أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-09
380
التاريخ: 2024-09-01
299
التاريخ: 5-2-2016
2754
التاريخ: 10-10-2014
1740
|
ذكر الأُستاذ أحمد يوسف أحمد ـ في كتابه : فرعون موسى ـ قصّة الولادة والرسالة ـ والخروج ـ : أنّ يوسف الصديق ( عليه السلام ) قد دخل مصر في عهد الأُسرة السادسة عشرة ، في أيّام أحد مُلوكها المدعوّ ( أبابي الأوّل ) ، وقد وُجِدت لوحة أثريّة عبارة عن شاهد مقبرة ذُكر فيها اسم ( فوتي فارع ) وهو المذكور في التوراة ( فوطيفار ـ عزيز مصر ) ، كما استُدِلّ من بعض الآثار عن الأُسرة السابعة عشرة ، على حدوث جدب في مصر قبل هذه الأُسرة ، وهو ما ذُكر في القرآن والتوراة عن سِنيّ القحط .
إذن فدخول يوسف يمكن تحديده قريباً من سنة ( 1600 ق.م ) في عهد الملك أبابي المذكور ، ويكون دخول بني إسرائيل بعد ذلك بنحو ما يقرب من ( 27 عاماً ) وهي المدّة التي أقامها يوسف في بيت سيّده ، مضموماً إليها المدّة التي قضاها في السجن ، يضمّ إلى ذلك مدّة الرخاء والخِصب ، ثُمّ بعض مدّة الجدب ، إلى أن قال لإخوته : {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف : 93].
وإذا اطّلعنا على حياة ملوك الفراعنة ، فيما بين هذه الأُسرة والأُسرة التاسعة عشرة ، لم نجد أيضاً ذِكراً يثبت أيّ اضطهاد حدث لقوم إسرائيل ، ولا أيّ ذِكر لهم أثناء ذلك .
ولكن التوراة تذكر أنّ فرعون مصر الذي اضطهدَ بني إسرائيل ، كان يستخدمهم في بناء مدينتَينِ : رعمسيس وفيثوم ، وقد ثبت من الحفائر الأثريّة وجود مدينة باسم ( فيثوم ) أو ( بر ـ توم ) ومعناها : بيت الإله توم ، ومدينة أُخرى باسم ( بررعمسيس ) أي بيت أو قصر رعمسيس .
والأُولى : اكتُشفت بواسطة العالم الفرنسي ( نافيل ) سنة ( 1883 م ) وموضعها الآن : تلّ المسخوطة ، في مديريّة الشرقيّة . والثانية : اكتُشفت بواسطة العالم المصري الأُستاذ محمود حمزة في سنة ( 1928 م ) وموضعها بلدة ( قنتير ) وتُسمّى بالمصري القديم : ( خنت نفر ) أو الوسط الجميل ، وأيضاً ( بررعمسيس ) هي التي بناها ( رعمسيس ) الثاني ؛ لتكون عاصمة لملكه في مصر في وسط الوجه البحريّ ، ليكون بها قريباً من الحدود المصريّة ، لتساعده على صدّ الأعداء ، كما أنّه أيضاً بنى مدينة ( فيثوم ) ، واتّضح من وجود بعض آثار الجدران في المدينة أنّها أيضاً كانت حصناً مصريّاً ، وتكون التوراة قد أخطأت في حُسبانها مخازن للغِلال .
إذن فرعمسيس الثاني قد يُعتبر الفرعون الذي اضطهد بني إسرائيل ، ووُلد موسى ( عليه السلام ) في زمنه ، ويُضاف إلى ذلك عداؤه الشديد للشعوب الآسيويّة التي ظلّ يحاربها متغيّباً عن مصر زُهاء تسع سنوات ، وقد يكون كرهه لبني إسرائيل المقيمين في مصر مترتّباً على خشيته من ؛ أن يُصبحوا حزباً ممالئاً لأعدائه المواطنين لهم من قبل ، ولا سيّما وقد تكاثروا في عددهم وتناسلوا حتّى كانت لهم جالية كبيرة تشمل جزءً عظيماً من مديريّة الشرقيّة .
وحيث إنّ المَلِك رعمسيس الثاني قد أشرك معه ابنه المَلِك ( منفتاح ) في الحكم قبل وفاته ، وكان ( منفتاح ) الولد الثالث عشر لرعمسيس ـ وقد بلغ أولاده ( 150 ) ـ وكان ( أي منفتاح ) مُسنّاً حين ولايته لعهد ، فيكون قد عاصر موسى في بيت أبيه ...
وبحقّ قال لموسى : {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } [الشعراء : 18] ، ويكون ( منفتاح ) هو فرعون الخروج ، الذي أُرسل إليه موسى وهارون ( عليه السلام ) لإخراج بني إسرائيل من مصر ـ وكان موسى حينما بُعث إلى فرعون هذا قد هذا قد بلغ الثمانين ، وأخوه هارون أكبر منه بثلاث سنين ـ (1) وتكون التوراة على صواب عندما قالت : وفي هذه الأثناء كان مَلِك مصر ـ تقصد المَلِك رعمسيس ـ قد مات ...
