أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-3-2016
5828
التاريخ: 2-4-2016
10176
التاريخ: 14-6-2018
4512
التاريخ: 2-4-2017
18689
|
سنوضح أهم أنواع الصباغة التشريعية، ثم نبين أبرز صور العيوب التي تعتريها.
أولاً : انواع الصياغة التشريعية للقواعد الانضباطية.
تتنوع صياغة القواعد القانونية بصورة عامة وفقاً لمعايير معينة، فتقسم من حيث الأسلوب إلى صياغة (جامدة) وأخرى (مرنة)، وذلك تبعاً لتأثيرها في جوهر القيم التي تعبر عنها القاعدة القانونية وتوفيرها للحماية القانونية اللازمة للحقوق التي تنظمها، كما تتباين نظراً إلى طبيعة الوسيلة المستخدمة للكشف عن جوهر تلك القيم فتتخذ صورة (مادية) أو (معنوية)، وسنقوم بتوضيح الصور المذكورة بإيجاز فيما يأتي:
1.الصياغة التشريعية من حيث (الأسلوب) : يتباين أسلوب صياغة القواعد الانضباطية وفقاً لمدى تقييد أو تخيير المشرع للجهات المطبقة لها، فقد يُقيدها حرفياً في تطبيق أحكامها فتدعى صياغة تلك القواعد (بالصياغة الجامدة)، أو يترك قدراً من الاختصاص التقديري للسلطة المختصة بتطبيقها بغية اتباع ما يحقق غايات القانون وأهدافه فتكون قد صيغت في هذه الحالة بصورة (مرنة) (1).
أ. الصياغة الجامدة أو المحددة وتنصرف إلى (حصر مضمون النص القانوني في معنى ثابت لا يتغير بتغير الظروف أو الأشخاص، ولا يترك معه أي مجال للتقدير بالنسبة للمخاطب بأحكامه او السلطة المكلفة بتطبيقه) (2)، فتلزم الجهة المكلفة بتطبيق النص القانوني والمخاطب به على النحو الذي رسمه المشرع، فيأتي محتواه محدداً بجوانبه وأجزائه كافة كتعيين المخاطب به، والواقعة التي ينظمها، فضلاً عن الحكم القانوني المثبت لها والذي تلتزم الجهة المختصة به وفقاً لما حدده المشرع عند تحقق الفرض المتمثل بالواقعة التي يتطلب ثبوت حدوتها لأعماله (3).
ويُلاحظ أن صياغة القواعد الانضباطية تغلب عليها صفة الجمود، وذلك لأنها وضعت حمايةً لمصلحة الموظف والمرفق العام على حد سواء، فضلاً عما تنشده من استقرار الأوضاع القانونية، ومثالها النصوص المحددة( لمواعيد التظلم والطعن بالقرارات الانضباطية)، وتحديد (الآثار المترتبة على سحب يد الموظف)، وكذلك النصوص المتضمنة تحديد (الأثر المترتب على حصول الموظف على كتب الشكر في حالة كونه معاقباً من عدمه) و (الآثار المترتبة على فرض العقوبات الانضباطية)، وتجدر الإشارة إلى أن القصور وعيوب الصياغة التي لحقت بصياغة تلك القواعد وأن أدت إلى تباين تطبيقها في نطاق معين منها لكن ذلك لا يخرج صياغتها عن الصورة المذكورة، كما أن اتباع هذا النوع من الصياغة قد يستهدف حماية الموظف العام وذلك عند تحديد شكليات معينة، كاشتراط تمتع رئيس واعضاء اللجان التحقيقية بالخبرة، وتوفر عضو قانوني، وذلك للوصول إلى ادق الحقائق بشأن التهمة الموجهة اليه، فضلاً عن تحديد العدد الفردي لأعضائها ضماناً للتصويت. وبذلك تمتاز (الصياغة الجامدة) أو كما تدعى (بالحاسمة) بأنها:
أنها تُسهل على الإدارة والقضاء تطبيق أحكام القانون بطريقة توصف بكونها آلية، إذ تُجنبهم مشقة التقدير ومتاعبه التي تترتب عند تنظيم أحكام النصوص القانونية تنظيماً متفاوتاً يستدعي التمييز بين الخاضعين لها وفقاً لظروف وأحوال معينة محققة بذلك العدل المُجرد القائم على المساواة المجردة، إذ تغلق الذرائع في التفرقة بين الخاضعين لأحكام القاعدة القانونية، على أن ذلك لا يعني انعدام الظروف التي قد تدعو للتمييز بين المخاطبين بأحكامها، فضلاً عن كونها تقلل المخاطر الناجمة عن سوء التقدير الأمر الذي يضمن سلامة وصحة القرارات الصادرة عن الجهات المذكورة (4).
