المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8117 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05



قاعدة « كلّ مسكر مائع بالأصالة نجس وحرام شربه » (*)  
  
4372   11:15 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج5 ص307 -326 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / قواعد فقهية متفرقة /

ومن القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « كلّ مسكر مائع بالأصالة نجس وحرام شربه ».

وفيها جهات من البحث :  

الجهة الأولى

في بيان المراد منها‌ :

فنقول : أما « المسكر » فقد اختلف كلمات الفقهاء واللغويّين في شرح مفهومه ، فقال في القاموس : سكر كفرح ، ثمَّ يذكر مصادر هذا الفعل ، ثمَّ يفسّره بأنّه نقيض صحى (1) ، ثمَّ يأتي في مادة الصحو ويقول الصحو : ذهاب الغيم والسكر (2) ، وهو عجيب ؛ لأنّه يحيل معرفة كلّ واحد منهما إلى معرفة الآخر ، وهذا دور إن كان مراده من هذا التفسير لهما تعريفهما ، ومثل هذا الأمر في كلام اللغويين كثير.

وقال في لسان العرب : السكران خلاف الصاحي ، والسكر نقيض الصحو ، والسكر ثلاثة : سكر الشاب ، وسكر المال ، وسكر السلطان (3).

وفي قوله تعالى : {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } [الحج: 2] سكارى بالضمّ جمع سكران ، فإنّ فعلان يجمع على فعالي بالضم ، وسكرهم عبارة عن دهشهم من هول العذاب ، فعقولهم ذاهبة من خوف العذاب ، فعرض عليهم حالة كحالة السكران واضطرابه.

وقال بعض الفقهاء : هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور السّر المكتوم ، وقيل : هو ما يغيّر العقل ويحصل معه نشو النفس.

وقيل في الفرق بينه وبين الإغماء : إنّ السكر حالة توجب اختلالا في العقل بالاستقلال ، والإغماء يوجبه بالتبع لضعف القلب واليد وقيل :

إنّ السكر حالة توجب ضعف العقل وقوة القلب ، والإغماء حالة توجب ضعفهما.

هذا ما ذكروه ، والذي يظهر من مجموع المعاني الذي ذكروه أنّ السكر هو وجود حالة في النفس توجب اضطرابا في الفكر ، وزوال مرتبة من العقل بحيث لو كانت هذه الحالة فيه دائمة من غير شرب المسكر لكانت فيه مرتبة من الجنون ؛ وذلك لأنّ تلك الحالة ربما توجب ارتكاب بعض القبائح والجرائم التي لا يصدر من العاقل.

نعم لا شكّ في أنّ هذه الحالة المذكورة تختلف بالنسبة إلى أشخاص شاربي المسكرات ، وأنواع نفس المسكرات ، وبالنسبة إلى القلّة وكثرة ما يشرب ، وبعض الجهات الأخر شدّة وضعفا.

والظاهر : أنّ مفهوم السكر مثل مفهوم الجنون والعقل من المفاهيم الواضحة عند كلّ أحد ، فلا يحتاج إلى التعريف ، بل هو أجلى من التعاريف التي ذكروها.

وإذا تبيّن معنى السكر ، فالمسكر هو الذي يكون شربه أو أكله سببا لوجود السكر ، فالمسكر من المشتقّات التي يكون مبدء الاشتقاق قائما بموضوعه قياما صدوريّا ، لا حلوليّا كالكاتب مثلا.

وأمّا المراد من المائع بالأصالة ، فهو أنّ الشي‌ء الذي يوجب وجود هذه الحالة على اختلاف مراتبها على قسمين : مائع ، وجامد ، فالمائع كأقسام الخمور والفقّاع وما يسمّونه العرق ، وغير ذلك ممّا ينطبق عليه هذا التعريف ، وكان في أصله مائعا ، لا أنّه صار مائعا بواسطة مزجه بالماء ، والجامد كالحشيش أو شي‌ء آخر إذا كان هناك شي‌ء آخر جامد بالأصل يوجب وجود هذه الحالة.

وإنّما خصّصنا الموضوع في هذه القاعدة وقيّدناه بكونه مائعا بالأصالة لأنّ ما ليس من المسكرات كذلك وإن صار مائعا بواسطة مزجه بالماء كالحشيش ليس بنجس إجماعا ، وأدلّة نجاسة المسكرات أيضا منصرفة عن المسكر الجامد بالأصالة ، كما سننبّه على هذا فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الجهة الثانية

في بيان الدليل على هذه القاعدة‌ :

وقبل ذلك نذكر الأقوال فيها ، فنقول :

المشهور عند الفقهاء قديما وحديثا هو نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة ، وخالف المشهور جماعة من القدماء والمتأخّرين من أصحابنا الإماميّة وغيرهم.

