أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2020
1237
التاريخ: 2023-02-11
1414
التاريخ: 2023-08-07
935
التاريخ: 2023-07-02
950
|
مثلما تمثل نظرية ماكسويل فهمنا للكهرومغناطيسية، فإن نظرية النسبية العامة لأينشتاين هي التعبير عن فهمنا للجاذبية. لقد تمكّن ماكسويل - على أساس نظريته - من التنبؤ بوجود موجات كهرومغناطيسية؛ أي ذبذبات من القوى الكهربية والمغناطيسية تنتشر عبر الفضاء. وتتولد هذه الذبذبات من تسارع الشحنات الكهربية. وما الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والموجات الراديوية والأشعة السينية إلا أمثلة لهذه الموجات الكهرومغناطيسية، وجميعها تنتقل بسرعة الضوء، ولا تتباين سوى في طولها الموجي. وبالمثل، تمكن أينشتاين من أن يتنبأ - على أساس نظرية الجاذبية التي وضعها - بأنه من المفترض وجود موجات جاذبية، وأنها ناتجة عن تسارع الأجسام الضخمة. رأينا سلفًا أنه يمكن التفكير في الجرم الضخم - كالشمس - كجرم مستقر داخل فجوة في نسيج الزمكان. وعلى نحو مشابه، يمكن تصور موجات الجاذبية بوصفها ذبذبات تمر عبر نسيج الزمكان. وشأن الموجات الكهرومغناطيسية، تنتقل موجات الجاذبية بسرعة الضوء.
ليس الكشف عن موجات الجاذبية هذه بالمهمة اليسيرة. وسبب هذا هو أن التأثيرات التي من المتوقع أن تنتجها ضئيلة. في حالة الموجات الكهرومغناطيسية لا توجد مشكلة؛ فالجسيمات المشحونة التي تدور في دائرة كهربية مغلقة لمعجل جسيمات ومن ثم تتعرض لعجلة طاردة مركزية تنتج على الفور إشعاعًا كهرومغناطيسيا؛ ذلك الإشعاع المسمى «إشعاع المعجل الدوراني التزامني». بالنسبة للإلكترونات يكون فقد الطاقة في ظل هذه الظروف حادًّا للغاية لدرجة أنه من أجل الوصول بها إلى أعلى مستويات الطاقة، من المفضل أن يجري تعجيلها على امتداد أنبوب مستقيم على غرار المعجل الموجود في ستانفورد بكاليفورنيا والبالغ طوله ثلاثة كيلومترات - بدلًا من توجيهها على نحو متكرر في دائرة مغلقة.
لكن في حالة الجاذبية، حتى لو تمكَّنَّا من دفع كتلة من المعدن وزنها عدة أطنان إلى الدوران بسرعة كبيرة لدرجة أنها تصير في خطر التطاير بعيدا بسبب قوى العجلة الطاردة المركزية، فلن يمكنها سوى أن تطلق كمية ضئيلة من الطاقة مقدارها نحو 10-30 واطات على صورة موجات جاذبية.
لهذا السبب، علينا النظر خارج مختبراتنا، ونحو الأجرام السماوية، للعثور على مصادر أقوى لإشعاع الجاذبية. أول دليل - غير مباشر بقدر ما - على إشعاع الجاذبية عُثر عليه في عام .1978 فكما تذكر فإن هالس وتايلور اكتشفا قبل هذا التاريخ بأربعة أعوام نجمًا نابضًا يمثل جزءًا من نظام نجمي ثنائي. وقد رأينا كيف أنه قدم لنا أفضل اختبار حتى ذلك الوقت على بدارية الحضيض الشمسي للجسم الذي يدور في مدار. ظهرت نتيجة أخرى لهذا الاكتشاف؛ وهي نتيجة عادت على هذين المكتشفين بجائزة نوبل في عام 1993. النجوم النابضة هي نجوم نيوترونية تطلق تيارات من الإشعاع من قطبيها الشمالي والجنوبي، ثم تلتف هذه التيارات مع حركة النجم حول نفسه. وإذا حدث أن وقعت الأرض في مسار هذه الأشعة الدوارة، فسنرصد سلسلة من النبضات المنتظمة؛ على نحو أشبه بالسفينة التي تتلقى وهي في عرض البحر نبضات الضوء الصادرة عن الإشعاع الدوار الذي يطلقه الفنار. في حالتنا هذه