أنها تعمل على توفير الاستقرار والحماية اللازمة للمراكز القانونية، إذ تمكن المخاطبين بأحكام التشريع من التعرف على حقيقة مراكزهم القانونية بدقة، فتعينهم على ترتيب أوضاعهم وتكييف تصرفاتهم وفقاً لما تقضي به حاضراً ومُستقبلاً مما يجنبهم المخاوف من مفاجئات التقدير (5).
ب - الصياغة المرنة وتتمثل بكون النص القانوني مُصاغاً صياغة فضفاضة نوعاً ما مما يضفي عليه طابع السعة والمرونة، وذلك لضمان استجابته وملاءمته للتطبيق على ما يستجد من حالات عملية أمام الجهات المطبقة لأحكامه، فتمنح الأخيرة القدرة على ممارسة اختصاصها التقديري عند التطبيق وفقاً لمعايير وأسس حددها المشرع تحديداً مرناً تاركاً لإرادة الجهة المختصة دوراً في تقديرها (6). ويُلاحظ لدى الرجوع إلى قواعد قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام النافذ وجود بعض النصوص التي صيغت بصورة مرنة ومنها على سبيل المثال ما ورد في نص المادة (10/ ثانياً) منه بشأن تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها من اللجان التحقيقية عند التحقيق مع الموظف المحال عليها، فقد وردت على سبيل التخيير وذلك باستخدام عبارة ولها) في سبيل أداء مهامها...)، إذ مُنحت اللجنة قدراً من الحرية في الاستماع إلى شهادات الشهود وفقاً لما تراه ضرورياً وكافية للوصول إلى الحقيقة التي تنشدها (7).
وبذلك تمتاز (الصياغة (المرنة كما وضحنا بكونها تتيح للإدارة والقضاء قدراً من الاختصاص التقديري في تطبيق نصوص القانون بما يؤدي إلى تحقيق العدالة وذلك من خلال الاعتداد بالظروف التي تحيط بكل حالة، فضلاً عن استيعاب النص للحالات الجديدة التي لم تخطر في ذهن واضعه مما يسهم في مسايرته للتطور، إلا أن من الشراح من يرى أن هنالك عيباً لا ينسب في حقيقته لهذا النوع من الصياغة ذاته وإنما يرجع إلى سبب خارجي يتمثل بالتخوف من ارتياد الجهة المطبقة للنصوص المصاغة بهذه الصورة سبيل التحكم بالاختصاص التقديري بما يؤدي إلى انحرافها عن العمومية والتجريد، وما يولده ذلك من مخاوف بشأن عدم العلم يقيناً وبشكل مسبق بالحكم أو القرار الصادر لاسيما عند ممارسة الاختصاص المذكور من جانب الإدارة التي يتطلب التحرز منها يقدر يفوق حجم المخاوف التي تثار لدى ممارسته من جانب القضاء (8).
ولكل ما تقدم نرى أنه يجب على المشرع أن يوازن بين الصياغة (الجامدة) و(المرنة) في قواعد قانون الانضباط إذ يتحتم الجمع بينهما، فهناك بعض المواضيع التي تتطلب المرونة في تنظيمها بغية إتاحة الفرصة للجهة المختصة بتطبيقها من التعامل مع ما يطرأ من ظروف ومستجدات ضماناً لتحقيق غاية القانون وأهدافه، في حين أن هناك مسائل لا تصلح معالجتها إلا بنصوص مصاغة بصورة جامدة فلا يكون أمام الجهة المختصة بتطبيقها سوى اتباع ما ورد بمضمون النص حرفياً حماية للمصلحة المرجوة منها، إذ تُعدّ الصياغة الجامدة والاختصاص المقيد وجهان لعملة واحدة، وهذا ما يصدق على الصياغة المرنة والاختصاص التقديري أيضاً.
