أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-19
1151
التاريخ: 17-5-2017
5507
التاريخ: 1-2-2016
49636
التاريخ: 29-1-2016
4234
|
إن الوساطة الجنائية تمثل إحدى بدائل الدعوى الجزائية، مما يجعلها تمتاز بخصائص عديدة، تميزها عن الإجراءات القضائية العادية وغيرها من بدائل الدعوى الجزائية والأنظمة المشابهة لها، لما تملكه من بساطة وسرعة في إيجاز وتسوية الخلافات عن طريق الاتفاق ودون اللجوء الى إجراءات التقاضي الطويلة، ويمكن بيان تلك الخصائص على النحو التالي:
أولاً: الوساطة الجنائية إجراء رضائي:
تعد الوساطة الجنائية صورة من صور العدالة الرضائية(1)، المتبعة في أنهاء الخصومة الجنائية، وبذلك تقوم الوساطة على فكرة البحث عن حل ودي، وليس البحث عن تطبيق العقوبة كالدعوى الجزائية، فهي تؤسس على حرية الأطراف في تقرير البحث عن حل ودي أو اتباع الإجراءات القضائية التقليدية(2)
ولهذا فإنها تتم بناءً على الاتفاق والرضا بين أطراف النزاع سواء كان هذا الاتفاق مكتوباً أو شفوياً(3)، ولهذا يجب أن يوافق أطراف الخصومة الجنائية (الجاني، المجني عليه) على اتباع طريق العدالة الرضائية بدلاً عن العدالة التقليدية، وتظهر صفة الرضائية أثناء الاتفاق على انهاء الخصومة الجنائية من خلال التزام طرفي النزاع بأداء ما اتفقوا عليه عند بدء إجراءات الوساطة، حيث يتفق الجاني مع المجني عليه بمعرفة الوسيط على أن يؤدي الأول (الجاني)، مقابلاً يرضاه الأخير (المجني عليه)، تمهيداً لإنهاء الخصومة الجنائية القائمة بينهما (4).
ثانياً: الوساطة الجنائية إجراء غير قضائي:
إن ما يميز الوساطة الجنائية بعدها غير المألوف عن السلطة القضائية واعطاءها لأطراف النزاع مساحة لمعالجة الوضع الاجتماعي قدر الإمكان، وهو ما يجعلها مختلفة تماماً عن إجراءات التقاضي العادية(5)، وهي بذلك تمثل أسلوباً خاصاً لإدارة الدعوى الجزائية(6)، وبذلك فهي تتميز عن الإجراءات القضائية العادية من حيث الأساس والموضوع والغاية ونطاق السلطة.
فمن حيث الأساس، نجد إن الوساطة نظام يرتكز على مفاهيم ذات أساس انساني واجتماعي تتمثل في التركيز على (الألم، المعاناة، وإعادة التأهيل، الترضية أو التعويض، العلاقات الاجتماعية) أما الدعوى الجزائية فهي تقوم على مفاهيم ذات أساس قانوني، حيث ترتكز على (خرق النظام العام، مخالفة القانون، العقوبة، الردع العام ... الخ)(7).
ومن حيث الموضوع، فإن الوساطة ترتكز على ضرورة انشاء علاقات جديدة بين أطراف النزاع وإزالة الضرر، حيث تسمح للأطراف بمناقشة أسباب الجريمة والتفاهم على اصلاح ما أحدثته وإعادة العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، في حين إن الدعوى الجزائية تعمل على تحديد المسؤولية للجاني بهدف توقيع العقاب عليه، أما من حيث الغاية، تهدف الوساطة الجنائية الى تحقيق العدالة والسلام الاجتماعي، أما الدعوى الجزائية فهي تسعى الى تحقيق العدالة التقليدية المتمثلة بحق الدول في توقيع العقاب وتحقيق الردع العام(8).
أما من حيث نطاق السلطة، فبالرغم من إن الوساطة الجنائية تباشر عن طريق الوسيط، ودون تدخل النيابة العامة في العملية، إلا أن الوسيط يكون ملزم بإخطار النيابة العامة بما انتهت اليه عملية الوساطة، وذلك لكي تتمكن النيابة من التصرف في الدعوى الجزائية، فالنيابة العامة لها دور رقابي في الوساطة يتمثل في السلطة الممنوحة لها في تقدير مدى الحاجة للجوء الى الوساطة، فضلاً عن دورها في تعيين الوسيط، ويكون لها دور في تقديرها لنتائج الوساطة من خلال اتخاذ قرارها بالتصرف في الدعوى(9).