أمّا من الإماميّة : حكى عن العمّاني حسن وهو المشهور بابن أبي عقيل (4) وعن الصدوقين عليّ بن بابويه وابنه محمّد بن على ابن بابويه (5) ـ قدس سرّهما ـ ، ومن متأخّريهم المقدّس الأردبيلي (6) ، وصاحب المدارك (7) ، وصاحب الذخيرة السبزواريّ ، (8) ‌ ومشارق الشموس في شرح الدروس الخوانساري (9).

وأمّا من غير الإماميّة : فظاهر عبارة الفقه على المذاهب الأربعة (10) نجاسة المسكر المائع بالأصالة من غير نقل خلاف ، ويستدلّ على ذلك بأنّ كلّ مسكر خمر ، وكل خمر نجس.

أمّا إنّ كلّ مسكر خمر ؛ لقوله صلى الله عليه واله على ما رواه في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه واله : « كل مسكر خمر ، وكلّ خمر حرام » (11).

وأمّا إنّ كلّ خمر نجس ؛ لقوله تعالى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ } [المائدة: 90] فحمل الرجس على الخمر ، والمراد من الرجس هو النجس ؛ لأنّه معناه عند العرف.

وحكي القول بطهارة الخمر من ربيعة الرأي ، (12) وعلى كلّ حال لا شكّ في أنّ فتوى أكثر فقهاء الإسلام على النجاسة ، بل المخالف أي القائل بالطهارة منّا ومن غيرنا في غاية القلّة ، على كلام في النسبة إلى بعضهم.

ثمَّ بعد ما ظهر لك من الأقوال في المسألة ، الأوّل : الإجماع‌ نقلا وتحصيلا ، فهذا صاحب الجواهر الفقيه المتتبّع يقول : المشهور نقلا وتحصيلا ، قديما وحديثا ، بيننا وبين غيرنا شهرة كادت تكون إجماعا ، بل هي‌ كذلك النجاسة (13).

وعن البهائي في حبل المتين : أطبق علماء الخاصّة والعامّة على نجاسة الخمر ، إلاّ شر ذمّة منّا ومنهم لم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم (14) ‌.

وفي السرائر بعد أن نفى الخلاف عن نجاسة الخمر حكى عن ابن بابويه في كتاب له أنّ الصلاة تجوز في ثبوت أصابته الخمر ، قال : وهو مخالف لإجماع المسلمين (15) ‌.

وقال الشهيد في الذكرى : إنّ الصدوق وابن أبي عقيل والجعفيّ ـ أي القائلين بالطهارة ـ تمسّكوا بأحاديث لا تعارض القطعيّ (16) . ‌

وقال الشيخ في المبسوط : والخمر نجسة بلا خلاف ، وكلّ مسكر عندنا حكمه حكم الخمر ، وألحق أصحابنا الفقّاع بذلك (17) ‌.

وقال ابن زهرة في الغنية : والخمر نجسة بلا خلاف ممّن يعتد به ، وقوله تعالى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ } يدلّ على نجاستها ، وكلّ شراب مسكر نجس ، والفقّاع نجس بالإجماع ، (18) انتهى.

ثمَّ إنّ دعوانا الإجماع تحصيلا مبنيّ على عدم الاعتداد بهؤلاء المخالفين للقول بنجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة القائلين بالطهارة ، مع أنّ في أصل النسبة إليهم إشكالا كما ذكره في الجواهر (19) ‌.

والسرّ في عدم الاعتناء بمخالفة هؤلاء ـ إن صحّت المخالفة ـ أنّنا نقول بحجّيّة‌ الإجماع من باب أنّ اتّفاق هذا العدد الكثير من الفقهاء على حكم مع اختلاف أعصارهم وبلدانهم وسلائقهم ، وتعبّد جمع كثير منهم بالعمل بالأخبار المرويّة عن المعصومين وعدم اعتنائهم بالاستحسانات والظنون وعمل جمع آخر على طبق تلك الأمور ، وعدم مدرك من آية أو رواية يدلّ على ثبوت هذا الحكم الذي اتّفقوا عليه.

فيستكشف من مثل هذا الاتّفاق تلقّيهم هذا الحكم من المعصوم عليه السلام ، أو وجود دليل معتبر عند الكلّ كخبر قطعيّ الصدور وقطعيّ الدلالة ولكن نحن لم نجده لضياعه بطول الزمان.

وأنت خبير بأنّ مثل هذا المعنى لا يضرّ به مخالفة عدّة قليلة ، خصوصا إذا علمنا بأنّ اعتمادهم على أخبار ضعيفة معرضة عنها.

