أقرأ أيضاً
التاريخ: 2025-02-26
![]()
التاريخ: 2025-03-01
![]()
التاريخ: 2025-02-25
![]()
التاريخ: 2025-02-25
![]() |
معرفةُ الصَّحِيْحِ مِنَ الحديثِ (1)
اعلمْ - عَلَّمَكَ اللهُ وإيَّايَ (2) - أنَّ الحديثَ عندَ أهلِهِ ينقسِمُ إلى صَحيحٍ، وحَسَنٍ، وضَعيْفٍ (3).
أمَّا (4) الحديثُ الصحيحُ: فهو الحديثُ المسنَدُ الذي يتَّصِلُ إسنادُهُ بنقلِ العَدْلِ الضابطِ عنِ العَدْلِ الضابطِ إلى منتهاهُ، ولا يكونُ شاذّاً، ولا مُعلَّلاً (5). وفي هذهِ الأوصافِ احترازٌ عَنِ المرسَلِ، والمنقطعِ، والمعضلِ، والشَّاذِّ، وما فيهِ عِلَّةٌ قادحةٌ، وما في راويهِ(6) نوعُ جرحٍ. وهذهِ أنواعٌ يأتي ذكرُهَا إنْ شاءَ اللهُ تباركَ وتعالى.
فهذَا (7) هو الحديثُ الذي يُحكمُ لهُ بالصِّحَّةِ بلا خلافٍ بينَ أهلِ الحديثِ (8).
وقدْ يختلفونَ في صِحَّةِ بعضِ الأحاديثِ؛ لاختلافِهِم في وجودِ هذهِ الأوصافِ فيهِ (9) أو لاختلافِهِم في اشتراطِ بعضِ هذهِ الأوصافِ كما في المرسَلِ.
ومتى قالُوا: ((هذا حديثٌ (10) صحيحٌ)) فمعناهُ: أنَّهُ اتَّصَلَ سَندُهُ معَ سائرِ الأوصافِ المذكورةِ، وليسَ مِنْ شرطِهِ أنْ يكونَ مقطوعاً بهِ في نفس الأمرِ، إذْ منهُ ما ينفردُ بروايتهِ عدْلٌ واحدٌ، وليسَ مِنَ الأخبارِ التي أجمعَتِ (11) الأمّةُ عَلَى تَلَقِّيها بالقبولِ. وكذلكَ إذا قالوا في حديثٍ: ((إنَّهُ غيرُ صحيحٍ)) فليسَ ذلكَ قطعاً بأنَّهُ كذبٌ في نفس الأمرِ، إذْ قدْ يكونُ صِدقاً في نفسِ الأمرِ، وإنَّما المرادُ بهِ: أنَّهُ لَمْ يصحَّ إسنادُهُ على الشرطِ المذكورِ (12)، واللهُ أعلمُ.
فَوَائِدُ مُهِمَّةٌ:
إحداها: الصحيحُ يتنوَّعُ إلى متَّفَقٍ عليهِ، ومُخْتَلَفٍ فيهِ (13)، كما سبقَ ذِكرُهُ، ويتنوَّعُ إلى مشهُورٍ، وغريبٍ، وبَيْنَ ذلكَ. ثُمَّ إنَّ درجاتِ الصحيحِ تتفاوتُ في القوَّةِ بحَسَبِ تمكُّنِ الحديثِ مِنَ الصفاتِ المذكورةِ التي تَنْبَنِي (14) الصِّحَّةُ عليها، وتنقسمُ باعتبارِ ذلكَ إلى أقسامٍ يُسْتَعْصَى إحْصاؤُها على العادِّ الحاصرِ.
ولهذا نرى الإمساكَ عَنِ الحكمِ لإسنادٍ أو حديثٍ بأنَّهُ الأصحُّ على الإطلاقِ (15) على أنَّ جماعةً مِنْ أئِمَّةِ الحديثِ خاضُوا غَمْرَةَ (16) ذلكَ، فاضطربَتْ أقوالُهُم. فَرُوِّيْنا(17) عنْ إسحاقَ بنِ راهَوَيْهِ (18) أنَّهُ قالَ: ((أصحُّ الأسانيدِ كلِّها: الزُّهريُّ عنْ سالمٍ عنْ أبيهِ)) (19)، وَرُوِّيْنا نحوَهُ عنْ أحمدَ بنِ حنبلٍ (20). وَرُوِّيْنا عنْ عمرِو بنِ عليٍّ الفلاَّسِ أنَّهُ قالَ: ((أصحُّ الأسانيدِ: محمدُ بنُ سيرينَ عنْ عَبيدةَ (21) عنْ عليٍّ)) (22)، وَرُوِّيْنا نحوَهُ عنْ عليِّ بنِ المدِينيِّ (23)، ورُويَ ذلكَ عنْ غيرِهِما.
ثمَّ منهم (24) مَنْ عَيَّنَ (25) الراويَ عنْ محمّدٍ وجعلَهُ أيُّوبَ السَّخْتِيانيَّ (26)، ومنهم(27) مَنْ جعلَهُ ابنَ عَوْنٍ. وفيما نرويهِ عَنْ يحيى بنِ مَعِينٍ أنَّهُ قالَ: ((أجودُها: الأعمشُ عنْ إبراهيمَ عَنْ عَلْقَمةَ عنْ عبدِ اللهِ (28) )) (29)، وَرُوِّيْنا عنْ أبي بكرِ بنِ أبي شَيبةَ أنَّهُ (30) قالَ: ((أصحُّ الأسانيدِ كُلِّها: الزهريُّ عنْ عليِّ بنِ الحسينِ [عليه السلام]، عنْ أبيهِ [عليه السلام]، عنْ عليٍّ [عليه السلام] (31) )) (32).
وَرُوِّيْنا عن أبي عبدِ اللهِ البخاريِّ - صاحبِ "الصحيحِ" - أنَّهُ قالَ: أصحُّ الأسانيدِ كُلِّها: مالكٌ عنْ نافِعٍ عنْ ابنِ عمرَ)) (33). وبنى الإمامُ أبو منصورٍ عبدُ القاهرِ بنِ طاهرٍ التَّمِيْمِيُّ (34) على ذلكَ أنَّ أجلَّ الأسانيدِ ((الشافعيُّ، عنْ مالكٍ، عنْ نافعٍ، عنْ ابنِ عمرَ))، واحْتَجَّ بإجماعِ أصحابِ الحديثِ على أنَّهُ لَمْ يكنْ في الرّواةِ عَنْ مالكٍ أجلُّ مِنَ الشافعيِّ - رضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ -، واللهُ أعلمُ (35).
الثانيةُ (36): إذا وجدنا فيما يُروى مِنْ أجزاءِ الحديثِ وغيرِهَا حديثاً صحيحَ الإسنادِ، ولَمْ نجدْهُ في أحدِ ((الصحيحينِ))، ولا منصوصاً على صِحَّتِهِ في شيءٍ مِنْ مُصَنَّفَاتِ أئمَّةِ الحديثِ المعتمدةِ المشهورةِ، فإنَّا لا نتجاسرُ على جَزْمِ الْحُكْمِ بصِحَّتِهِ(37)، فقدْ تَعَذَّرَ في هذهِ الأعصارِ الاستقلالُ بإدراكِ الصحيحِ بمجَرَّدِ اعتبارِ الأسانيدِ؛ لأنَّهُ مَا مِنْ إسنادٍ مِنْ ذلكَ إلاَّ وتجدُ في رجالِهِ مَنِ اعْتَمَدَ في روايتِهِ عَلَى مَا في كتابِهِ عَرِيّاً عمَّا يُشترطُ في الصحيحِ مِنَ الحِفْظِ والضَّبْطِ والإتْقَانِ. فآلَ الأمرُ - إذنْ - في معرفةِ الصحيحِ والحسنِ، إلى الاعتمادِ عَلَى مَا نصَّ عليهِ أئمَّةُ الحديثِ في تصانيفِهِم المعتمدةِ المشهورةِ، الَّتِي يُؤمَنُ فِيْهَا؛ لِشُهْرَتِها مِنَ التَّغييرِ والتَّحريفِ، وصارَ مُعظمُ المقصودِ بما يُتَدَاولُ مِنَ الأسانيدِ خارجاً عنْ ذلكَ، إبقاءَ سلسلةِ الإسنادِ التي خُصَّتْ بها هذهِ الأُمّةُ(38)، زادها اللهُ تعالى شرفاً، آمينَ.
الثالثةُ: أوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الصحيحَ البخاريُّ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ الْجُعْفِيُّ مولاهُم(39)، وتلاهُ أبو الحسينِ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ النَّيْسابوريُّ القُشَيْريُّ مِنْ أَنْفُسِهِم(40).
ومسلمٌ معَ أنَّهُ أخذَ عنِ البخاريِّ واستفادَ منهُ يشاركُهُ في أكثرِ (41) شيوخِهِ. وكتاباهُما أصحُّ الكُتُبِ بعدَ كتابِ اللهِ العزيزِ (42). وأمَّا ما رُوِّيْناهُ عنِ الشافعيِّ - رضي الله عنه - مِنْ أنَّهُ قالَ: ((ما أعلمُ في الأرضِ كتاباً في العلمِ أكثرَ صواباً مِنْ كتابِ مالكٍ))(43) ومنهم مَنْ رواهُ بغيرِ هذا اللفظِ (44)، فإنَّما قالَ ذلكَ قبلَ وجودِ كتابَي البخاريِّ ومسلمٍ.
