أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2017
4229
التاريخ: 19-6-2019
6460
التاريخ: 17-3-2016
3522
التاريخ: 2024-08-24
235
|
أقرأ عليكم مقتطفات من كتاب المقتل - المعروف باللهوف - لابن طاووس.. ونمرّ على بعض تلك المشاهد العظيمة لذكر مصيبة الحسين عليه السلام.
من جملة المشاهد العظيمة والمدهشة التي يصوّرها في كتابه هذا هو بروز "القاسم بن الحسن" إلى الميدان، وكان فتىً لم يبلغ الحلم[1]. أعلم الحسين أصحابه في ليلة عاشوراء بأنّ المعركة ستقع وأنّهم مقتولون جميعاً، فأحلّهم وأذن لهم بالانصراف، فأبوا إلّا أن يكونوا إلى جنبه. وفي تلك الليلة سأل هذا الفتى - ابن الثلاثة عشر أو الأربعة عشر عاماً - عمّه الإمام الحسين عليه السلام: "يا عمّاه! وأنا فيمن يُقتل أيضاً؟" فأراد الإمام الحسين اختباره - على حدّ تعبيرنا - فقال له: "كيف ترى الموت؟" قال: "أحلى من العسل"[2].
لاحظوا، هذا مؤشّر على التوجيه الأخلاقيّ الذي كان يمارسه أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن تربّى في حجور أهل البيت عليهم السلام. فقد ترعرع هذا الفتى منذ نعومة أظفاره في حجر الإمام الحسين عليه السلام. فكان عمره حين شهادة أبيه ثلاث أو أربع سنوات. فتكفّل الإمام الحسين عليه السلام تربيته. وفي يوم عاشوراء وقف هذا الفتى إلى جانب عمّه.
السعي المستمرّ في التهذيب والسياسة
نرى أنّ الإمام الحسين عليه السلام, مع كونه سبط النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وابن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وابن فاطمة الزهراء عليها السلام - وهذه قيم عظيمة بحدّ ذاتها تهب الإنسان السموّ والرفعة- إضافة إلى أنّه قد نشأ في تلك الدار وتربّى في ذلك الحجر وترعرع في تلك الأجواء المعنويّة وذلك النعيم الروحيّ، لكنّه لم يكتف بذلك. حينما رحل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان الحسين عليه السلام غلاماً في السادسة أو السابعة من عمره، وعند استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام كان شابّاً في السابعة أو الثامنة والثلاثين من العمر[3]. وفي عهد أمير المؤمنين الذي كان عهد ابتلاء وجهد وعمل, كان هذا الجوهر المستعدّ يتلقّى التربية بالأعمال العظيمة ويتأهّل على يد أبيه على الدوام حتّى عاد قويّاً ومزهراً ومشرقاً.
إذا كانت همّة المرء كهمّتنا، سنراه يقول: "وهذا القدر يكفيني وهو حسبي وبه ألقى ربّي". هذه ليست همّة حسينيّة.
وفي حياة أخيه المباركة حيث كان الحسين عليه السلام مأموماً وأخوه الحسن عليه السلام إماماً، استمرّ في حركته العظيمة، وهو يسير قُدماً ويؤدّي واجباته إلى جانب أخيه وفي ظلّ طاعته المطلقة لإمام زمانه, وكلّ ذلك علوّ ورفعة. تأمّلوا حياته لحظة فلحظة.
ثمّ إنّه واجه اسشهاد أخيه. واستمرّت حياته المباركة بعد هذا الحدث عشر سنوات - مرّت عشر سنوات ونيف منذ استشهاد الإمام الحسن عليه السلام حتّى وقت استشهاده[4] - لاحظوا ماذا كان يفعل الحسين عليه السلام خلال هذه السنوات العشر التي سبقت واقعة الطفّ.