نعم هاهنا إشكال آخر على هذا الإجماع ذكرناه مرارا في هذا الكتاب في أمثال المقام ، وهو أنّ الاتّفاق الذي من المحتمل القريب أن يكون اعتمادهم على الآية الموجودة في المقام ، أو الروايات الموجودة كذلك ، بل صرّح بعضهم بذلك كما أنّ ما نقلناه عن ابن زهرة في الغنية من استدلاله بالآية على نجاسة الخمر بعد ادّعائه عدم الخلاف ممّن يعتدّ به ، فمثل هذه الإجماعات لا اعتبار لها ، ولا بدّ من مراجعة مداركها.

الثاني : قوله تعالى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] .‌

ولا يخفى أنّ الاستدلال بهذه الآية على نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة على تقدير دلالتها على نجاسة الخمر منوط بأحد هذه الأمور :

إمّا أن يكون كلّ مسكر خمرا حقيقة وموضوعا ، كما حكينا عن صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه واله أنّ « كلّ مسكر خمر » (20) ‌.

وإمّا يكون خمرا تنزيلا بلحاظ جميع الآثار من الحرمة والنجاسة وغيرهما ، أو بلحاظ خصوص هذا الأثر.

ولا يبعد احتمال الأوّل ؛ لأنّ الخمر بمعنى الستر ، ومنه خمار المرأة ، لأنّه يسترها ، ولا شكّ في أنّ كلّ مسكر يستر العقل على اختلاف مراتب الستر شدّة وضعفا ، حتّى أن في بعض أقسامها ربما يتخيّل من يراه ـ من ارتكاب القبائح ـ بأنّه مجنون ، ولا فرق في هذا المعنى بين ما يسمّونه خمرا حقيقة وبين سائر أقسام المسكرات على تقدير أنّ لا تكون خمرا في لغتهم ومحاوراتهم.

وأيضا على فرض أن لا تكون خمرا حقيقة لا شكّ في أنّ ظاهر قوله صلى الله عليه واله « كلّ مسكر خمر » عموم المنزلة أي في جميع الآثار ، وعلى فرض أن لا يكون ظاهرا في عموم المنزلة وكان التنزيل بلحاظ الأثر الظاهر ، لا شكّ في أنّ الأثر الظاهر للخمر عند المسلمين ليس خصوص الحرمة ، بل يكون هي الحرمة والنجاسة كلتاهما.

وإمّا أن يكون دليل على إلحاقه بالخمر حكما من إجماع أو غيره كعموم التعليل مثلا لو كان في رواية أنّ الخمر نجسة لأنّه مسكر ، فهذا يكون بمنزلة كبرى كلّية تدلّ على نجاسة كلّ مسكر ، فحينئذ لا بدّ وأن نقول بأنّ خروج المسكرات الجامدة بالأصل عن تحت هذا العموم بالإجماع أو بالانصراف.

وخلاصة الكلام : أنّ الآية أو الروايات على تقدير دلالتها على نجاسة الخمر تدلّ على نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة بأحد الوجوه المذكورة ، والمسكر الجامد بالأصالة خارج بما ذكرنا.

وأمّا الأخبار الواردة من طريق أهل البيت : بأنّ كلّ مسكر خمر ، فكثيرة.

فمنها : رواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : « كلّ مسكر حرام وكلّ مسكر خمر » (21).

ومنها : ما عن مجمع البيان في تفسير قوله تعالى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ) إلى آخره قال : يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر (22).

ومنها : ما عن تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسير الآية المذكورة عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام : « أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر ، وما أسكر كثيره فقليله حرام » (23).

ومنها : خبر عليّ بن يقطين ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : « إنّ الله سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر » (24).

ولكن ظاهر هذه الرواية هو التنزيل في الحرمة ، لا أنّه خمر حقيقة.

وبعد ما ظهر لك ما قلناه فتقريب دلالة الآية على نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة هو أنّ الرجس بمعنى النجس فتدلّ الآية على أنّ الخمر نجس ، وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ كلّ مسكر إمّا خمر حقيقة كما أنّه لم نستبعده ، أو حكما ، فيكون بمنزلة الخمر ؛ لقوله صلى الله عليه واله « كلّ مسكر خمر » أو لأنّ علّة نجاسة الخمر إسكارها ، وهذه العلة موجودة في كلّ مسكر.

فالعمدة إثبات أنّ الرجس بمعنى النجاسة العينيّة في متفاهم العرف ، وإثبات هذا الأمر خصوصا في هذه الآية مشكل ، أمّا أوّلا فلانّ الرجس كما يطلق على النجس كذلك يطلق على معان أخر :

قال في النهاية : الرجس القدر ، وقد يعبّر به عن الحرام ، والفعل القبيح ، والعذاب ، واللعنة ، والكفر.

وقال في القاموس : والرجس ـ بالكسر ـ القذر ، والمأثم ، وكلّ ما استقذر من العمل المؤدّي إلى العذاب ، والشكّ والعقاب والغضب (25) ‌.

