أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-6-2017
3180
التاريخ: 2024-10-23
271
التاريخ: 11-5-2017
7355
التاريخ: 5-7-2017
3024
|
1 . خلاصة الغزوة
بنو المُصْطَلِق بن سعد : بطن من خزاعة أقرب إلى الحضريين ، وكانت خزاعة تغلبت على مكة ، حتى أخرجهم قصى جد النبي ( صلى الله عليه وآله ) . « الكافي : 4 / 219 » . والمُرَيسِيع : ماء لهم قرب الفرع بناحية بدر وقديد من ساحل البحر . معجم البلدان : 5 / 118 ومعجم قبائل العرب : 1 / 5 و 338 .
وكانت خزاعة حليفة لعبد المطلب وبنى هاشم ، وكان بنو المصطلق وبنو الهون من خزاعة حلفاء بنى أمية . « معجم البلدان : 6 / 278 » . وقد شاركوا في حرب الأحزاب بقيادة يزيد بن الحليس . « تفسير مقاتل : 3 / 41 » . ولا يبعد أن يكون أبو سفيان حرَّكهم لغزو المدينة فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فغزاهم قبل أن يكملوا استعدادهم لحربه !
ففي إعلام الوري : 1 / 196 : « ثم كانت غزوة بنى المصطلق من خزاعة ، ورأسهم الحارث بن أبي الضرار ، وقد تهيؤوا للمسير إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهى غزوة المريسيع وهو ماء ، وقعت في شعبان سنة خمس » .
« وكان سيدهم الحارث بن أبي ضرار ، دعا قومه ومن قدر عليه من العرب ، إلى حرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأجابوه وتجمعوا ، وابتاعوا خيلاً وسلاحاً ، وتهيؤوا للحرب والمسير معه ، فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأرسل بريدة بن الحصيب الأسلمي ليتحقق ذلك ، فأتاهم ولقى الحارث وكلمه مظهراً أنه منهم ، وقد سمع بجمعهم ويريد الانضمام بقومه ومن أطاعه إليهم ، وعرف منهم صدق ما بلغهم عنهم ، فرجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره بأنهم يريدون الحرب . فلما أخبر بريدة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بصحة ما بلغه دعا الناس فأسرعوا الخروج ، فخرج معه سبع مئة ، ومعهم ثلاثون فرساً ، منها عشرة للمهاجرين وعشرون للأنصار » .
« وكان شعار المسلمين يومئذ : يا منصور أمت أمت ، فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه فحملوا على الكفار حملة واحدة فقتل منهم عشرة ، وأسر الباقون ، ولم يفلت منهم أحد ، وسبوا الرجال والنساء والذراري ، وأخذوا الشاء والنعم ، وكانت الإبل ألفي بعير والشاء خمسة آلاف ، والسبي مائتي أهل بيت .
قال الحلبي : واستعمل على الغنائم شقران ، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد . وبعث ( صلى الله عليه وآله ) أبا نضلة أو أبا ثعلبة أو أبا نملة الطائي ، بشيراً إلى المدينة بفتح المريسيع . ولما رجع المسلمون بالسبى قدم أهاليهم فافتدوهم » .
« وكانت غيبته ( صلى الله عليه وآله ) في هذه الغزوة ثمانية وعشرين يوماً . وقدم المدينة لهلال شهر رمضان المبارك . وكانت هذه الغزوة ضربة موفقة لقريش ، أسفرت عن نتائج حاسمة . في منطقة كانت إلى الأمس القريب تقع في نطاق النفوذ المكي » . الصحيح من السيرة : 11 / 284 ، 287 ، 290 و 291 .
وروى في المناقب : 1 / 92 : « كان يتفجر الماء من بين أصابعه ( صلى الله عليه وآله ) لما وضع يده فيها حتى شرب الماء الجيش العظيم ، وسقوا وتزودوا في غزوة بنى المصطلق . وفى رواية علقمة بن عبد الله أنه وضع يده في الإناء فجعل الماء يفور من بين أصابعه فقال : حي على الوضوء والبركة من الله ، فتوضأ القوم كلهم .
وفى حديث أبي ليلي : شكونا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) من العطش ، فأمر بحفرة فحفرت فوضع عليها نطعاً ووضع يده على النطع ، وقال : هل من ماء ؟ فقال لصاحب الإداوة : صب الماء على كفى واذكر اسم الله ففعل ، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى روى القوم وسقوا ركابهم » .