2. الصياغة التشريعية من حيث (الوسيلة) وتتمثل بطرق أو وسائل التعبير عن مضمون القواعد القانونية، وتجري بوسيلتين هما:
أ. الصياغة المادية: إذ يُعبر عن جوهر القاعدة القانونية بمظهر خارجي مادي ومحسوس(9)، سواء صيغت (صياغة كمية) تتمثل بالتعبير الرقمي المحدد تحديداً عددياً بصورة لا تدعو للشك في حقيقتها وتقطع دابر الخلاف في معناها وتسمى (بإحلال الكم محل الكيف )، إذ يجري اعتماد الأرقام بما ييسر تطبيق القاعدة القانونية ويبت الاطمئنان بنفوس الأفراد المخاطبين بأحكامها، وعادةً ما يستخدم هذا الأسلوب عند صياغة القواعد القانونية الجامدة التي لا يترك للقائمين بتطبيقها سلطة التقدير لتتمتع بالدقة التي تمنع من الانحراف في تطبيقها ومثالها (تحديد المواعيد الخاصة بالتظلم والطعن بالقرارات الانضباطية والأحكام القضائية الصادرة نتيجة الطعن) (10).
كما تصاغ النصوص بأسلوب مادي ( صياغة شكلية) إذ تتطلب افراغ التصرف القانوني في شكل خارجي محدد بغية ترتيب الأثر المطلوب، وإتباع إجراءات شكلية معينة لتوفير ضمانات معينة أو للتنبيه بخطورة التصرف، علاوةً على تحقيق العلانية ضماناً للإثبات أمام القضاء، كاشتراط الكتابة درءاً للتناقض والادعاءات (11)، ومثالها اشتراط صدور القرارات الانضباطية بصورة (تحريرية) وإجراء التحقيق (تحريرياً) مع الموظف المخالف (12).
ب. الصياغة المعنوية: إذ يُعبر عن مضمون القاعدة القانونية وإبراز جوهرها بعمل (ذهني منطقي) فتعد عملية ذهنية من نتاج العقل والفكر، وبموجبها يمنح حكم معين لشيء ما يكون مخالفاً لواقعه بغية ترتيب أثر أو غاية عملية معينة (13)، وتتجلى في (القرائن القانونية )التي تعني (ما يتم استنباطه من واقعة معلومة ومؤكدة للاستدلال بها على واقعة محتملة وغير ثابتة، أي يتم تحويل الشك إلى يقين، لغلق باب التحايل الذي يجري في حالات معينة على أحكام القانون وتيسير الاثبات في الحالات التي يصعب فيها، والتي قد تكون قاطعة لا تقبل اقامة الدليل على عدم صحتها و بسيطة حيث تُعد غير قاطعة يمكن اثبات عكسها) (14) ، وهي من صنع المُشرع إذ ينص عليها القانون(15)، وتختلف بذلك عن (القرائن القضائية) التي يستنبطها القاضي من ظروف الدعوى، إذ ينظر لواقعة ثابتة ومُعينة فيستدل بها لإثبات واقعة غير معلومة يكون متنازعاً عليها مراعاة للارتباط القائم بينهما والذي يبرر الاستدلال(16). ويتجسد اعتماد القرائن القانونية في نصوص القواعد الانضباطية بما ورد في المادة (15/ ثانياً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام آنفة الذكر، وذلك بعد عدم البت في (التظلم) الذي يقدمه الموظف بشأن القرارات الانضباطية قرينة على ( رفضها حُكماً) من الجهة التي أصدرتها بانتهاء مدة (30) يوماً من تاريخ تقديمه.
كما أن هناك قرائن قضائية من صنع ( القضاء الاداري) كقرينة سلامة القرارات الإدارية وصحتها حتى يُثبت العكس (17).