فاستظهار هذا المعنى ـ أي كونه بمعنى النجاسة العينيّة ـ يحتاج إلى قرينة معيّنة لها من بين المعاني المذكورة ، وليس شي‌ء في البين ، بل القرينة على خلافه ، وهي وحدة السياق.

وذلك لأنّ ظاهر الآية هو أنّ الرجس خبر إنّما في جميع الفقرات ، لا أنّه خبر لخصوص الخمر ، ولا شكّ في أنّ الميسر والأنصاب والأزلام لا يمكن أن يكون رجسا بهذا المعنى ، فلا بد وأن يكون بمعنى قابلا للحمل على الجميع ، وهذا هو المراد بوحدة السياق.  

والظاهر أنّ ذلك المعنى الذي هو قابل للحمل على الجميع هو المأثم الذي ذكره في القاموس ، أو الحرام الذي ذكره في النهاية ، والظاهر أنّهما واحد ، وعلى كلّ حال فلا تكون الآية مربوطة بمحلّ الكلام.

وأيضا قوله تعالى {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]لا يناسب هذا المعنى ، لأنّ نجاسة الخمر كنجاسة سائر النجاسات العينيّة من الأحكام الشرعيّة وليست عملا للشيطان ، نعم شربه رجس ، أي حرام ومن عمل الشيطان.

فالإنصاف : أنّ الاستدلال بهذه الآية على نجاسة الخمر لا مجال له ، وإن استدلّ بها بعض القدماء كابن زهرة في الغنية ، (26) وقد تقدّم عبارته.

الثالث : الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليه السلام: وهي العمدة في المقام ، وهي على طائفتين : إحداهما تدلّ على النجاسة. والأخرى على الطهارة.

أمّا الطائفة الأولى :

فمنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل لحم الجري أو يشرب الخمر فيردّه أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟

قال عليه السلام : « لا يصلّى فيه حتّى يغسله » (27).

ومنها : ما رواه خيران الخادم قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه ، أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم :

صلّ فيه فإنّ الله إنما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلّ فيه؟ فكتب عليه السلام : « لا تصل فيه فإنّه رجس » (28).

ومنها : ما عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض من رواه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك » (29).

ومنها : رواية هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الفقّاع؟ فقال : « لا تشربه فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله » (30).

ومنها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث النبيذ قال : « ما يبل الميل ينجس حبّا من ماء يقولها ثلاثا » (31).

ومنها : رواية عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا تصلّ في بيت فيه خمر ولا مسكر لأنّ الملائكة لا تدخله ، ولا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله » (32).

وهذه الرواية صريحة في أنّ النجاسة ليست مختصّة بالخمر على فرض أن يكون الخمر اسما لمسكر خاصّ ، ولا يشمل سائر المسكرات ، وذلك لعطفه عليه السلام كلمة مسكر على الخمر بأو .

ولا شكّ في أنّ الأمر بالغسل في جميع هذه الروايات ظاهر في الوجوب ، وأيضا لا شكّ في أنّ وجوب الغسل من اللوازم الشرعيّة للنجاسة ، فيكون دليلا على نجاسة الخمر.

فهذه الروايات كلّها تدلّ على نجاسة الخمر ، بل على نجاسة كلّ مسكر ، خصوصا رواية عمّار كما عرفت.

ومنها : رواية زكريّا بن آدم ، فقال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير؟ قال عليه السلام : « يهراق المرق أو يطعمه‌ أهل الذمّة أو الكلب واللحم اغسله وكله » إلى آخر الحديث (33).

والروايات التي تدلّ على نجاسة الخمر وكلّ مسكر كثير ، وعدّها بعضهم وأنهاها عشرين ، ولو كانت هذه الروايات هي وحدها لم يكن شكّ في نجاسة الخمر بل كلّ مسكر بالأصالة.

ولكن هناك روايات أخر أيضا كثيرة تدلّ على طهارتها :

منها : رواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أصاب ثوبي نبيذ أصلّي فيه؟ قال : « نعم ». قلت : قطرة من نبيذ قطر في حب أشرب منه؟ قال : « نعم ، إنّ أصل النبيذ حلال وإنّ أصل الخمر حرام » (34).

قال في الوسائل : حمله الشيخ ; على النبيذ الذي لا يسكر. أقول : الإنصاف أنّه حسن لا بأس به (35) ‌.

ومنها : صحيحة ابن أبي سارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ أصاب ثوبي شي‌ء من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله؟ قال عليه السلام : « لا بأس ، إنّ الثوب لا يسكر » (36).

ومنها : موثّقة ابن بكير ، قال : سأل رجل أبا عبد الله وأنا عنده عن المسكر‌ والنبيذ يصيب الثوب؟ قال : « لا بأس » (37).

