن كيفيّة مواجهة التخلّفات والانحرافات.
وبناءً على هذا فالحياة الجماعية بدون القانون السليم والنظام الصحيح هي أسوأ من الحياة الفردية بعدّة مراتب، وذلك لزوال منافع المجتمع وبسبب التناقضات.
ولبّ الكلام يكمن في السؤال عن الطرف الذي يسنّ هذه القوانين، فهل هو الإنسان أم الخالق؟
ويمكن الإجابة عن هذا السؤال بتحليل مختصر : وهو أنّ المقنن الكامل يجب أن يتمتّع بالشروط أدناه ليتمكّن من سنّ أفضل قانون :
1- يجب قبل كلّ شيء أن يكون المقنّن خبيراً بالإنسان عالماً بكلّ أسرار جسمه ونفسه وعواطفه وغرائزه وميوله وأهوائه وأمانيه وفطرته وإدراكاته العقليّة، وكذلك محيطاً بكلّ الاصول الحاكمة على الروابط التي تجمع الناس مع بعضهم البعض ليتمكّن على ضوئها من وضع قوانين تنسجم معها.
2- يجب أن يكون له علم تامّ بالماضي والمستقبل البعيدين، ليقف على جذور مسائل اليوم المعقّدة من خلال الماضي، ويتمكّن من تقييم آثار قوانين اليوم على مستقبل الحياة البشرية، نظراً لاستحالة إمكانية حلّ مشاكل اليوم مع الجهل بجذورها الماضية، كما هو الحال تماماً في استحالة فائدة قوانين اليوم مع عدم الأخذ بنظر الاعتبار مضاعفاتها في الغد (تأمّل جيّداً).
3- المقنّن المناسب يجب أن يتمتّع ب «علم كامل» ليتمكّن عن طريق قوانينه من إخراج كلّ القابليات والإمكانات والاستعدادات الكامنة في داخل أفراد المجتمع إلى حيّز الوجود، ويُضفي الفعلية على ما هو كامن في طبيعة الإنسان بالإمكان والقوّة، ويغذّي المجتمع بأكبر قدر ممكن من الإنجازات وبأقلّ ثمن يكلّف طبيعة الحياة الجماعية.
4- يجب أن تكون القوانين ذات جنبة واقعية لا خيالية، وتتمتع بضمان تنفيذها بشكل وافٍ من قبل مؤيّديها، وبعيدة عن التعقيد ليسهل على الجميع إدراكها.
5- المقنّن الحقيقي هو الذي لا يرتكب ذنباً وخطأً وسهواً، فضلًا عن ضرورة كونه رحيماً باولئك الذين تُسنّ لهم القوانين، وحازماً قوي الإرادة وشجاعاً في نفس الوقت.
6- المقنّن اللائق من ليست له مصلحة شخصية في ذلك المجتمع، لأنّها إنّما تشغل فكر المقنّن وتجلبه نحوها، إذ إنّه لو تمكّن على سبيل المثال من اجتناب آثارها الظاهرة للعيان لعجز عن الوقوف على آثارها المخفية بالتأكيد، وإنّ أكبر معضلة لعالم اليوم، والتي تسبّبت في خلق المواجهات والمشاحنات الدامية هي هذه القوانين التي تسنّ من قبل ما يصطلح عليهم بمفكّري كلّ مجتمع على حده، إذ كلّ واحد منهم لا يأخذ بنظر الاعتبار سوى منافعه الشخصية أو منافع أتباعه ووطنه، وبديهي أنّ مثل هذا التكبّر والأنانية وضيق النظر لا يحمل معه سوى زيادة في حدّة الصراعات والمواجهات.
وهل تتوفّر يا ترى هذه الحيثيّات الستّ المتقدّمة في غير ذات الباري جلّت قدرته؟
الذي لا نهاية لعلمه بالماضي والمستقبل المحيط بجذور وأسرار كلّ شيء وكلّ موضوع ونتائجه والذي لا يجد الخطأ والسهو والاشتباه طريقاً إلى ذاته المقدّسة.
وأخيراً هو الذي لا يحتاج لشيء ولا لأحد لضمان منافعه.
