أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-01-2015
![]()
التاريخ: 2024-06-29
![]()
التاريخ: 2024-11-24
![]()
التاريخ: 6-12-2015
![]() |
قال تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} [الأنفال: 14]
{ذَلِكُمْ} : الخطاب فيه مع الكفار على طريقة الالتفات .
{فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}: والمعنى ذوقوا ما عجل لكم من القتل والأسر مع ما أجل لكم في الآخرة من عذاب النار .
القمي : وكان سبب ذلك أن عير قريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه بالخروج ليأخذوها فأخبرهم أن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين إما العير وإما القريش إن ظفر بهم ، فخرج في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، فلما قارب بدرا وكان أبو سفيان (لعنه الله) في العير فلما بلغه أن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) قد خرج يتعرض العير خاف خوفا شديدا ومضى إلى الشام فلما وافى [1] النقرة [2] اكترى ضمضم بن عمرو الخزاعي بعشرة دنانير وأعطاه قلوصا [3] وقال له : امض إلى قريش وأخبرهم أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) والصباة [4] من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فأدركوا العير ، وأوصاه أن يحزم ناقته ويقطع أذنها حتى يسيل الدم ، ويشق ثوبه من قبل ودبر ، فإذا دخل مكة ولى وجهه إلى ذنب العير وصاح بأعلى صوته : يا آل غالب يا آل غالب، اللطيمة [5] اللطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا ، وما أريكم تدركون فإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم .
فخرج ضمضم يبادر إلى مكة ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة أيام كأن راكبا قد دخل مكة ينادي : يا آل غدر يا آل غدر ، اغدوا إلى مصارعكم صبيح ثالثة ثم وافى بجمله على أبي قبيس فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابه منه فلذة وكأن وادي مكة قد سال من أسفله دما.
فانتبهت ذعرة فأخبرت العباس بذلك ، فأخبر العباس عتبة بن ربيعة ، فقال عتبة : هذه مصيبة تحدث في قريش ، وفشت الرؤيا في قريش ، وبلغ ذلك أبا جهل ، فقال : ما رأت عاتكة هذه الرؤيا ، وهذه تبنية ثانية في بني عبد المطلب ، واللات والعزى لننتظرن ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقا فهو كما رأت ، وإن كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتابا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ولا نساء من بني هاشم ، فلما مضى يوم ، قال أبو جهل : هذا يوم قد مضى ، فلما كان اليوم الثاني ، قال أبو جهل : هذان يومان قد مضيا ، فلما كان اليوم الثالث ، وافى ضمضم ينادي في الوادي يا آل غالب : يا آل غالب ، اللطيمة فتصايح الناس بمكة وتهيئوا للخروج ، وقام سهل بن عمرو ، وصفوان بن أمية ، وأبو البختري بن هشام ، ومنبه [6]، ونبيه ابنا الحجاج ، ونوفل بن خويلد فقالوا : يا معشر قريش والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه أن يطمع محمد والصباة من أهل يثرب أن يتعرضوا لعيركم التي فيها خزائنكم ، فوالله ما قرشي ولا قرشية إلا ولهما في هذه العير نش [7]فصاعدا وأنه الذل والصغار أن يطمع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في أموالكم ، ويفرق بينكم وبين متجركم فأخرجوا .
وأخرج صفوان بن أمية خمسمأة دينار وجهز بها ، وأخرج سهيل بن عمرو ، وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرجوا مالا وحملوا وقودا وخرجوا على الصعب [8] والذلول لا يملكون أنفسهم كما قال الله تعالى : {خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفال: 47]، وخرج معهم العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحرث ، وعقيل بن أبي طالب ، وأخرجوا معهم القيان يشربون الخمر ويضربون بالدفوف .
وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فلما كان بقرب بدر على ليلة منها بعث بشير بن أبي الرغباء ، ومحمد بن عمرو يتجسسان خبر العير فأتيا ماء بدر فأناخا راحلتيهما واستعذبا من الماء ، وسمعا جاريتين قد تشبثت
إحديهما بالأخرى وتطالبها بدرهم كان لها عليها ، فقالت : عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وهي تنزل غدا هيهنا وأعمل لهم وأقضيك ، فرجعا فأخبراه بما سمعا ، فأقبل أبو سفيان بالعير فلما شارف بدرا تقدم العير وأقبل وحده حتى انتهى إلى ماء بدر وكان بها رجل من جهينة يقال له كسب الجهني ، فقال له : يا كسب هل لك علم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه ؟ قال : لا ، قال : واللات والعزى لئن كتمتنا أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تزال قريش لك معادية آخر الدهر فإنه ليس أحد من قريش إلا وله في هذا العير نش فصاعدا فلا تكتمني .