ثُمَّ إنَّ كتابَ البخاريِّ أصحُّ الكتابَيْنِ صحيحاً وأكثرُهُما فوائدَ (45). وأمَّا ما رُوِّيْناهُ عنْ أبي عليٍّ الحافظِ النَّيْسابوريِّ أستاذِ الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ (46) الحافِظِ مِنْ أنَّهُ قالَ: ((ما تحتَ أديمِ السماءِ كتابٌ أصحُّ مِنْ كتابِ مُسلمِ بنِ الحجَّاجِ)) (47) فهذا وقولُ مَنْ فضَّلَ مِن شيوخِ المغربِ كتابَ مسلمٍ على كتابِ البخاريِّ إن كانَ المرادُ بهِ أنَّ كتابَ مسلمٍ يترجَّحُ بأنَّهُ لَمْ يُمَازجْهُ غيرُ الصحيحِ، فإنَّهُ ليسَ فيهِ بعدَ خُطبتِهِ إلاَّ الحديثُ الصحيحُ مسروداً غيرَ ممزوجٍ بمثلِ ما في كتابِ البخاريِّ في تراجمِ أبوابِهِ مِنَ الأشياءِ التي لَمْ يُسندْها على الوصفِ المشروطِ في الصحيحِ فهذا لا بأسَ بهِ(48). وليسَ يلزمُ منهُ أنَّ كتابَ مسلمٍ أرجحُ فيما يرجعُ إلى نفسِ الصحيحِ على كتاب البخاريِّ، وإنْ كانَ المرادُ بهِ أنَّ كتابَ مسلمٍ أصحُّ صحيحاً، فهذا مردودٌ على مَنْ يقولُهُ، واللهُ أعلمُ.
الرابعةُ: لَمْ يَستوعبا الصحيحَ في صحيحَيْهِما ولا التزما ذلكَ (49)، فقدْ رُوِّيْنا عنِ البخاريِّ أنَّهُ (50) قالَ: ((ما أدخلْتُ في كتابي " الجامعِ " إلاَّ ما صحَّ، وتركْتُ مِنَ الصِّحَاحِ لحالِ الطُّولِ)) (51). ورُوِّيْنا عنْ مسلمٍ أنَّهُ قالَ: ((ليسَ كُلُّ شيءٍ عندي، صحيحٍ وَضَعْتُهُ هاهُنا - يعني: في كتابِهِ (52) الصحيحِ - إنَّما وضعْتُ هَاهُنا مَا أجْمعُوا عليهِ)) (53). قلتُ: أرادَ - واللهُ أعلمُ - أنَّهُ لَمْ يَضعْ في كتابِهِ إلاَّ الأحاديثَ التي وجدَ عندهُ فيها شرائطَ الصحيحِ الْمُجْمَعِ عليهِ، وإنْ لَمْ يظهرْ اجتماعُها في بعضِها عندَ بعضِهِم (54).
ثُمَّ إنَّ أبا عبدِ اللهِ بنَ الأخرمِ الحافظَ قالَ: ((قَلَّمَا يَفُوتُ البخاريَّ ومسلماً ممَّا يَثْبُتُ مِنْ الحدِيْثِ)) (55) يعني: في كتابَيْهِما. ولِقائلٍ أنْ يقولَ: ليسَ ذلكَ بالقليلِ، فإنَّ "المستدركَ على الصحيحينِ" للحاكمِ أبي عبدِ اللهِ كتابٌ كبيرٌ يشتملُ ممَّا فاتهما على شيءٍ كثير وإنْ يكنْ عليهِ في بعضِهِ مقالٌ، فإنَّهُ يصفو لهُ منهُ صحيحٌ كثيرٌ. وقدْ قالَ البخاريُّ: ((أحفظُ مئةَ ألفِ حديثٍ صحيحٍ، ومئتي ألفِ حديثٍ غيرِ صحيحٍ)) (56).
وجملةُ ما في كتابِهِ الصحيحِ سبعةُ آلافٍ ومئتانِ وخمسةٌ وسبعونَ حديثاً بالأحاديثِ المكرَّرَةِ. وقدْ قيلَ: إنَّها بإسقاطِ المكرَّرَةِ أربعةُ آلافِ حديثٍ (57)، إلاَّ أنَّ هذهِ العبارةَ قدْ يندرجُ تحتَها عندهم آثارُ الصحابَةِ والتابعينَ، وربَّما عُدَّ الحديثُ الواحدُ المرويُّ بإسنادينِ حديثينِ.
ثُمَّ إنَّ الزيادةَ في الصحيحِ (58) على ما في الكتابينِ (59) يَتلقَّاهَا طالبُهَا ممَّا اشْتَمَلَ عليهِ أحدُ الْمُصَنَّفَاتِ المعتمدةِ المشتهرةِ (60) لأئمّةِ الحديثِ كأبي داودَ السِّجْسِتانيِّ، وأبي عيسى التِّرمِذيِّ، وأبي عبدِ الرحمانِ النَّسائيِّ (61) وأبي بكرِ بنِ خُزيمةَ، وأبي الحسنِ الدَّارَقُطنيِّ وغيرِهِم، منصوصاً على صحَّتِهِ فيها. ولا يكفي في ذلكَ مجرَّدُ كونِهِ موجوداً في كتابِ أبي داودَ، وكتابِ الترمذيِّ، وكتابِ النَّسائيِّ، وسائرِ مَنْ جمعَ في كتابِهِ بينَ الصحيحِ وغيرِهِ، ويكفي مجرَّدُ كونِهِ موجوداً في كتبِ مَنِ اشْتَرَطَ منهم الصحيحَ فيما جمَعَهُ ككتابِ ابنِ خُزَيمةَ، وكذلكَ ما يوجدُ في الكُتبِ المخرَّجَةِ على كتابِ البخاريِّ وكتابِ مسلمٍ، ك: كتابِ أبي عَوَانةَ الإسفرايينيِّ، وكتابِ أبي بكرٍ (62) الإسماعيليِّ (63)، وكتابِ أبي بكرٍ البَرْقانيِّ، وغيرِها مِنْ تَتِمَّةٍ لمحذوفٍ أو زيادةِ شَرْحٍ في كثيرٍ مِنْ أحاديثِ "الصحيحينِ". وكثيرٌ من هذا موجودٌ في "الجمعِ بينَ الصحيحينِ" لأبي عبدِ اللهِ الْحُمَيديِّ (64).
واعتنى الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ الحافظُ بالزيادةِ في عددِ الحديثِ الصحيحِ على ما في الصحيحينِ، وجَمَعَ ذلكَ في كتابٍ سمَّاهُ "المستدركَ" أودَعَهُ ما ليسَ في واحدٍ مِنَ "الصحيحينِ" ممَّا رآهُ على شرطِ الشيخينِ قدْ أخرجا عنْ رواتِهِ في كتابَيْهِما، أو على شرطِ البخاريِّ وَحْدَهُ، أو على شرطِ مسلمٍ وحدَهُ، وما أدَّى اجتهادُهُ إلى تصحيحهِ وإنْ لَمْ يكُنْ على شرطِ واحدٍ منهما (65).
وهوَ واسعُ الخَطْوِ في شرطِ الصحيحِ، متساهِلٌ في القضاءِ بهِ (66). فالأَوْلَى أنْ نتوسَّطَ (67) في أمرِهِ فنقولَ: مَا حَكَمَ بصِحَّتِهِ وَلَمْ نَجِدْ (68) ذلكَ فيهِ لغيرِهِ مِنَ الأئمَّةِ، إنْ لَمْ يكُنْ مِنْ قَبِيْلِ الصحيحِ فَهوَ مِنْ قَبيلِ الحسنِ يُحتجُّ بهِ ويُعْملُ بهِ، إلَّا أنْ تظهرَ فيهِ عِلَّةٌ تُوجِبُ ضَعْفَهُ (69) ويُقَاربُهُ في حُكْمِهِ "صحيحُ أبي حاتِمِ بنِ حِبَّانَ البُسْتِيِّ" (70) - رَحِمَهُمُ اللهُ أجمعينَ - واللهُ أعلمُ.
