المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23

معنى كلمة عمد
17-12-2015
النسخ في آية الإرث
2023-05-18
توليد الطاقة من الرياح بواسطة شجرة صناعية
20-9-2016
أمثلة على الاتفاقيات المائية
31-12-2015
Protein Synthesis
28-10-2015
سلطة القاضي في تقدير الجزاء الجنائي
20-4-2017


الخصائص الحضارية لحضارة وادي الرافدين  
  
9391   10:27 صباحاً   التاريخ: 1-12-2016
المؤلف : محمد حرب وعيد مرعي.
الكتاب أو المصدر : دول وحضارات الشرق العربي القديم
الجزء والصفحة : ص 76-86.
القسم : التاريخ / العصر البابلي القديم /

العصر السومري القديم:

1- فجر التاريخ في أرض الرافدين:

منذ تكوين المجتمعات الزراعية الأولى منذ الألف الثامن ق.م اخذت شعوب الشرق الأدنى القديم التي كانت تحمل ملامح النموذج المتوسطي المشابه لملامح العناصر الحالية، تستقر على سفوح الجبال المحيطة بالسهل الرافدي.

وقد أخذت هذه الجماعات تؤسس لنفسها نظاما اقتصاديا يقوم على الزراعة والرعي محل نظام جمع الطعام. ولكن يبدو ان الوسائل البسيطة التي كان يملكها الناس للمحافظة على وجودهم لم نكن لنسمح لهم بالتوسع أكثر نحو السهول لاحتلالها ولذا كانوا يفضلون التحصن بالمرتفعات والامتناع بها. وأقاموا على الهضاب التي كانت تتلقى نسبة من الأمطار تكفي لمحصول مناسب. ويمكن التعرف على آثار هذه الجماعات في مناطق كثيرة من فلسطين وسورية وشمال العراق حيث تقع قرية جرمو أقدم تجمع قروي معروف في بلاد الرافدين (6800 ق.م). فيها آثار رعي الماعز وزراعة الشعير ثم صناعة الفخار. في حين تعد بقراص في وادي الفرات، في سورية، أقدم موقع معروف للاستقرار على ضفة النهر الكبير بعد الانتقال من المرتفعات (6400 ق.م).

ولا يمكن الكلام عن فجر الحضارة في العراق دون ملاحظة ما كان يجري في سائر المشرق العربي القديم الذي كان أرض حضارة واحدة مشتركة. فبعد أن أخذ الفلاحون يهطون من الهضاب إلى السهول اتسع نطاق الاستيطان إلى مراكز اخرى : حسّونة على نهر دجلة، وأريحا في وادي الأردن.

والى جانب تصنيع الحجر بدئ منذ الألف الخامس ق.م باستخدام معدن النحاس. وبدأت تظهر اولى بوادر المؤسسات الاقتصادية بظهور الاختام التي تدل على التملك، وأولى بوادر النشاط الفني بتزيين الفخار وأخذت تتأسس حياة دينية بوضع طقوس وقواعد للدفن وبناء القبور. والى جانب هذا التطور الفكري كان هناك تطور اجتماعي ولكن من الصعب تتبعه بدقة او التعرف على المراحل التي مر فيها. وكل ما يمكن القيام به هو ملاحظة تعاقب المراكز الأثرية وما بينها من اتصال : حسونة، سامرا، تل حلف في الشمال، ثم اريدو وحاج محمد في الجنوب. ففي هذه المراكز تطورت تقنيات صناعة الفخار ومنها انتشرت النماذج الخاصة بكل مركز من هذه المراكز بين الألفين الخامس والرابع.

وإنه من التعسف أن نرجع تاريخ الجماعات المختلفة في هذه الأدوار إلى مجرد تطور محدود في صنع الفخار اي إلى شكل معين من اشكال التطور التقني والصناعة التطبيقية. إلا إنه من غير الممكن التخلي عن هذه الطريقة لمعرفة بعض ملامح التطور قبل عصر الكتابة وفي فجر التاريخ.