فقال : والله ما لي علم بمحمد وأصحابه بالتخبار إلا إني رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا فاستعذبا من الماء وأناخا راحلتيهما ورجعا فلا أدرى من هما ، فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ إبلهما ففت أبعار الإبل بيده فوجد فيها النوى ، فقال : هذه علايف يثرب هؤلاء والله عيون محمد فرجع مسرعا ، وأمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر ، وتركوا الطريق ومروا مسرعين .
ونزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره إن العير قد أفلتت وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأمره بالقتال ووعده النصرة وكان نازلا ماء الصفراء فأحب أن يبلو الأنصار لأنهم إنما وعدوه لأن ينصروه ، وكان في الدار فأخبرهم أن العير قد جازت وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأن الله قد أمرني بمحاربتهم .
فجزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك وخافوا خوفا شديدا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشيروا علي فقام أبو بكر ، فقال : يا رسول إنها قريش وخيلاؤها ، ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلت منذ عزت ، ولم نخرج على هيئة الحرب .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اجلس فجلس ، فقال : أشيروا علي ، فقام عمر ، فقال : مثل مقالة أبي بكر ، فقال : اجلس .
ثم قام المقداد فقال : يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها وقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا ([9]) وشوك الهراس والقينة الأمة مغنية كانت أو غير مغنية وقيل الأمة البيضاء والجمع قيان لخضنا معك ، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى : {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ، ولكنا نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا وإنا معكما مقاتلون ، فجزاه النبي خيرا ثم جلس .
ثم قال : أشيروا علي فقام سعد بن معاذ ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله كأنك أردتنا ؟ قال : نعم ، قال : فلعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره ، قال : نعم .
قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله إننا قد آمنا بك ، وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، فمرنا بما شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منها ما شئت ، والذي أخذت منه أحب إلي من الذي تركت ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضنا معك ، ثم قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله والله ما خضت هذا الطريق قط وما لي به علم ، وقد خلفنا بالمدينة قوما ليس نحن بأشد جهادا لك منهم ولو علموا أنه الحرب لما تخلفوا ولكن نعد لك الرواحل ، ونلقى عدونا فإنا صبر عند اللقاء أنجاد في الحرب وإنا لنرجو أن يقر الله عينيك بنا فإن يك ما تحب فهو ذاك ، وإن يك غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ويحدث الله غير ذلك كأني بمصرع فلان هيهنا ، وبمصرع فلان هيهنا ، وبمصرع أبي جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومنبه ونبيه ابني الحجاج فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، ولن يخلف الله الميعاد .
فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الآية : { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } [الأنفال: 5 - 8]،
فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرحيل حتى نزل عشاء على ماء بدر ، وهي العدوة الشامية ، وأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية ، وبعثت عبيدها تستعذب من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحبسوهم ، فقالوا لهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن عبيد قريش ، قالوا : فأين العير ؟ قالوا : لا علم لنا بالعير ، فأقبلوا يضربونهم ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي فانفتل من صلاته فقال : إن صدقوكم ضربتموهم ، وإن كذبوكم تركتموهم علي بهم فأتوا بهم .
فقال لهم : من أنتم قالوا يا محمد نحن عبيد قريش ، قال : كم القوم ؟ قالوا : لا علم لنا بعددهم ؟ قال : كم ينحرون في كل يوم جزورا [10] ؟ قالوا : تسعة إلى عشرة .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، القوم تسعمأة إلى ألف ، قال : فمن فيهم من بني هاشم ؟ قالوا : العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب ، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهم فحبسوا .
وبلغ قريشا ذلك فخافوا خوفا شديدا ، ولقى عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال له : أما ترى هذا البغي والله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت فجئنا بغيا وعدوانا والله ما أفلح قوم قط بغوا ولوددت أن ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهب كله ولم نسر هذا المسير .
