أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-11-2014
2081
التاريخ: 19-09-2014
1899
التاريخ: 5-11-2014
1821
التاريخ: 20-09-2014
2150
|
القرآن وما أدراك ما القرآن ، كتاب جاء به بشر مبلغا أنه وحي يوحى {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5] في العصر الوحيد في رُقىّ الفصاحة والبلاغة ـ في نوع العرب ـ وقيام سوقهما وعموم أدبهما.
وكانت دعوة القرآن باهضة لأهل ذلك العصر ، مضادة لأهوائهم ، مهددة لطاغوتهم في جميع شؤونهم ، وكانوا هم أهل السلطة والصولة ، والاقتدار والثروة ، وأهل اللسان الراقين في الفصاحة والبلاغة ، فاحتجّ القرآن ونبيّه بجلالة مقامه بحيث يعجزون عن معارضته والاتيان بمثله.
وكم تحدّاهم (1) في ذلك بطلب المعارضة تعجيزاً ، فلمّا عجزوا تنازل في تعجيزهم إلى "عشرة سور من مثله" (2) فلمّا عجزوا تنازل معهم إلى الإتيان {بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس : 38] وقد كان لهم بالمعارضة أحسن مندوحة تقوم لهم بها الحجّة ، وتظهر الغلبة ، ويخلد لهم الذكر ، ويسمو الشرف ، ويستريحون إليها من مقاساة أهوال الحروب التي طحنتهم ، ومعاناة (3) هوان الأسر ، وصَغار المغلوبية ، وذلّة الانحطاط من جبروتهم ، والتنازل عن ضلالهم وعوائدهم.
لكنّهم يعرفون ـ لا كغيرهم ـ أنّ الذي يُفتخر به ويُتنافس فيه من ارتفاع قدر الكلام وبلاغته إنّما يكون بمقدار مطابقته لمقتضى الحال الذي يُتكلّم فيه وجريانه على الوجوه اللازمة في ذلك ، لا بمجرّد تزويق (4) الألفاظ وتحوير العبارات; وقد وجدوا القرآن الكريم يعطي كل مقام حقّه من المطابقة لحقيقته ومناسباتها ، بحيث لم يجدوا في ذلك شبهة غميزة (5) . مع خوضه حقّ الخوض في كل حقيقة يحوم حولها العارف الإلهي ، والمصلح الديني ، والمصلح السياسي ، والمصلح المدني الاجتماعي ، والمصلح التأريخي ، والنبي المتعرّض للغيب ، فيوفّي كل حقيقة حقّها على النحو الباهر ، مع الاستقامة في المسلك ، والاطّراد في المجرى ، والانسجام في البيان.
وعلموا أنّه لا يجدي في المعارضة خيالياتهم في الغزل والنسيب والمدح والحماسة ، بل لا بُدّ أن يخوضوا في مواضيع القرآن الكريم من الحقائق خوضاً ابتدائياً لا اتّباعاً تقليديّاً.
فأقعدهم عرفانهم ذلك مقعد العجز ، وأوقفهم موقف الحيرة ، فاحتملوا ما احتملوا من البلاء ، إذ لم يجدوا لما دعاهم إليه من النصفة سبيلاً ، فبان منهم العجز عن ذلك ، وظهر عند القاصي والداني إعجاز القرآن وأنّه خارج عن طوق البشر.
ولو كان من ذلك شيء يرضونه أو يتوهّمون لياقته للحجّة ورواجه في سوق المحاكمة لرفعوه علماً للاحتجاج ، وأنطقوه مستصرخاً للانتصار ، وصارخاً في الأقطار بالظليمة ، وداعياً إلى المحاكمة ، وللهجت به الأندية (6) ، وعجّت بنشيده أسواق العرب ، وسارت به الركبان ، ودوّنت به الدفاتر ، وتعنونت باسمه الحروب والمنافرات ، ولكثرة الأعوان والمحامون (7) والمدّعون ، ولضجّت به اليهود والنصارى في جزيرة العرب وفلسطين وسوريا ، فكان لهم أشهي حديث يؤثر ، وأجلّ سيرة تسجّل ، ولكان أقرّ لعيونهم في التاريخ من أحاديث شمشون (8) ومجلة استير (9) ورؤيا يوحنّا (10) ، وها أنت وكلّ أحد لا تحسّ لذلك همساً ولا تسمع له حسيساً.
فإن توهّم "حسن الإيجاز" أن قد جاءوا بمثله واختفى علينا فقد أخطأ وجدانه ، كيف وأنّهم أهل السلطة والكثرة القاهرة وحاجتهم إلى ذلك أشدّ من حاجتهم إلى حفظ شعر امرىء القيس وغيره من الشعراء؟! فكيف يأتون بمثل هذا القرآن ويضيّعونه ولم يضيّعوا المعلّقات السبع التي علّقوها بالكعبة إعجاباً بها ، فلمّا جاء القرآن أنزلوها استحقاراً في جنب جلالته كما حفظ ذلك لنا التاريخ؟!
وحينئذ فاعتراف أهل اللسان بإعجاز القرآن حسبما دلّ عليه الوجدان أوضح دليل على إعجازه ، ومن لم يكن من أهل اللسان فهو عاجز عن إدراك ذلك فلا ينبغي له الخوض فيه ، بل يلزم عليه أن يتّبع أهل اللسان ولا يبقى هالكاً في ورطة الجهل ، أعاذنا الله منه ومن الجهل بأنّا جاهلون والله الهادي إلى سواء السبيل.
ومن ظرائف الشواهد (11) أنّ بعض المولّدين والدخلاء في اللغة العربية ، في أواخر القرن الثاني وما بعده من نزول القرآن ، أرادوا أن يعرفوا علم القرآن ويتعلّموا منه مجاري البلاغة وأسرار اللغة العربية وفذلكاتها في الكلام ، فوقف بهم التعلّم في بعض الموارد على عقبات الجهل والشك ، فجاء بعض النصارى ، كهاشم المتعرّب (12) وغيره ، فجعلوا تلك الشكوك والجهالات انتقادات على القرآن فزادوا على الجهل جهلاً آخر.
____________________
(1) تحدّاهم : نازعهم.
(2) اقتباس من سورة هود 11 : 13.
(3) المعاناة : الملابسة والمباشرة.
(4) التزويق : التحسين.
(5) الغميزة : العيب.
(6) الأندية : جمع النادي ، بمعنى المجلس.
(7) المحامي : هو الوكيل في المحاكمة.
(8) هو الإصحاح (الفضل) الرابع عشر من سفر القضاة من العهد القديم الذي ينسبه اليهود والنصارى إلى الإلهام.
(9) استير : أحد أسفار العهد القديم ، استعير له اسم المجلّة مشاربهةً.
(10) هو من جهة الكتب الإلهامية عند النصارى.
(11) أي من الشواهد على ما قلنا : "ومن لم يكن من أهل اللسان فهو عاجز...".
(12) اسمه هاشم العربي ، أطلق عليه المتعرّب لعدم اطلاعه على قواعد العربية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|