وقد عَثر العلاّمة ( فلندرس بتري ) على حجر من الجرانيت القاتم ، ورقمه في دار الآثار ( 599 ) وهو عبارة عن لوحة كبيرة يبلغ ارتفاعها ( 3 ) أمتار و( 14 ) سم ، وهو منقوش من الوجهينِ ، أحدهما للمَلك ( امنحتب ) الثالث من الأُسرة ( 18 ) يذكر فيه كلّ ما عمله لمعبد ( آمون ) .
أمّا الوجه الآخر فقد استُعمل في شأن المَلِك ( منفتاح ) ابن رعمسيس الثاني من الأُسرة ( 19 ) ، وذكر فيه عبارات بأُسلوب شعري يفتخر فيها بانتصاره على اللوبيّين ، ويُشير إلى سقوط عسقلان وجيزر ويانوعيم في فلسطين .
وجاء في ضمنها عبارة تُشير إلى بني إسرائيل ، ونصّها الحرفيّ : ( لقد سُحق بنو إسرائيل ولم يبقَ لهم بذر ) ، وهذا أوّل نصّ رسميّ في الآثار ، ذُكر فيه بنو إسرائيل .
وقد عُثر على هذا الحجر في كوم الحيتان بطيبة الأقصر .
وهذا الحجر يبدو منه للمدقّق : أنّ ( منفتاح ) لم يكتبه في عهده ؛ وإلاّ لكانت لهذه الحوادث الخطيرة التي يذكرها فيه شأن عظيم كان يجب أن يُدوّن في أثر خاصّ ، لا أن يستعمل له حجر كان لغيره من قبل .
ويظهر أنّ الكهنة التابعين لمنفتاح هم الذين استعملوا هذا الحجر ودوّنوا ما به ؛ ليشيدوا بذكره فيقوموا بذلك بواجب التخليد ، حيث لم يكن مُنتَظراً أن يموت المَلِك بتلك الصورة المعجّلة التي مات بها ، وقد أرادوا أن يُوهموا الناس أنّ فرعون قد سَحق بني إسرائيل ، تمويهاً وقلباً لحقائق ، حتى يستروا أمام الشعب المصري الذي كان يحترم ديانتهم ، خذلانهم وخذلن إلههم أمام موسى ، حين كان فرعون يتعقّب بني إسرائيل .
ويكون العثور على جثّة ( منفتاح ) ووجودها الآن بالمتحف المصري ، مصداقاً لقوله تعالى : {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس : 92] .
وقد وُجدت الجثّة مع غيرها من الجُثث في قبر ( أمنحتب الثاني ) بالأقصر .
وظهر من آثار قبر ( منفتاح ) أنّه لم يكن مهيّأً كما يجب لدفن مَلِك مِثله ؛ لأنّ موته لم يكن مُنتَظراً ، فلم يُهيّأ له قبر خاصّ (2) .
* * *
أمّا موضع العبور فلم يُعرف بالضبط ، والتوراة تورد أسماء أمكنة مرّ بها بنو إسرائيل حتى أتوا إلى مكان العبور ، وهذه الأمكنة ليست مسمّياتها معروفة اليوم ، والبحّارة في البحر الأحمر يُسمّون مكاناً في خليج السويس ( بركة فرعون ) ويقولون : إنّ العبور كان بها ، وهي بعيدة عن السويس كثيراً ، تمارّ بها السُفن البخاريّة بعد نصف الليل إذا قامت من السويس في المساء .
قال الأُستاذ النجّار : وإنّي لاستبعد ذلك كثيراً وأعتقد أنّ خليج السويس كان يمتدّ من تلك الأزمان إلى البحيرة المرّة أو يقرب منها ، وفي هذا الخليج من تلك الناحية كان عبورهم ، وبعبارة أُخرى عبروا مكان شماليّ المكان المعروف بعيون موسى ، في البرّ الآسيوي ، وهي لا تبعد عن السويس كثيراً .
وتقول التوراة : إنّ اللّه أرسل ريحاً شرقيّة على البحر فأزالت الماء حتّى ظهرت اليابسة ، وعبر بنو إسرائيل فتبعهم فرعون فغرق ، والعبارة هكذا : فقال الربّ لموسى... قُل لبني إسرائيل أن يرحلوا ، وارفع أنت عصاك ومُدّ يدك على البحر وشقّه ، فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة...
ومدّ موسى يده على البحر ، فأجرى الربّ البحر بريح شرقيّة شديدة كلّ الليل ، وجعل البحر يابسة وانشقّ الماء ، فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم ... (3) .