2 . علي « عليه السلام » صاحب الراية في المريسيع وبطل الفتح
قال المفيد في الإرشاد : 1 / 118 : « ثم كان من بلائه ( عليه السلام ) ببنى المصطلق ما اشتهر عند العلماء ، وكان الفتح له ( عليه السلام ) في هذه الغزاة ، بعد أن أصيب يومئذ ناس من بنى عبد المصطلق ، فقتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رجلين من القوم وهما مالك وابنه وأصاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منهم سبياً كثيراً فقسمه في المسلمين . وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وكان الذي سبا جويرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فجاء بها إلى النبي فاصطفاها ، فجاء أبوها إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد إسلام بقية القوم فقال : يا رسول الله إن ابنتي لاتسبي ، إنها امرأة كريمة . قال : إذهب فخيرها ، قال : أحسنت وأجملت ، وجاء إليها أبوها فقال : يا بنية لاتفضحى قومك ! فقالت له : قد اخترت الله ورسوله . فقال لها أبوها : فعل الله بك وفعل ، فأعتقها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجعلها في جملة أزواجه » .
« فلما سمع القوم ذلك ، أرسلوا ما كان في أيديهم من بنى المصطلق ، فما علم امرأة أعظم بركة على قومها منها » . المناقب : 1 / 173 .
« قال ابن إسحاق : وأصيب من بنى المصطلق يومئذ ناس كثير ، وقتل علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكاً وابنه ، وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلاً من فرسانهم يقال له أحمر أو أحيمر . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد أصاب منهم سبياً كثيراً فقسمه في المسلمين » . ابن هشام : 3 / 761 والطبري : 2 / 263 .
وفى دعائم الإسلام : 1 / 370 ، عن علي ( عليه السلام ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « لايغزى قوم حتى يدْعَوْا ، وإن أكدت الحجة عليهم بالدعاء فحسن ، وإن قوتلوا قبل أن يدْعَوْا إذا كانت الدعوة قد بلغتهم فلا حرج . وقد أغار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على بنى المصطلق وهم غارُّون ، يعنى غافلون ، فقتل مقاتلتهم وسبا ذراريهم ولم يدعهم في الوقت . قال على صلوات الله عليه : قد علم الناس اليوم ما يدْعَوْنَ إليه » .
3 . أرسل النبي « صلى الله عليه وآله » علياً « عليه السلام » لقتال الجن
في منهاج الكرامة / 171 : « ما رواه الجمهور من أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما خرج إلى بنى المصطلق جَنَبَ عن الطريق وأدركه الليل ، فنزل بقرب واد وعر ، فهبط جبرئيل آخر الليل وأخبره أن طائفة من كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشر بأصحابه ، فدعا بعلى ( عليه السلام ) وعوذه ، وأمره بنزول الوادي فقتلهم ( عليه السلام ) » .
وفى الإرشاد : 1 / 339 : « فدعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقال له : إذهب إلى هذا الوادي ، فسيعرض لك من أعداء الله الجن من يريدك ، فادفعه بالقوة التي أعطاك الله عز وجل ، وتحصن منه بأسماء الله التي خصك بعلمها . وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس وقال لهم : كونوا معه وامتثلوا أمره . فتوجه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الوادي فلما قارب شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير ، ولا يحدثوا شيئاً حتى يأذن لهم .
ثم تقدم فوقف على شفير الوادي ، وتعوذ بالله من أعدائه ، وسمى الله عز وجل وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يقربوا منه فقربوا ، فكان بينهم وبينه فرجة مسافتها غلوة ، ثم رام الهبوط إلى الوادي فاعترضته ريح عاصف كاد أن يقع القوم على وجوههم لشدتها ، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هول ما لحقهم ! فصاح أمير المؤمنين : أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وصى رسول الله وابن عمه ، أثبتوا إن شئتم ! فظهر للقوم أشخاص على صورة الزط تخيل في أيديهم شعل النار قد اطمأنوا بجنبات الوادي ، فتوغل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يميناً وشمالاً ، فما لبثت الأشخاص حتى صارت كالدخان الأسود ، وكبَّر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثم صعد من حيث انهبط ، فقام مع القوم الذين اتبعوه حتى أسفر الموضع عما اعتراه . فقال له أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما لقيت يا أبا الحسن ؟ فلقد كدنا أن نهلك خوفاً وإشفاقاً عليك أكثر مما لحقنا . فقال لهم : إنه لما تراءى لي العدو جهرت فيهم بأسماء الله عز وجل فتضاءلوا ، وعلمت ما حل بهم من الجزع فتوغلت الوادي غير خائف منهم ، ولو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم وقد كفى الله كيدهم ، وكفى المسلمين شرهم ، وسبقنى بقيتهم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) يؤمنون به .
وانصرف أمير المؤمنين بمن تبعه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره الخبر ، فسرى عنه ودعا له بخير ، وقال له : قد سبقك يا علي إلى من أخافه الله ، فأسلم وقبلت إسلامه . ثم ارتحل بجماعة المسلمين حتى قطعوا الوادي آمنين غير خائفين !