ومنها : صحيحة عليّ بن رئاب المرويّة عن قرب الإسناد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلّي فيه؟ قال عليه السلام :

« صلّ فيه ، إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر ، إنّ الله تبارك وتعالى إنّما حرّم شربها » (38).

ومنها : رواية الحسين بن موسى الحنّاط قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشرب الخمر ثمَّ يمجّه من فيه فيصيب ثوبي؟ قال عليه السلام : « لا بأس » (39) .

ومنها : رواية حسن بن أبي سارة قال : قلت لأبي عبد الله : إنّا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون ، فيمرّ ساقيهم ويصبّ على ثيابي الخمر؟ فقال : « لا بأس به ، إلاّ أن تشتهي أن تغسله لأثره » (40).

ومنها : رواية حفص الأعور قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الدنّ يكون فيه الخمر ثمَّ يجفّف ويجعل فيه الخلّ؟ قال : « نعم » (41).

ومنها : مرسلة الصدوق ، قال : سئل أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام فقيل لهما : إنّا نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها ، أفنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا : « نعم لا بأس ، إنّ الله حرّم أكله وشربه ولم يحرم لبسه ولمسه والصلاة فيه » (42).

ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام أنّه سئل عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه ، هل يصلّي فيه قبل أن يغسل ثوبه؟ قال :

« لا يغسل ثوبه ولا رجله ، ويصلّي فيه ولا بأس » (43) ‌.

ومنها : رواية عليّ الواسطي قال : دخلت الجويرية ـ وكانت تحت موسى بن عيسى ـ على أبي عبد الله عليه السلام وكانت صالحة ، فقالت : إنّي أتطيّب لزوجي فنجعل في المشطة التي أتمشط بها الخمر وأجعله في رأسي ، قال : « لا بأس » (44).

ولا شكّ في أنّ بين هاتين الطائفتين من الروايات تعارض مستقرّ مستحكم ، ولا يمكن الجمع بينهما عرفا ، وإن كان من الممكن الخدشة في دلالة بعض روايات هذه الطائفة الأخيرة الدالّة على الطهارة تركنا ذكرها لعدم خفائها على المتضلّع الخبير ، ولأنّه ذكر أغلبها الآخرون.

ولكن مع ذلك كلّه لا يمكن إنكار دلالة مجموعها على الطهارة ، ولا إنكار حجيتها ، فلا بدّ من الرجوع إلى مرجّحات باب التعارض.

ورجّح البعض أخبار النجاسة ؛ لمخالفتها مع فتوى ربيعة الرأي (45) الذي كان في زمان الصادق عليه السلام وذلك لحمل أخبار الطهارة على التقيّة لموافقتها مع فتوى ربيعة الذي كان يؤيّده سلطان الوقت ، وذلك لأنّ الفتوى المخالف لفتوى ربيعة من الإمام‌ الصادق عليه السلام كان بعنوان أنّه إمام ومذهب مقابل سائر مذاهب المسلمين.

وهذا هو الذي كان يضرّ بسلاطين الوقت ، وكان الإمام الصادق عليه السلام كثيرا ما يأمر بإخفاء أمرهم ، وكان عليه السلام يخاف من ظهوره ؛ ولذلك ترى الأئمّة : كانوا يفتون طبق فتوى مفتي عصرهم وزمانهم لأجل هذه الجهة ، وإن كان رأي أغلب المخالفين لنا مخالفا للفقيه المعاصر معهم ، فحمل أخبار الطهارة على التقيّة مع أنّ أغلب المخالفين يفتون بالنجاسة ليس بعيدا عن الصواب كثيرا.

ولكن مع ذلك رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة التي يطمئن الإنسان بصدورها إجماعا عن الإمام عليه السلام مع أنّ الطائفة الأخرى المعارضة لها موافقة مع أغلب المخالفين لنا لأجل الاحتمال المذكور ممّا لم تركن النفس إليه ، ولا تطمئن به.

ورجّح البعض أخبار النجاسة ؛ لأجل موافقتها مع المشهور الشهرة التي كادت أن تكون إجماعا.

وفيه : أنّ الشهرة التي من المرجّحات هي على الظاهر الشهرة الروائيّة ، وهي أن يكون نقل الرواية مشهورا بين أصحابنا الإماميّة رضوان الله عليهم.

وأمّا الشهرة العمليّة الفتوائيّة تكون موجبة لجبر ضعف السند ، كما أنّ إعراض الأصحاب عنها يكون سببا لوهنه ، بل كلّما ازداد صحّة ازداد وهنا. وفيما نحن فيه كلتا الطائفتين مشهورتان من حيث الرواية ، ورواهما أصحاب الكتب المعتبرة وأرباب الجوامع العظام.

وأمّا مسألة الإعراض والفتوى على خلافها ، فلعلّه ليس من جهة عدم الاعتماد على سندها ، بل للتصرّفات في دلالتها ، أو لحملها على التقيّة كما تقدّم بيانه ، فمثل هذا الإعراض لا يوجب وهنها.