كانت رقعة الأرض التي اكتشفها أولئك الذين هبطوا من الجبال والمرتفعات نحو السهول الممتدة بين دجلة والفرات هي التي دعيت لأول مرة باسم عرفت به : سومر، الذي أطلق على المناطق الجنوبية، بينما عرفت المناطق الوسطى بعدئذ باسم أكد ثم بابل. وقد تعلم الناس ان عليهم ان يعملوا ليأكلوا. فقد احتلوا اراضي تشكلت على مر آلاف السنين من تراكم اللحقيات التي حملتها المياه، فعملوا على تصريف المياه عنها وردم المستنقعات التي تشكلت فيها. وشقوا الأقنية لاستغلال أراض غنية التربة في أقدم نشاط زراعي عرفه التاريخ وبوسائل أولية وأدوات بدائية بسيطة والى جانب تلك التلال والمرتفعات كانت تمتد الأراضي المغطاة بالأعشاب المائية والقصب والبرك الغنية بالسمك. فالمياه وفيرة كافية للري في الصيف ولإرواء قطعان الماشي من الماعز والغنم.

وهكذا توفرت لتلك الجماعات البشرية الأولى الشروط الضرورية المناخية والمادية الضرورية للعيش. فلا عجب إذن من ان يلقوا هنا عصا الترحال بعد ان نقلوا معهم ما استطاعوا حمله من ممتلكاتهم البسيطة وأوانيهم الفخارية وأدواتهم الحجرية وبذور الحبوب التي عرفوها وجربوها. وهكذا انتقلت الحياة الزراعية في بلاد الرافدين من الشمال إلى الجنوب.

2- حضارة العُبيد:

يرقى تاريخ تلك المجتمعات الزراعية الأولى في جنوب بلاد الرافدين إلى عصر العٌبيد. (نسبة إلى موقع تل العٌبيد في جنوب العراق)، على مقربة من موقع أور المدينة السومرية العتيقة. وقد بدأت

تظهر نتائج التنقيبات في موقع العبيد منذ أكثر من نصف قرن. وربما تهيأ للباحثين في بادئ الأمر أن مرحلة حضارة العُبيد لم تكن الا مرحلة عابرة من حضارة بلاد الرافدين وان السكان آنذاك كانوا جماعة من البدائيين الذين سكنوا مناطق المستنقعات وعاشوا في أكواخ بسيطة كانت مأوى لهم.

لكن المكتشفات الأثرية الحديثة تدحض هذه الافتراضات. وإن الرأي الآن هو أن تلك الموجة الأولى من السكان كانوا من أول من سكن أرض بلاد الرافدين. فاحتلوا التلال اللحقية ومارسوا الزراعة ببراعة. وشيدوا القرى والمدن باللبن المجفف والآجر الذي صنعوه من الطين بقوالب أعدوها، لأن الحجر ليس متوافرا في أرض الجنوب. وبنوا معابد لأربابهم التي عبدوها وأقاموا حولها المنشآت المعمارية.

لقد مارست هذه المجتمعات الرافدية الأولى تأثيرا حضاريا على كل بلاد الرافدين وعلى مناطق واسعة من المشرق العربي من شواطئ الخليج إلى اجاريت على المتوسط. ويمكن تتبع تأثير ثقافة العبيد وانتشارها شرقاً إلى المناطق الايرانية القريبة من بحر قزوين وغربا حتى وادي العاصي والساحل السوري.

ويرى بعض الباحثين ان حضارة مجتمع تل العُبيد يمكن ان تعد اقدم ما هو معروف من حضارات جنوب بلاد الرافدين المتعاقبة منذ اقدم العصور. وقد ترك ذلك المجتمع بصماته على لغته التي لا نعرفها والتي دخلت مفردات كثيرة منها في اللغة السومرية بعدئذ. وعلى الرغم من جهلنا بالاسم الذي كان يدعو به ذلك الشعب نفسه فإننا نستطيع ان نستنتج من بعض الباحثين أنه لم يكن سومرياً. أما النصوص المكتوبة على رقم الفخار، وهي أقدم رقم مكتوبة بعلامات تصويرية فهي لا تمكّن من التوصل إلى معلومات قاطعة، ولكنها تضع أمامنا بعض الملاحظات المفيدة. فاسمها دجلة والفرات : إدجلات وبوراتوم ليسا من اللغة السومرية. والى لغة مجتمع العُبيد ذاك تعود أسماء بعض المدن الرافدية القديمة التي قامت بأدوار مهمة في العصر السومري : أور، لكش / لاغاش، كيش، نيبور، اريدو. ويؤكد س. كريمر S.Kramer ان مفردات هامة من لغة أولئك الناس انتقلت إلى اللغة السومرية، وهي مفردات تتعلق بالمزارع، والراعي، والفلاح، والنساج، والنجار. وكل هذه المفردات وأمثالها تدل على مستوى حضاري متقدم قام على قواعد من الخبرة الطويلة.