ومن هنا نستدلّ على نقص وعدم جدوى كلّ قانون غير قانون اللَّه تعالى، بل كلّ حكم دون حكمه تعالى زائل لا محالة ولا يمكن الاعتماد عليه، وحينما ندقّق النظر القويم نجد أنّ كلّ مشاكل الإنسان ومعضلاته نابعة من رغبته في سنّ قانون لنفسه اعتماداً على علمه المحدود، وبدوافع هوى النفس! وهذا هو أحد الأدلّة العقليّة على لزوم بعثة الأنبياء عليهم السلام.
ب) التنسيق بين التكوين والتشريع
يمكن توضيح مسألة ضرورة بعثة الأنبياء عليهم السلام عن طريق منطق وبيان آخر وهو أنّ إلقاء نظرة واحدة على عالم الخلقة كافية لإدراك حقيقة أنّ خالق الكون ومن أجل إيصال كلّ موجود إلى كماله النسبي، قد وضع تحت تصرّفه كلّ ما يحتاجه وأزال عن طريقه كلّ الموانع، ولم يقتصر على اللوازم الضرورية لطي هذا الطريق، وإنّما منحه ما يحتمل كونه عاملًا مساعداً لبلوغ هذا الهدف وإن لم يكن ضرورياً، فالطائر الذي خلق ليطير مثلًا، نراه يتمتّع بهيكل يسهّل عمليه طيرانه من كافّة الجهات فضلًا عن أجنحته القويّة التي تكسبه قدرة عظيمة على التحليق عالياً.
وعندما منح الإنسان عينين لمشاهدة المناظر المختلفة، فلم يكتف بالأعضاء الضرورية التي تستحيل الرؤية بدونها، بل وضع تحت اختياره الكثير من الأعضاء التكميليّة إذ زوّد العين ب «الأهداب» للحؤول دون دخول ذرّات الغبار، ووضع في سقف الأجفان «غدداً دهنية» لتبقى رطبة دائماً وجهّز العيون ب «غدد دمعية» ليبقى سطح العين رطباً دائماً لئلّا تحدث حركة الأجفان أدنى جرح فيها، وأوجد «الحاجبين» كالسدّ فوق العينين لإكمال عملهما ولكي تمنع نزول العرق من الجبين عليهما، وزوّد كرة العين ب «عضلات» تمكّنها من الحركة إلى الجهات الستّ بحريّة.
كما أنّ بالإمكان الوقوف على الكثير من هذه النماذج في عالم الخليقة كلّه.
وهنا يرد هذا السؤال وهو أنّه هل يمكن للخالق الذي وضع كلّ هذه الوسائل المتطوّرة تحت تصرّف الموجودات في عالم التكوين (الخلقة) أنّ يغضّ النظر عن إرسال الأنبياء عليهم السلام والدور المهمّ لهذه البعثة في طريق تكامل النوع البشري وتحقيق الهدف من حياته في كافّة أبعادها الماديّة والمعنوية كما تقدّم ويحرم المجتمع الإنساني من هذه الموهبة العظيمة؟!
أشار الشيخ الرئيس ابن سينا في كتاب «الشفاء» إلى هذه الحقيقة بعبارة مختصرة وتمثيل رائع حيث قال :
«فحاجة الإنسان إلى هذا «بَعْثِ الرُّسُلِ» في أن يبقى نوع الإنسان ويتحصّل وجوده، أشدّ من الحاجة إلى انبات الشعر على الحاجبين وتقعير الأخمس من القدمين وأشياء اخرى من المنافع التي لا ضرورة فيها في البقاء ... فلا يجوز أن تكون العناية الأزلية وتقتضي تلك المنافع ولا تقتضي هذه التي هي اسّها» «1».
وقد بيّن هشام بن الحكم التلميذ المعروف للإمام الصادق عليه السلام هذا الاستدلال بشكل آخر ل «عمرو بن عبيد» العالم السنّي المعروف وقد سبق ابن سينا بذلك، ومن جملة ما ذكر في هذه المحاورة : «.. قلت :- لابدّ من القلب وإلّا لم تستيقن الجوارح؟ قال : نعم. فقلت له :
يا أبا مروان فاللَّه تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يصحّح لها الصحيح ويتيقّن به ما شكّ فيه، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ويقيم لك إماماً لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك؟! قال : فسكت ولم يقل لي شيئاً» «2».