ثم قال المفيد : « وهذا الحديث قد روته العامة كما روته الخاصة ولم يتناكروا شيئاً منه . . ولا أزال أجد الجاهل من الناصبة والمعاند يظهر العجب من الخبر بملاقاة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الجن وكفه شرهم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه ، ويتضاحك لذلك وينسب الرواية له إلى الخرافات الباطلة ، ويصنع مثل ذلك في الأخبار الواردة بسوى ذلك من معجزاته ( عليه السلام ) ويقول : إنها من موضوعات الشيعة ، وتخرص من افتراه منهم للتكسب بذلك أو التعصب . وهذا بعينه مقال الزنادقة وكافة أعداء الإسلام فيما نطق به القرآن من خبر الجن وإسلامهم . . .
فلينظر القوم ما جنوه على الإسلام بعداوتهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واعتمادهم في دفع فضائله ومناقبه وآياته على ما ضاهوا به أصناف الزنادقة والكفار ، مما يخرج عن طريق الحجاج إلى أبواب الشغب والمسافهات » .
ورواه في الخرائج : 1 / 102 و 203 وفيه : أنه بعث علياً ( عليه السلام ) فحارب الجن الذين كانوا يمنعونهم من الإستقاء من البئر واستقى المسلمون . وإعلام الوري : 1 / 352 والمناقب : 1 / 358 .
4 - زواج النبي « صلى الله عليه وآله » من جويرية بنت الحارث
قال العلامة الحلي في كشف اليقين / 136 : « وفى غزاة بنى المصطلق : كان الفتح له . وقتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مالكاً وابنه ، وسبى جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار فاصطفاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) لنفسه . فجاء أبوها بعد ذلك وقال : يا رسول الله إن ابنتي لا تسبي ، إنها امرأة كريمة . قال : إذهب وخيرها . قال : لقد أحسنت وأجملت . فاختارت الله
ورسوله فأعتقها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجعلها في جملة أزواجه » .
وفى إعلام الوري : 1 / 196 : « قالت جويرية بنت الحارث زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أتانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونحن على المريسيع ، فأسمع أبى وهو يقول : أتانا ما لا قبل لنا به ! قالت : وكنت أرى من الناس والخيل والسلاح ما لا أصف من الكثرة ، فلما أن أسلمت وتزوجنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورجعنا جعلت أظهر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أري ، فعرفت أنه رعب من الله عز وجل يلقيه في قلوب المشركين . قالت : ورأيت قبل قدوم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بثلاث ليال كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري ، فكرهت أن أخبر بها أحداً من الناس ، فلما سبينا رجوت الرؤيا ، فأعتقني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتزوجني » .
وفى سيرة ابن إسحاق : 5 / 245 : « فلما دخلت عليه قالت : يا رسول الله أنا جويرية ابنة الحارث سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، وقد كاتبت على نفسي فأعنى على كتابتي . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أو خير من ذلك أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك ؟ فقالت : نعم ، ففعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فبلغ الناس أن رسول الله تزوجها ، فقالوا أصهار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأرسلوا ما كان في أيديهم من بنى المصطلق ، فلقد أعتق بها مائة أهل بيت من بنى المصطلق فما أعلم امرأة أعظم بركة على أهل بيت منها . . . كانت جويرية من ملك يمين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأعتقها واستنكحها وجعل مهرها عتق كل مملوك من بنى المصطلق » .
5 - تنظيم الخمس لبنى هاشم ، والصدقات والفئ للمسلمين
في الصحيح من السيرة : 11 / 289 ، عن الواقدي والبلاذري : « أخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الخمس من جميع المغنم ، وجعل عليه محمية بن جزء الزبيدي وكان يجمع الأخماس وكانت الصدقات على حدتها ، أهل الفئ بمعزل عن الصدقة ، وأهل الصدقة بمعزل عن الفئ . وكان يعطى الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف ، فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفئ ، وأخرج من الصدقة ووجب عليه الجهاد ، فإن كره الجهاد وأباه لم يعط من الصدقة شيئاً ، وخلوا بينه وبين أن يكتسب لنفسه . . .
وقسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الغنائم وأخذ صفيه قبل القسم ، ثم جزأ الغنائم خمسة أجزاء ، ثم أقرع عليها ، ولم يتخير ، فأخرج الخمس وأخذ سهمه مع المسلمين لنفسه وفرسه ، وكان له ( صلى الله عليه وآله ) صفى من المغنم حضر أو غاب قبل الخمس : عبدٌ ، أو أمةٌ ، أو سيفٌ ، أو درع » .
6 - ابن سلول وسورة المنافقين !