3- (الثورة) المدنية:

يتميز الألف الرابع ق.م بسلسلة من الكشوف الهامة التي أثرت كثيرا في مجرى تطور المجتمعات البشرية، وهي في المراحل الأولى من الاستقرار. ومن هذه الكشوف دولاب الخزاف الذي ساعد على تصنيع الفخار بوفرة وبأنماط متشابهة، وقالب اللبن، والتعدين. وقد نجم عن تطور التقنيات زيادة في كميات الانتاج وضعف في اصالة الصنعة. فبعد الخزف اللامع الذي يتميز به انتاج تل خلف في أعالي الجزيرة، في سورية، طهر الفخار القاتم لموقع تل العُبيد وهو يختص بتزيينات هندسية ضعيفة ويوضح انتشار هذا النموذج في مناطق وديان الخابور والبليخ والعاصي الأدنى مدى انتشار حضارة عصر العُبيد التي عقبت حضارة تل خلف. ولا يعود نجاح هذه الحضارة في ما حققته إلى ما تملكه من صفات ذاتية، ولكن على الأرجح إلى انتشار حضارة جديدة تعتمد على أسس جديدة في الانتاج وبناء المتجمع قوامها الانتاج الوفير للأدوات بنموذج متكرر وتحسين أساليب تنظيم الري.

وقد شجع التقدم في الأساليب الزراعية على تشييد مخازن لحفظ الغذاء، وكانت له نتائج هامة جدا على حياة الناس، منها تزايد عدد السكان وتأسيس المدن. وتبعاً لذلك حدث تغيير ملموس في بنيات المجتمعات. ويبدو أنه بدئ حينئذ بتخطيط نماذج دول – المدن التي عرفنا بعض أخبارها من المصادر السومرية.

وكلما أوغلنا في البحث وجدنا أنفسنا امام اسئلة هامة تطرح مشكلات كبيرة قد يصعب حلها ومنها أسئلة حول هوية هؤلاء السكان الذين وضعوا اسس الحضارة في بلاد الرافدين قبيل العصر السومري. إنه ليس من الدقة في شيء ان نتحدث عن السومريين قبل عصر أوروك 4 .  وقد يكون تشكل مجتمعات عصر العٌبيد من تلاقي السكان المحليين في مناطق الخليج العربي بعناصر وفدت إلى إريدو من مناطق سامرّا وتل حلف (إريدو 19).

إن ما تؤكده الكشوف والدراسات التي نعرض نتائجها المتداولة تؤكد حقيقة مفادها وجود اتصال حضاري في بلاد الرافدين والشرق العربي كله منذ أقدم العصور. وبالنسبة إلى التاريخ القدي فإن هذا التواصل موجود ما بين العصر الحجري الحديث ومطلع العصور الكلاسيكية. ولكن ليس معنى هذا ان كل شيء أضحى واضحا ومفهوماً. فما يزال من الضروري بذل مزيد من الجهود لمعالجتها. إلا أن لحمة متصلة ومتينة تربط الآن ما بين المجتمعات الزراعية الأولى في كل الشرق الأدنى والمجتمعات المدنية الأولى في حوض البحر المتوسط. وتحتل بلاد الرافدين في هذه المراحل التأسيسية من تاريخ الحضارة موقعا مرموقا ومتصلا وما ظهور الكتابة في مرحلة ما عند هذه المجتمعات الزراعية إلا علامة من علامات التطور الفكري والمادي وليس خاتمة له، بل إنه دفع نحو تطورات نوعية اخرى اكبر وأوسع مدى، دون ان يغير كثيرا من مجرى الأحداث ومن حياة الناس المعاصرين.