الخامِسَةُ: الكتبُ الْمُخَرَّجَةُ (71) على كتابِ البخاريِّ أو كتابِ مسلمٍ -رضيَ اللهُ عنهما- لَمْ يلتزمْ مصنِّفُوها فيها موافقَتَهما في ألفاظِ الأحاديثِ بعينِها مِنْ غيرِ زيادةٍ ونقصانٍ؛ لكونِهِم رَوَوْا تلكَ الأحاديثَ مِنْ غيرِ جهةِ البخاريِّ ومسلمٍ طَلَباً لِعُلُوِّ الإسنادِ، فحصلَ فيها بعضُ التفاوُتِ في الألفاظِ. وهكذا ما أخرجَهُ المؤلِّفُونَ في تصانيفِهِم المستَقِلَّة ك"السُّنَنِ الكَبِير " للبَيْهقيِّ، و" شرحِ السُّنَّةِ " لأبي محمدٍ البَغَوِيِّ، وغيرِهِما ممَّا (72) قالوا فيهِ: ((أخرجهُ البخاريُّ أو مسلمٌ))، فلا يُسْتَفَادُ (73) بذلكَ أكثرَ من أنَّ البخاريَّ أو مسلماً أخرجَ أصلَ ذلكَ الحديثِ، مَعَ احتِمالِ أنْ يكونَ بينهما تفاوُتٌ في اللَّفظِ، وربَّما كان تفاوتاً في بعضِ المعنى، فقدْ وجدْتُ في ذلكَ ما فيهِ بعضُ التَّفاوتِ مِنْ حيثُ المعنى. وإذا كانَ الأمرُ في ذلكَ على هذا فليسَ لكَ أنْ تنقُلَ حديثاً منها وتقولَ: هو على هذا الوجهِ في كتابِ البخاريِّ، أو كتابِ مسلمٍ، إلاَّ أنْ تُقَابِلَ لفظَهُ، أو يكونَ الذي خرَّجهُ قد قالَ: أخرجهُ البخاريُّ بهذا اللَّفظِ (74). بخلافِ الكُتبِ المختصَرَةِ منَ الصحيحينِ، فإنَّ مصنِّفِيها نقلُوا فيها ألفاظَ الصحيحينِ أو أحدهما (75)، غيرَ أنَّ "الجمعَ بينَ الصحيحينِ" لِلحُمَيديِّ الأندلسيِّ منها يشتملُ على زيادةِ تتمَّاتٍ لبعضِ الأحاديثِ كما قدَّمنا ذكرَهُ (76)، فربَّما نَقَلَ مَنْ لا يُمَيِّزُ بعضَ ما يجدهُ فيهِ عنِ الصحيحينِ أو أحدِهما، وهو مخطِئٌ؛ لكونِهِ مِنْ تلكَ الزياداتِ (77) التي لا وجودَ لها في واحدٍ (78) مِنَ الصحيحينِ. ثُمَّ إنَّ التخاريجَ المذكورةَ على الكتابينِ يُستفادُ منها فائدتانِ (79): إحداهُما: عُلُوُّ الإسنادِ. والثانيةُ: الزيادةُ في قدْرِ الصحيحِ لما يقعُ فيها مِنْ ألفاظٍ زائدةٍ وتَتِمَّاتٍ في بعضِ الأحاديثِ تُثْبِتُ (80) صِحَّتَها بهذهِ التخاريجِ؛ لأنَّها واردةٌ بالأسانيدِ الثابتةِ في الصحيحينِ أو أحدِهِما وخارجةٌ مِنْ ذلكَ المَخْرَجِ الثابتِ، واللهُ أعلمُ.
السادسةُ: ما أسنَدَهُ البخاريُّ ومسلمٌ – رحمهما اللهُ – في كتابَيْهِمَا بالإسنادِ المتَّصِلِ فذلكَ الذي حَكما بصحَّتِهِ بلا إشكالٍ. وأمَّا [المعلَّقُ وهو] (81) الذي حُذِفَ مِنْ مبتدأ إسنادِهِ واحدٌ أو أكثرُ، وأغلبُ ما وقَعَ ذلكَ في كتابِ البخاريِّ (82) وهو في كتابِ مسلمٍ قليلٌ جدّاً (83) ففي بعضِهِ نَظَرٌ. وينبغي أنْ نقولَ: ما كانَ مِنْ ذلكَ ونحوِهِ بلفظٍ فيهِ جَزْمٌ وحُكْمٌ بهِ على مَنْ عَلَّقَهُ عَنْهُ، فقدْ حَكَمَ بصِحَّتِهِ عَنْهُ (84)، مثالُهُ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - كَذا وكذا، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: كذا، قالَ مجاهدٌ: كذا، قالَ عَفَّانُ: كذا، قالَ القَعْنَبِيُّ: كذا (85)، روى أبو هريرةَ: كذا وكذا، وما أشبهَ ذلكَ مِنَ العباراتِ. فكلُّ ذلكَ حُكْمٌ مِنْهُ على مَنْ ذَكرَهُ عنهُ بأنَّهُ (86) قدْ قالَ ذلكَ ورَوَاهُ؛ فلنْ يَسْتَجِيْزَ إطلاقَ ذلكَ إلّا إذا صحَّ عِندَهُ ذلكَ عنهُ، ثمَّ إذا كانَ الذي علَّقَ الحديثَ عنهُ دُوْنَ الصحابةِ فالحُكْمُ بصِحَّتِهِ يتوقَّفُ على اتِّصَالِ الإسنادِ بينَهُ وبينَ الصحابيِّ.
وأمَّا ما لَمْ يَكُنْ في لفظِهِ جَزْمٌ وحُكْمٌ، مثلُ: رُويَ عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه [وآله] وسلّم -: كذا وكذا، أو رُويَ (87) عنْ فلانٍ: كذا وكذا (88) أو في البابِ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه [وآله] وسلّم -: كذا وكذا، فهذا وما أشْبَهَهُ مِنَ الألفاظِ ليسَ في شيءٍ منهُ(89) حُكْمٌ منهُ (90) بصحَّةِ ذلكَ عمَّنْ ذكَرَهُ عنهُ؛ لأنَّ مثلَ هذهِ العباراتِ تُستَعملُ في الحديثِ الضعيفِ أيضاً، ومعَ ذلكَ فإيرادُهُ لهُ في أثناءِ الصحيحِ مُشْعِرٌ بصِحَّةِ أصْلِهِ إشعاراً يُؤْنَسُ بهِ ويُرْكَنُ إليهِ، واللهُ أعلمُ.
ثُمَّ إنَّ ما يتقاعدُ مِنْ ذلكَ عنْ شَرطِ الصحيحِ قليلٌ (91)، يوجَدُ في كتابِ البخاريِّ في مواضعَ مِنْ تراجمِ الأبوابِ دونَ مقاصِدِ الكتابِ وموضوعِهِ الذي يُشْعِرُ بهِ اسمُهُ الذي سمَّاهُ بهِ، وهوَ "الجامعُ المُسْنَدُ الصحيحُ المختصرُ مِنْ أُمورِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - وسُنَنِهِ وأيَّامِهِ". وإلى الخصوصِ الذي بيَّناهُ يرجعُ مطلقُ قولِهِ: ((ما أدخلْتُ في كتابِ الجامعِ إلّا ما صحَّ)). وكذلكَ مُطْلَقُ قولِ الحافظِ أبي نَصْرٍ الوايليِّ السِّجْزِيِّ (92): ((أجمعَ أهلُ العِلْمِ - الفقهاءُ (93) وغيرُهُم (94) – أنَّ رَجُلاً لَو حَلَفَ بالطَّلاَقِ أنَّ جميعَ ما في كتابِ البخاريِّ ممَّا رُويَ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - قدْ صحَّ عنهُ، ورسولُ اللهِ - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - قالَهُ (95) لا شَكَّ فيهِ أنَّهُ لا يَحْنَثُ (96)، والمرأةُ بحالِها في حِبَالتِهِ (97) )) (98).
وكذلكَ ما ذكرَهُ أبو عبدِ اللهِ الْحُمَيديُّ في كتابِهِ "الجمعِ بينَ الصحيحينِ" من قولِهِ:((لَمْ نجدْ مِنَ الأئمَّةِ الماضينَ – رضيَ اللهُ عنهُم أجمعينَ – مَنْ أفصَحَ لنا في جميعِ ما جمَعَهُ بالصِّحَّةِ إلّا هذينِ الإمامَيْنِ)) (99). فإنَّما المرادُ بكلِّ ذلكَ مقاصدُ الكتابِ وموضوعُهُ ومتونُ الأبوابِ، دونَ التراجمِ ونحوُهَا؛ لأنَّ في بعضِها مَا ليسَ مِنْ ذلكَ قطعاً، مثلُ: قولِ البخاريِّ: ((بابُ مَا يُذكَرُ في الفَخِذِ، ويُروى عنِ ابنِ عبَّاسٍ، وجَرْهَدٍ(100)، ومحمدِ بنِ جَحْشٍ، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه [وآله] وسلّم -: الفَخِذُ عوْرَةٌ))(101)، وقولُهُ في أوَّلِ بابٍ من أبوابِ الغُسْلِ: ((وقالَ بَهْزُ [بنُ حَكِيْمٍ](102)، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - اللهُ أحقُّ أنْ يُسْتَحيى منهُ))(103). فهذا قطعاً ليسَ مِنْ شرطِهِ؛ ولذلكَ (104) لَمْ يورِدْهُ الحُمَيديُّ في "جمعهِ بينَ الصحيحينِ"، فاعلمْ ذلكَ فإنَّهُ مهمٌّ خافٍ، واللهُ أعلمُ (105).
السابعةُ: وإذا انتهى الأمرُ في مَعْرِفَةِ الصحيحِ إلى ما خرَّجَهُ الأئمَّةُ في تصانيفِهِم الكافلةِ ببيانِ ذلكَ كما سبقَ ذِكرُهُ، فالحاجَةُ ماسَّةٌ إلى التنبيه على أقسامِهِ باعتبارِ ذلكَ(106):
فأوَّلُها: صحيحٌ أخرجَهُ البخاريُّ ومسلمٌ جميعاً.
الثاني: صحيحٌ انفَرَدَ بهِ البخاريُّ، أيْ: عنْ مسلمٍ.
الثالثُ: صحيحٌ انفَرَدَ بهِ مسلمٌ، أيْ: عنِ البخاريِّ.
الرابعُ: صحيحٌ على شرطِهِما لَمْ يُخَرِّجاهُ.
الخامسُ: صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ لَمْ يخرِّجْهُ.
السادسُ: صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ لَمْ يُخَرِّجْهُ.
السابعُ: صحيحٌ عندَ غيرِهما، وليسَ على شرطِ واحدٍ منهما.
هذهِ أمَّهاتُ أقسامِهِ وأعلاهَا: الأوَّلُ وهو الذي يقولُ فيهِ أهلُ الحديثِ كثيراً: ((صحيحٌ متَّفَقٌ عليهِ)) يُطْلِقُونَ ذلكَ ويَعْنونَ بهِ اتِّفاقَ البخاريِّ ومسلمٍ، لا اتِّفاقَ الأمَّةِ (107) عليهِ، لكنَّ اتِّفَاقَ الأمَّةِ عليهِ لازمٌ منْ ذلكَ، وحاصِلٌ معهُ؛ لاتِّفاقِ (108) الأمَّةِ على تلقِّي ما اتَّفَقا عليهِ بالقبولِ.