نعم هاهنا روايتان وردتا في مقام علاج التعارض بين هاتين الطائفتين ، وبأية واحدة يأخذ ويجب العمل بها‌ إحداهما رواية خيران الخادم التي تقدّم ذكرها ، وهي أنّه قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه ، أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم صلّ فيه فإنّ الله حرّم شربها ، وقال بعضهم لا تصلّ فيه فكتب : « لا تصلّ فيه فإنّه رجس ».

ففي مقام الجواب عن السؤال عن العلاج بين الطائفتين المتعارضتين رجّح عليه السلام الطائفة الدالّة على النجاسة. ولا يمكن أن يقال إنّ هذه الرواية أيضا داخلة في الطائفة المتعارضة الدالّة على النجاسة ، لأنّ ورود هذه الرواية في العلاج بين الطائفتين بعد فرض وجودهما ، فتكون في الرتبة المتأخّرة عن وجودهما ، فلا يمكن أن تكون داخلة في إحداهما.

وكذلك صحيح علىّ بن مهزيار قال : قرأت في كتاب عبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنّهما قالا : لا بأس بأن تصلّي فيه إنّما حرّم شربها ، وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك ، فأعلمني ما آخذ به؟ فوقّع عليه السلام بخطّه وقرأته : « خذ بقول أبي عبد الله عليه السلام » (46) ‌.

وهذه الرواية أيضا كالأولى صريحة في تقديم إحدى الطائفتين ، وهي الطائفة الدالّة على النجاسة ، على الأخرى فبملاحظة هاتين الروايتين يتعيّن الأخذ بأخبار النجاسة ، وترك الطائفة الأخرى وردّ علمها إلى أهلها ، أو حملها على التقيّة بما ذكرنا. والإنصاف أنّ مع هذا الاتّفاق من فقهاء الإسلام قاطبة إلاّ الشّاذ ممّن لا يعتدّ بخلافهم وهذه الروايات التي ذكرناها وأنّها صحاح واضح الدلالة على النجاسة ، وهاتين‌ الروايتين في مقام علاج التعارض بين الطائفتين ، لا يبقى شكّ للفقيه في نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة.

تتميم‌ :

وهو أنّه هذا المطهّر الطّبي ، أي المائع المعروف باسبرتو هل هو نجس ـ بعد الفراغ عن نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة ـ أم لا؟ فالبحث يكون فيه صغرويا وأنّه هل هو نوع من أنواع المسكر المائع بالأصالة أم لا؟

فبناء على هذا ليست هذه المسألة من المسائل الفقهيّة ، وليس معرفتها من وظيفة الفقيه بما هو فقيه ، بل لا بدّ وأن يرجع فيها إلى أهل الخبرة في هذا الفن.

نعم حكم الشكّ في أنّه هل هو من المائع المسكر بالأصالة أو ليس منه راجع إلى الفقيه ، ولا شكّ في أنّ في الشبهة الموضوعيّة لما هو النجس المرجع هو أصل الطهارة إن لم يكن دليل حاكم في البين ، وكذلك في الشبهة الحكميّة إذا كان منشأ الشكّ هو إجمال المفهوم الذي جعل موضوعا للنجاسة من جهة الشكّ في سعته وضيقه.

فإذا شككنا في هذا المائع المعروف والمطهّر الطبي المسمّى باسبرتو هل يطلق عليه المسكر المائع بالأصالة إطلاقا حقيقيّا بحيث لا يصح سلب هذا العنوان عنه ، وكان منشأ الشكّ عدم الإحاطة بحدود مفهوم المسكر المائع بالأصالة ، أي لم نتحقّق المفهوم العرفيّ من هذا العنوان أنّه هل هو خصوص ما يكون صالحا للشرب فعلا من دون احتياجه إلى علاج ، وإن كان ذلك العلاج مزجه بالماء ، فلا يطلق على هذا المائع المعروف إطلاقا حقيقيّا ، أو أعمّ منه وممّا يصير صالحا للشرب والإسكار ، وإن كان صلاحيّته للأمرين ـ أي الشرب والإسكار ـ يحتاج إلى العلاج ، وإن كان بمزجه بالماء. فإذا حصل مثل هذا الشكّ ، ولم يقم دليل على أحد الطرفين ، فالمرجع هي أصالة الطهارة. وحيث أنّ ظاهر أدلّة نجاسة المسكر المائع بالأصالة هو كون المائع بالفعل‌ صالحا للشرب وموجبا للإسكار من دون الاحتياج إلى علاج ولو بمزجه بالماء ، فيكون مقتضى ظاهر الأدلّة عدم نجاسته من هذه الجهة ، وقد عرفت أنّه لو شككنا أيضا مقتضى الأصل هي الطهارة.