ج) التربية العلمية
الطريق الثالث الذي يمكننا أن نستفيد منه للحصول على تحليل منطقي لمسألة علّة إرسال الرسل، هو أن تربية الإنسان لها بعد علمي قبل أن يكون لها بعد وجانب عملي.
والشرط في موفّقية المربّي في مهمّته أنّ يتمكّن من الظهور كقدوة متكاملة في تطبيق تعليماته من الناحية العملية فضلًا عن التربية اللازمة، وأن يعكس كلّ المسائل التربوية من خلال صفاته وأخلاقه وتصرّفاته، ولا يمكن هذا إلّاأن ينتخب الأنبياء عليهم السلام من جنس البشر كقدوة حسنة، فيعكسوا صفات الإنسان الكامل وسلوكه من الناحية العملية ليقتدي بهم الناس، ويسيروا على خطاهم فيقطعوا هذا الطريق المليء بالعثرات والعقبات بقيادتهم.
وبعبارة اخرى : هناك في وجود الإنسان شيء اسمه روحية «المحاكاة» أي أنّه ينجذب بصورة لا إرادية نحو ما يراه في أفراد جنسه، وهذا الإحساس طبعاً لا يبلغ مرتبة الدافع القهري بل هو بمثابة الأرضية المناسبة لحركة إرادية كما هو الحال في الظمأ فإنّه لا يجبر الإنسان العطشان على شرب الماء لكنّه يعدّ بمثابة الأرضية لذلك.
حينما يأتي الأنبياء عليهم السلام أو الأئمّة المعصومون عليهم السلام الذين هم من جنس البشر بالتعليمات الإلهيّة الجامعة إلى من يماثلهم ويطبّقون هذه التعليمات عمليّاً ويعكسون الفضائل الإنسانية بالتقوى والصدق يحصل باقي البشر على أرضية مناسبة لاكتساب مثل هذه الصفات.
ولذا فالقرآن الكريم يصرّح بضرورة كون النبي الأكرم صلى الله عليه و آله من جنس البشر، كما أنّه لو كان هنالك ملائكة يعيشون في الأرض لوجب ظهور أنبياء من جنسهم، وذلك ردّاً على اولئك الذين يصرّون قائلين لماذا لم يكن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله من جنس الملائكة أو لماذا لم يصطحبه ملك على أقلّ تقدير؟ يقول تعالى : {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا* قُلْ لَو كَانَ فِى الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولًا}. (الإسراء/ 94- 95)
يبدو أنّ التعبير ب «ملائكة يمشون مطمئنين» لبيان هذه المسألة وهي أنّه حتّى لو كان هناك ملائكة يعيشون في الأرض متسالمين لبعثنا إليهم ملكاً من جنسهم كقائد يقودهم بالرغم من انعدام الخصومات فيما بينهم، نظراً إلى أنّ مهمّة الأنبياء عليهم السلام لا تنحصر في إنهاء حالة التخاصم وإقامة القسط والعدالة الاجتماعية، بل تعدّ كلّ هذه مقدّمة لطيّ طريق الكمالات المعنوية للتقرّب إلى اللَّه تعالى.
على أيّة حال فقد ورد ما يشبه هذا المعنى في لباس آخر كإجابة على تذرع المشركين، حيث قال تعالى : {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}.
(الأنعام/ 9)
كما أنّ هناك ملاحظة جديرة بالإعتبار، وهي أنّ القرآن يؤكّد على كون نبي الإسلام صلى الله عليه و آله أو سائر الأنبياء عليهم السلام قدوة ومثالًا يقتدى به ويوصي الناس بضرورة الإقتداء بهم في برامجهم العملية، يقول تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. (الأحزاب/ 21)
ويقول في موضع آخر : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ}. (الممتحنة/ 4)
كما تكرّر نفس هذا المعنى في الآية السادسة من نفس هذه السورة.
على أيّة حال فمسألة التربية والتعليم عن طريق الإقتداء بالقادة الإلهيين مؤيّدة بالتحليل المنطقي والآيات القرآنية أيضاً.
___________________________
(1) الشفاء، الإلهيات، المقال 10، الفصل 2، ص 441.
(2) اصول الكافي، ج 1، ص 169، كتاب الحجّة، باب الإضطرار إلى الحجّة، ح 3.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|