في تفسير القمي : 2 / 368 : « إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ . . نزلت في غزوة المريسع وهى غزوة بنى المصطلق في سنة خمس من الهجرة ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج إليها فلما رجع منها نزل على بئر وكان الماء قليلاً فيها ، وكان أنس بن سيار حليف الأنصار ، وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيراً لعمر بن الخطاب ، فاجتمعوا على البئر فتعلق دلو ابن سيار بدلو جهجاه ، فقال سيار دلوى وقال جهجاه دلوي ، فضرب جهجاه يده على وجه ابن سيار فسال منه الدم ، فنادى سيار بالخزرج ونادى جهجاه بقريش ، وأخذ الناس السلاح وكاد أن تقع الفتنة ، فسمع عبد الله بن أبي النداء فقال : ما هذا ؟ فأخبروه بالخبر فغضب غضباً شديداً ثم قال : قد كنت كارهاً لهذا المسير ، إني لأذلُّ العرب ، ما ظننت أنى أبقى إلى أن أسمع مثل هذا فلا يكون عندي تغيير ! ثم أقبل على أصحابه فقال : هذا عملكم أنزلتموهم منازلكم وواسيتموهم بأموالكم ، ووقيتموهم بأنفسكم وأبرزتم نحوركم للقتل فأرمل نساءكم وأيتم صبيانكم ، ولو أخرجتموهم لكانوا عيالاً على غيركم !
ثم قال : لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ . وكان في القوم زيد بن أرقم وكان غلاماً قد راهق وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ظل شجرة في وقت الهاجرة وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله ابن أبي ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لعلك وهمت يا غلام ؟ فقال : لا ، والله ما وهمت ! فقال : لعلك غضبت عليه ؟ قال : لا ما غضبت عليه ! قال : فلعله سفه عليك ؟ فقال : لا والله ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لشقران مولاه : أخرج ، فأخرج أحدج راحلته وركب ، وتسامع الناس بذلك فقالوا : ما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليرحل في مثل هذا الوقت ! فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ! فقال : وعليك السلام ! فقال : ما كنت لترحل في هذا الوقت ؟ فقال : أوما سمعت قولاً قاله صاحبكم ؟ قالوا : وأي صاحب لنا غيرك يا رسول الله ؟ قال عبد الله بن أبي زعم أنه إن رجع إلى المدينة لَيخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ! فقال : يا رسول الله ، فأنت وأصحابك الأعز وهو وأصحابه الأذل ، فسار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يومه كله لا يكلمه أحد ، فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه فحلف عبد الله أنه لم يقل شيئاً من ذلك ، فقالوا : فقم بنا إلى رسول الله حتى نعتذر إليه ، فلوى عنقه ! فلما جن الليل سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليله كله والنهار ، فلم ينزلوا إلا للصلاة ، فلما كان من الغد نزل رسول الله ونزل أصحابه وقد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم .
فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحلف عبد الله أنه لم يقل ذلك ، وأنه ليشهد أنه لا إله إلا الله وأنك لرسول الله ، وأن زيداً قد كذب علي ! فقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منه ، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له كذبت على عبد الله سيدنا ! فلما رحل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان زيد معه يقول : اللهم إنك لتعلم أنى لم أكذب على عبد الله بن أبي ، فما سار إلا قليلاً حتى أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما كان يأخذه من البرحاء عند نزول الوحي عليه ، فثقل حتى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي ، فسرى عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يسكب العرق عن جبهته ، ثم أخذ بأذن زيد بن أرقم فرفعه من الرحل ثم قال : يا غلام صدق قولك ووعى قلبك وأنزل الله فيما قلت قرآناً ! فلما نزل جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ . . إلى قوله : وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لايعْلَمُون َ . ففضح الله عبد الله بن أبي . . . قال : وإن ولد عبد الله بن أبي أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال يا رسول الله إن كنت عزمت على قتله فمرنى أكون أنا الذي أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الأوس والخزرج أنى أبرهم ولداً بوالدي ، فإني أخاف أن تأمر غيرى فيقتله فلاتطيب نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله ، فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بل نحسن صحبته ما دام معنا !
وفى مجمع البيان : 10 / 23 : « وكان عبد الله بن أبي بقرب المدينة ، فلما أراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي حتى أناخ على مجامع طرق المدينة ، فقال : مالك ويلك ! قال : والله لا تدخلها إلا بإذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولتعلمن اليوم من الأعز من الأذل ! فشكا عبد الله ابنه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأرسل إليه أن خلِّ عنه يدخل . فقال : أما إذا جاء أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنعم . فدخل فلم يلبث إلا أياماً قلائل حتى اشتكى ومات ! فلما نزلت هذه الآيات وبان كذب عبد الله قيل له : نزل فيك آي شداد ، فاذهب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال : أمرتمونى أن أؤمن فقد آمنت ، وأمرتمونى أن أعطى زكاة مالي فقد أعطيت ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد ! فنزل : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا . . إلى قوله : وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لايعْلَمُونَ » . وأسباب النزول / 288 . وشبيه به تفسير القمي : 2 / 371 .
ومن كرم أخلاق النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنهم طلبوا منه قميصه ليكفنوا فيه عبد الله بن أبي المنافق فأعطاهم ، وقيل لأنه كان أعطى قميصه للعباس لما كان أسيراً .