وهذا القسمُ جميعُهُ مقطوعٌ بصِحَّتِهِ، والعِلْمُ اليقينيُّ النَّظريُّ واقعٌ بهِ، خلافاً لقولِ مَنْ نَفَى ذلكَ، مُحْتَجّاً بأنَّهُ لا يُفيدُ في أصلِهِ إلاَّ الظَّنَّ (109)، وإنَّما تلقَّتْهُ الأمَّةُ (110) بالقبولِ؛ لأنَّهُ يجبُ عليهمُ العملُ بالظَّنِّ، والظَّنُّ قَدْ يُخْطِئُ. وقدْ كنتُ أميلُ إلى هذا، وأحسبُهُ قويّاً ثُمَّ بانَ لي أنَّ المذهبَ الذي اخْتَرْناهُ أوَّلاً هوَ الصحيحُ؛ لأنَّ ظَنَّ مَنْ هوَ معصومٌ مِنَ الخطأِ لا يُخْطِئُ، والأمَّةُ في إجماعِها مَعْصومةٌ مِنَ الخطأِ، ولهذا كانَ الإجماعُ الْمُبْتَنَى (111) على الاجتهادِ حُجَّةً مقطوعاً بها، وأكثرُ إجماعاتِ العلماءِ كذلكَ. وهذهِ نكتَةٌ نفيسةٌ نافعةٌ، ومِنْ فوائدِها: القولُ بأنَّ ما انفردَ بهِ البخاريُّ أو مسلمٌ مندرجٌ في قبيلِ ما يُقْطَعُ بصِحَّتِهِ؛ لتَلَقِّي الأمَّةِ كلَّ واحدٍ من كتابَيْهما بالقبولِ على الوجهِ الذي فصَّلناهُ مِنْ حالِهِما فيما سبقَ، سوى أحرفٍ يسيرةٍ (112) تكلَّمَ عليها بعضُ أهلِ النَّقْدِ مِنَ الحفَّاظِ كالدَّارقطنيِّ وغيرِهِ، وهي معروفةٌ عِندَ أهلِ هذا الشأْنِ، واللهُ أعلمُ.
الثامنةُ: إذا ظهرَ بما قدَّمناهُ انحصارُ طريقِ معرفةِ الصحيحِ والحسنِ الآنَ في مراجعةِ الصحيحينِ وغيرِهما مِنَ الكتبِ الْمُعتمَدةِ، فسبيلُ مَنْ أرادَ العملَ أو الاحتجاجَ بذلكَ إذا كانَ (113) ممَّنْ يسوغُ لهُ العملُ بالحديثِ أو الاحتجاجُ بهِ لذي مَذْهَبٍ أنْ يرجعَ إلى أصلٍ قدْ قابَلَهُ هو أو ثقةٌ غيرُهُ بأصولٍ صحيحةٍ متعدِّدةٍ (114) مرويّةٍ برواياتٍ متنوعةٍ(115)؛ ليحصلَ لهُ بذلكَ – مَعَ اشتهارِ هذهِ الكتبِ وبُعْدِها عنْ أنْ تُقصَدَ بالتبديلِ والتحريفِ – الثقةُ بصِحَّةِ ما اتَّفَقَتْ عليهِ تلكَ الأصولُ، واللهُ أعلمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر في الصحيح:
معرفة علوم الحديث: 58، وجامع الأصول 1/ 160، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 110 - 136، والتقريب: 31 - 42، والاقتراح: 152، والمنهل الروي: 33، والخلاصة: 35، والموقظة: 24، واختصار علوم الحديث: 21، والمقنع 1/ 41 وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 110، ونزهة النظر: 82، والمختصر للكافيجي: 113، وفتح المغيث 1/ 17 وألفية السيوطي: 3 - 15، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 98، وتوضيح الأفكار 1/ 7، وظفر الأماني: 120، وقواعد التحديث: 79.
(2) اعترض على ابن الصلاح في هذا، أن قدّم الدعاء لغيره على الدعاء لنفسه، إن الأولى: أن يُعْكَسَ فإن السُّنَّة في البداءة بالدعاء أن يكون بنفسه ثمَّ بغيرهِ؛ لذا كانت هنا مناقشات ومباحثات، وتفاصيل طويلة، انظرها إن شئت في: نكت الزركشي 1/ 88، والتقييد والإيضاح 18، والشذا الفياح 1/ 67.
(3) قال الحافظ ابن كثير 1/ 99 - معترضاً-: ((هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، فليس إلاَّ صحيح وضعيف. وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدِّثينَ، فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك)).
قلنا: هذا اعتراض الحافظ ابن كثير، وقد نوقش فيه، وَوُجِّه مراد ابن الصلاح، فانظر: نكت الزركشي 1/ 91، ومحاسن الاصطلاح: 82، والتقييد والإيضاح: 19.
(4) في (ب): ((فأمّا)).
(5) تعقَّب بعض الناس - على ما حكاه ابن حجر 1/ 234 - ابن الصلاح بأنّ في تعريفه هذا تكراراً، كان بإمكانه اجتنابه لو قال: المسند المتصل ... الخ، فيستغني عن تكرار لفظ الإسناد.
وأجاب عن هذا: بأنّه إنّما أراد وصف الحديث المرفوع؛ لأنّه الأصل الذي يتكلّم عَلَيْهِ. والمختار في وصف المُسْنَد: أنّه الحَدِيْث الذي يرفعه الصَّحَابيّ مَعَ ظهور الاتصال في باقي الإسناد. فعلى هَذَا لا بُدَّ من التعرّض لاتّصال الإسناد في شرط الصَّحِيح. وانظر في محترزات وقيود ومناقشات هَذَا التعريف: الاقتراح 152، ونكت الزَّرْكَشِيّ 1/ 97، والتقييد والإيضاح: 20، ونكت ابن حجر 1/ 235، والبحر الذي زخر 1/ 310.
(6) في (ب) و (جـ): ((روايته)).
(7) في (أ): ((هذا)).
(8) قال العراقي في التقييد: 20: ((إنّما قيّد الخلاف بأهل الحديث؛ لأنّ غير أهل الحديث قد يشترطون في الصحيح شروطاً زائدة على هذه، كاشتراط العدد في الرواية كما في الشهادة، فقد حكى الحازمي في شروط الأئمّة (ص 61) عن بعض متأخّري المعتزلة، على أنّه قد حُكِيَ أيضاً عن بعض أصحاب الحديث)). وانظر: نكت الزركشي 1/ 113، ونكت ابن حجر 1/ 238.
(9) قال العراقي في التقييد: 21: ((يريد بقوله: هذه الأوصاف، أي: أوصاف القبول التي ذكرها في حدِّ الصحيح، وإنّما نبَّهت على ذلك - وإن كان واضحاً -؛ لأنّي رأيت بعضهم قد اعترض عليه، فقال: إنّه يعني الأوصاف المتقدّمة من إرسال وانقطاع وعضل وشذوذ وشبهها ... إلى آخر كلامه، فراجعه فإنّه مفيد، وانظر: نكت الزركشي 1/ 115.
(10) في (جـ): ((الحديث)).
(11) في (أ): ((اجتمعت)).
(12) انظر: نكت الزركشي 1/ 117 - 124.
(13) انظر تفصيل ذلك في المدخل إلى كتاب الإكليل: 29 - 43، ونكت الزركشي 1/ 125 - 128.
(14) في (أ): ((تنبئ))، وفي (ب): ((يبتني))، وفي (جـ): ((تبنى))، وما أثبتناه من (ع) و (م) والتقييد والشذا الفيّاح.
(15) قال العراقي في شرح التبصرة 1/ 114 (بتحقيقنا): ((القول المعتمد عليه المختار: أنّه لا يطلق على إسناد معين بأنّه أصحّ الأسانيد مطلقاً؛ لأنّ تفاوت مراتب الصحَّة مترتّب على تمكُّن الإسناد من شروط الصحّة؛ ويعزّ وجود أعلى درجات القبول في كلّ فردٍ فردٍ من ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة)).
وانظر: نكت الزركشي 1/ 131 - 157، والتقييد والإيضاح 22، ونكت ابن حجر 1/ 247 - 262.
(16) خاضوا، أي: اقتحموا. انظر: التاج 18/ 322.
والغَمْرُ مِنَ الماءِ: خلافُ الضَّحْل، وهو الذي يعلو مَنْ يدخله ويغطّيه. وغَمْرُ البحرِ: معظمه، والغَمْرة: الشدَّة، والماء الكثير. انظر: اللسان 5/ 29، والمعجم الوسيط 1/ 262. وبيَّن السيوطي في شرح ألفية العراقي (ص 100) معنى هذا فقال: ((أي: مشوا فيه، من تشبيه المعقول بالمحسوس، للإشارة إلى أنّ المتكلّم في ذلك كالخائض في الماء، الماشي في غير مظنّة المشي، وهو يؤذن بعدم التمكّن، ولهذا اختلفوا فيه على أقوال كثيرة)).
(17) قال البقاعي في النكت الوفية 294 ب: ((قوله: رُوِّيْنا، مضبوط في نسخ عديدة - بضمِّ الراء وتشديد الواو المكسورة - وهذا اصطلاح لابن الصلاح، سَلَكَهُ؛ لشدّة التَّحرِّي، وَهُوَ أنّه إذا حدّث بما حمَلَهُ [ممّن لَقِيَهُ هو وسَمِعَ منه مباشرةً] قال: رَوَيْنا - بالفتح والتخفيف - أي: نَقَلْنَا لغَيْرِنا، وإلاّ قال بالضمِّ - رُوِّيْنا - أي: نقل لنا شيوخُنا)) أ. هـ. وما بين المعكوفتين من كلام أبي غدّة، وانظر: نكت الزركشي 1/ 128، وتوجيه النظر 2/ 921 مع تعليق المحقّق.