ومن خلال ما تقدم يمكننا القول إن الوساطة الجنائية عملية لا تخرج عن نطاق السلطة القضائية، إنما تباشر بأذن القضاء من خلال اشراف السلطة القضائية على إجراءاتها وملاءمتها، وهذا ما يبرز نطاق سلطة القضاء في الوساطة.
ثالثاً: السرعة والمرونة في الإجراءات:
إن العدالة البطيئة تمثل صورة لإنكار العدالة(10)، لذلك نجد إن الوساطة تعد عملية مهمة لحل المنازعات أفضل من الطرق التقليدية التي تتسم بالتأخير، لذا يجب حسم المنازعات على وجه السرعة تحقيقاً للعدالة، وذلك لأن البطء في حسم المنازعات يذهب بحقوق أطراف النزاع ويفوت عليهم الفرص وخاصة في مجال المعاملات التجارية، ونظراً لما تتميز به إجراءات الوساطة من سهولة وبساطة مما يجعلها عملية سريعة ومرنة في حل المنازعات، إذ تكفل الوساطة لأطراف الخصومة الجنائية الحصول على حقوقهم واستغلال الوقت، وذلك عن طريق المهارات التي يتمتع بها الوسيط متمثلة بالخبرة والقدرة العلمية في إدارة عملية الوساطة الجنائية، وقدرته على إيجاد سبل ناجحة للتفاوض في جو ودي بعيداً عن الإجراءات القضائية التقليدية التي قد تستغرق في بعض القضايا الكثير من الوقت، بالرغم من بساطاتها وقلة خطورتها، ولأهمية دور السرعة في تحقيق العدالة، فإن بعض المراكز في مصر حددت مدة شهر كحد أقصى لإنهاء النزاع عن طريق الوساطة(11).
وكذلك تتميز الوساطة بالمرونة، سواء بالنسبة لإجراءاتها وقواعد تطبيقها أو بالنسبة للتدابير الواجبة التطبيق بناءً على اتفاق الوساطة، وذلك لكون إجراءاتها تتسم بالبساطة، وفضلاً عن ذلك إن عدم وجود إجراءات محددة في تطبيقها يضفي عليها مرونة، مما يؤدي الى التوصل للتسوية وحل النزاع بأقرب وقت(12)، فيتمكن الوسيط من الاجتماع مع كل طرف على حدة ونقل موقف كل منهم للأخر، وهو أمر لا وجود له في الإجراءات القضائية، كما إن لأطراف النزاع حرية اللجوء الى القضاء في حالة عدم التوصل الى حلول مقنعة لحل المنازعة (13).
رابعاً: التفاوض عن طريق طرف ثالث:
عملية الوساطة تتم عن طريق تدخل شخص ثالث من الغير يسمى الوسيط، حيث يلعب الدور الرئيسي في الوصول الى اتفاق بين طرفي النزاع ويتابع تنفيذ هذا الاتفاق حتى النهاية (14)، ويلزم فيمن يقوم بدور الوسيط في عملية الوساطة، أن تتوافر فيه عدة شروط ومن ضمنها أن تتوافر لديه الروح الإنسانية والرغبة في خدمة المجتمع واستقراره، فضلاً عن تمتعهُ بالمعرفة القانونية والنفسية التي تساعد في استنباط الحلول العلمية، ولكي يتسنى له القيام بهذا الدور، يجب أن يكون الوسيط مستقلاً ومحايداً ولا يجوز أن يكون حكماً في النزاع الجنائي إذا انتهت عملية الوساطة بالفشل(15). فللوسيط الجنائي دور رئيسي في عملية الوساطة الجنائية، حيث يتوقف عليه نجاح الوساطة من عدمه، ومن أجل ذلك يتعين أن تتوافر فيه الشروط أو المواصفات التي ذكرناها بغية تمكنه من تحقيق هذه الغاية (16).