إنه ليس صحيحا ان ظهور الوثائق الأولى المكتوبة قد شكل فاصلا قاطعة بين ما قبل التاريخ والتاريخ. وليس من الصحيح أيضاً ان نتصور ان التسجيل والتاريخ مناقضات لما قبل التاريخ

كالتناقض بين النور والظلام. فالألواح الأولى التي كتبت بكتابة تصويرية في الألف الرابع ق.م تكاد ان تكون غير مفهومة. وحتى عندما نتوصل إلى فك طلاسمها فإنه من المحتمل الا نجد فيها الا مجرد جداول حسابات مشابهة لتلك التي تتضمنها بعض الألواح التي عثر عليها في السويات العتيقة من مواقع المدن السومرية. وهي تزودنا بأسماء بعض الاشخاص. ويمكن ان نستنتج من بعض الدلائل اللغوية وجود عناصر سومرية منذ ذلك العصر الباكر إلى جانب عناصر اخرى. ونستطيع كذلك ان نوضح من خلال تلك الوثائق بعض المعطيات الاقتصادية. ولكن الآثار هي أكثر بلاغة من تلك الاسماء الصمّاء.

فالمنشآت والمعمارية من الألف الرابع، وهي منشآت دينية ومدنية وعسكرية دفاعية ترتبط بعصر البطولة والملاحم التي حفظت وسجلت بعدئذ. وقد مرت على البلاد تطورات هامة لم تكن هناك وسيلة لتسجيلها لأن الكتابة لم تكن قد اخترعت بعد. ولم توجد الكتابة الا بعد تطورات اقتصادية، زراعية، وصناعية حرفية، وتجارية، وإدارية، تطلبت التسجيل والتوثيق.

وهكذا فإن فجر تاريخ بلاد الرافدين يرقى إلى الألف الثامن قبل الميلاد، اي إلى ما قبل العصر السومري بآلاف السنين.

 المدينة السومرية:

أوروك (الوركاء) منطلق الحضارة السومرية:

قامت بعثة علمية ألمانية بالتنقيب في موقع أوروك (الوركاء) منذ العام 1930 ونشرت تقاريرها عن نتائج التنقيب ضمن سلسلة مطبوعات الأكاديمية البروسية. وبعد توقف أعمال التنقيب أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) عادت البعثة إلى استئناف أعمالها عام 1957 بإدارة العالم الأثري لا نزن H.Lanzen الذي نشر تقريراً عن معبد أوروك في السوية الرابعة (محلة الدراسات الاشورية ZA, NF. 15. 1949 1-20). ففي موقع معبد إينانا الذي كان مكرساً لعبادة ربة الخصب السومرية أمكن تمييز ثماني عشرة طبقة أثرية 1- 18.

أما الطبقة (السوية) 18-15 فهي معاصرة للمرحلة الاخيرة من عصر العُبيد التي استمرت 400 سنة من 3900 – 3500. وتبدأ من السوية 14 آثار حضارة أوروك التي استمرت في آثار السويات 14 – 4 حتى نحو 3100 ق.م ومن دلائل هذا العصر الخزف الجديد المغطى بطبقة حمراء او رمادية، ومصقولة عند محيطها ونادراً ما تكون سوداء، أو مصفرة دون دهان او تلوين. وإن الأشكال لتختلف باختلاف السويات ولكن بدءاً من السوية الخامسة نصادف كؤوساً وجرارا بعروة وهي مؤشرات تدل على تطور تقني ملحوظ. ويمكن التأكد بالوقت نفسه من التقدم في فن العمارة فتزداد مقاييس المنشآت العمرانية وأبعادها. ولم تقتصر هذه النهضة العمرانية على أوراك وحدها لأننا نستطيع أن نسجل ملاحظات مماثلة في أور واريدو ولكش.

وهناك ملاحظة اخرى يجدر بنا تسجيلها هنا وهي انه بدءاً من الطبقتين 5 و 4 بدأ يحل الختم الأسطواني المنقوش، شيئاً فشيئاً محل الختم المسطح. اما بدايات الكتابة فنجدها في آثار السوية الرابعة. وهي في هذه المرحلة كتابة تصويرية ترمز فيها الصور إلى اشياء مادية وكائنات حية قبل ان تختص بقيمة صوتية او لفظية. وتبدو بعض علامات الكتابة بأشكال تجريدية لا نستطيع دائماً إدراك ما ترمز إليه. ولما كانت كل علامة تدل على فكرة فإن الصعوبة كبيرة في معرفة كيفية القراءة. فهل كانت تتم بتفسير الأشكال اما بالقراءة وفق قواعد معينة؟ إننا لا نستطيع التغلب على بعض الصعوبات التي تتعرض الإجابة عن مثل هذه التساؤلات إلا باللجوء إلى المقايسات والموازنات مع ما تطورت إليه الكتابة السومرية في المراحل التالية لعصر أوروك 4، وبدراسة الوثائق التي تم اكتشافها في أماكن اخرى (شروباك، وأبو صلابيخ) والوثائق التي استخرجت من السويتين 3 ، 2 المعاصرة لنقوش جمدة نصر وكتاباتها.