وكذلك تُعد (الحيل القانونية) من طرق الصياغة المعنوية والتي تُدعى أيضاً (بالصياغة الافتراضية)، إذ توصف بأنها افتراض مخالفٌ للحقيقة والواقع، فيجري من خلالها التوصل إلى ترتيب أثر قانوني لوضع معين من خلال اعطائه حكماً يخالف حقيقته أي بتغيير الحكم الوارد في القانون ولكن من دون التعرض لنصه كالشخصية المعنوية التي تُعد أمراً مجازياً وغير واقعي، والعقار بالتخصيص كالآلات الزراعية التي تُخصص لخدمة العقار، فعلى الرغم من كونها منقولاً في حقيقتها لكن القانون يفترضها عقاراً حتى يلحقها به من حيث الحكم (18) ، فهي تتباين عن القرينة في أن الأخيرة تجعل من الأمر المحتمل تابتاً وصحيحاً، في حين تجعل الحيلة القانونية الأمر الذي يكون غير صحيح صحيحاً فيخرج المشرع عن طبائع الأمور، لذلك تُعدّ أخطر الأساليب المتبعة في الصياغة مما يستدعي عدم اتباعها إلا في حدود ضيقة وعدم تجاوز الغرض المقصود وهذا ما ذهب إليه الرأي الغالب على الصعيد الفقهي (19).
صفوة القول فأن اعتماد صور الصياغة المعروفة في ميدان الصياغة القانونية بصورة عامة بما فيها التشريعية أنما يكون رهيناً بالغايات التي ينشدها التشريع والأهداف التي وضع بغية تحقيقها والتي تتجه غالباً صوب تحقيق المصلحتين (العامة) و (الخاصة) وبصورة متوازنة.
ثانياً: صور عيوب الصياغة التشريعية.
يتوقف تحقيق التشريعات لأهدافها وضمان التزام المخاطبين بأحكامها على مدى دقتها ووضوحها، فضلاً عن ضرورة انسجام نصوصها مع بعضها بعض من جهة ومع قواعد التشريعات الأخرى ذات الصلة من جهة أخرى(20) ، لذلك تُمثل الصياغة التشريعية لأي تشريع معياراً للحكم على مدى كفايته في تحقيق الأهداف التي وضع من أجلها، ومدى حمايته للحقوق والحريات والضمانات التي تنظمها أحكامه، وبما يضمن عدم مخالفته لأحكام الدستور الذي يُعد مصدراً أساسياً لكفالتها، فلا يخفى ما للصياغة المحكمة للقانون من دور جلي في سهولة تطبيق أحكامه من الإدارة والقضاء على حد سواء(21) انطلاقاً من دورها في تحويل الأفكار والقيم الجوهرية إلى قواعد قانونية صالحة للتطبيق العملي، وقد أظهر الأخير وجود العديد من العيوب التي تعتري الصياغة التشريعية للقواعد الانضباطية والتي تنعكس سلباً على معناها وجماليتها ودقة تطبيقها، فقد تكون (شكلية) تتخذ صورة الخطأ، أو (موضوعية) تؤثر في مضمون النص القانوني ( كالنقص والغموض والتعارض والتكرار)، فبعضها يتطلب تعديل النص القانوني، والآخر يبرز دور التفسير في التغلب عليه(22)، وسنبين مدللوها بإيجاز بالآتي:
1. الخطأ إذ يُقسم إلى أنواع عدة يأتي في مقدمتها (الخطأ المادي) الذي يعني ( الخطأ الذي لم يقصده المشرع، ويتمثل في سقوط أو زيادة حرف أو كلمة مما يخل بالمعنى المقصود) (23) وقد يتخذ صورة (الخطأ الطباعي) او (اللغوي او الإملائي) الذي يمكن نسبته إلى كافة المراحل ابتداءً من مرحلة إعداد التشريع وحتى النشر في الجريدة الرسمية، كما قد يوجد في أصل النص أو مسودته، وتتعدد أسبابه فمنها ما يعود إلى عدم مراعاة الدقة لدى طباعة النصوص القانونية بعد اقرارها، فضلاً عن كثرة التعديلات الواردة على مشروع القانون عند تدقيقه ومراجعته أو العجالة في سنه (24)، وقد حددت المادة (8) من قانون النشر في الجريدة الرسمية رقم (78) لسنة 1977 آلية تدارك الأخطاء المطبعية (25).
