أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-12-2016
2296
التاريخ: 19-10-2016
1899
التاريخ: 22-9-2016
2041
التاريخ: 1-12-2016
2645
|
دخل العراق في الألف الثالث قبل الميلاد جيل من العرب يُعرف بالعموريين، زحفوا من الجزيرة العربية في سوريا إلى العراق، ويظهر أن الأكديين حين فقدوا نفوذهم السياسي، واشتد خلافهم مع السومريين، ورأوا اضمحلال دولتهم استنجدوا بالعموريين؛ فقدم هؤلاء عليهم بسيول جرارة، سائرين مع الفرات مخلين سهل شنعار بمدنه وقراه، وفي سنة 2005 قبل الميلاد احتلوا ،بابل، وكانت قرية لطيفة أعجبتهم بحسن موقعها وطيب مناخها، فاعتنوا بها، وجعلوها عاصمة مملكتهم حتى عُدَّت في فترة قصيرة مدينة عظيمة، وتتابع على بابل نفر من الأملاك كان أعظمهم سادسهم الملك حمورابي الذي حكم البلاد من سنة 1948 إلى سنة 1905 قبل الميلاد، فوحد العراق، وقضى على العيلاميين الذين احتلوا بلاد السومريين، كما استولى على أراضي آشور والفرات، ووصل إلى البحر الأبيض المتوسط، وكان عهده الذي دام ثلاثة وأربعين عامًا من أزهر عصور بلاد الرافدين، ثم خلف من بعده ملوك لم يستطيعوا أن يتمموا ما بدأ به وما شيَّد، فأخذت الإمبراطورية البابلية تنحدر قليلا فقليلا حين ثار الكاشيون من سكان سواحل الخليج العربي وجبال إيران على الدولة البابلية، واقتطعوا منها جزءًا، كما تقدم الحثيون من سكان آسيا الصغرى إليها، واستولوا على جزء آخر منها، ولم يستطع الملك شمسوديتاثا الوقوف أمام الغزو الحثي؛ فسقطت بابل في يد الحثيين القساة، وأمعنوا فيها تخريبا وسلبًا. وقد اغتنم الكاشيون في الجنوب فرصةً انشغال الحثيين في الشمال بالسلب والنهب والتخريب، فأغاروا عليهم واستولوا على بابل، وطردوهم من البلاد، وأقاموا أنفسهم حُكامًا على الديار البابلية في سنة 1750 قبل الميلاد. وكان استيلاء الكاشيين هؤلاء سببًا من أهم أسباب التأخر العمراني والانحطاط السياسي في البلاد، وخسرت بابل مركزها العالمي الذي لم تستطع أن تسترده إلا في أيام الكلدانيين بعد عصور. وقد ظل الكاشيون مسيطرين على البلاد إلى أن طردهم الآشوريون منها، وضموها إلى مملكتهم، وعلى الرغم من أن بابل قد حاولت عدة مرات التخلص من النفوذ الآشوري، فإنها لم تستطع الإفلات من أيدي الآشوريين، وظلت خاضعة لحكمهم إلى أن سقطت مدينة نينوى وقد بلغت بلاد الرافدين في عهد البابليين حدا رفيعا في العلم والحضارة تممت به ما بدأه السومريون الأكديون من قبل، وغدت هذه الديار سيدة دول الدنيا، وركيزة حضارات آسيا وأفريقيا وأوروبا؛ فقد وجد البابليون قبلتهم في بلاد الرافدين حضارة راقية في عمرانها وعلمها وفنها وهندستها وزراعتها وصناعتها وتجارتها وقوانينها وأنظمة حكومتها، فأكملوا ذلك وتمموا من عندهم ما لم يجدوه عن أسلافهم من السومريين والأكديين، ولولا الحضارتان القديمتان في «أكد» و «سومر»، لما استطاع البابليون أن يُبدعوا ذلك الإبداع الخلاق في حضارتهم خلال أربعة قرون؛ لأن دولتهم قامت – كما رأينا حوالي أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، وبلغت أوجها في عهد حمورابي أوائل الألف الثاني قبل الميلاد. وإن أجلَّ آثار البابليين في حضارتهم هو العلم بمظاهره كلها، من تأليف وبحث وتطور وترجمة وكتابة يقول جرجي زيدان في وصف أقدم مكتبة في العالم عُثِر عليها في بابل: عثر النقابون على قرميدة بابلية عليها كتابة مسمارية فيها قائمة بأسماء ملوك بابل منذ أكثر من ستين قرنًا، ويدل ذلك على قدم التمدُّن في ذلك البلد المبارك، وفي جملة أولئك الملوك ملك اسمه «شرجينا»، وكان مُحبًّا للعلم والعلماء، راغبًا في العمارة، أنشأ مكتبة في «الوركاء» من أعمال العراق سماها مدينة الكتب، وعهد إلى رجال من خاصته في جمع الكتب قديمها وحديثها، وأن يفسروا