فقال له أبو البختري : إنك سيد من سادات قريش فسر في الناس وتحمل العير التي أصابها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بنخلة ودم ابن الحضرمي فإنه حليفك ، فقال عتبة : أنت تشير علي بذلك وما على أحد منا خلاف إلا ابن الحنظلية يعني أبا جهل فسر إليه وأعلمه إني قد تحملت العير التي أصابها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بنخلة ودم ابن الحضرمي .
فقال أبو البختري : فقصدت خبأه وإذا هو قد أخرج درعا له ، فقلت له : إن أبا الوليد بعثني إليك ، برسالة فغضب ، ثم قال : أما وجد عتبة رسولا غيرك ؟ فقلت : أما والله لو غيره أرسلني ما جئت ، ولكن أبا الوليد سيد العشيرة ، فغضب غضبة أخرى ، فقال : تقول سيد العشيرة ؟ فقلت : أنا أقوله وقريش كلها تقول أنه قد تحمل العير ودم ابن الحضرمي .
فقال : إن عتبة أطول الناس لسانا وأبلغهم في الكلام ، ويتعصب لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فإنه من بني عبد مناف وابنه معه ويريد أن لا يخذله بين الناس لا واللات والعزى حتى نقحم [11] عليهم بيثرب ونأخذهم أسارى فندخلهم مكة فتسامع العرب بذلك ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه .
وبلغ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كثرة قريش ففزعوا فزعا شديدا ، وشكوا ، وبكوا ، واستغاثوا ، فأنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9، 10]،
فلما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجنه [12] الليل ألقى الله تعالى على أصحابه النعاس حتى ناموا فأنزل الله تعالى عليهم السماء [13].
وكان نزول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في موضع لا يثبت فيه القدم .
فأنزل الله عليهم السماء ولبد الأرض حتى تثبت أقدامهم ، وهو قول الله تعالى : {أذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} [الأنفال: 11]، وذلك أن بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) احتلم {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ }، وكان المطر على قريش مثل العزالى [14]، وكان على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رذاذا بقدر ما يلبد به الأرض ، وخافت قريش خوفا شديدا فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات ، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمار بن ياسر ، وعبد الله بن مسعود ، فقال : ادخلا في القوم وأتونا بأخبارهم فكانا يجولان بعسكرهم لا يرون إلا خائفا ذعرا إذا صهل الفرس وثب على جحفلته [15] فسمعوا منبه بن الحجاج يقول : لا يترك الجوع لنا مبيتا * لابد أن نموت أو يميتنا قال : قد والله كانوا شباعا ولكنهم من الخوف قالوا : هذا ، وألقى الله في قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى : {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12].
فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبأ [16] أصحابه ، وكان في عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) فرسان : فرس للزبير بن العوام ، وفرس لمقداد ، وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها .
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي على جمل يتعاقبون عليه ، والجمل لمرثد ، وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس .
فعبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه بين يديه ، فقال : غضوا أبصاركم ولا تبدؤهم بالقتال ، ولا يتكلمن أحد .
فلما نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قال أبو جهل : ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد .
فقال عتبة بن ربيعة : أترى لهم كمينا ومددا ؟ فبعثوا عمرو بن وهب الجمحي ، وكان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم صعد في الوادي وصوت ، ثم رجع إلى قريش فقال : ما لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح [17] يثرب قد حملت الموت الناقع ، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلا سيوفهم ، وما أريهم يولون حتى يقتلوا ، ولا يقتلون حتى تقتلوا بعددهم فارتأوا [18] رأيكم ، فقال أبو جهل : كذبت وجبنت وانتفخ سحرك حين نظرت إلى سيوف أهل يثرب .
وفزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين نظروا إلى كثرة قريش وقوتهم فأنزل الله تعالى على رسوله {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61]، وقد علم الله أنهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم وإنما أراد الله تعالى بذلك لتطيب قلوب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى قريش فقال : يا معشر قريش ما أجد من العرب أبغض إلي من أبدأكم فخلوني والعرب فإن أك صادقا فأنتم أعلا بي عينا ، وإن أك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمري ، فارجعوا .