أما (الخطأ القانوني) فيراد به (صياغة النصوص بشكل يفتقر للدقة والسلامة لعدم توفق المشرع في صياغتها مما يفوت عليه المعنى الذي كان يقصده) (26) ، لذلك يسمى أيضاً (بالغلط) إذ يتطلب إجراء التعديل للنص القانوني كونه يؤدي إلى اعطاء حكم لحالة معينة يكون مخالفاً لما مقصود منه فتشير دلالة النص إليه، وتجدر الإشارة إلى كون الخطأ المذكور نادر الوقوع قياساً بالخطأ المادي(27).
2. النقص: يُقصد به (اغفال لفظ في النص التشريعي بحيث لا يستقيم الحُكم بدونه)(28)، إذ لا يمكن التثبت من قصد المشرع بصورة كافية، كما يُطلق على هذا العيب تسمية ( الثغرات) أيضاً، إذ يصعب معه تطبيق النص التشريعي في حالات معينة فلا يجري التوصل بيسر إلى التصرف الواجب اتباعه من قبل الجهة المكلفة بتطبيقه، فيصار إلى طلب التفسير بغية سد تلك التغرة (29)
3.الغموض : يتحقق عندما يحمل النص القانوني في أحد ألفاظه أو بمجموع عباراته أكثر من معنى(30)، مما يؤدي إلى عدم انطباق المعنى اللغوي للألفاظ مع الغاية المتوخاة من استخدامها في التشريع، فيستوجب على القائم بالتفسير اختيار المعنى المقصود من المشرع (31).
ويتخذ الغموض صوراً عدة، فيكون (خفياً) عندما تدل ألفاظ النص دلالة ظاهرة على معناه ولكن يُشتبه في انطباق معناها على بعض الأفراد، مما يتطلب النظر والتأمل بغية إزالته، ويمثل أكثر صور الغموض شيوعاً (32) ، وقد يكون النص نفسه خفياً أي أن ألفاظه لاتدل على معناه فلا يجري توضيحه إلا بعناصر خارجية فيكون الغموض (مشكلاً)، والذي قد يرجع سبب حدوته أيضاً إلى الألفاظ التي تحمل معاني اصطلاحية قانونية ولغوية مما يوجب اتباع معناها الاصطلاحي مالم يتضح قصد المشرع (33)، أما إذا كان النص ينطوي على أحوال عدة في معناه ولا يمكن معرفتها إلا بتفسير وافٍ من المشرع يقطع الشك والتأويل فنكون أمام غموض (مجمل)، والذي قد يتحول إلى غموض مشكل في حال عدم وضوح التفسير الصادر عن المشرع، الأمر الذي يفتح باباً للاجتهاد بغية إزالة إشكاله (34).
4. التعارض ويتحقق باصطدام نص قانوني بآخر لما بينهما من تعارض سواء جمعهما التشريع نفسه أو تضمنهما تشريعين أو أكثر، مما يرتب عدم إمكانية الجمع بينهما على الرغم من وضوح معنى كل منهما عند النظر إليه منفرداً عن الآخر (35) .
وقد أشار الصعيد الفقهي إلى وسائل عدة يستلزم الركون إليها بغية إزالة التعارض الذي يشوب النصوص القانونية، إذ يلاحظ تباينها تبعاً لمرتبة التشريعات التي تضم النصوص المتعارضة ضمن الهرم القانوني في الدولة، الأمر الذي يوجب تغليب القانون الذي يحتل المرتبة الأعلى ضمن السلم القانوني أو الهرم المذكور على القانون الادنى، وذلك مراعاة لمبدأ التدرج في القواعد القانونية، وإلغاء النص اللاحق للنص السابق عند تساوي النصوص المتعارضة في قوتها القانونية(36)، فضلاً حالة عن وقوع التعارض بين نصوص التشريع نفسه، أو بين نصين صادرين في وقت واحد ومتساويين بالقوة، إذ يُصار إلى تغليب نص قانوني على الآخر أو اللجوء إلى طرق التفسير على النحو المتبع بأصول التفسير القانوني في حال عدم توافر ما يلزم بتغليب أحدهما على الآخر، كأن يُقيد القانون الخاص القانون العام (37).