قال الزمخشري: ((ومنه قولهم: هو راوية للحديث، وروى الحديثَ: حمله، من قولهم: البعير يروي الماءَ، أي: يحمله، وحديثٌ مروِيٌّ، وهم رواة الأحاديث وراووها: حاملوها، كما يقال: رواة الماء)). أساس البلاغة: 260.
قال الزركشي 1/ 129: ((ولهذا أطلقوا على المزادة التي يحمل فيها: راوية من باب مجاز المجاورة، فإنّ راوية صيغة مبالغة، وهي حقيقة للجمل، فإطلاقه على ظرف الماء مجاز، وليس هذا من باب: أروي الرباعي حتّى يستحّقه الماء دون الجمل؛ لأنّ اسم الفاعل منه: مَرْوٍ لا راوية، وإنّما يأتي راوية من الثلاثي)). وانظر: اللسان 14/ 348.
(18) قال الزركشي في نكته 1/ 129: ((يجوز في (راهويه) فتح الهاء والواو وإسكان الياء، ويجوز ضمُّ الهاء وإسكان الواو وفتح الياء، وهذا الثاني هو المختار. وعن الحافظ جمال الدين المزّي أنّه قال: غالب ما عند المحدّثين (فعلويه) - بضم ما قبل الواو - إلاّ (راهويه) فالأغلب فيه عندهم فتح ما قبل الواو)). وانظر: الأنساب 3/ 37، وسير أعلام النبلاء 11/ 358، وتدريب الراوي 1/ 338. أمّا معناه فقد قال الزركشي 1/ 131: ((واعلم أنّ (راهويه) لقب لجدّه، وسُمِّي بذلك؛ لأنّه وُلِدَ في الطريق، والرهو: الطريق، وكان أبوه يكره أن يسمّى به)). وانظر: تهذيب الكمال 1/ 176.
(19) معرفة علوم الحديث: 54، والكفاية: (563 ت - 397 هـ).
(20) معرفة علوم الحديث: 54.
(21) هو بفتح العين وكسر الباء، بوزن سفينة. انظر: تبصير المنتبه 3/ 913، والتاج 8/ 345.
(22) معرفة علوم الحديث 54.
(23) المصدر السابق.
(24) هو سليمان بن حرب. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 120.
(25) في (م): ((غيَّر)).
(26) هو بفتح السين وسكون الخاء وكسر التاء، هذه النسبة إلى عمل السِّخْتِيان وبيعها، وهي جلود الماعز إذا دُبِغَتْ. انظر: الأنساب 3/ 255، والتاج 4/ 554.
(27) هو علي بن المديني. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 120.
(28) في (جـ) زيادة: ((ابن مسعود)). وفي (م): ((عُبيد الله))، مصغَّر محرف.
(29) معرفة علوم الحديث: 54.
(30) ساقطة من (ع) والتقييد.
(31) في (أ): ((عن أبيه علي)).
(32) معرفة علوم الحديث: 53. وهو قول عبد الرزاق الصنعاني. انظر: الكفاية (563 ت، 397 هـ).
(33) معرفة علوم الحديث: 53، والكفاية: (563 ت، 398 هـ).
(34) هو عبد القاهر بن طاهر البغدادي، عالم متقن من أئمة الأصول، له مؤلفات منها: الفرق بين الفرق، ونفي خلق القرآن، ومعيار النظر وغيرها، توفي سنة (429 هـ). وفيات الأعيان 1/ 298، طبقات السبكي 3/ 238، الأعلام 4/ 173.
(35) انظر عن هذه المسألة: نكت الزركشي 1/ 141، ومحاسن الاصطلاح: 86، ونكت ابن حجر 1/ 262.
(36) راجع فيما يخصّ التصحيح في العصور المتأخّرة: نكت الزركشي 1/ 158، والتقييد والإيضاح: 23، ونكت ابن حجر 1/ 266. وكَتَبَ محقّق الشذا الفياح 1/ 71 تعليقاً موفقاً جداً، وقد نقلناه في شرح التبصرة 1/ 150، فراجعه فإنّه نفيس.
(37) في (ب): ((على صحته)).
(38) خالف الإمامُ النوويُّ ابنَ الصلاحِ فيما ذهب إليه، فقالَ في التقريب: 41: ((والأظهر عندي جوازه لمن تمكّن وقويت معرفته)).
(39) قال العراقي في التقييد 25: ((اعترض عليه بأنّ مالكاً صنَّف الصحيح قبله.
والجواب: أنّ مالكاً - رحمه الله - لم يفرد الصحيح، بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات، ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف، كما ذكره ابن عبد البرّ، فلم يفرد الصحيح إذن، والله أعلم)). ولمزيد الفائدة انظر: نكت الزركشي 1/ 161، نكت ابن حجر 1/ 276 - 281.
(40) أي: من بني قشير، لا من مواليهم، كما في حاشية المحاسن: 89.
(41) في (أ) و (ع): ((كثير من)).
(42) قال الزركشي في نكته 1/ 163: ((قال النووي: باتّفاق العلماء فإنّ قيل: قد روى مسلم في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسّطين: أهل الطبقة الثانية الذين ليسوا من شيوخ الصحيح قال النووي: فجوابه من أوجه ذكرها ابن الصلاح:
أحدها: أنّ ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده، ولا يقال: الجرح مقدّم؛ لأنّ شرط قبوله بيان السبب.
الثاني: أنّ ذِكْرَ الضعفاء في كتابيهما لم يوجد محتجّاً به، بل وقع متابعة واستشهاداً كمطر الورَّاق وبقيّة وابن إسحاق وعبد الله بن عمر العمري ونعمان بن راشد وغيرهم.
الثالث: أن يكون الضعف طرأ عليهم بعد أخذه عنهم، باختلاط حديث لم يقدح فيما رواه عنهم قبل ذلك، كرواية مسلم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب، فذكر الحاكم أنّه اختلط بعد الخمسين، وما بُيِّن بعد خروج مسلم من مصر.
الرابع: أن يقصد علوّ الإسناد بالرجل الضعيف، والحديث عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي، ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفياً بمعرفة أهل الشأن ذلك، وهذا العذر قد رويناه عنه تنصيصاً)).
قلنا: الأمر كما ذكر الزركشي عن النووي؛ ولكن لا بُدَّ من التنبيه على أنَّ الشيخين ينتقيان من حديث الثقات، وكذا من حديث الضعيف ممّا علما أنَّهُ لم يخطأ فيه. وانظر: ما علقناه على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 144.
(43) أسنده ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل 1/ 12، والبيهقي في آداب الشافعي: 195، ... وابن حبان في المجروحين 1/ 41، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 77.
(44) انظر عن هذا اللفظ: نكت الزركشي 1/ 165، ونكت ابن حجر 1/ 281، وحاشية محقّقة المحاسن: 90.
قال العراقي في التقييد: 23: ((وما رجَّحه الإمام النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث، فقد صحَّحَ جماعة من المتأخّرين أحاديث لم نجد لمن تقدّمهم فيها تصحيحاً...)).
وقالَ الشيخ أحمد شاكر في الباعث الحثيث: 29: ((هذا هو الصواب))، ثمَّ علَّل ما ذهب إليه ابن الصلاح فقال: والذي أراه أنَّ ابن الصلاح ذهب إلى ما ذهب إليه بناء على القول بمنع الاجتهاد بعد الأئمّة، فكما حظروا الاجتهاد في الفقه، أراد ابن الصلاح أن يمنع الاجتهاد في الحديث. وهيهات!!! فالقول بمنع الاجتهاد قول باطل لا برهان عليه من كتاب ولا سنّة، ولا تجد له شبه دليل))، وقارن بما سبق. وانظر: التعليق على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 150 - 154.
(45) انظر في المفاضلة بين الصحيحين: نكت الزركشي 1/ 165، ونكت ابن حجر 1/ 281، والبحر الذي زخر 2/ 530.
(46) ((أستاذ الحاكم أبي عبد الله)) سقطت من (ب).
(47) أسنده الخطيب في تاريخ بغداد 13/ 101 بمعناه. وللعلماء في توجيه هذا الكلام مباحثات. انظر: صيانة صحيح مسلم: 69، وسير أعلام النبلاء 16/ 55، وهدي الساري: 12، والنزهة: 86، وتدريب الراوي 1/ 93 - 95.
(48) قال العراقي في التقييد 26: ((قلت: قد روى مسلم بعد الخطبة في كتاب الصلاة بإسناده إلى يحيى بن أبي كثير أنّه قال: ((لا يستطاع العلم براحة الجسم))، فقد مزجه بغير الأحاديث، ولكنّه نادر جداً بخلاف البخاري، والله أعلم)).
قلنا انظر: صحيح مسلم 2/ 105 ط إستانبول، و 1/ 428 (175) ط عبد الباقي.
(49) انظر: نكت الزركشي 1/ 172 - 175.
(50) في (م): ((أن)) تحريف.
(51) رواه ابن عدي في الكامل 1/ 226، وفي أسماء مَن روى عنهم البخاري (4 أ)، والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 8 - 9، والحازمي في شروط الأئمة الخمسة: 62 - 63، وانظر: هدي الساري 18.
(52) في (أ): خلال كتابه.
(53) صحيح مسلم 2/ 15 عقيب (404).