فقال عتبة : والله ما أفلح قوم قط ردوا هذا ، ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجول في العسكر وينهى عن القتال ، فقال : إن يكن عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن تطيعوه ترشدوا فأقبل عتبة يقول : يا معشر قريش اجتمعوا واسمعوا ، ثم خطبهم فقال :
يمن مع [19] رحب ، ورحب مع يمن ، يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ، وارجعوا إلى مكة واشربوا الخمور وعانقوا الحور ، فإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) إل وذمة وهو ابن عمكم فارجعوا ولا تردوا رأيي وإنما تطالبون محمدا بالعير التي أخذها محمد بنخله ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله .
فلما سمع أبو جهل ذلك غاضه وقال : إن عتبة أطول الناس لسانا ، وأبلغهم في الكلام ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريس إلى آخر الدهر ، ثم قال : يا عتبة نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت وانتفخ سحرك وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا آثارنا بأعيننا ، فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل ، وكان على فرس فأخذ بشعره ،
فقال الناس : يقتله فعرقب فرسه ، فقال : أمثلي يجبن ؟ وسيعلم قريش اليوم أينا الألئم والأجبن وأينا المفسد لقومه ، لا يمشي إلا أنا وأنت بالموت عيانا ، ثم قال هذا جناي وخياره الال بالكسر العهد والحلف والأمان والقرابة .
السحر ويحرك ويضم الرية ج سحور وأسحار واثر دبرة البعير وانتفخ سحره ومساحره عدا طوره وجاوز قدره وانقطع منه سحري يئست منه .
فيه ، وكل جان يده إلى فيه ، ثم أخذ بشعره يجره فاجتمع إليه الناس فقالوا : يا أبا الوليد الله الله لا تفت في أعضاد الناس ، تنهى عن شيء تكون أوله فخلصوا أبا جهل من يده .
فنظر عتبة إلى أخيه شيبة ، ونظر إلى ابنه الوليد فقال : قم يا بني فقام ، ثم لبس درعه وطلبوا له بيضة تسع رأسه فلم يجدوها لعظم هامته فاعتم بعمامتين ، ثم أخذ سيفه وتقدم هو وأخوه وابنه ، ونادى يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار : عوذ ، ومعوذ ، وعون بني عفراء ، فقال عتبة : من أنتم ؟ انتسبوا لنعرفكم ؟
فقالوا : نحن بنو عفراء أنصار الله وأنصار رسول الله ، فقال : ارجعوا فإنا لسنا إياكم نريد ، إنما نريد الأكفاء من قريش ، فبعث إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أرجعوا ، وكره أن يكون أول الكرة بالأنصار فرجعوا وواقفوا موقفهم .
ثم نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب ، وكان له سبعون سنة فقال له : قم يا عبيدة ، فقام بين يديه بالسيف ، ثم نظر إلى حمزة بن عبد المطلب فقال له : قم يا عم ، ثم نظر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له : قم يا علي ، وكان أصغر القوم - سنا - فقاموا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
بسيوفهم فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفي نور الله ، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32].
ثم قال رسول الله : يا عبيدة عليك بعتبة ، وقال لحمزة : عليك بشيبه ، وقال لعلي : عليك بالوليد بن عتبة ، فمروا حتى انتهوا إلى القوم فقال عتبة : من أنتم ؟ انتسبوا لنعرفكم ، فقال : أنا عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب ، فقال : كفو كريم ، فقال : فمن هذان ؟ فقال : حمزة ابن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقال : كفوان كريمان ، لعن الله من أوقفنا وإياكم هذا الموقف ، فقال : شيبة لحمزة من أنت ؟ فقال : أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ،
فقال له شيبة : لقد لقبت أسد الحلفاء [20] فانظر كيف يكون صولتك يا أسد الله .
فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلق هامته ، وضرب عتبة
عبيدة على ساقه وقطعها وسقطا جميعا ، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما وكل واحد منهما يتقى بدرقته ، وحمل [الامام] أمير المؤمنين (عليه السلام) على الوليد بن عتبة فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه ، فقال [الامام] علي (عليه السلام) : فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على الأرض .
ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون : يا علي أما ترى الكلب قد نهر عمك فحمل عليه [الامام] علي (عليه السلام) ثم قال : يا عم طأطئ رأسك وكان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه [الامام] أمير المؤمنين (عليه السلام) على رأسه فطير نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه ، وحمل عبيدة بين حمزة وعلي حتى أتوا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فاستعبر فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ألست شهيدا ؟ قال : بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي ، فقال : أما لو أن عمك حي لعلم أني أولى بما قال منه ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : وأي أعمامي تعني ؟ قال : أبو طالب حيث يقول :
كذبتم وبيت الله نبري محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نضرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فقال رسول الله أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد أعداء الله بأرض الحبشة ، فقال : يا رسول الله أسخطت علي في هذه الحالة ؟
فقال : ما سخطت عليك ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك .
وقال أبو جهل لقريش : لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطر ابنا ربيعة عليكم بأهل يثرب فأجزروهم جزرا ، وعليكم بقريش فخذوهم أخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها ، وكان فئة من قريش أسلموا بمكة فأحبسهم آباؤهم فخرجوا ع قريش إلى بدر وهم على الشك والارتياب والنفاق منهم : قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكهة ، والحارث بن ربيعة وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن المنبه ، فلما نظروا إلى قلة أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا : مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة فأنزل الله على رسوله {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال: 49] وجاء إبليس عليه اللعنة إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم : أنا جار لكم ادفعوا إلي رايتكم فدفعوها إليه ، وجاء بشياطينه يهول بهم على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويخيل إليهم ويفزعهم ، وأقبلت قريش يقدمها إبليس مع الراية فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : غضوا أبصاركم ، وعضوا على النواجذ ، ولا تسلوا سيفا حتى آذن لكم ، ثم رفع يديه إلى السماء فقال : يا رب إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد ، لا تعبد ، ثم أصابه الغشي فسرى [21] عنه وهو يسلت العرق عن وجهه وهو يقول : هذا جبرئيل قد أتيكم في ألف من الملائكة مردفين .
قال : فنظرنا فإذا بسحابة سوداء فيها برق لايح قد وقعت على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقائل يقول : إقدم حيزوم ، [22] قدم حيزوم وسمعنا قعقعة السلاح من الجو ونظر إبليس إلى جبرئيل فتراجع ورمى باللواء فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه ، ثم قال : ويلك يا سراقة تفت [23] في أعضاد الناس فركله [24] إبليس ركلة في صدره ، وقال : ( إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ) وهو قول الله : {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]، ثم قال عز وجل : {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } [الأنفال: 50] .
وحمل جبرئيل على إبليس فطلبه حتى غاص في البحر ، وقال : رب أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين .
وروي في خبر أن إبليس التفت إلى جبرئيل ، وهو في الهزيمة فقال : يا هذا بد لكم فيما أعطيتمونا ؟ فقيل لأبي عبد الله عليه السلام : أترى كان يخاف أن يقتله ؟ فقال : لا ، ولكنه كان يضربه ضربة يشينه منها إلى يوم القيامة ، وأنزل الله على نبيه : {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [الأنفال: 12] ،
قال : أطراف الأصابع فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره .
وخرج أبو جهل من بين الصفين فقال : اللهم إن محمدا أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه فأهنه الغداة ، فأنزل الله على رسوله {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19] ،
ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفا من حصى فرمى به في وجوه قريش ، وقال : شاهت الوجوه فبعث الله رياحا تضرب وجوه قريش فكانت الهزيمة .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللهم لا يغلبنك فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام ، فقتل منهم سبعين وأسر منهم سبعين ، والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل فضرب عمرو أبا جهل على فخذه وضرب أبو جهل عمرا على يده فأبانها من العضد فتعلقت بجلده فاتكى [25] عمرو على يده برجله ثم تراخى في السماء حتى انقطعت الجلدة ورمى بيده .
وقال عبد الله بن مسعود : انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحط بدمه فقلت : الحمد فقال : إنما أخزى الله عبدا ابن أم عبد لمن الدين ؟ ولمن الملك ، ويلك ؟ قلت : لله ولرسوله وإني قاتلك ووضعت رجلي على عنقه ، فقال : قد ارتقيت مرتقا صعبا يا رويعي الغنم أما إنه ليس شيء أشد من قتلك إياي في هذا اليوم ألا يتولى قتلي رجل من المطلبيين أو رجل من الأحلاف ، فانقلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت : يا رسول الله البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام فسجد لله شكرا .
