لم تقتصر تطلعات الفلاسفة على تمتين الحكم المركزي للدولة على فرنسا فحسب، بل تعدتها ايضاً الى انكلترا. وبدا تطور الفكر السياسي في هذه الحقبة مديناً الى حد بعيد الى الصراع على السلطة والحروب الاهلية التي اصابت كل من فرنسا وانكلترا منذ القرن السادس عشر. وفي خضم الصراع الذي حدث في انكلترا ابان ثورة كرمويل التي ادت الى اعدام الملك شارل الاول سنة 1649 وضع هوبز كتابه المسمى Leviathan سنة 1651 وهي لفظة جاءت في العهد القديم تعني العملاق أو التنين. حاول هوبز ان يقيم شبهاً بين الدولة ووحشه الخيالي. اذ ان الدولة بنظره هي شيئاً خياليا من صنع الانسان ومع ذلك فقد تعدت قوته وبات لزاماً عليه الطاعة لها لأن مهمتها السهر على مصالح الافراد ومنع اي اعتداء يقع عليهم بالقوة لأن العهود بدون القوة ليست الا كلمات: العهود بغير السيف ليست سوى الفاظ ولا تملك قوة على توفير الأمن للمرء على الاطلاق ... وروابط الكلمات أضعف من ان تلجم طموح الناس وجشعهم وغضبهم وغير ذلك من العواطف الجامحة، دون خوف من قوة قادرة على القمع.

وهكذا فان الامن عند هوبز مرتبط بوجود حكومة قوية تقمع الخارجين عن ارادتها. وهو يضع قارئه بين اختيارين اثنين فقط: اما السلطة المطلقة وأما الفوضى. ولهذا وجب ان تتركز السلطة بيد حاكم واحد (صاحب السيادة) يتمتع بإصدار القوانين وتفسيرها وتنفيذها بحسب ارادته ومشيئته لكون اوامره وتشريعاته لا يمكن ان تكون ظالمة. والسيادة بنظره لا تنقسم ولا تفوض، كما هي الحال عند بودان، لأن الافراد تنازلوا عن حقوقهم الطبيعية وحريتهم وارادتهم لصاحب السيادة بشكل لا رجعة فيه. فالحرب الاهلية التي حدثت في انكلترا كانت بنظره بسبب تخلي الملك عن السيادة الكاملة التي يتمتع بها للبرلمان عندما اتاح له مشاركته في حكم البلاد. فهو اذن يبرر حق الشعب المشروع في الثورة او مقاومة السلطة لأن كل ثورة ضد السلطة لا بد الا ان تكون على باطل. ومع ذلك فان هوبز يضع استثناء واحداً فقط لعدم اطاعة القانون وذلك حين تعرض اطاعة القانون أو السيد حياة المواطن لخطر أشد من العصيان. وهو يظهر لنا من خلال هذا الاستثناء انه من أصحاب المذهب الفردي الذي يضع الدولة لخدمة مصالح الأفراد ولهذا يرى سباين ان قوانین هوبز من حيث الجوهر للسلام والمنفعة بالنسبة إلى المحافظة على الذات أكبر من منفعة العنف والمنافسة العامة، والسلام يتطلب الثقة المتبادلة.

ومحور نظرية هوبز السياسية هي تأييد الحكم المطلق وتركيزه بيد سلطة زمنية واحدة تخضع لها الكنيسة سواء كانت هذه السلطة هيئة ام مجلس ام ملكية. ولكنه يرى ان النظام الملكي أكثر الحكومات استقراراً وقدرة على حفظ السلام والأمن. ولهذا تعتبر فلسفة هوبز محاولة ارستقراطية لدعم الملكية الانكليزية المنهارة تحت ضربات البورجوازية. وأسلوب هوبز في كتابه (التنين) استنباطياً واضحاً ينتقل في منهجه من فرض الى آخر حتى يدرك غايته من فروضه الموضوعة عكس منهج مكيافللي الواقعي في كتابه الأمير. وهو إن كان لم يلجأ الى فكرة الحق الإلهي للملوك الا ان دفاعه عن الملكية كان دفاعاً بسيطاً عندما شبه السلطة بالوحش. ان فلسفة هوبز السياسية هي اروع بنيان لا يحتمل المقارنة انتجته فترة الحروب الأهلية الانجليزية. وهي مشهورة اساساً بوضوح الحجة المنطقي والاتساق الذي يلازمها منذ الفروض التي بدأت منها هذه الحجة. ولم تكن باي معنى نتاج المشاهدة السياسية الواقعية.