وأخذ بعضهم من ذلك شُبهة أنّ فلق البحر كان بهبوب العواصف ، ولم تكن آيةً معجزةً ! لكن لم يعهد أن تعمل الريح مهما اشتدّت هذا العمل العجيب في الخليج مرّة أُخرى ، بل كلّ الدهر ، سواء قبل هذه الحادثة أم بعدها ، فلِمَ فعلت ذلك حين أمر موسى بني إسرائيل بعبور البحر ، ذلك الحين فقط ؟!
قال الأستاذ النجّار : فلم يكن ذلك إلاّ بعناية خاصّة من الله تعالى لإنفاذ ما في عِلمه (4) .
* * *
وبعد فإذ قد عِلمنا أنّ سجلات التأريخ ، غالبيّتها إنّما تُعنى بشؤون السلاطين وإضفاء وابل الثناء عليهم خاصّة ، حتّى ولو كان بقلب الحقائق وتبديل سيّئاتهم حسنات وإعفاء ما سواها من شؤون ، فيا ترى هل تجد هناك مجالاً لوصف محاسن خصومهم أو الإشادة بذكرهم ، ولا سيّما إذا استدعى ذلك مسّاً بكرامة الأسياد أو الحطّ من شأنهم الرفيع !!
لم تكد الوثائق التأريخيّة القديمة تتجاوز رغبات حاشية الملوك والأُمراء ، فيما يعود إلى تفخيم شأنهم وتعظيم جانبهم بالذات ، وأن لا يُذكر هناك شيء يشينهم أو يضع من شأنهم إطلاقاً ، فما هي إلاّ إملاءات تمليها الأسياد ، حسب ميولهم واتّجاهاتهم الخاصّة .
أمّا المحاسن فتُذكر وتُسجّل بتفصيل وتبيين ـ حتّى ولو كانت مُصطنعة ـ وأمّا المساوئ فتُعفى ، وتُصبح نسياً منسيّاً .
وقد عرفت مدى جهود السلطة المقدونيّة في طَمس مآثر الحكم الهخامنشي الرهيب ، بحيث طوى عليها التأريخ فتنوسيت حتّى عن أذهان أبناء الفرس أنفسهم ، حيث تداوم العمل المستمرّ في إخماد تأريخ السلف طيلة قرون .
أفلا تعجب من تناسي ذِكر كورش ومآثره وحتّى اسمه ورسمه عند أكبر مؤرّخي الفرس : الحكيم الفردوسي فلم يتحدّث عنه بشيء !!
هذا جانب خطير من مضاعفات سلطة الأجانب على البلاد .
وهكذا الأمر بشأن موسى ومواقفه الرهيبة مع فرعون وملأه ... فيا ترى لِمَ لمْ يأتِ له ذِكر في سجلاّت مصر القديمة ؟!
فيا فضيلة الأُستاذ خليل عبد الكريم ، هل تجد فسحة لإنكار حضور موسى ( عليه السلام ) نفسه شخصيّاً في مصر ذلك العهد وفي تلك الحقبة من التأريخ القديم ، هل يتخالج في فكرك ( الإسلامي الحديث! ) إنكاره رأساً ، بحجّة أنّ سجلاّت مصر قد أهملته ؟! أو أنّك تحسب الحديث عن موسى المصري ـ حسبما جاء في القرآن الكريم ـ كسائر قضاياه التي حسبتها ـ أنت وزملاؤك ـ قصصاً شعبيّة لا واقع لها ؟!
فإن خالجتك نفسُك في إنكار وجود موسى المصري ( ولادةً ونشأةً ومبعثاً ) ... فقد ارتكبت خطأً عظيماً يجب الاستغفار منه !!
وهكذا سائر قضاياه في مصر ، قد أغفلتها سجلاّت تأريخ مصر القديمة ، لا لشيء إلاّ لكونها مخازي تغضّ من كبرياء فراعين مصر !!
وقد عرفت أنّ أَوّل وثيقة مصريّة سُجَّلت عن بين إسرائيل ، هي اللّوحة المرقّمة ( 599 ) بدار الآثار المصريّة ، جاء فيها الحديث عن الملك ( منفتاح ) ابن رعمسيس الثاني من الأُسرة ( 19 ) وجاء فيها عَرَضاً ، الكلام عن بني إسرائيل باعتبار سحقهم على يد هذا الملك الجبّار ._____
__________________
(1) سِفر الخروج ـ إصحاح 7 : عدد 7 .
(2) انتهى ما نقله الأُستاذ النجّار عن كتاب أحمد يوسف أحمد ، وقد كان تحت الطبع ، كما ذكر الأُستاذ ، راجع : قصص الأنبياء للنجّار ، ص201 ـ 203 .
(3) سِفر الخروج ، أص 14 : 15 ـ 23 .
(4) قصص الأنبياء للنجّار ، ص204 ـ 205 .
|
|
كيف نحافظ على المستوى الطبيعي للكولسترول في الدم ؟
|
|
|
|
|
سر جديد ينكشف.. أهرامات الجيزة خدعت أنظار العالم
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|