(54) هذا أحد محملين حمل ابن الصلاح كلام مسلم عليهما، والثاني: أنّه لم يضع في كتابه ما اختلف فيه الثقات في نفس الحديث متناً أو إسناداً. ولم يرد بكلامه هذا ما كان اختلافهم فيه في توثيق بعض رواته وتضعيفهم. ورجَّحَ ابن الصلاح هذا الاحتمال الثاني. انظر: صيانة صحيح مُسْلِم: 74 - 75.
ولكن ابن الصلاح استدرك فقال: ((ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في متنها أو إسنادها، وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر، وقد استدركت وعلَّلت)).
وقد قيل في معناه أقوال أخر، إذ قال القرطبي في مفهمه: ((مراده إجماع من لقيه من أهل النقل والعلم بالحديث)). انظر: البحر الذي زخر 2/ 570.
وقال الميانشي: ((يعني -[إجماع]- أئمّة الحديث كـمالك، والثوري، وشعبة، وأحمد بن حنبل، وابن مهدي وغيرهم)). ما لا يسع المحدّث جهله 27.
وقال البلقيني في محاسنه 91: ((وقيل: أراد مسلم بقوله: ((ما أجمعوا عليه)) أربعة: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور الخراساني)).
(55) انظر: نكت الزركشي 1/ 179 - 188. فقد أطال النفس بكلام نفيس. وانظر أيضاً: نكت ابن حجر 1/ 297.
(56) أسنده ابن عدي في تقدمة الكامل 1/ 226، والخطيب في تاريخه 2/ 25، والحازمي في شروط الأئمة 61، وابن نقطة في التقييد: 33. قال الزركشي 1/ 178: ((وقيل: إنّه أراد المبالغة في الكثرة، وهذا ضعيف، بل أراد التحديد، وقد نقل عن غيره من الحفّاظ ما هو أكثر من ذلك، وعلى هذا ففيه وجهان:
أحدهما: أنّه أراد به تعدد الطرق والأسانيد.
والثاني: أنّ مراده بالأحاديث ما هو أعمّ من المرفوع والموقوف وأقاويل السلف، وعلى هذا حمل البيهقي - في مناقب أحمد - قول أحمد: ((صحّ من الحديث سبع مئة ألف))، على أنّه أراد أحاديث رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلّم -، وأقاويل الصحابة والتابعين، فإن قلت: قد قال: ومئتي ألف غير صحيح، فما فائدة حفظه لذلك؟؟ قلت: التمييز بينهما)). قلنا: وقد يراد الأمران كما أشار إليه المصنّف، وتابعه عليه العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 130، والسيوطي في البحر الذي زخر 2/ 736.
(57) للاطّلاع على إحصائيات المتقدّمين لأحاديث الصحيحين، انظر: نكت الزركشي 1/ 189، ومحاسن الاصطلاح: 92، والتقييد والإيضاح: 27، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 131، والبحر الذي زخر 2/ 719.
وقد قام السيد محمد فؤاد عبد الباقي بترقيم أحاديث البخاري "فتح الباري" فبلغت (7563) ورقم أحاديث صحيح مسلم فبلغت (3033).
وذكر الحافظ العراقي في شرح التبصرة 1/ 131، أنّ ابن الصلاح لم يذكر عدة أحاديث مسلم قلنا: ولعلّه اكتفى بما ذكره في كتابه "صيانة صحيح مسلم" : 101 – 102، وانظر لزاماً تعليقنا على شرح التبصرة 1/ 131 هامش: (4).
(58) في (م): ((الصحيح المروي)).
(59) راجع ما كتبه الزركشي في نكته 1/ 194، والعراقي في التقييد 27، وابن حجر في نكته 1/ 289.
(60) في (أ): ((المشهورة)).
(61) في (أ) و (جـ): ((النسوي)).
(62) بفتح الباء، وبعضهم يكسره. انظر: الأنساب 1/ 336، ومراصد الاطلاع 1/ 186، والتاج 25/ 40.
(63) ((وكتاب أبي بكر الإسماعيلي))، ساقطة من (ب).
(64) قال العراقي في التقييد 28: ((وهو يقتضي أنّ ما وجد من الزيادات على الصحيحين في كتاب الحميدي: يحكم بصحته، وليس كذلك؛ لأنّ المستخرجات المذكورة قد رووها بأسانيدهم الصحيحة، فكانت الزيادات التي تقع فيها صحيحة لوجودها بإسناد صحيح في كتاب مشهور على رأي المصنِّف. وأمّا الذي زاده الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" فإنّه لم يروه بإسناده حتّى ينظر فيه، ولا أظهر لنا اصطلاحاً أنّه يزيد فيه زوائد التزم فيها الصحة... فيقلد فيها. وإنّما جمع بين كتابين، وليست تلك الزيادات في واحد من الكتابين، فهي غير مقبولة حتّى توجد في غيره بإسناد صحيح، والله أعلم.
وقد نصَّ المصنِّف بعد هذا في الفائدة الخامسة التي تلي هذه أنّ مَن نقل شيئاً من زيادات الحميدي عن الصحيحين أو أحدهما فهو مخطئ، وهو كما ذكر فمن أنزله (كذا) أنّ تلك الزيادات محكوم بصحّتها بلا مستند، فالصواب ما ذكرناه، والله أعلم)).
قلنا: قد تعقّب العراقيَّ تلميذُهُ ابنُ حجر في كلامِهِ هذا ببحث نفيس طويل فانظره في نكته 1/ 300 - 310، وانظر: تعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 140.
(65) قال الزركشي في نكته 1/ 197: ((فيه أمران:
أحدهما: نوزع في قوله: ((أودعه ما ليس في واحد منهما))، فإنَّهُ قد أودعه أحاديث في الصحيحين، وهذا عجيب، فإنّ هذه الأحاديث وقعت له سهواً، على خلاف شرطه، ولم يكن موضوع الكتاب لذلك، ولا هو مقصوده؛ إذ لا يكون ذلك استدراكاً حينئذٍ. فكلام المصنّف صحيح.
الثاني: ما ذكره في شرطه، قد تبعه عليه النووي وابن دقيق العيد وغيرهما، وكأنّهم لم يقفوا على شرط الحاكم، والذي في خطبة المستدرك ما نصّه: ((وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتجّ بمثلها الشيخان أو أحدهما)) انتهى.
وقال النووي: ((المراد بقولهم: ((على شرطهما)): أن يكون رجال إسناده في كتابيهما؛ لأنّه ليس لهما شرط في كتابيهما ولا في غيرهما)). وعلى هذا عمل الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد؛ فإنَّه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديث على شرط البخاري - مثلاً - ثم يعترض عليه بأنّ فيه فلاناً ولم يخرج له البخاري، وكذلك فعل الحافظ الذهبي في مختصر المستدرك، وليس ذلك منهم بحسن، لما ذكرنا من كلام الحاكم في خطبته أنّه لم يشترط نفس الرجال المخرج لهم في الصحيح، بل اشترط رواة احتجّ بمثلهم الشيخان أو أحدهما، وإنّما ينبغي منازعته في تحقيق المماثلة بين رجاله ورجال الصحيحين. نعم ... القوم معذورون فإنّه قال عقب أحاديث أخرجها: هو صحيح على شرط مسلم، فقد احتجّ بفلان وفلان - يعني: المذكورين في سنده -، فهذا منه جنوح إلى إرادة نفس رجال الصحيح، وهو يخالف ما ذكره في مقدّمة كتابه)).
وقد تعقَّب الحافظُ ابنُ حجر شيخَهُ العراقيَّ الذي تبنّى رأي الزركشي نفسه كما في التقييد 29، فقال في نكته 1/ 320 مستدركاً: ((قلت: لكن تصرّف الحاكم يقوي أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما شيخنا - رحمه الله تعالى - فإنّه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا أو أحدهما لرواته، قال: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما، وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد حسب. ويوضّح ذلك قوله - في باب التوبة - لَمَّا أورد حديث أبي عثمان، عن أبي هريرة مرفوعاً: ((لا تنزع الرحمة إلّا من شقيٍّ)). قال: هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو عثمان هذا ليس هو النهديّ، ولو كان هو النهدي لحكمت بالحديث على شرط الشيخين)).
فدلَّ هذا على أنّه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما، وهو عين ما ادَّعى ابن دقيق العيد وغيره. وإن كان الحاكم قد يغفل عن هذا في بعض الأحيان، فيصحّح على شرطهما بعض ما لم يخرجا لبعض رواته، فيحمل ذلك على السهو والنسيان ويتوجّه به حينئذٍ عليه الاعتراض، والله أعلم)).
وفي صدد إيضاح منهج الحاكم في مستدركه وما أثارته مقالته في الشرط مع كثرة تعويل بعض المتعالمين على قوله هذا، قال الإمام الزركشي - رحمه الله – موضّحاً الأمر ومجلّياً ما قد خفي على هؤلاء الذين كان قصارى علمهم النقل، وتلقّي الكلام على علاّته، والتسليم له من غير بحث وتدقيق. قال في نكته 1/ 198:
((ثم إنّه خالف الاصطلاحين في أثناء كتابه، وقال - لمّا أخرج التاريخ والسير -: ((ولا بُدَّ لنا من نقل كلام ابن إسحاق والواقدي)).
واعلم أنّ ما اعتمده في تخريجه أن يرى رجلاً قد وثَّق وشهد له بالصدق والعدالة، أو حديثه في الصحيح، فيجعل كلّ ما رواه هذا الراوي على شرط الصحيح، وفيه توقف ظاهر فإنّه إنّما يكون على شرط الصحيح إذا انتفت عنه العلل والشذوذ والنكارة وتوبع عليه، فأمّا مع وجود ذلك أو بعضه فلا يكون صحيحاً ولا على شرط الصحيح.