5. التكرار والتزيد ويتمثل (التكرار) بإيراد الحكم في أكثر من نص قانوني ضمن التشريع نفسه أو في نصوص تشريعين مستقلين (38) ، بينما يتحقق (التزيد) بورود عبارة زائدة في صياغة النص القانوني لا معنى لها فتؤدي إلى الارباك في فهم معناه، فضلاً عن ذكر تفاصيل معينة في النص القانوني يجدر عدم معالجتها بموجبه (39).
ولكل ما تقدم ذكره نرى بأنه لابد من الكشف عن مضمون القاعدة القانونية الانضباطية بصياغة واضحة بلا أفراط أو تفريط والعناية في انتقاء ألفاظها، فضلاً عن وجوب المراجعة الدقيقة لمشروعات القوانين قبل إصدارها كقانون الخدمة المدنية الاتحادي المزمع إصداره والذي يضم جملة من القواعد الانضباطية، فكلما كانت صياغة النصوص القانونية منضبطة لازمها النجاح في التطبيق العملي وحالف صائغها السداد، فالصياغة كعملية فنية لا تقتصر على افراغ إرادة المشرع ومقصده من وضع القانون في نصوص قانونية متسلسلة، بل أنها تلقي بظلالها على مدى احترام التشريع وبقائه صالحاً للتطبيق لأطول مدة زمنية مُمكنة، الأمر الذي يفرض تجنب العيوب التي تضعفه وتُعيق تطبيقه من الإدارة والقضاء، فتشرع أبواب الاجتهاد والتفسير الذي لا يؤدي أحياناً إلى النتيجة المبتغاة منه مما يعصف بالحقوق والضمانات التي وضع التشريع لحمايتها.
_________________
1- د. محمد واصل المدخل الى علم القانون ط1 منشورات جامعة دمشق سوريا 2011، ص 166.
2- د. صغير بن محمد الصغير، ضوابط في صياغة ومن القوانين (دراسة مقارنة)، ط1 دار الالوكة ، المملكة العربية السعودية 2017، ص 60.
3- د. خالد جمال أحمد حسن، ماهية الصياغة التشريعية ومقومات جودتها، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية السنة الخامسة 2017 ، ص 121
4- عليوة مصطفى فتح الباب الوسيط في سن وصياغة وتفسير التشريعات الكتاب الثاني، دار الكتب القانونية، مصر، 2012، ص (35، 36)
5- د. محمد واصل المدخل الى علم القانون، مرجع سابق، ص 166.
6- د. حيدر أدهم عبد الهادي، دروس في الصياغة القانونية، ط1، مركز العراق للأبحاث، بغداد، 2008 ، ص 84 .
7- يُنظر : نص المادة (10) (ثانياً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل، وقد وردت بنفس الصيغة في المادة (85) اولاً / (ب) من مسودة قانون الخدمة المدنية الاتحادي لسنة 2015.
8- د. صغير بن محمد الصغير، ضوابط في صياغة وسن القوانين مرجع سابق، ص 94
9- د. عبد القادر الشيخلي، فن الصياغة القانونية تشريعاً وفقهاً وقضاء، ط1 دار الفكر الثقافة عمان 1995 ، ص28.
10- د. كاظم عبد الله حسين الشمري و شاكر نوري اسماعيل أصول الصياغة التشريعية للقاعدة الاجرائية الجزائية بحث مستل من اطروحة دكتوراه منشور في مجلة كلية القانون – جامعة بغداد العدد السادس ( القسم الخاص ببحوث التدريسيين مع طلبة الدراسات ) 2019، ص 191
11- عليوة مصطفى فتح الباب الوسيط في سن وصياغة وتفسير التشريعات الكتاب الثاني دار الكتب القانونية مصر 2012، ص 47 .
12- وفقا لما ورد في نص المادتين (10,8 / ثانياً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل، وهي ذات الشكليات التي تضمنتها المادتين (85) أولاً ب (83) من مسودة مشروع قانون الخدمة المدنية الاتحادي لعام 2015.
13- د. حيدر أدهم عبد الهادي، دروس في الصياغة القانونية، ط1، مركز العراق للأبحاث، بغداد، 2008 ، ص 90.