وطلبوا من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يصلى عليه فصلى عليه ، فاعترض عليه عمر بخشونة فزجره النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وقد عقد البخاري في صحيحه أبواباً روى فيها فضيلة اعتراض عمر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وزعم أن الوحي نزل موافقاً لعمرمخطئاً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وقد اعترف أن عمر وثب اليه ووقف أمامه وجذبه من ثوبه ، ليمنعه من الصلاة على الجنازة وقال له : أليس نهاك الله عن هذا ! فغضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : أخِّر عنى يا عمر ! فقال البخاري إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يغضب منه بل ارتاح وتبسم له !
قال البخاري : 2 / 76 : « جاء ابنه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه ، وصلِّ عليه واستغفر له ، فأعطاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) قميصه فقال : آذنِّى أصلى عليه فآذنه فلما أراد أن يصلى عليه جذبه عمر فقال : أليس الله نهاك أن تصلى على المنافقين ! فقال أنا بين خيرتين ، قال الله تعالى : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يغْفِرَ اللهُ لَهُمْ » .
وقال عمر كما في البخاري : 2 / 100 : « وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلى على ابن أبي ، وقد قال يوم كذا وكذا ، كذا وكذا ، أعدِّد عليه قوله ، فتبسم رسول الله وقال : أخِّر عنى يا عمر ، فلما أكثرت عليه قال : إني خُيرتُ فاخترتُ ، لو أعلم أنى إن زدت على السبعين فغفر له لزدت عليها ! قال : فصلى عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت : وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً » .
وفى مصادرنا : « ألم ينهك الله أن تقوم على قبره ؟ فقال له : ويلك ما يريد ربك ما قلت ! وما يدريك ما قلت إني قلت : اللهم املأ قبره ناراً ! قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : فأبدى [ عمر ] من رسول الله ما كان يكره » . الكافي : 2 / 188 والدعوات للراوندي / 357 .
7 - هبت ريح عند موت يهودي
وصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمون في رجوعهم من غزوة المصطلق إلى وادى النقيع وهو أرض معشبة على أربعة فراسخ من المدينة ، « البكري : 4 / 1322 » ، وقد حماه النبي لخيل المسلمين ، « الكافي : 5 / 277 » . هناك هاجت ريحٌ قوية آذت المسلمين فخافوا منها ، وسألوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنها فقال : لاتخافوها ، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار ! فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت ، وهو من يهود بنى قينقاع ، قد مات ذلك يوم هبت الريح . وكان كهفاً أي مرجعاً للمنافقين !
وقال ابن هشام : 2 / 370 مات معه رجلان من اليهود هما : « سلسلة بن برهام ، وكنانة بن صورياء » .
وفى الخرائج : 1 / 102 : « فقدمنا المدينة فوجدنا رفاعة بن زيد مات في ذلك اليوم ، وكان عظيم النفاق وكان أصله من اليهود » .
أقول : تفسيره ( صلى الله عليه وآله ) تلك الريح بموت أحد كبار الكفار ، لا ينافي رده لتفسير الناس لخسوف الشمس بموت ولده إبراهيم ( عليه السلام ) ، حيث قال : « يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، يجريان بأمره ، مطيعان لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإن انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا » . الكافي : 3 / 208 .
8 - ضاعت ناقة النبي « صلى الله عليه وآله » فأرجف المنافقون
في تاريخ الطبري : 2 / 262 ، أنه في عودة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من غزوة المصطلق هبت الريح في أول النهار وسكنت في آخره ، فجمع الناس ظهرهم وفقدت راحلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فسعى الرجال لها يلتمسونها فقال رجل من المنافقين هو زيد بن اللصيت أحد بنى قينقاع : « كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ، ألايخبره الذي يأتيه بالوحي ؟ ! فأراد الذين سمعوا منه ذلك أن يقتلوه فهرب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) متعوذاً به ، فأتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) جبرئيل فأخبره بقول المنافق ومكان ناقته ، وأخبر بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه وذلك الرجل يسمع ، وقال : ما أزعم أنى أعلم الغيب وما أعلمه ، ولكن الله أخبرني بقول المنافق ومكان ناقتي ، هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة . فخرجوا يسعون قِبَلَ الشعب ، فإذا هي كما قال فجاؤوا بها ! وآمن ذلك المنافق » . والخرائج : 1 / 102 ونحوه قصص الأنبياء للراوندي / 307 .