ومن تأمّل كلام البخاري ونظر في تعليله أحاديث جماعة أخرج حديثهم في صحيحه عَلِمَ إمامته وموقعه من هذا الشأن، وتبين له ما ذكرنا وأنّ الحال ليس مطّرداً على قانون واحد. ونظير هذا من يرى الرجل قد تُكُلِّم في بعض حديثه وضُعِّف في شيخ أو في حديث، فيجعل ذلك سبباً لتعليل حديثه، وتضعيفه أين وجده، كما يفعله كثير من المتأخّرين من الظاهريّة وغيرهم، وهو غلط فإنّ تضعيفهم في رجل أو في حديث ظهر فيه غلطه لا يوجب ضعف حديثه مطلقاً.
ثمَّ العجب منه في شيئين:
أحدهما: أنّه يخرج الحديث ويقول: ((على شرط الشيخين)) أو أحدهما، ويكون الحديث بذلك اللفظ فيهما أو في أحدهما وقد وقع له ذلك في أحاديث)) ... فساق عشرة أمثلة ثم قال: ((الأمر الثاني: ما يدّعي أنّه على شرط البخاري، وقد ذكره البخاري على خلافه: منها: ما أخرجه عن سعيد بن عامر، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب أنّ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم قال: ((مَن وجد تمراً فليفطرْ عليهِ، ومَنْ لا فليفطرْ على الماء فإنّه طهور)). وقال: ((على شرط الشيخين)). وليس كما قال، فإنّ الترمذي في العلل قال: ((سألت محمّداً عنه، فقال: حديث سعيد بن عامر وهم.
ومنها: أخرج حديث عبد الله بن صالح، عن يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً: ((من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة))، وقال: على شرط البخاري.
ونقل البيهقي عن البخاري أن يحيى بن المتوكل رواه عن ابن جريج عمَّن حدّثه عن نافع، وأنّ هذا أشبه، فصحّح انقطاعه.
ومنها: أخرج من جهة جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس، قال: ((رأيت رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - ينزل من المنبر فيعرض له الرجل في الحاجة فيقوم معه حتى يقضي حاجته)). وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وهذا الحديث أخرجه الأربعة من جهة جرير، قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث جرير، سمعت محمداً يقول: وهم جرير في هذا والصحيح ما روي عن ثابت، عن أنس، قال: ((أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلّم ...، الحديث هو هذا، وجرير ربّما يهم في الشيء وهو صدوق)). انتهى كلام الزركشي، وانظر: البحر الذي زخر 2/ 806 - 813، وانظر بلا بدّ: تعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 148 هامش (6).
(66) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 17/ 175: ((في المستدرك شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعلّ مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل، فإنّ في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفيّة مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها)).
وقد قسم ابن حجر في نكته 1/ 314 - 319: المستدرك إلى أقسام فانظرها فإنّها مفيدة.
(67) في (ب): يتوسط.
(68) في (ج): ((يجد)).
(69) قال ابن جماعة: ((الحق أن يتتبّع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الصحّة أو الضعف)).
قال العراقي في نكته 30: ((وهذا هو الصواب)). وانظر: نكت الزركشي 1/ 226، والبحر الذي زخر 2/ 845 - 846.
(70) قال الزركشي في نكته 1/ 226: ((أي: يقاربه فيما ذكر، وليس كما قال، بل صحيح ابن حبان أصحّ منه بكثير)). وانظر: التقييد والإيضاح 30 - 31، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 135.
(71) ((وحقيقته: أن يأتي المصنِّف إلى كتاب البخاري أو مسلم فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق البخاري أو مسلم، فيجتمع إسناد المصنّف مع إسناد البخاري أو مسلم في شيخه أو من فوقه)). أفاده الزركشي في نكته 1/ 229.
(72) في (ج): ((ما)).
(73) في (أ) و (ج): ((فلا تستفيد))، وفي (ب): فلا يستفيد))، وما أثبتناه من (ع) و (م) والتقييد.
(74) قال ابن حجر في نكته 1/ 310: ((قلت: محصّل هذا أن مُخَرِّج الحديث إذا نسبه إلى تخريج بعض المصنّفين، فلا يخلو: إمّا أن يصرّح بالمرادفة أو بالمساواة أو لا يصرّح. إن صرَّح فذاك، وإن لَم يُصرِّح كان على الاحتمال.
فإذا كان على الاحتمال فليس لأحد أن ينقل الحديث منها ويقول: هو على هذا الوجه فيهما، لكن هل له أن ينقل منه ويطلق كما أطلق؟ هذا محل بحث وتأمّل)).
(75) قال ابن حجر في نكته 1/ 312: ((محصّله أنّ اللفظ إن كان متّفقاً فذاك وإن كان مختلفاً فتارة يحكيه على وجهه، وتارة يقتصر على لفظ أحدهما، ويبقى ما إذا كان كلّ منهما أخرج من الحديث جملة لم يخرجها الآخر، فهل للمختصر أن يسوق الحديث مساقاً واحداً وينسبه إليهما ويطلق ذلك، أو عليه أن يبيّن؟ هذا محل تأمّل، ولا يخفى الجواز، وقد فعله غير واحد، والله أعلم)).
(76) قال الزركشي 1/ 230 – 231: ((ومن هاهنا اعترض عليه – [يعني: الحميدي] – في إدخاله تلك الزيادات في الكتاب، فإنَّه لم يذكرْها بإسناد لتتميز عن إيراد الصحيحين، وذكرها في ذيل الحديث موهماً أنّها في الصحيح، فليحذر من ذلك. وهذا بخلاف "الجمع بين الصحيحين" لعبد الحق ونحوه، فإنّه لا يأتي بغير لفظ الصحيح. وظاهر كلام ابن الصلاح أنّ الزيادات الواقعة في كتاب الحميدي لها حكم الصحيح، وليس كذلك؛ لأنّه لم يروها بسند كالمستخرج، ولا ذكر أنّه يزيد ألفاظاً ويشترط فيها الصحّة حتّى يقلّد في ذلك)).
(77) في (جـ): ((الزيادة)).
(78) في (أ): ((أحد)).
(79) انظر عن فوائد المستخرجات: نكت الزركشي 1/ 231، والتقييد والإيضاح 32، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 137 – 138، ونكت ابن حجر 1/ 321.
(80) في (ب): ((ثبتت)).
(81) ما بين المعكوفتين من (ع) و (م) والتقييد. وراجع في تفصيل أحكام التعاليق في الصحيحين: نكت الزركشي 1/ 232، والتقييد والإيضاح: 32، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 156، ونكت ابن حجر 1/ 324.
(82) قال ابن حجر في هدي الساري 469: ((فجملة ما في الكتاب من التعاليق ألف وثلاث مئة وواحد وأربعون حديثاً وأكثرها مكرّر، مُخَرَّجٌ في الكتاب أصول متونه، وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق أخرى إلّا مئة وستون حديثاً)). قلنا: وله كتاب فريد في بابه في وصل التعاليق التي في صحيح البخاري: تغليق التعليق، طبع بتحقيق: د. سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، ولخّصه الحافظ نفسه في هدي الساري 17–70.
(83) بلغ ثلاثة مواضع فقط، وصل اثنان منها في صحيحه، ثُمَّ لَمَّا احتاج تكرارها علَّقها فلم يبقَ فيه غير حديث واحد معلّق غير موصول، وهو حديث أبي الجهيم بن الحارث ((أقبل رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - من نحو بئر جمل ... الحديث))، حيث علَّقه مسلم بلفظ: ((وروى الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن عمير مولى ابن عباس أنّه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار- مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - حتَّى دخلنا على أبي الجهيم فقال: ... الحديث)) صحيح مسلم 1/ 194 (369). وهذا الحديث وصله أحمد 4/ 169 من طريق أخرى، وهي طريق الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن الأعرج. ومن طريق الليث وصله: البخاري 1/ 92 (337)، وأبو داود (329)، والنسائي 1/ 165، وفي الكبرى (307)، وابن خزيمة (274)، وأبو عوانة 1/ 307.
تنبيه: جميع من وصل الحديث ذكر: عبد الله بن يسار، وانفرد مسلم بقوله: عبد الرحمان بن يسار. وانظر: التقييد والإيضاح: 32 - 33، ونكت ابن حجر 1/ 344 - 353، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 118.
(84) قال الزركشي في نكته 1/ 236: ((وهذا الذي ذكره من أنّ صيغة الجزم تدلّ على صحّة الحديث، والتمريض على ضعفه، قد تبعه عليه أكثر الناس، وقد اعترض عليه من جهتين: من جهة الصناعة، ومن جهة الاستقراء.
فإن كان هذا قاله من جهة الصناعة فلا شكَّ أنّ قول البخاري - مثلاً -: ((قال)) بصيغة الجزم ليس ما يرى من قول التابعي الكبير: قال رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - بلفظ الجزم، وهو لا يقتضي صحّة الحديث، فبذلك ترى البخاري إذا علَّق الحديث لم يفد الصحة)). ثمَّ قال: ((وأمّا الاستقراء فلا يساعده، فقد قال البخاري في كتاب العلم في باب الخروج في طلب العلم: رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد. انتهى. هكذا جزم به، ثم ذكره بصيغة التمريض في آخر الكتاب في الرد على الجهمية، فقال: ((ويذكر عن جابر بن عبد الله، عن عبد الله بن أنيس سمعت النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلّم - يقول: ... فذكره.
فدلّ على استواء الصيغتين عنده، وإلّا يلزم أن يكون الحديث الواحد ضعيفاً حسناً))، وقد ردَّ ابن حجر في الفتح 1/ 174 على قول الزركشي هذا فانظره، وتأمّل!! وانظر: تعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 163 - 165.