خامساً: المقابل في الوساطة الجنائية:
إن العنصر المميز لنظام الوساطة الجنائية يتمثل في المقابل الذي يتم الاتفاق عليه بين أطراف النزاع، وهذا المقابل يتخذ صورة التدابير حيث إن كلاً من طرفي النزاع يقوم بتنفيذها بناءً على إرادته وحرية اختياره، أي أنها تتسم بالصفة الاختيارية، وهي بذلك تعد مختلفة عن العقوبة التي تم تنفيذها جبراً على الجاني(17)، وبهذا يعتبر المقابل من مستلزمات الوساطة الجنائية أو بالأحرى العنصر المميز لها(18)، وإن تدابير الوساطة الجنائية تتخذ أكثر من شكل، فقد تكون في صورة تعويض المجني عليه أو في صورة الالتزام بقواعد محددة للسلوك، وهذا ما سوف نتناوله تباعاً:
1- تعويض المجني عليه: إن تعويض المجني عليه يمكن أن يتمثل في صورة تعويض مادياً أو مالياً أو معنوياً. ويقصد بالتعويض المادي هو التزام الجاني بالقيام بعمل لصالح المجني عليه أو لصالح الجماعة، ويتخذ التعويض المادي أما شكل التعويض المباشر إذا ما تم لصالح المجني عليه، ويتمثل بصورة إعادة الشيء الى ما كان عليه قبل وقوع الجريمة، وتتميز هذه الصورة بالسرعة، وهي قريبة من فكرة التعويض العيني في القانون المدني(19)، ومع ذلك فهي لا تسلم من النقد لأنها في حالة عدم قناعة المجني عليه في مستوى أداء العمل فإن ذلك سيؤدي الى تجدد النزاع(20)، أو شكل أخر هو التعويض غير المباشر، ويكون كذلك إذا ما تم لصالح هيئة أو مؤسسة أو شخص معنوي عام أو خاص (21).
أما التعويض المالي فيقصد به قيام الجاني بدفع مبلغ من النقود للمجني عليه على سبيل التعويض، وبأي طريقة كانت سواء كان ذلك مباشرة، أو عن طريق وسيط، أو نقداً أو صك مقبول الدفع، أو بواسطة حوالة يتم دفعها مرة واحدة أو على أقساط(22)، ويقدم هذا الشكل من التعويض لأطراف الوساطة الجنائية بعض المزايا، وذلك لأن التفاوض يقتصر على الجانب المادي للنزاع دون الاهتمام بالآثار النفسية التي خلفتها الجريمة، وكذلك يتميز بالبساطة والمرونة، التي تبرز في إمكانية تقسيط مبلغ التعويض، وتحديده وفقاً لإمكانية الجاني المادية (23).
أما التعويض الرمزي (المعنوي)، فيعتبره البعض هو الأساس في مدى نجاح الوساطة الجنائية حيث يتمثل بصورة مواجهة بين الجاني والمجني عليه، ويكون هذا الشكل من التعويض ذو صور متعددة مثل الاعتذار الشفوي أو الكتابي، أو التعهد بحسن السير والسلوك أو الاعتراف والندم عما يكون قد صدر من سلوك شائن أو التزام بتنفيذ ما سبق صدوره من أحكام قضائية، فهو يمثل وسيلة فعالة تفض النزاع بين طرفي الخصومة الجنائية (24).
2- قواعد محددة للسلوك: لطرفا النزاع الاتفاق على أن يتضمن اتفاق الوساطة التزام الجاني بتنفيذ قواعد سلوكية معينة، وتتمثل هذه القواعد في قيام الجاني ببعض الالتزامات أو امتناع عن اتيانه تصرفات معينة مثل التزامه بعدم التعرض للمجني عليه أو عدم ارتياد أماكن معينة أو الاختلاط بأشخاص معينين أو الامتناع من تبادل مواد مخدرة أو كحولية وغيرها من الالتزامات التي ترمي الى عدم تكرار وقوع النزاع مستقبلاً، ولا شك في إن هذا النوع من القواعد السلوكية ذات دور إيجابي في اصلاح الجناة وإعادة تأهيلهم اجتماعياً(25).