9 . شبَّه النبي « صلى الله عليه وآله » علياً بعيسى بن مريم « عليهما السلام »
في شرح الأخبار : 2 / 466 : « عن سلمان الفارسي أنه قال : لما انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من غزوة بنى المصطلق تقدم في مقدمة الناس ، وأمر علياً ( عليه السلام ) أن يكون في ساقتهم يحفظهم ، فلما وصل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة أتى إلى باب المسجد جلس ينتظر علياً ( عليه السلام ) لم يدخل منزله ، فرأيته يمسح العرق من وجهه ، ثم قال : يأتيكم الساعة من هذه الشعبة ، وأشار بيده إلى بعض الشعاب رجل أشبه الناس بالمسيح ، وهو أفضل الناس بعدى يوم القيامة ، وأول من يدخل الجنة !
فجعلنا ننظر إلى الشعب فكان أول من طلع منه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ! فلما انتهى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قام إليه فاعتنقه وقبل بين عينيه ودخلا فقال قوم من المنافقين : يشبِّه ابن عمه بالمسيح ويمثله به ، أفآلهتنا التي كنا نعبدها خير أم علي ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم : وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يصِدُّونَ . وَقَالُوا ءَآلِهَتُنَا خَيرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ » . الزخرف : 57 - 58 .
أقول : روت هذا الحديث مصادرنا مستفيضاً ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قاله في أكثر من مناسبة « الكافي : 8 / 57 » وروته بعض مصادرهم . ولا بد أن يكون نزول هذه الآيات ثانية بعد نزولها في مكة ، وبعض الآيات نزلت مرات . وفى بعضها أن جبرئيل قال للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا محمد إقرأ قول الله تعالى كذا . . لآيةٍ نزلت سابقاً .
10 - الوليد بن عقبة الفاسق بشهادة القرآن !
بعد معركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع بنى المصطلق دخلوا في الإسلام . وعند موسم زكاتهم أرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) الوليد بن عقبة بن أبي معيط ليقبضها ، فخرجوا لاستقباله فخاف ورجع إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال له : رفضوا أداء زكاتهم !
وفى سيرة ابن هشام : 3 / 763 : « فأخبره أن القوم قد هموا بقتله . . . فبينما هم على ذلك قدم وفدهم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا يا رسول الله ، سمعنا برسولك حين بعثته إلينا فخرجنا إليه لنكرمه ، ونؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة فانشمر راجعاً ! فبلغنا أنه زعم لرسول الله أنا خرجنا إليه لنقتله ووالله ما جئنا لذلك . فأنزل الله تعالى فيه وفيهم : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَينُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ » . وتفسير الطبري : 26 / 160 ، نحوه شرح الأخبار : 2 / 120 ، البيهقي : 9 / 55 ، الإستيعاب : 4 / 1553 ، والسقيفة للجوهري / 128 ، أسباب النزول / 261 ، اليعقوبي : 2 / 53 .
11 - أرسل النبي « صلى الله عليه وآله » خالداً فأفسد ، فأرسل علياً « عليه السلام » فأصلح
في أمالي الصدوق / 237 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خالد بن الوليد إلى حي يقال لهم بنو المصطلق من بنى جذيمة ، وكان بينهم وبين بنى مخزوم إحنة في الجاهلية ، فلما ورد عليهم كانوا قد أطاعوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخذوا منه كتاباً ، فلما ورد عليهم خالد أمر منادياً فنادى بالصلاة فصلى وصلوا ، فلما كانت صلاة الفجر أمر مناديه فنادى فصلى وصلوا ، ثم أمر الخيل فشنوا فيهم الغارة فقتل وأصاب فطلبوا كتابهم فوجدوه ، فأتوا به النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحدثوه بما صنع خالد بن الوليد ، فاستقبل القبلة ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ! قال : ثم قدم على رسول الله تِبْرٌ ومتاع فقال لعلى ( عليه السلام ) : يا علي ، أئت بنى جذيمة من بنى المصطلق ، فأرضهم مما صنع خالد . ثم رفع ( صلى الله عليه وآله ) قدمه فقال : يا علي ، اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك . فأتاهم على ( عليه السلام ) فلما انتهى إليهم حكم فيهم بحكم الله ، فلما رجع إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا علي ، أخبرني بما صنعت . فقال : يا رسول الله ، عمدت فأعطيت لكل دم دية ولكل جنين غرة ، ولكل مال مالاً ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون ولما لا يعلمون ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، أعطيتهم ليرضوا عنى رضى الله عنك يا علي ، إنما أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » . وعلل الشرائع : 2 / 473 ، رواه في أمال الطوسي : 498 وفيه : « أرضيتنى رضى الله عنك ، يا علي أنت هادي أمتي ، ألا إن السعيد كل السعيد من أحبك وأخذ بطريقتك ، ألا إن الشقي كل الشقي من خالفك ورغب عن طريقك إلى يوم القيامة » .
أقول : كان ذلك بعد مدة من غزوة بنى المصطلق ، ولا بد أن هؤلاء ماطلوا في أداء زكاتهم ، لأن إسلام خالد بن الوليد كان بعد غزوة بنى المصطلق والحديبية .