وأمّا إنكار إجمال المفهوم وأنّه عبارة عمّا يكون صالحا للشرب والإسكار ، وإن كان بعلاج ، فالإنصاف أنّه مكابرة ، وقد حكى لي بعض الثقات من أهل الفنّ أنّ هذا المائع الذي يسمّى الآن بأسبرتو ويستعمله الأطبّاء لتطهير الإبر وأدوات وآلات تطعيم الأدوية وتزريقها في بدن المرضي ، ليس ممّا يشرب ، وإنّما هو يعدّ من جملة السموم الخفيفة.

نعم فيه قوّة الإسكار بالمرتبة الشديدة ، وبمزجه بالماء تخفّ عاديته ، وربما يكون صالحا لشرب بعض مدمني الخمور ولكن بعد مزجه بالماء ، وقبل المزج ليس صالحا للشرب لأيّ شخص كان.

وأنت خبير بأنّ مدمني الخمور والمكثرين لشرب ألكل لمدّة طويلة بالأخرة يتسمّم بدنهم ، فعدم تأثيره فيهم من هذه الجهة ، لا أنّه يصير من المشروبات العادية كسائر المسكرات التي يشربها شاربوا الخمر والمسكرات.

وقد حكى لي أيضا أنّ بعض المفرطين في شرب الأفيون وبلعها بالأخرة انجرّ أمره إلى أن حبس حيّة سامّة في جعبة وكان يعرض نفسه للدغها كي ينوب عن سمّ الأفيون الذي تعوّد بشربه ، وكان لم يجده لعوز المال ، فمثل هذه الموارد الشاذّة لا توجب صدق المسكر على هذا المائع المعروف باسبرتو.

مضافا إلى أنّه لو كان من مصاديق المسكر حقيقة تكون الأدلّة منصرفة عنه ، لأنّ الظاهر والمتفاهم العرفيّ من قوله تعالى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } [المائدة: 90] هو المسكر المعروف الذي كان المتعارف شربه‌ بين شرّاب الخمور ، وأمّا مثل هذا المائع الذي لا يشربه أحد إذ ليس صالحا للشرب عندهم ، فلفظ الخمر منصرف عنه ، وإن قلنا بأنّ الخمر اسم لكلّ مسكر.

وأمّا عموم التعليل بأنّ حرمة الخمر ليست لاسمها ، بل لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر ، فالظاهر أنّه تعليل للحرمة وتنزيل لما كان عاقبته الخمر منزلة الخمر في خصوص الحرمة ، لا في جميع الآثار حتّى النجاسة.

هذا مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذا التعليل راجع إلى المائعات التي يتعارف شربها بين شرّاب المسكرات ، وأمّا المائع الذي لا يشربه أحد فخارج عن موضوع الكلام ، فهو عليه السلام بصدد بيان أنّ اسم الخمر لا خصوصيّة له في هذا الحكم ، بل كلّ مائع من هذه الأشربة التي يشربونها إذا كان مسكرا يكون مثل الخمر حراما ، وإن لم يسمّ بالخمر ، فمثل الفقّاع والنبيذ المسكرين يكونان بحكم الخمر ، وإن لم يطلق عليهما لفظ الخمر.

وخلاصة الكلام : أنّ الفقيه المتأمّل ربما يقطع بخروج مثل هذا المائع عن موضوع أدلّة نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة ، ولا أقلّ من الشكّ ، فلا تشمله الإطلاقات والعمومات التي تدلّ على نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة ، فيكون مجرى لأصالة الطهارة. والله هو العالم بحقائق الأحكام وجميع الأمور. عصمنا الله عن الخطاء والزلل.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

____________

(*) « مستقصى مدارك القواعد » ص 100.

(1) « القاموس المحيط » ج 2 ، ص 45 ( سكر ).

(2) « القاموس المحيط » 4 ، ص 507 ( صحر ).

(3) « لسان العرب » ج 4 ، ص 372 ( سكر ).

(4) نقله عنه في « المعتبر » ج 1 ، ص 422.

(5) « الفقيه » ج 1 ، ص 74 ، باب ما ينجّس الثوب والجسد ، ذيل ح 167 ؛ « علل الشرائع » ص 357.

(6) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 1 ، ص 309.

(7) « مدارك الأحكام » ج 2 ، ص 292.

(8) « ذخيرة المعاد » ص 153.

(9) « مشارق الشموس » ص 326.

(10) « الفقه على المذاهب الأربعة » ج 1 ، ص 15.

(11) « صحيح مسلم » ج 4 ، ص 245 ، باب بيان أنّ كلّ مسكر خمر ... ، ح 2003.