ومن المحتمل ان تكون أوروك قد قامت بدور شبيه بالدور الذي قامت به إريدو في العصر الذي ظهرت فيه المجتمعات القروية الأولى في جنوب بلاد الرافدين. ولكن أوروك أضحت بعدئذ أكبر مركز حضاري أشع بتأثيره على المناطق المجاورة مدّة طويلة. ومن الناحية الأثرية يبدو الموقع نموذجياً في ما يقدمه من إمكانات لتتبع دراسة المراحل المختلفة في تطوره. وقد أمكن بسهولة تمييز السويات 5 ، 4، 3 ، 3. وأهم ما اكتشف في هذه السوية الأخيرة تمثال رأس سيدة أوروك الرائع والبرج المدرّج، وهو الصيغة الأولية لما دعاه الأكديون فيما بعد بالزقورة (زقوراتو) بالإضافة إلى نقوش دقيقة على الاختام المصنوعة من الحجارة  الكريمة تمثل موضوعات مستقاة من طقوس العبادة ومن الحياة اليومية.

ان التمييز بين السويات المختلفة عن هذه الصورة يسمح لنا بتقدير عمر الاشياء المكتشفة والنصوص بصورة مناسبة ومعقولة. ويلاحظ استمرار وجود اتصال حضاري دون انقطاع او فاصل، وتطور حثيث نحو الحياة المدنية. وهنا يتبدى لنا هذا التحول الخطير في حياة الناس ؛ وهو أن التطور الاقتصادي أدى إلى تباين في تركيب المجتمع. وتشكل فئات مختصة في داخل المدن وبنسب متعاظمة لتقوم بأعمال مختلفة دون ان تعيش من الزراعة.

أما اختراع الكتابة فليس الا نتيجة طبيعية لزيادة تعقيد الحياة الحضارية الاقتصادية والاجتماعية ولتزايد حاجات الناس. وان المؤرخ هو الذي قرر للكتابة هذه الأهمية الخاصة لكونها عاملا مساعدا لتقدير تاريخ الاشياء والاحداث المكتشفة بالحفريات الأثرية وأضحت الوثائق المكتوبة بالمسمارية (السومرية والأكدية) أكبر أهمية من الوثائق المادية الصمّاء. ولكن ينبغي تناول الأمور بحذر، لان الكتابة في العصر الذي نتحدث عنه (النصف الثاني من الألف الرابع) لم تكن واضحة، ولا يمكن أحياناً ترجمة النصوص ولكن قد يمكن تحديد طبيعة النص من التعرف على نوع بعض العلامات المسمارية، التي يعرف تطور أشكال كتابتها في عصور لاحقة، فيقرر عندئذ صنف النص اقتصاديا كان أم معجميا ام إداريا ... وهذا على ضآلته أمر له أهميته.

اكتشف هذا الموقع العالم س. لانغدون عام 1920 ونشر تقريره عنه (1924 – 1930)(1). وقد وجدت آثار كبيرة ومهمة عن هذه المرحلة في مراكز متعددة من العراق القديم. ويمكن ان نعد هذه المرحلة، تمهيدا لظهور الاسرات الحاكمة في سومر.

تطور في ذلك العصر صنع الخزف، وصنعت الأواني بأشكال مخروطية وعثر على كؤوس وجرار. أما الرسوم فكانت مستوحاة من أشكال هندسية وملوّنة بالأسود. وبقي الحجر المادة الأولية في الصناعة ولكن بدئ باستخدام المعدن إلى جانبه. ويمكننا أن نأخذ من النقوش والصور فكرة عن الثياب. فالثوب كان يشد على الوسط بحزام وكان الشعر طويلاً يرفع بعصابة تشد على الرأس. وقد كشفت أعمال العالمين مورغان و وولي عن جوانب حضارة جمدة نصر التي سبقت مباشرة عصر الأسرات الحاكمة. وتأتي في أواخر ذلك العصر مرحلة حافلة بالأساطير، ربّما وقعت فيها أحداث الطوفان الذي يتحدث عنه المؤرخ البابلي الكلداني الكاهن بروسوس وتتأكد واقعته بالكشوف الأثرية في مراكز الحضارة في العراق الجنوبي.