12 - كان بنو المصطلق يماطلون في دفع زكاتهم !
في نوادر الراوندي / 152 : « أهل الصفة وكانوا ضيفان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانوا هاجروا من أهاليهم وأموالهم إلى المدينة ، فأسكنهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صُفَّة المسجد وهم أربع مائة رجل ، كان يسلم عليهم بالغدوة والعشي ، فأتاهم ذات يوم فمنهم من يخصف نعله ، ومنهم من يرقع ثوبه ومنهم من يتفلي ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرزقهم مداً مداً من تمر في كل يوم ، فقام رجل منهم فقال : يا رسول الله ! التمر الذي ترزقنا قد أحرق بطوننا . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أما إني لو استطعت أن أطعمكم الدنيا لأطعمتكم ، ولكن من عاش منكم من بعدى فسيغدى عليه بالجفان ويراح عليه بالجفان ، ويغدو أحدكم في قميصة ويروح في أخري ، وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة . فقام رجل فقال : يا رسول الله ! إنا على ذلك الزمان بالأشواق فمتى هو ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : زمانكم هذا خير من ذلك الزمان ، إنكم إن ملأتم بطونكم من الحلال توشكون أن تملأوها من الحرام ! فقام سعد بن الأشج فقال : يا رسول الله ! ما يفعل بنا بعد الموت ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : الحساب والقبر ، ثم ضيقه بعد ذلك أو سعته . فقال : يا رسول الله ، هل تخاف أنت ذلك ؟ فقال : لا ولكن أستحى من النعم المتظاهرة التي لا أجازيها ولا جزءً من سبعة .
فقال سعد بن الأشج : إني أشهد الله وأشهد رسوله ومن حضرني أن نوم الليل على حرام ، والأكل بالنهار على حرام ، ولباس الليل على حرام ، ومخالطة الناس على حرام ، وإتيان النساء على حرام . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا سعد لم تصنع شيئاً كيف تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر إذا لم تخالط الناس ؟ وسكون البرية بعد الحضر كفر للنعمة ! نم بالليل وكل بالنهار ، والبس ما لم يكن ذهباً أو حريراً أو معصفراً ، وائت النساء .
يا سعد ! إذهب إلى بنى المصطلق فإنهم قد ردوا رسولي ، فذهب إليهم فجاء بصدقة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كيف رأيتهم ؟ فقال : خير قوم ، ما رأيت قوماً قط أحسن أخلاقاً فيما بينهم من قوم بعثتني إليهم . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنه لا ينبغي لأولياء الله تعالى من أهل دار الخلود ، الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم ، أن يكونوا أولياء الشيطان من أهل دار الغرور ، الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم .
ثم قال : بئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر . بئس القوم قوم يقذفون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر . بئس القوم قوم لا يقومون لله تعالى بالقسط ، بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط في الناس . بئس القوم قوم يكون الطلاق عندهم أوثق من عهد الله تعالى . بئس القوم قوم جعلوا طاعة أيمانهم دون طاعة الله . بئس القوم قوم يختارون الدنيا على الدين . بئس القوم قوم يستحلون المحارم والشهوات والشبهات .
قيل : يا رسول الله وأي المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم للموت ذكراً ، وأحسنهم له استعداداً ، أولئك هم الأكياس » .
13 - قصة تأخر عائشة عن النبي « صلى الله عليه وآله » في غزوة بنى المصطلق
خلاصة قصة الإفك كما رواها ابن هشام عن عائشة : 3 / 764 : أنها كانت مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في غزوة بنى المصطلق ، وفى رجوعهم نزل النبي ( صلى الله عليه وآله ) منزلاً : « فبات به بعض الليل ، ثم أذن في الناس بالرحيل فارتحل الناس ، وخرجت لبعض حاجتي وفى عنقي عقد لي فيه جزع ظفار ، فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدرى فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده وقد أخذ الناس في الرحيل فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته ، وجاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون لي البعير ، وقد فرغوا من رحلته ، فأخذوا الهودج وهم يظنون أنى فيه كما كنت أصنع ، فاحتملوه فشدوه على البعير ولم يشكوا أنى فيه ، ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به ، فرجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب ، قد انطلق الناس . قالت : فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني ، وعرفت أن لو قد افتقدت لرجع إلي . قالت : فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي ، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته فلم يبت مع الناس ، فرأى سوادي فأقبل حتى وقف على وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فلما رآني قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ظعينة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وأنا متلففة في ثيابي : قال : ما خلفك يرحمك الله ؟ قالت فما كلمته ثم قرب البعير فقال : اركبى واستأخر عني . قالت فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب الناس ، فوالله ما أدركنا الناس ، وما افتقدت حتى أصبحت ونزل الناس ، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقودني ، فقال أهل الإفك ما قالوا ، فارتجع العسكر ! ووالله ما أعلم بشئ من ذلك ، ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة ، ولا يبلغني من ذلك شئ » .