(12) « انظر : « المجموع » ج 2 ، ص 563 ؛ « فتح العزيز » ج 1 ، ص 156 ؛ « تفسير القرطبي » ج 6 ، ص 288 ؛ « مغني المحتاج » ج 1 ، ص 77 ؛ « الميزان » ج 1 ، ص 105.

(13) « جواهر الكلام » ج 6 ، ص 2.

(14) « الحبل المتين » ص 102.

(15) « السرائر » ج 1 ، ص 178.

(16) « ذكري الشيعة » ص 14.

(17) « المبسوط » ج 1 ، ص 36.

(18) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 550.

(19) « جواهر الكلام » ج 6 ، ص 3.

(20) « صحيح مسلم » ج 4 ، ص 245 ، باب بيان أنّ كلّ مسكر خمر ... ، ح 2003.

(21) « الكافي » ج 6 ، ص 408 ، باب أنّ رسول الله ـ 6 ـ حرّم كلّ مسكر. ح 3 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 111 ، ح 482 ، باب الذبائح والأطعمة ، ح 217 ؛ « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 260 ، أبواب الأشربة المحرّمة ، باب 15 ، ح 5.

(22) « مجمع البيان » ج 2 ، ص 239.

(23) « تفسير القمّي » ج 1 ، ص 180 ؛ « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 222 ، أبواب الأشربة المحرّمة ، باب 1 ، ح 5.

(24) « الكافي » ج 6 ، ص 412 ، باب أنّ الخمر انما حرمت لفعلها ... ، ح 2 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 112 ، ح 486 ، باب الذبائح والأطعمة ، ح 221 ؛ « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 273 ، أبواب الأشربة المحرّمة ، باب 19 ، ح 1.

(25) « القاموس المحيط » ج 2 ، ص 227 ( رجس ).

(26) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 550.

(27) « الكافي » ج 3 ، ص 405 ، باب الرجل يصلّي في الثوب ... ، ح 2 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 20 ، ص 361 ، ح 1494 ، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان ، ح 26 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 393 ، ح 1498 ، باب الصلاة في الثوب الذي يعار لمن يشرب الخمر ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1054 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 1.

(28) « الكافي » ج 3 ، ص 405 ، باب الرجل يصلّي في الثوب ... ، ح 5 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 279 ، ح 819 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 106 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1055 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 4.

(29) « الكافي » ج 3 ، ص 405 ، باب الرجل يصلّي في الثوب ... ، ح 4 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 278 ، ح 818 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 105 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 189 ، ح 661 ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1055 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 3.

(30) « الكافي » ج 6 ، ص 423 ، باب الفقاع ، ح 7 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1056 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 5.

(31) « الكافي » ج 6 ، ص 413 ، باب اضطر إلى الخمر للدواء ... ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1056 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 6.

(32) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 278 ، ح 817 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 104 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1056 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 7.

(33) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 279 ، ح 820 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 107 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1056 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 8.

(34) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 279 ، ح 821 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 108 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 189 ، ح 663 ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح 4 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1056 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 9.

(35) « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1057 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ذيل ح 9.

(36) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 280 ، ح 822 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 109 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 189 ، ح 664 ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح 5 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1057 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 10.

(37) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 280 ، ح 823 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 110 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 190 ، ح 665 ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح 6 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1057 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 11.

(38) « قرب الإسناد » ص 76 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1058 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 14.

(39) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 280 ، ح 825 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 112 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 190 ، ح 667 ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح 8 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1059 ، أبواب النجاسات ، باب 39 ، ح 2.

(40) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 280 ، ح 824 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 111 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1057 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 12.

(41) « الكافي » ج 6 ، ص 428 ، باب الخمر تجعل خلاّ ، ح 2 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 117 ، ح 503 ، باب الذبائح والأطعمة ، ح 238 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1074 ، أبواب النجاسات ، باب 51 ، ح 2.

(42) « الفقيه » ج 1 ، ص 248 ، باب ما يصلّى فيه وما لا يصلّى فيه من الثياب ، ح 751 ؛ « علل الشرائع » ص 357 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1057 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 13.

(43) « الفقيه » ج 1 ، ص 8 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 7 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 418 ، ح 1321 ، باب المياه وأحكامها ، ح 40 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 108 ، أبواب الماء المطلق ، باب 6 ، ح 2.

(44) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 123 ، ح 530 ، باب الذبائح والأطعمة ، ح 265 ؛ « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 304 ، أبواب الأشربة المحرّمة ، باب 37 ، ح 2.

(45) انظر : « المجموع » ج 2 ، ص 563 ؛ « فتح العزيز » ج 1 ، ص 156 ؛ « تفسير القرطبي » ج 6 ، ص 288 ؛ « مغني المحتاج » ج 1 ، ص 77.

(46) « الكافي » ج 3 ، ص 407 ، باب الرجل يصلّي في الثوب ... ، ح 14 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1055 ، أبواب النجاسات ، باب 38 ، ح 2.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.