أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-20
1109
التاريخ: 3-8-2019
1769
التاريخ: 6-10-2016
2278
التاريخ: 2024-03-09
1156
|
من المعلوم أنّ هذه الصفة الأخلاقية هي من أخلاق الصبيّان ، ولكنها قبل كل شيء تنشأ من الجهل وقصر النظر ، فذوا العقول يتحرّكون في حركة الواقع من خلال التدبّر والتفكر الذي ينطلق من موقع المنطق والدليل ، فإذا ما ثبت لهم بالبرهان المنطقي ، أنّ أمراً ما لا يتوافق مع الحقيقة فسرعان ما يتركونه ويقلعون عنه رغم اعتقادهم به لسنوات متمادية.
ولكن الأفراد الجهّال والقصيري النظر لا يقلعون عن شيء يعتقدون به ويمثل لديهم مفردة على مستوى المعتقد والدين ، ولا يفيد معهم الدليل ولا المنطق.
ومن الأسباب الاخرى لتكريس حالة اللجاج والعناد هو مواجهة الشخص الذي ارتكب مخالفة معينة باللّوم المفرط والتقريع الزائد عن الحدّ وأمام الملأ العام ، فانّ ذلك من شأنه أن يدفعه نحو الاصرار والعناد لإثبات أنّه ليس على خطأ ويتحرّك في مواجهة الآخرين من خلال التمسك برأيه ، وبالتدريج يعتقد أنّه على صواب ويبقى على ما هو عليه ، والعكس صحيح فإذا ما عومل بلطف ولين ومحبّةٍ فسيرتدع ويعود إلى رشده.
ولذلك نقرأ في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «الإِفراطُ فِي المَلامَةِ يَشُّبُ نِيرانُ اللَّجاجَةِ» ([1]).
العامل الثالث لظهور هذه الصفة : هو احساس الإنسان بالحقارة والدونية ، فعقدة الحقارة تمنع الأفراد من الاستماع والانصياع للآخرين توكيداً لشخصيتهم ، فلا يقبلون الكلام المنطقي ويصرّون على سلوكهم وعملهم الباطل.
أما الأفراد الذين لا يعيشون هذه العقدة ويمتازون بشخصية قوية ، فلا حاجة لهم إلى هذا السلوك الباطل وسرعان ما يسلّمون للبرهان والمنطق السليم ولا يجدون في أنفسهم حاجة للإصرار على أفعالهم الخاطئة.
ضعف الإرادة واهتزاز الشخصية يمكن اعتباره عامل رابع للّجاج ، ومن البديهي أنّ إقلاع الشخص من عادة تعودها لمدّة طويلة ليس بالأمر السهل ، والاعتراف بالخطأ ليس بالأمر الهيّن أيضاً ، ويحتاج إلى قوة الإرادة والشجاعة ، والأشخاص الذين يعيشون الحرمان من تلك الفضيلتين سيجدون في أنفسهم دوافع لا شعورية لسلوك طريق العناد واللجاج.
«حبّ الراحة» يمكن أن يكون العامل الخامس ، لأن ترك المسير الذي سار عليه الإنسان ولمدّة طويلة ليس بالأمر السهل ، وخصوصاً لدى الشخص المنعّم والمحبّ للراحة. ومن اليقين أنّ التحرك على خلاف حالة الاسترخاء الفكري والكسل النفسي لا يلائم مذاقهم.
فهذه من العوامل التي يمكن الإشارة إليها في دائرة اللجاج والمماراة.
وأمّا آثارها السلبيّة فليست خافيةً على أحد ، فهي تورط الإنسان في مشاكل بعيدة عنه كل البعد ، كما تورط بنو اسرائيل بالبقرة من خلال البحث عن التفاصيل الدقيقة في دائرة الطاعة وامتثال الأمر ، وما ترتب من صعوبة البحث عنها وثمنها الباهض ، فقد جاء في الحديث أنّهم جمعوا أموالهم كلها لشرائها ، وبعدها جاؤوا لموسى (عليه السلام) يبكون ويشتكون بأننا قد أفلسنا وافتقرت قبيلتنا وأصبحنا نستعطي من الناس بسبب العناد ، فَرَقَّ لهم النبي موسى (عليه السلام) وعلّمهم دعاءً يعينهم على مشاكلهم ([2]).
ومن افرازات هذه الرذيلة ومردوداتها السلبية على النفس هو الحرمان من فهم الحقائق التي تتولى تهيئة الأرضية لتكامل الإنسان ، لأنّ اللجاج لا يعطي الفرصة للإنسان لإصلاح الخطأ والإذعان للحقائق ، وعلى أثرها لا يستطيع التقدم والرقي في درجات الكمال.
والأثر الثالث لهذا الخلق الرديء ، هو العزلة الاجتماعية وابتعاد الناس عن الشخص الذي يعيش حالة العناد ، فالناس عموماً لا يحبّون اللجوج وينفرون منه ، وليس لديهم استعداد للتعاون معه والدخول معه في أجواء حقيقية من التكافل الاجتماعي ، لأنّ التعاون الاجتماعي يحتاج للمرونة والسماحة وغض النظر ، وهي أمور لا تتوفر في اللجوج.
وفوق هذا وذاك فمثل هؤلاء الأشخاص المغرورين ينعتون بالجهل وخفّة العقل في المجتمع ، ونفس سوء السمعة هذهِ يكون سبباً في عزلتهم وانزوائهم ، كما هو معروف في حديث دعائم الكفر عن الإمام علي (عليه السلام) حيث قال : «وَمَنْ نازَعَ فِي الرَّأي وَخاصَمَ شَهُرَ بِالمَثلِ (بالفشل) مِنْ طُولَ اللِّجاجِ» ([3]).
وخلاصة القول أنّ اللجاج والمماراة يبعد الإنسان عن الله والناس ، بل حتى عن نفسه ، ولن تصبح للإنسان مكانةً بين الناس إلّا بترك هذا الخلق السيّء.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
استمرار توافد مختلف الشخصيات والوفود لتهنئة الأمين العام للعتبة العباسية بمناسبة إعادة تعيينه
|
|
|