(85) قال العراقي في التقييد والإيضاح: 33: ((أنّ قوله - في أمثلة ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر -: قال عفان: كذا، قال القعنبي: كذا، ليس بصحيح، ولم يسقط من هذا الإسناد شيء، فإنّ عفّان والقعنبي كلاهما من شيوخ البخاري الذين سمع منهم، فما روى عنهما - ولو بصيغة لا تقضي التصريح بالسماع فهو محمول على الاتصال، وقد ذكره ابن الصلاح كذلك على الصواب في النوع الحادي عشر من كتابه في الرابع من التفريعات التي ذكرها فيه...)) إلى آخر كلامه.
(86) في (جـ): ((كأن)).
(87) في (ب): ((وروي)).
(88) ((كذا)) الثانية من (ب) و (جـ) و (ع) فقط.
(89) ((منه)) سقطت من (ب).
(90) كذلك.
(91) قال ابن حجر في نكته 1/ 324: ((أقول: بل الذي يتقاعد عن شرط البخاري كثير ليس بالقليل إلا أن يريد بالقلة قلة نسبية إلى باقي ما في الكتاب فيتجه، بل جزم أبو الحسن بن القطان بأن التعاليق التي لم يوصل البخاري إسنادها ليست على شرطه ...)) إلى آخر كلامه فانظره فإنه بحث ممتع.
(92) السِّجْزِي - بكسر السين وسكون الجيم -: نسبة إلى سِجِستان على غير قياس. انظر: الأنساب 3/ 246، وانظر: التعليق في: 489 من هذا الكتاب.
(93) في (جـ): ((والفقهاء)).
(94) بعد هذا في (ع) زيادة: ((على)).
(95) في (ب): ((قد قاله)).
(96) الحِنْث: الخُلْفُ في اليمين، حَنِثَ في يمينِهِ حِنْثاً وحَنَثاً: لَمْ يبرَّ فيها. لسان العرب 2/ 151.
(97) الحِبالة – بالكسر –: هي ما يصاد بها من أي شيء كانت، والجمع: حبائل، ومنه: ما روي: ((النساء حبائل الشيطان)) أي: مصايده، والمراد هنا: في عصمته. انظر: النهاية 1/ 333 واللسان 11/ 136.
(98) انظر: نكت الزركشي 1/ 249، والتقييد والإيضاح: 38.
(99) انظر: الجمع بين الصحيحين 3 أ.
(100) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء. انظر: فتح الباري 1/ 478.
(101) صحيح البخاري 1/ 103 عقيب (370).
وحديث ابن عباس: أخرجه أحمد 1/ 275، والترمذي (2796)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 474، والبيهقي 2/ 228. من طريق أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس، مرفوعاً. وسنده ضعيف؛ لضعف أبي يحيى القتات. ليَّنه الحافظ في التقريب (8444).
وحديث جرهد: أخرجه عبد الرزاق (1115) و (1988)، والحميدي (857)، وابن أبي شيبة (26692)، وأحمد 3/ 478 و 479، والدارمي (2650)، والبخاري في تاريخه الكبير 5/ (154)، وأبو داود (4014)، والترمذي (2795)، والطحاوي في شرح المشكل (1701) و (1702)، وفي شرح المعاني 1/ 475، وابن حبان (1710) والطبراني في الكبير (2138) – (2151)، والدارقطني 1/ 224، والبيهقي 2/ 228. وحديثه مضطرب جداً. قال ابن عبد البر في الاستيعاب 1/ 255 متحدّثاً عن جرهد: ((لا تكاد تثبت له صحبة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الفخذ عورة))، وقد رواه غيره جماعة، وحديثه ذلك مضطرب)). وانظر فيه: بيان الوهم والإيهام 3/ 338 (1082) و (1083) فقد أطال النفس فيه، ونصب الراية 1/ 241 – 242، وأثر علل الحديث 243 – 246.
وحديث محمد بن جحش: أخرجه أحمد 5/ 289 – 290، وعبد بن حميد (367)، والنسائي 7/ 314، والحاكم 4/ 180، والبغوي (2251). قال الزيلعي في نصب الراية 4/ 245 عن إسناد أحمد: ((هذا مسند صالح)).
قلنا: وكذلك ورد من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعاً. بلفظ: ((إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره، فلا ينظر إلى شيء من عورته؛ فإنَّما أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته)). أخرجه أحمد 2/ 187، وأبو داود (496)، والبيهقي 2/ 228 – 229، وسنده قوي.
(102) لَم ترد في النسخ الخطية ولا في متن البخاري المطبوع، وهي من (ع) و (م) والتقييد ونكت الزركشي.
(103) صحيح البخاري 1/ 78 عقيب (277). وقد وصله عبد الرزاق (1106)، وأحمد 5/ 3 و 4، وأبو دواد (4017)، وابن ماجه (1920)، والترمذي (2769) و (2794)، والنسائي في الكبرى (8972)، والحاكم 4/ 179، وأبو نعيم 7/ 121، والبيهقي 1/ 199، والخطيب في تاريخه 3/ 261. وقال اللكنوي في ظفر الأماني 164: ((هو حديث حسن مشهور)).
(104) في (ب): ((وكذلك)).
(105) راجع نكت الزركشي: 1/ 252 – 254.
(106) تعقَّب بعضُ العلماء ابنَ الصلاح حول هذا التقسيم، ودارت بينهم مناقشات، انظرها في: نكت الزركشي 1/ 254، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 142 مع تعليقنا، ونكت ابن حجر 1/ 363، وتوجيه النظر 1/ 290 مع تعليقات محقّقة.
(107) في (أ) و (ب): ((الأئمَّة)).
(108) في (م): ((باتفاق)).
(109) ينظر عن مسألة إفادة أحاديث الصحيحينِ لليقين أو الظنِّ: نكت الزركشي 1/ 276، ومحاسن الاصطلاح: 101، ونكت ابن حجر 1/ 371، والبحر الذي زخر 1/ 335، وتوجيه النظر: 307.
(110) في (جـ): ((الأئمة)).
(111) في (م): ((المبني)).
(112) هي ليست باليسيرة، فقد بلغت انتقادات الدارقطني وحده (218)، وهذا فيما سوى ما انتقده أبو مسعود الدمشقي، وأبو الفضل بن عمار، وأبو علي الجياني. ولربّما أراد ابن الصلاح أنّها يسيرة نسبياً إلى ما لا انتقاد عليه. والحقيقة أنّ هذهِ الانتقادات تتفرّع عن الأقسام الآتية:
أ - الزيادة التي تقع في بعض الأحاديث. إذ قد ينفرد ثقة بزيادة لا يذكرها من هو مثله أو أحفظ منه، فتحميل هذا الثقة تبعه أنه قد يكون غلط؛ ظن مجرد، وغاية ما فيها أنها زيادة ثقة لا تنافي رواية الأحفظ والأكثر.
ب - الحديث الذي قد يرويه تابعي، المشهور أن ّروايته عن صحابي معين سمع منه، فيروي الحديث بواسطة عن ذلك الصحابي، فيعلّل الأول بزيادة الراوي في الطريق الثانية. وهذا مندفع بأنّه لا مانع من كون ذلك التابعي قد سمع ذلك الحديث بعينه من ذلك الصحابي مباشرة ثم سمعه بواسطة وهكذا يكون الأمر فيمن بعدهم.
ج ـ أن يشير صاحب الصحيح إلى علته، كأن يرويه مسنداً ثم يذكر أنه روي مرسلاً، فهذا من صاحب الصحيح ترجيح لرواية الواصل على المرسل.
د - ما يكون مداراً للاجتهاد وتكون علّته مرجوحة بالنسبة إلى صحته.
وانظر: نكت الزركشي 1/ 287، والتقييد والإيضاح: 42، وابن حجر 1/ 380.
(113) ((إذا كان)): ساقطة من (جـ).
(114) في (جـ): ((معدّدة)).
(115) قال العراقي في التقييد: 43: ((ما اشترطه المصنِّف من المقابلة بأصول متعددة، قد خالفه فيه الشيخ محيي الدين النووي، فقال: وإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه. قلت: وفي كلام ابن الصلاح في موضع آخر ما يدل على عدم اشتراط تعدد الأصل، فإنّه حين تكلّم في نوع الحسن أنّ نسخ الترمذي تختلف في قوله: حسن أو حسن صحيح، ونحو ذلك. قال: فينبغي أن تصحّح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتّفقت عليه. فقوله هنا: ينبغي، يعطي عدم اشتراط، والله أعلم)).
قلنا: تعقّبه تلميذه ابن حجر فقال في نكته 1/ 384: ((أقول: ليس بين كلاميه مناقضة، بل كلامه هنا مبني على ما ذهب إليه من عدم الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد؛ لأنّه علّل صحّة ذلك بأنّه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللاً، فقضية ذلك أن لا يعتمد على أحدهما بل يعتمد على مجموع ما تتفق عليه الأصول المتعددة؛ ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد.
وأمّا قوله في الموضع الآخر: ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول، فلا ينافي قوله المتقدم؛ لأن هذِهِ العبارة تستعمل في اللازم أيضاً، والله أعلم)). وانظر: التقريب والتيسير: 42.
|
|
النوم 7 ساعات ليلا يساعد في الوقاية من نزلات البرد
|
|
|
|
|
اكتشاف مذهل.. ثقب أسود ضخم بحجم 36 مليار شمس
|
|
|
|
|
معهد القرآن الكريم النسوي يقدم محاضرة معرفية استعداداً لشهر رمضان المبارك
|
|
|