وينبغي ان يذكر أنه منذ عصر أوروك 3 ، 2 الموازي لعصر جمدة نصر. بدأ يظهر نظام سياسي للمتجمع الرافدي. فكان رأس السلطة في المدينة يدعى إن = EN أي سيد، وربما حمل هذا اللقب معنى دينياً. وهو على الأرجح الشخصية البارزة التي تشاهد صورتها على المشاهد الاحتفالية المنقوشة على الاختام الاسطوانية، حيث يمثل الموقع المركزي في الاحتفالات الرسمية والطقوس الدينية.

وبما أن المعبد كان أهم منشأة معمارية في المدين فينبغي ان يكون هو نفسه القصر الذي كان يقيم فيه الحاكم.

وهكذا يغلب الظن ان الوظيفتين : الزمنية للأمير والكهنوتية للكاهن الأكبر كانتا متحدتين في شخص واحد بشكل يمكننا ان نقول ان المدن كانت حكومات مدن اقطاعية دينية. والى جانب (السيد) كان يوجد (شيوخ) لابد انه كانت لهم سلطة سياسية ما.

(الديمقراطية) في فجر التاريخ السومري:

درس الباحث المختص في الدراسات السومرية جاكوبسن النظام السياسي في سومر في تلك المرحلة البدائية التي تعددت فيها الدول – المدن، فرأى صورة من (الديموقراطية) أسبق زمنياً بكثير مما عرف من الديموقراطية اليونانية. ويرى جاكوبسن (2)، ان الوثائق التي تتوافر بين أيدينا تبين ان النظام السياسي في جنوب بلاد ما بين النهرين في فجر التاريخ السومري كان يحمل ملامح ديموقراطية، فهو لم يكن نظاما فردياً كما آل إليه الأمر بعد ذلك. فالأمور العامة تمارس السيادة (جمعية عمومية) تضم جميع الرجال الأحرار. ولهذه الجمعية سلطة سياسية فكان من صلاحياتها فض المنازعات التي يمكن ان تنشب وبت القرارات الهامة كالحرب أو السلم، ويمكن في الحالات الضرورية الطارئة تسليم السطلة الحكومية لوقت محدود إلى أحد الاعضاء.

ومهما يكن، ربما كان هذا النوع من الحكم معروفاً في بداية التاريخ السومري. لان الوثائق المكتشفة بعد ذلك كانت تعبر عن ارتباط مملكة البشر بمملكة الأبطال والآلهة. وربما كان هذا المجلس استشاريا فقط، بجانب رئيس السلطة. ولكن وجود هذه المؤسسة يدل على أن سلطة الحاكم كانت لها حدود مرسومة ومعينة. إلا أن هذا المجلس لم يستمر طويلا في التاريخ السومري لأن التطور الاجتماعي – السياسي للبلاد أدّى إلى تكون الحاجة الملحة إلى اتخاذ قرارات سريعة في الحالات الضرورية والاستثنائية والى وضع السلطات بيد امير (إن) EN أو (إن – سي) EN-Si أمير، كاهن او بيد رجل كبير = (ملك) : LUGAL.

وقد وضع الكهان وسجلوا الأخبار لوائح رسمية بأسماء الملوك ومدة حكم كل منهم ولكن التقديرات الزمنية في هذه الجداول جاءت مطولة بشكل غير معقول حتى أن مدة حكم الأسرات الحاكمة (قبل الطوفان) تصل إلى حدٍ خيالي. ومن المحتمل ان تكون الوظيفة الدينية لرأس الدولة في سومر قد جاءت الوظيفة السياسية. ويمكن ان تكون المدن السومرية بالأصل إمارات كان يحكمها سادة دينيون عملوا على إدارة مجتمعاتهم باسم الآلهة من معابد ضخمة كانت أقدم ما أنشى من المباني الرسمية في دولة المدينة – المعبد. إلا أن الاوضاع في المدن السومرية أخذت تتطور نحو الملكية العسكرية التي تفوق فيها مركز الرجل الكبير القوي = (لوجال).