وأسر أبو بشر الأنصاري العباس بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب ، وجاء بهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم) : هل أعانك عليهما أحد ؟ قال : نعم رجل عليه ثياب بيض .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ذاك من الملائكة ، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للعباس : أفد نفسك وابن أخيك ، فقال : يا رسول الله قد كنت أسلمت ، ولكن القوم استكرهوني ، فقال رسول الله : الله أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقا فالله يجزيك عليه ، فأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا ، ثم قال : يا عباس إنكم خاصمتم الله فخصمكم ، ثم قال : أفد نفسك وابن أخيك ، وقد كان العباس أخذ معه أربعين أوقية من ذهب فغنمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلما قال رسول الله للعباس : أفد نفسك قال يا رسول الله أحسبها من فدائي ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك ، فأفد نفسك وابن أخيك ، فقال العباس : فليس لي مال غير الذي ذهب مني ، قال : بلى المال الذي خلفته عند أم الفضل بمكة ، وقلت لها : إن حدث علي حدث فاقسموه بينكم ، فقال له : أتتركني وأنا أسأل الناس بكفي ؟ فأنزل الله على رسوله في ذلك {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الأنفال: 70] ، ثم قال الله : {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ} [الأنفال: 71]، في علي {فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} [الأنفال: 71] فيك {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال: 71] ،
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعقيل : لقد قتل الله يا أبا يزيد أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومنبه ، ونبيه ابنا الحجاج ، ونوفل بن خويلد ، وأسر سهيل بن عمرو ، والنضر بن الحرث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، وفلان وفلان ، فقال عقيل : إذا لا تنازعون في تهامة فإن كنت قد أثخنت القوم وإلا فاركب أكتافهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وكان القتلى ببدر سبعين ، والأسرى سبعين ، قتل منهم أمير المؤمنين (عليه السلام) سبعة وعشرين ولم يؤسر أحدا ، فجمعوا الأسارى وفرقوهم في الجمال وساقوهم على أقدامهم ، وجمعوا الغنائم ، وقتل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تسعة رجال فيهم سعد بن خيثمة ، وكان من النقباء ، فرحل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بدر ونزل الأثيل عند غروب الشمس وهو من بدر على ستة أميال فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عقبة ابن أبي معيط وإلى النضر بن الحرث بن كلدة وهما في قران واحد ، فقال النضر لعقبة : يا عقبة أنا وأنت مقتولان ، فقال عقبة : من بين قريش ؟ قال نعم ، لأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نظر إلينا نظرة رأيت فيها القتل ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي علي بالنضر وعقبة .
وكان النضر رجلا جميلا عليه شعر فجاء علي (عليه السلام) فأخذه بشعره فجره إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال النضر : يا محمد أسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا أجريتني كرجل من قريش إن قتلتهم قتلتني ، وإن فاديتهم فاديتني ، وإن أطلقتهم أطلقتني .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا رحم بيني وبينك قطع الله الرحم بالإسلام ، قدمه يا علي فاضرب عنقه ، فقال عقبة : يا محمد ألم تقل لا تصبر قريش ، أي لا يقتلون صبرا ، قال : وأنت من قريش ؟ إنما أنت علج من أهل صفورية لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له ليس منها ، قدمه يا علي فاضرب عنقه ، فقدمه فضرب عنقه .
فلما قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النضر وعقبة ، خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلهم ، فقاموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا : يا رسول الله قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين وهم قومك وأساراك فهبهم لنا يا رسول الله وخذ منهم الفداء وأطلقهم ، فأنزل الله عليهم : {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67] ، فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم وشرط أن يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذوا منهم الفداء فرضوا منه بذلك ، وتمام الحديث مضى في سورة آل عمران .
[1] وافى فلان اتى ووافيته موافاة اتيته ومثله وافيت القوم .
[2] النقرة ويقال معدن النقرة وقد تكسر قافهما منزل لحاج العراق بين اضاخ ومأوان ق .