كانت العبادة والتضرّع والتوسّل والاعتكاف في حرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والرياضة المعنويّة والروحيّة أحد أطراف القضيّة. وطرف آخر سعيه الحثيث في نشر العلم والمعرفة والتصدّي للتحريف. كان التحريف آنذاك أكبر تحدٍّ معنويّ يهدّد الإسلام، ويجري كالسّيل الجارف من الفساد والماء الآسن فيركد في أذهان أبناء المجتمع الإسلاميّ. كان عصراً, طلبوا فيه من الولايات والبلدان والشعوب الإسلاميّة أن يلعنوا أعظم شخصيّة في تاريخ الإسلام![5] وملاحقة مَن يُتّهم بموالاة أمير المؤمنين ويقول بإمامته, حيث ساد آنذاك "القتل بالظنّة والأخذ بالتهمة"[6]. في مثل هذه الظروف وقف عليه السلام كالطود الشامخ وكقِطْع الفولاذ يخرق حجب التحريف. تظهر أقواله وكلماته التي خاطب فيها العلماء وما ورد عنه وقد احتفظ التاريخ بشيء من عظمة الحركة التي كان يأتي بها في هذا المضمار.
والوظيفة الأخرى كانت هي النهي عن المنكر والأمر بالمعروف في أرفع أشكاله، والذي جاء في كتابه إلى معاوية، وهذا الكتاب حسبما أتذكر نقله المؤرّخون[7] من أهل السنّة ولا أظنّ الشيعة قد نقلوه - أي إنّي لم أعثر عليه من طرق الشيعة - وحتّى إن كانوا قد ذكروه فقد نقلوه عنهم. واستمرّ أسلوب الكتاب المذكور والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى خروجه من المدينة بعد وصول يزيد إلى السلطة، وهذا يدخل أيضاً في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, حيث قال: "أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"[8].
تلاحظون هذا الإنسان يأتي بتلك الحركة العظيمة في مجال تهذيب نفسه وترويضها، وفي المجال الثقافيّ أيضاً دأب على مكافحة التحريف ونشر الأحكام الإلهيّة وتربية التلاميذ والشخصيّات الكبيرة، وعلى الصعيد السياسيّ أيضاً كان يمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثمّ تبع ذلك جهاده العظيم الذي يتعلّق بدوره في الجانب السياسيّ. فهو مشغول بترويض نفسه على الأصعدة الثلاثة والترقّي فيها.
أعزّائي! إنّه قدوة وأسوة. وكلّ هذا يتعلّق بالمرحلة التي سبقت واقعة كربلاء.
يجب عدم التوقّف لحظة, يجب التقدّم باستمرار, فالعدوّ يتربّص نقطة الضعف والتراخي ليتسلّل، ينتظر منكم أن تتوقّفوا لكي يهجم. وأفضل الطرق لإحباط هجوم العدوّ وإجهاض استعداده هو الهجوم عليه. وتقدّمكم هو بالهجوم على العدوّ.
العدوّ ليس غافلاً عن هذا المانع، وينشبُ فيه مخالبه، ويعمل فيه حيله. وعلينا التصدّي لجميع ذلك ومواجهته.
إنّ الحركة والسعي ضروريّان، سواء في تهذيب النفس وبناء الذات، وهو مقدّم على ما سواه، كما فعل الإمام الحسين عليه السلام، وهو سيّدكم ومولاكم, أو على الصعيد السياسيّ حيث التحرّك، والأمر بالمعروف، والحضور السياسيّ، وفي المواضع الضروريّة, بيان المواقف السياسيّة في مواجهة العالم الاستكباريّ, أو على صعيد الجهاد الثقافيّ، أي بناء الإنسان، تقويم الذات، وتهذيب بناء الفكر الذاتيّ، ونشر الفكر والثقافة. وهذا واجب على كلّ من يتّخذ الإمام الحسين عليه السلام قدوة له.
من دواعي السرور أنّ شعبنا بأسره ينظر إلى الحسين عليه السلام نظرة إجلال وإكبار، وهذا هو شعور الكثير من غير المسلمين أيضاً.