بعضها بالترجمة أو التعليق واستعان بالعلماء من سائر الأقطار لينقلوا علوم الآخرين إلى لسانهم وتدوين علومهم، واشتغل آخرون بالشرح والتعليق، كما فعل بطليموس فيلادلفوس بالإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد، وكسرى أنوشروان في جنديسابور في القرن الخامس للميلاد، وكما فعل الرشيد والمأمون في بغداد في القرن الثاني والثالث للهجرة. وقد دوّن «شرجينا» هذه العلوم بالحرف المسماري نقشا على الطين، وهي القراميد الآشورية المعروفة، فكانت مكتبة «وركاء هذه مملوءة بالكتب اللغوية والفلكية والشرعية والأدبية وغيرها، ثم نسخت بعد إنشائها بخمسة عشر قرنًا بأمر من أمير آشوري، وحفظت في دار خاصة بها كما تُحفظ المكاتب اليوم، وعثر النقابون بالأمس على بقايا هذه المكتبة بين النهرين، ونقلوها إلى المتحف البريطاني في لندن، فهي هناك إلى هذه الغاية (1). فمكتبة «وركاء» هذه أول مكتبة بل دار كتب في العالم اهتم بها الملوك والعلماء البابليون، فزودوها بنتائج تراثهم العلمي، وخير بحثهم العقلي، ونقلوا إليها مباحث قرائح العالم القديم، ولا ريب في أنه قد كان إلى جانب هذه الدار العمومية دور كتب خصوصية جمعها علماء الدولة وكتابها ومؤلفوها وأغنياؤها وأمراؤها، ولا عجب إذن أن نقول إن بحوث الأدب والعلم والتشريع قد ازدهرت في أيام البابليين ازدهارا مدهشا. أما الأدب، فقد ضربوا فيه بسهم كبير، وخلَّفوا لنا آثارًا رائعة من الأدب الديني، من شعر ونثر، ومن القصص الوعظي المنظوم على ألسنة الحيوان، الذي انتقل إلى اليونان عن طريق أيسوب؛ ذلك الأسير الشرقي الذي عاش في البيئة اليونانية، ومن القصص الشعري المسرحي الذي يتجلى بأروع مظاهره في «ملحمة جلجامش». وأما العلم، فقد أبدعوا فيه أشياء كثيرة؛ منها علم التاريخ وسير الأولين، وقد برعوا في هذا العلم، وعرفوا كثيرًا من تاريخ الإنسانية الأولى من بدء الخليقة وتكون العالم، وأحوال كثير من الأمم والشعوب والمدن والأقوام، وأحوالهم ممَّن سبقوهم أو عاصروهم في شتى بقاع الأرض ؛ ومنها «علم اللغة»، فقد اهتموا بدراسة سنون لغتهم من نحو وصرف وعَرُوض وبيان وما إلى ذلك؛ ومنها علم الطب»، فقد توصلوا فيه إلى معرفة كثير من العلل ومداواتها ومعرفة النباتات والأدوية والعقاقير والأطعمة الصحية المفيدة والأطعمة الضارة ، وقد تضمنت شريعة حمورابي كثيرًا من آداب الطب وشرائط الأطباء، وما يجب للمرضى وعليهم ؛ ومنها «علم الفلك»، فقد ازدهر على أيديهم وتقدم تقدما باهرا، واعترف اليونان لهم بهذا العلم والتقدم فيه، وبأنهم أصحاب الفضل في معرفة كثير من نظرياته، ولا تزال الإنسانية تتمتع بفضل مكتشفاتهم وبحوثهم فيه، فهم الذين عرفوا النجوم الثابتة والنجوم المتحركة، ورسموا لها الخرائط والمخططات، وبنوا طرائق سيرها، وحددوا مواضع الفلك، وأمكنة الكواكب، وعرفوا الأبراج الاثني عشر، وأدركوا الفرق بين الدورة الشمسية والسنة القمرية، وقسموا الشهر إلى أربعة أسابيع، واليوم إلى اثنتي عشرة ساعة، والساعة إلى ستين دقيقة. وأما التشريع، فقد بلغوا فيه درجة رفيعة جد سامية تدل على ما وصلوا إليه من سعة في الثقافة وتنظيم في العقل، وسمو في التشريع؛ وأوضح دليل على ذلك هو قانون حمورابي، وإن الإنسان ليُدهش أمام ذلك العقل العربي الذي أبدع هذا القانون الرفيع، الذي إذا قورن بقوانين الرومان التي صيغت في أزهى عصورهم في القرن الثالث قبل الميلاد، تبين الفرق الشاسع بينه وبين القوانين الرومانية السطحية، على الرغم من الزمن السحيق الذي صيغت فيه مواد قانون حمورابي، وهو القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد.
.....................................
1- تاريخ آداب اللغة العربية، لجرجي زيدان، 1 :12.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|