أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-09
766
التاريخ: 2024-11-18
183
التاريخ: 2024-04-23
805
التاريخ: 2024-08-26
341
|
في ختام القرن الخامس عشر قبل الميلاد وصلت مصر إلى قمة المجد؛ فاتسعت رقعتها، وامتد نفوذها من أعالي دجلة والفرات شمالًا إلى «نباتا» عند الشلال الرابع جنوبًا، وصارت مهيبة الجانب نافذة الكلمة، يذعن لقوتها وبطشها أرباب التيجان وأصحاب الدول، ويسعى كل عاهل في الشرق إلى أن يخطب ودها ويفوز برضاها، وكان أهلها في رغد من العيش، ينعمون بحياة ناعمة، ويتمتعون بخير كثير جاءهم من تلك الممتلكات المترامية الأطراف، التي تتبع بلادهم، وتفيض من خيرها عليهم. من أجل ذلك انصرف حَمَلة الأقلام إلى الإنتاج من الأدب الرفيع، وافتنَّ الصناع ومهروا بفضل ما أمدَّتهم به مستعمرات مصر من خير ورجال، وانكبَّ علية القوم على مناهل اللذة يكرعون من وردها ما شاء لهم الفراغ وطيب العيش. فليس من الغريب إذن أن نرى مليك البلاد في هذه الفترة «أمنحتب الثالث» الذي تسلم عرشها حوالي سنة 1405ق.م يغترف من فيض اللذة والنعيم ما سمح له به الثراء الواسع والجاه العريض، ولم يشأ هذا العاهل العظيم أن يترسم خطا آبائه وأجداده أباطرة مصر الذين دوَّخوا العالم، ورأوا مجدهم في الغزو وامتشاق الحسام، بل آثر حياة الدعة والمتعة، يقضي يومه في الصيد وليله بين الغواني، فما أشبهه بامرئ القيس الملك الضليل في الفترة الأولى من حياته. رمى «أمنحتب» بنفسه بين أحضان النساء في غير قصد أو اعتدال، وكلما ازداد انغماسًا في تيارهنَّ اشتد وَلَهَه بِهِنَّ، وازدادت لهفته عليهن، وإذا زهد في الزوجة طلب الخليلة، وإذا أشبع رغبته من المصريات وجد بغيته بين أحضان الأجنبيات. فلقد حدثتنا الكشوف الأثرية أن هذا العاهل الجبار قد تزوَّج بأخت ملك «متني» في شمال «سوريا» المسماة «جلوخيبا» ثم ثنى بأخته الأخرى «تاتوخيبا»، واستقدم مع الأولى ثلاثمائة وسبع عشرة غادة من حسان «نهرينا» الأماليد، وكان هذا حدثًا سعيدًا في تاريخ حياته، خلَّده «أمنحتب» بنقش جُعل تذكاري رصده في عدة نسخ زهوًا ومباهاة، وتحدثًا بنعمة الله. وجاء في خطاب كُشف حديثًا في «تل العمارنة» أرسله هذا الملك مع رسوله «خانيا» إلى أمير «جيزر» «ميلكيلي «(1) يطلب إليه أن يرسل إلى مصر أربعين من العذارى يتخيرهن من حسان قومه وأجملهن قوامًا، وأن يكنَّ صبيحات الوجوه، وليس في إحداهن ما يشين جمالها، أو يزري بمحاسنها، وجاء في هذا الخطاب ما يدل على شدة شغف الفرعون بالجمال وولعه بالنساء؛ إذ قال لهذا الأمير: «وسأتخذ من هذه الهدية مقياسًا لحسن ذوقك وخبرتك.» وحسبك بهذه الكلمة تصدر من عاهل عظيم لأمير تابع له حتى يذرع أقطار بلاده جاهدًا منقبًا عن رغيبة مولاه؛ لأنه بذلك يرتفع قدره لديه، ويصير أثيرًا عنده مقرَّبًا إليه. ولم يقصر «أمنحتب» هذا في طلب النساء من آفاق إمبراطوريته الواسعة ما وجد إلى ذلك سبيلًا؛ فقد طلب من أحد أمراء «سوريا» المسمى «شوباندو» عشرين (2) عذراء، كما طلب من أمير «أورشليم» «عبدي خيبا» أن يرسل إليه إحدى (3) وعشرين فتاة من أبكار بلاده، يتمتع بهن في قصره الفرعوني، وأن يسلم هذه الهدية النفيسة إلى عامله الأمين «شوتا» حتى تصل إليه كما برأها خالقها لم يمسسها بشر. وجاء في خطاب آخر من وثائق «تل العمارنة» أن هذا الفرعون بعينه قد طلب من حاكم إحدى الولايات الآسيوية أن يرسل إليه ابنته لأنه معجب بها، كما تدلنا وثائق أخرى وصلتنا عن هذا العصر أن هذا المليك كان يحتفظ في قصره بأميرة بابلية يحبها. فليت شعرى أي شره هذا! وليس بالكثير على رجل هذه مُتَعُه المحببة أن تقاس أقدار الرجال عنده بما يقدمون إليه من غوانٍ تملأ العين والقلب، فهذا «توشرتا» ملك «متني» يهدي إليه (4) ثلاثين حظية من البيض الرعابيب، كما أن علامة رضاه على العلية والأشراف من رعاياه أن يهبهم مما أفاء الله عليه من سبايا الحرب ما يستهوي القلب من ذوات الدل والخفر. فأصبح الهوى مسيطرًا على قلوب الرجال، وتمتعت الغواني بمنزلة فريدة، وتطلع القوم إلى المثل العليا في الجمال لا لعبادته وشمه، لكن لقطفه وضمه، والناس في ذلك معذورون؛ لأنهم على دين ملوكهم يسيرون.
...........................................
1- وقد أرسل له الفرعون في مقابل ذلك ذهبًا وفضة وملابس وحجر الدم وكل أنواع الأحجار الكريمة المختلفة وكراسي من الأبنوس وكل شيء طريف (راجع mercer , “The Tell El Amarna Tablets”Vol.I,(No.31a) p.187 ).
2- راجع: Mercer, “The Tell El Amarna Tablets”, Vol. II, (No. 301) 15ff.
3- راجع: Ibid, (No. 288) 1. 20.
4- والواقع أن «أمنحتب الثالث» قد أرسل على أقل تقدير خمس مرات في طلب غانيات ليكن في قصره، ُرسلن ومجموع ما عرفناه حتى الآن لا يقل عن 428 غانية. وهاتيك المئات من النسوة الأجنبيات اللائي أرسلن إلى البلاط الفرعوني قد أثمرت ووضعن أولادا، وناهيك ما كان لاختلاط الدم المصري بالدم الأجنبي من أثر، وبخاصة إذا علمنا أن هذا الاختلاط قد بدأ منذ بداية الأسرة الثامنة عشرة (راجع A. Z. LXXIII; p. 92 ). كما أشرنا إلى ذلك من قبل. راجع أيضًا: “Revue d’Assyrologie” Year 31, Vol. No. III, Dossin, “Une Nouvelle Lettre d’el Amarna”.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|