الإيمان بالمواجهة في سبيل الحقّ
رُوي أنّ الإمام السجّاد عليه السلام وبعد عودته إلى المدينة[9] عقب واقعة عاشوراء - وربّما بعد مضي عشرة أو أحد عشر شهراً من مغادرة قافلة والده المدينة[10] وعودتها إليها - جاءه رجل وقال له: يا بن رسول الله، أرأيتَ ما صُنع بكم بخروجكم هذا[11]؟! كان يصدق في قوله, فالقافلة حين خروجها كان على رأسها ويتوسّطها الحسين بن عليّ عليهما السلام شمس أهل البيت الزاهرة وابن رسول الله وحبيبه، وخرجت بنت أمير المؤمنين معززة مكرّمة, وخرج في القافلة أيضاً أبناء أمير المؤمنين عليه السلام - العبّاس وإخوته - وأبناء الإمام الحسن عليه السلام وخيرة شباب بني هاشم وصفوتهم، ثمّ عادت هذه القافلة ومعها رجل واحد فقط وهو الإمام السجّاد عليه السلام، وتجرّعت النسوة الأسر ورأينَ المصائب والأحزان, فلا الإمام الحسين ولا عليّ الأكبر ولا حتّى الطفل الرضيع مع تلك القافلة..
فأجابه الإمام السجّاد: تأمّل بما سيحصل لو لم نخرج! أجل، إن لم يخرج هؤلاء ستبقى أجسامهم، ولكن ستطمس الحقيقة وتنصهر الروح وتُسحق الضمائر ويُدان العقل والمنطق على مرّ التاريخ، بل ولا يبقى ذكرٌ للإسلام أيضاً.
وفي زماننا هكذا كانت حركة الثورة الإسلاميّة والنظام الإسلاميّ بهذا الاتجاه، ولربّما كان قد خامر ذهن الذين انطلقوا بهذه الحركة أنّهم سيقيمون الحكومة والنظام اللذين يصبون إليهما، ولكن كانت تملأ أذهانهم أيضاً فكرة إمكانيّة استشهادهم في هذا السبيل أو أنّهم يفنون عمرهم في الجهاد والكفاح وتحمّل الشدائد، فكلا الخيارين كان ماثلاً - تماماً كما كان عليه الحال في حركة الإمام الحسين - وبصيص الأمل الوحيد الذي كان يحمّس القلوب ويحفّز هؤلاء على التحرّك خلال عامَيْ (1962 و1963م) وما تلاهما من سني المحنة والاضطهاد في السجون هو الإيمان بالجهاد لا الرغبة في بلوغ السلطة. وهذا الخطّ هو ذاته خطّ الإمام الحسين عليه السلام.
[1] مقتل الحسين, الخوارزميّ, ج2, ص31, بحار الأنوار, ج45, ص34.
[2] الهداية الكبرى, ص204.
[3] تاريخ الأئمّة عليهم السلام, ص7-8, كشف الغمّة, ج2, ص250, بحار الأنوار, ج44, ص200-201.
[4] الهداية الكبرى, ص201, بحار الأنوار, ج44, ص200.
[5] الإيضاح, ص52-53, شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, ج4, ص56-57, بحار الأنوار, ج33, ص214-215.
[6] الإمامة والسياسة, ج1, ص202-204, الاحتجاج, ج2, ص17-18, بحار الأنوار, ج44, ص68-69.
[7] أنساب الأشراف, ج5, ص120-122, الاحتجاج, ج2, ص20-21, بحار الأنوار, ج44, ص212-214.
[8] بحار الأنوار, ج44, ص329.
[9] إقبال الأعمال, ج3, ص100, بحار الأنوار, ج98, ص334-335.
[10] الفتوح, ج5, ص21-22, إعلام الورى, ج1, ص435, بحار الأنوار, ج44, ص326.
[11] الأمالي, الطوسيّ, ص677, بحار الأنوار, ج45, ص177.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|