ثم ذكرت عائشة أنها تعالجت عند أمها ، ولم تعرف باتهامها حتى أخبرتها أم مسطح ، وقالت إنه حدثت في مرضها أحداث بسبب اتهامها ، وكاد الأوس والخزرج يقتتلون لأن المتهم كان ابن سلول الأوسي ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خطب وقال : « أيها الناس ، ما بال رجال يؤذوننى في أهلي ، ويقولون عليهم غير الحق ، والله ما علمت منهم إلا خيراً ، ويقولون ذلك لرجل ، والله ما علمت منه إلا خيراً وما يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي » .
وذكرت عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استشار أشخاصاً في أمرها منهم على ( عليه السلام ) فقال : « يا رسول الله إن النساء لكثير ، وإنك لقادر على أن تستخلف ، وسل الجارية ، فإنها ستصدقك . فدعا رسول الله بريرة ليسألها ، قالت : فقام إليها علي بن أبي طالب فضربها ضرباً شديداً وهو يقول : أصدقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتقول : والله ما أعلم إلا خيراً ، ودخل عليها النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : « يا عائشة إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس ، فاتقى الله ، وإن كنت قد قارفت سوءا مما يقول الناس فتوبي إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ! قالت عائشة : فبكيت ثم قلت : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً ، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس ، والله يعلم أنى منه بريئة لأقولن ما لم يكن ، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني ! قالت : ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت : ولكن سأقول كما قال أبو يوسف : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ . قالت : فوالله ما برح رسول الله مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه . فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول : أبشرى يا عائشة فقد أنزل الله براءتك ، قالت : قلت : بحمد الله ، ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن في ذلك ، ثم أمر بمسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة ، فضربوا حدهم » .
أقول : هذه رواية عائشة وفيها مناقشات ، لأنه لا يصح قولها إن آية البراءة
نزلت يومها ، بل نزلت بعد سنين !
14 - نزلت آية البراءة في مارية فجعلتها عائشة لها !
وقعت قصة عائشة في غزوة بنى المصطلق في شعبان سنة خمس « إعلام الوري : 1 / 196 » وفى سنة ثمان نزلت آيات الإفك في سورة النور ! وقد اتفقوا على أن سورة النور نزلت دفعة واحدة ، بعد حادثة عائشة بثلاث سنين !
فالصحيح أن آية البراءة نزلت في مارية ، فقد اتهموها في السنة الثامنة وقت نزول الآيات ! ومما يدل على أنها في مارية أنها وصفت المتَّهمة بالغافلة ، وهو ينطبق على مارية لسذاجتها ولاينطبق على عائشة ! لاحظ آياتها : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالآفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَخَيرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِيءٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الآثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ . لَوْلا جَاءُوا عَلَيهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ .
وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى الدُّنْيا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِى مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَينًا وَهُوَعِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ . وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ . يعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وَيبَينُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
إِنَّ الَّذِينَ يحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ . يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَنْ يتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يزَكِّى مَنْ يشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . وَلا يأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللهِ وَليعْفُوا وَلْيصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
إِنَّ الَّذِينَ يرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . يوْمَ تَشْهَدُ عَلَيهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يعْمَلُونَ . يوْمَئِذٍ يوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَالْحَقُّ الْمُبِينُ . الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيبَاتُ لِلطَّيبِينَ وَالطَّيبُونَ لِلطَّيبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ . النور : 11 - 26 .
وصفة الغافلة تنطبق على مارية التي كان فيها بساطة وسذاجة ، أما عائشة فلم يقل أحد إنها كانت ساذجة غافلة ، بل كانت ذكية متحركة ، وقد قادت معركة الجمل وحدها لسبعة أيام !
وقد تنبهت عائشة إلى أن صفة « الغافلة » لا تنطبق عليها فقالت : « رميتُ بما رميت به وأنا غافلة فبلغني بعد ذلك » . « لباب النقول / 157 » . ففسرت الغافلة بالغافلة عن التهمة وهو تفسير ضعيف يكاد ينطبق على كل متهمة ، وهوتخصيص بدون قرينة ، لأن الغفلة في الآية مطلقة تقابل الفطنة والذكاء : والمغفل : الذي لا فطنة له . والغفول من الإبل : البلهاء » . « لسان العرب : 11 / 498 » . « ورجل غفل : لم يجرب الأمور » . الصحاح : 5 / 1783 .
وقد حاول بعضهم أن يجعل الغفلة بمعنى التي لاتخطر الفاحشة ببالها ، « الشوكاني : 4 / 17 وعمدة القاري : 17 / 212 » ، ولا يصح لأن المتبادر منها بدون قرينة : الساذجة .
وسيأتي ما يثبت أن المبرأة مارية لا عائشة .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|