[3] القلوص من الإبل الشابة أو الباقية على السير أو أول ما يركب من انائها إلى أن تثنى ثم هي ناقة والناقة الطويلة القوائم خاص بالإناث قلائص وقلص قلاص
[4] في النهاية يقال صبا فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره قال وكانت العرب تسمي النبي صلى الله عليه وآله الصاب لأنه خرج من دن قريش إلى دين الاسلام ويسمون المسلمين الصباة بغير همز كأنه جمع الصاب ( منه رحمه الله )
[5] بمعنى ضرب الخد والظاهر في مثل المقام انه كناية عن الصدمة اي اسرعوا إلى علاجها أو أشكوا والعير العير أي أدركوهم ويمكن تقدير اسرعوا في الكل وغير ذلك أيضا اللطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا ، وما أراكم تدركون ، فإن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم .
[6] منبه كمعظم ونبيه كعظيم لفظا ومعنى .
[7] النش عشرون درهما .
[8] الجمل المتروك الذي لا يترك .
[9] الغضا بالقصر شجر ذو شوك وخشبة من أصلب الخشب ولذا لا يكون في فحمه صلابة الهرماس كسحاب شجر شائك ثمره كالنبق
[10] الجزور بالفتح وهي من الإبل خاصة ما كمل خمس سنين ودخل في السادسة يقع على الذكر والأنثى والجمع جزر كرسول ورسل يقال جزرت الجزور من باب قتل أي نحرتها .
[11] قحم في الامر كنصر قحوما رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية وقحمته تقحيما وأقحمته فانقحم واقتحم .
[12] جنه الليل وعليه حنا وأجنه ستره وكل ما ستر عنك فقد جن عنك وجن الليل وجنونه وجناه ظلمته .
[13] - السماء المطر سمي به لأنه ينزل من السماء ( منه رحمه الله ) .
[14] العزالي جمع عزلاء وهو مصب الماء من الرواية ونحوها والرذاذ المطر الضعيف ( منه ) .
[15] الجحفلة بمنزلة الشفه للخيل والبغال والحمير .
[16] عبأ المتاع والامر كمنع هيأه والجيش جهزه كعبأه تعبية وتعبيئا فيهما والطيب صنعه وخلطه .
[17] نضح البعير الماء حمله من نهر وبئر لسقي الزرع فهو ناضح سمي بذلك لأنه ينضح الماء أي يصبه والأنثى ناضحة وسانية أيضا والجمع نواضح وهذا أصله ثم استعمل الناضح في كل بعير وان لم يحمل الماء .
[18] رتأ العقدة كمنع رتأ شدها وفلانا خنقه وأقام وانطلق .
[19] رحب ككرم وسمع رحبا بالضم ورحابة فهو رحب ورحيب ورحاب بالضم اتسع .
[20] الحلفة والحلفاء والحلف محركة النبت المعروف ولعل المراد بأسد الحلفاء الأسد الساكن تحت شجرتها لأنها تغطيه وهو يكمن فيها ويستأنس بها ويتوطن عندها فحاصل مراد القائل انك ملقب بالأسد تشبيها وانا أسد حقيقة نطير قول الشاعر أسد دم الأسد الهزبر خضابه .
[21] سرى عنه انكشف ويسلت العرق أي يمسحه ويميطه ( منه رحمه الله ) .
[22] وحيزوم اسم فرس كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي التفسير اسم جبرئيل أراد أقدم يا حيزوم على الحذف وفي ص حيزوم فرس من خيل الملائكة .
[23] أي تورد الضعف والانكسار فيهم وتذهب بقوتهم وشوكتهم .
[24] الركل ضربك الفرس برجلك ليعدو والضرب برجل واحدة .
[25] أي وضع رجله على يده المبانة وتأخر في جهة العلو حتى انقلعت الجلدة وأراد بعبد ابن أم عبد ابن مسعود ومرتقى صعبا أي يعسر ارتقاؤه وليس أمرا سهلا . له الذي أخزاك ، فرفع رأسه .
|
|
النوم 7 ساعات ليلا يساعد في الوقاية من نزلات البرد
|
|
|
|
|
اكتشاف مذهل.. ثقب أسود ضخم بحجم 36 مليار شمس
|
|
|
|
|
معهد القرآن الكريم النسوي يقدم محاضرة معرفية استعداداً لشهر رمضان المبارك
|
|
|