الملكية العسكرية:

بعد عصر طويل ساد فيه الكهنة مجتمعات المدن السومرية يبدو أنه مر عصر بطولي ظهرت شخصيات قوية أضحت بعدئذ موضوعاً للأساطير مثل جلجامش وإن مركار. وقد خلص الدارسون من بعض الملاحظات الأثرية أنه كان لبعض المدن أسوار حصينة ومرتفعة. والمثال النموذجي على ذلك مدينة أوروك التي بلغ طولها أسوارها 5ر9 كم وهي محفوفة بأكثر من 900 برج نصف دائري وتشمل مساحة من نحو 5000 م2. وتعزو التقاليد تشييد هذا السور إلى جلجامش الذي يرد ذكره في قوائم ملكية سومرية إلى جانب لوجال باندا ودموزي. وقد حملت الأرقام الخيالية الدالة على مجموع سنوات حكمهم الطويلة بعض المؤرخين على الشك بوجود حقيقي للملك جلجامش. ولكن هناك حالات مماثلة كانت تبدو فيها بعض الاسماء خيالية ولكن جاءت البراهين المكتوبة بعدئذ على صحة وجودها. فقد يكون عمل جلجامش قد ضُخم إلى حد كبير تحول فيه جلجامش إلى بطل فوق مستوى الإنسان، وقد أضحت الآن الاساليب المتبعة في صياغة الأغاني والأناشيد الشعبية البدائية أكثر وضوحا من ذي قبل بما لها من دلالة تاريخية. فبعض عواهل سومر مثل جلجامش وإن مركار يرد ذكرهم في ألواح عتيقة من شروباك وهم يحملون اللقب إن EN ومعناه سيّد لا لقب (ملك) = لوجال الذي ازدادت أهميته فيما بعد. وربما كان أول من حمل لقب لوجال هو ملك كيش ميبار جيزي Mebargezi وهو من خصوم جلجامش في إحدى الملاحم السومرية. وينبغي تقدير زمن هذه الأحداث في نحو 2700 ق.م. فإلى ذلك الحين يعود تأريخ تأسيس أول قصر مستقل عن المعبد أقيم في كيش، مقر أول سلطة ملكية في سومر. فهل تترجم لنا هذه الملاحظات حقيقة تاريخية هي ظهور دول محاربة، ذات نظام ملكي عسكري وتستند إلى قوة مسلحة منظمة بدل القوة الروحية؟ ان الجداول الملكية تحمل قوائم بأسماء الملوك والوثائق السومرية تخبرنا بوقوع صراعات مسلّحة على النفوذ بين دول – المدن السومرية، إلا أن هذه الوثائق لا تطلعنا على تفاصيل الأحداث وتطوراتها. ولكن يمكن تفسير بعض المؤشرات الأثرية المتصلة بهذه المرحلة. فقد لوحظت عادة التضحية الجنائزية في عدد من المواقع الأثرية الرافدية. وقد جرت ممارسة هذه العادة في المدينة الملكية كيش وفي أور وغيرهما. وفي التنقيبات التي أجراها العالم ل. وولي في أور عثر على قبور ملكية مبنية تحت الأرض ويدخل إليها بأدراج منحدرة. وعلى مقربة من أحد هذه المداخل وجدت بقايا جثث ممددة نحو ستين شخصاً، يبدو أنهم ضُحوا ليرافقوا الميت في العالم الآخر. ولكن هذه الأضاحي لم تتكرر فيما بعد. وربما جاء بعد ذلك نظام اجتماعي استطاع تثبيت دعائمه وتميز بتفوق سلطته الملكية العسكرية على السطلة الدينية.

لقد أحيطت تشكيل الملكية السومرية بالغموض. ولكن يمكن تتبع تطورها تاريخيا بشكل مفهوم. فالتاريخ لا يعتمد على اللقى الأثرية فهناك القوائم الرسمية بأسماء الملوك والأسرات الحاكمة وتذكر فيها أهم أعمالهم ثم القصص والملاحم التي قد تعكس احداثا واقعية ماضية. وربما يكون من الصعب التمييز ما بين العصر البطولي لسومر وبين القرون الأخيرة السابقة لشروكين الأكدي. وأخذت تتبدى للباحثين ملامح توجهات التاريخ السومري حتى العصر الأكدي : فقد أدّى ظهور مراكز سياسية هامة إلى انفجار البنيات القديمة للمجتمع والدولة وإلى تطور رافقه تيار سياسي ذو وجهتين وبقي مستمراً حتى انتقال السلطة إلى أكّاد. فعلى الصعيد الداخلي كان يجري العمل على اخضاع السطلة الدينية للسلطة الملكية وعلى الصعيد الخارجي كان يجري النزاع بين المدن على النفوذ والتفوق. وكانت بلاد سومر تبحث خلال ذلك عن وحدتها ولكنها لم تصل إلى تحقيقها الا باللجوء إلى القوة.