____________
1- ويعني مصطلح العدالة الرضائية: بأنها إجراءات يتخذها أطراف النزاع في جرائم معينة يتشاورون فيما بينهم من أجل تذليل أثار الجريمة، فهي اجراء يتم بموجبه الاتفاق على وضع حد لحالة الاضطراب الناتج عن الجريمة ويتحقق ذلك عن طريق تعويض المجني عليه عن الضرر الذي أحدثته وإعادة تأهيل الجاني، وهي عملية يتعاون بموجبها أطراف الجريمة على حلها وتدارك الابعاد المستقبلية لها. ينظر: د. معتز السيد الزهري، نحو تأصيل نظرية عامة للعدالة الرضائية – دراسة تأصيلية تحليلية فلسفية مقارنة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2018، ص10.
2- د. رامي متولي القاضي، الوساطة في القانون الجنائي الاجرائي المقارن، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010، ص51 – 52.
3- بثينة خربوش، الوساطة في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة محمد خيضر – بسكرة، 2017، ص20 – 21.
4 - د. معتز السيد الزهري، نحو تأصيل نظرية عامة للعدالة الرضائية – دراسة تأصيلية تحليلية فلسفية مقارنة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2018، ص19.
5- د. عادل علي المانع، الوساطة في حل المنازعات الجنائية، بحث منشور في مجلة الحقوق، جامعة الكويت – كلية الحقوق، العدد الرابع، السنة الثلاثون، 2006، ص40.
6- د. محمد حكيم حسين الحكيم، العدالة الجنائية التصالحية في الجرائم الإرهابية – دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الإسلامي، الطبعة الأولى، دار الكتب القانونية، مصر، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر، 2009، ص70.
7- د. إبراهيم عيد نايل، الوساطة الجنائية (طريقة مستحدثة في إدارة الدعوى الجنائية) – دراسة مقارنة في النظام الاجرائي الفرنسي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001، ص37.
8- د. رامي متولي القاضي، الوساطة في القانون الجنائي الاجرائي المقارن، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010، ص49 – 50.
9- د. رامي متولي القاضي، الوساطة في القانون الجنائي الاجرائي المقارن، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010، ص51.
10- د. معتز السيد الزهري، مرجع سابق، ص8.
11- د. ايمان منصور ود. شريف عيد، الوساطة وفن التفاوض، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2017، ص55.
12- د. رامي متولي القاضي، مرجع سابق، ص50.
13- شروق عباس فاضل، النظام القانوني للوساطة، بحث منشور في مجلة جامعة تكريت للحقوق، العدد الثاني، السنة الأولى، كانون الأول، 2016، ص97.
14- د. طه احمد محمد عبد العليم، الصلح في الدعوى الجنائية، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2009، ص145.
15- صباح احمد نادر، التنظيم القانوني للوساطة الجنائية وإمكانية تطبيقها في القانون العراقي – دراسة مقارنة، بحث مقدم الى مجلس القضاء في إقليم كردستان العراق، 2014، ص5 – 6.
16- د. فايز عايد الظفيري، تأملات في الوساطة الجزائية بوصفها وسيلة لأنهاء الدعوى الجزائية، بحث منشور في مجلة الحقوق – جامعة الكويت، السنة33، العدد2، 2009، ص159.
17- د. رامي متولي القاضي، الوساطة في القانون الجنائي الاجرائي المقارن، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010، ص56.
18- د. محمد حكيم حسين الحكيم، مرجع سابق، ص71.
19- د. أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية ماهيته والنظم المرتبطة به – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004، ص370 – 371.
20- د. هشام مفضي المجالي، الوساطة الجزائية وسيلة غير تقليدية في حل النزاعات الجزائية – دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق – جامعة عين شمس، 2008، ص93.
21- د. رامي متولي القاضي، مرجع سابق، ص57.
22- علي اعذافة محمد، الوساطة الجنائية، رسالة ماجستير، كلية القانون – جامعة البصرة، 2015، ص11.
23- د. أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية ماهيته والنظم المرتبطة به – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004، ص372.
24- د. أسامة حسنين عبيد، مرجع سابق، ص372 – 373.
25- د. رامي متولي القاضي، مرجع سابق، ص58 – 59.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|