14- مهند جاسم محمد الصياغة التشريعية بين لغة القانون وقانون اللغة، رسالة ماجستير في القانون العام مقدمة الى جامعة الشرق الاوسط عمان 2020، ص 40
15- نصت المادة (98) من قانون الاثبات رقم (107) لسنة 1979) المعدل على: (أولاً : القرينة القانونية هي استنباط المشرع أمراً غير ثابت من امر ثابت. ثانياً: القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن اي دليل آخر من أدلة الاثبات)
16- د. محمد واصل المدخل الى علم القانون ط1 منشورات جامعة دمشق سوريا 2011 ، 168
17- عليوة مصطفى فتح الباب الوسيط في سن وصياغة وتفسير التشريعات مرجع سابق، ص 51.
18- د. رافد خلف هاشم البهادلي و د. عثمان سلمان غيلان العبودي التشريع بين الصناعة والصياغة، ط1 بيروت منشورات الحلبي الحقوقية 2009 ، ص 41
19- د. عبد القادر الشيخلي النظام القانوني للجزاء التأديبي، ط1 ، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، 1983 ، ص31.
20- The Florida senate, Manual for Drafting Legislation, previous Source, P9.
21- د. خالد جمال أحمد حسن، ماهية الصياغة التشريعية ومقومات جودتها، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية السنة الخامسة 2017 ، ص 115.
22- عليوة مصطفى فتح الباب الوسيط في سن وصياغة وتفسير التشريعات مرجع سابق، ص 53.
23- د. محمد حسين منصور المدخل الى القانون (القاعدة القانونية)، طا، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 279 ،2010
24- مهند جاسم محمد الصياغة التشريعية بين لغة القانون وقانون اللغة، رسالة ماجستير في القانون العام مقدمة الى جامعة الشرق الاوسط عمان 2020 ، ص 45.
25- نصت المادة (8) من قانون النشر في الجريدة الرسمية رقم (78) لسنة 1977) على (تصحح الاخطاء المطبعية التي تقع عند النشر في بيان يصدر عن الجهة التي أصدرت الأصل، وينشر التصحيح في الوقائع العراقية) .
26- د. حيدر أدهم الطائي المبادئ الأساسية للصياغة التشريعية، ط1 دار السنهوري بيروت 2021 ، ص 46.
27- د. رافد خلف هاشم البهادلي و د. عثمان سلمان غيلان العبودي، التشريع بين الصناعة والصياغة، ط1 بيروت ، منشورات الحلبي الحقوقية 2009 ، ص 56.
28- د. عبد القادر الشيخلي، فن الصياغة القانونية تشريعاً وفقهاً وقضاء، ط1 دار الفكر الثقافة عمان 1995 ، ص 41.
29- د. عصمت عبد المجيد بكر، مشكلات التشريع، دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة ط1 دار الكتب العلمية بيروت 2014 ، ص 208
30- The Florida senate, Manual for Brafting Legislation, previous source, P10.
31- د. رياض القيسي، علم أصول القانون، ط 1 ، بيت الحكمة، 2002 ، ص 326.
32- د. محمد حسين منصور المدخل الى القانون (القاعدة القانونية)، طا، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان ، ص278.
33- د. عبد القادر الشيخلي النظام القانوني للجزاء التأديبي، ط1 ، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، 1983 ، ص 44.
34- د. سلام عبد الزهرة الفتلاوي و آمنة فارس ،حامد المعايير العامة للصياغة التشريعية (دراسة مقارنة )، بحث منشور في مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية العدد السنة التاسعة 2017، ص 95.
35- د. محمد حسين منصور المدخل الى القانون (القاعدة القانونية)، طا، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان ، ص279.
36- د. رياض القيسي، علم أصول القانون، ط 1 ، بيت الحكمة، 2002 ق، ص 58.
37- د. حيدر أدهم عبد الهادي، دروس في الصياغة القانونية، ط1، مركز العراق للأبحاث، بغداد، 2008 ، ص 118.
38- د. رافد خلف هاشم البهادلي و د. عثمان سلمان غيلان العبودي، التشريع بين الصناعة والصياغة، ط1 بيروت ، منشورات الحلبي الحقوقية 2009 ، ص 59.
39- مهند جاسم محمد الصياغة التشريعية بين لغة القانون وقانون اللغة، رسالة ماجستير في القانون العام مقدمة الى جامعة الشرق الاوسط عمان 2020 ، ص 64.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|