من دول المدن إلى الدولة الموحّدة المركزية:

بعد فترة طويلة من ممارسة الكهنة للسيادة في دول المدن السومرية نجح القادة العسكريون في تحويل دورهم المؤقت في الدولة السومرية إلى مؤسسة دائمة، وهكذا أفلح (الرجل الكبير) = لوجال في فرض إرادته على الكاهن الأكبر في الدولة – المدينة وألزمه حدود الانصراف إلى الأمور الدينية. وقد احتفظت المعابد مع ذلك بقدرتها ونفوذها في المجتمع السومري وظهرت فيما يبدو بعض الردود على تزايد نفوذ القادة العسكريين ومن مظاهرها اعتلاء اثنين من كبار الكهنة عرش لكش نحو 2400 ق.م. إلا أن ذلك لم يمنع من اطراد تقدم نفوذ السلطة الزمنية المدنية. وقد تبلورت فكرة السطلة الشرعية الملكية من ذلك العصر في اللوائح التي تضم أسماء العواهل المتعاقبين على السلطة.

وانطلاقا من هذا التقليد أخذت تدعي كل مدينة من المدن السومرية الرئيسية السلطة الملكية على كل سومر. وقد توصلت بعض الأسرات التي استقر لها النفوذ في بعض تلك المدن إلى ممارسة سلطة ملكية بالفعل. ولا ندري كيف كان يتم التعاقب على الحكم ولا كيفية تطبيق مبدأ السلطة الملكية في بلاد سومر، ولا الأسلوب الذي كان يتبع في انتقال السلطة من مركز إلى اخر. ويلاحظ انه بينما تؤكد بعض اللوائح الملكية على أهمية بعض المدن وبعض الشخصيات فإنها تتجاهل ذكر بعض الشخصيات الأخرى التي يرد ذكرها في شواهد تاريخية خارج تلك اللوائح او في لوائح معارضة. ومن هؤلاء بعض العواهل الذين استطاعوا ان يفرضوا سيطرتهم بالقوة مثل أمير لكش إياناتوم نحو 2500.

وهنا ينبغي الا يغيب عن ذهننا احتمال التحيز في تلك اللوائح. فاللائحة التي تنسب إلى إيسن ربما يرمي كتابها إلى تبرير دخول هذه المدينة إلى مسرح الأحداث في النصف الأول من الألف الثاني ق.م. وهذه الوثيقة مهما كان من تاريخ كتابتها او من درجة أهميتها فإنها تؤكد حقيقة لا مراء فيها هي النزاع الدائم بين المدن السومرية. ومن أمثلة هذا النزاع ما حدث بين لكش وأوما، ثم بين أور وأوروك، وكذلك بين كيش وأداب. فكل مدينة من هذه المدن كانت تسعى إلى فرض وجودها والى العمل على توحيد البلاد تحت سلطانها المركزي. فما هي دوافع هذا النزاع أهي العوامل الشخصية وما كان يثور بين أمراء المدن من خلاف. وقد يكون لهذه العوامل تأثيرها لكن العوامل التي أثرت بعمق في تحريك الأحداث كانت هي العوامل الاقتصادية. فقد أدى تزايد عدد السكان في المدن السومرية إلى فيض تجاوز حدود بنيات المدن القديمة وزاد المشكلات تعقيداً تجاوز المدن الكبيرة المتنافسة وقربها بعضها من بعض، مما ضيّق حدود المساحات الزراعية اللازمة للمجال الحيوية لكل منها، الضروري لتأمين الغذاء للسكان من حقول وبساتين ومراع وأدى ذلك كله إلى تضارب في المصالح بين المجتمعات المدنية السومرية التي كانت قد قطعت أشواطاً في طريق النمو خلال الألف الثالث ق.م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) S.Langdon, L. Watelin, Excavation at Kish 3 Vol. Paris 1924 – 1930

(2) T. Jacpnsen Early Political Development in Mesopotamia, ZA, 52 (1957) 91 – 140




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).