يتكون الإشعاع من موجات راديوية وما اكتشفه هالس وتايلور هو أن الدورة الأساسية لهذا النجم النابض (وقدرها 0.05903 ثانية) كانت ثابتة للغاية (ولا تزيد بأكثر من 5% كل مليون عام)؛ ومن ثم فهي تعد ساعة دقيقة للغاية. ومع هذا، كان ملحقا بهذا الإيقاع المنتظم دورة من الإيقاع المتفاوت. وقد فسرت هذه الدورة بأنها إزاحة دوبلر ناجمة عن الطريقة التي يتحرك بها النجم النابض مقتربا منا ثم مبتعدا عنا خلال دورانه حول رفيقه الخفي. وقد وجد أن فترة الدوران تبلغ نحو ثماني ساعات. لكن المثير للاهتمام حقًّا هو أن هذه الفترة كانت تقصر على نحو متزايد لم يكن مقدار النقص كبيرًا - بل نحو 75 جزءًا على المليون من الثانية في العام - لكن على مدار الأعوام الأربعة من الرصد بدا التأثير ملموسا. بمعنى آخر كان النجم النابض― خلال حركته حول رفيقه ― يفقد طاقة، وكان يسير في مدار حلزوني يضيق مع الوقت. وقد أرجع سبب هذا إلى أنه يشع موجات جاذبية. وقد اتفقت النسبة المحسوبة من واقع نظرية أينشتاين مع النسبة المرصودة حتى حدود دقة قدرها نصف درجة في المائة.
شکل 2-:17 رسم تخطيطي يبين الشكل العام لأداة هدفها الكشف عن موجات الجاذبية.
لكن بالطبع نحن نود أن نرصد موجات الجاذبية بواسطة معدات موجودة في المختبر. يعرض الشكل 2-17 مخططا لإحدى هذه المعدات. الفكرة هنا هي شطر شعاع ليزر بحيث يُرسل شعاعان في اتجاهين عموديين أحدهما على الآخر، وبعد أن ينتقلا عبر أنابيب مفرغة لعدة كيلومترات يُعكَسان ثانية نحو المصدر، حيث يُسمح لهما بالاتحاد والتداخل أحدهما مع الآخر. والفكرة هي أن موجة الجاذبية المارة عبر الكاشف ستجعل إحدى هاتين المسافتين تقل والثانية تزيد. ومن المفترض أن يؤدي هذا إلى إخلال الطريقة التي يتحد بها الشعاعان؛ وهو التأثير الذي يمكن رصده بواسطة كاشف ضوئي. يُطلق على هذه الأداة اسم مقياس التداخل. ولكي نزيد من حساسية الأداة للتغيرات الدقيقة في المسافة، يُجبر كل شعاع من الشعاعين على اجتياز رحلة العودة نحو مائة مرة. وبهذه التقنية يؤمل أن نتمكن من الكشف، مثلا عن موجات الجاذبية المنبعثة خلال أحد انفجارات المستعرات العظمى، وإن كان من المستبعد أن ينتج انفجار مستعر أعظم تام التناظر مثل هذه الموجات. لكن لحسن الحظ لا يُنتظر أن تكون هذه الانفجارات تامة التناظر؛ فالنجوم التي تُنهي حياتها بانفجار كهذا يُتوقع أنها تدور حول نفسها. علاوةً على ذلك، بعض هذه النجوم أعضاء في نظم نجمية ثنائية. وهكذا، من الناحية العملية، من المنتظر أن تكون انفجارات المستعرات العظمى متناظرة؛ ومن ثم أن تبعث نبضة من موجات الجاذبية.
مشكلة انتظار حدوث انفجار مستعر أعظم هي أن هذه الانفجارات لا تحدث كثيرًا. ففي مجرتنا - درب التبانة - يُتوقع أن تقع هذه الانفجارات بمتوسط مرة كل 30 عاما. هذا يعني أن ثمة احتمالا كبيرًا أن يُمضي عالم الفلك حياته المهنية كلها وهو ينتظر وقوع أحدها دون طائل. ولهذا السبب، لا بد أن يمتد البحث إلى المجرات القريبة. لكن هذا سيعني بالطبع أن قوة الإشارة التي نأمل في رصدها ستتضاءل (إذ تتناسب شدة الإشارة عكسيًّا المسافة مع مربع التي تقطعها). إن الحاجة إلى أن نكون قادرين على رصد الإشارات الصغيرة من المجرات الأخرى هي التي تحدد درجة الحساسية المطلوبة في معداتنا. والهدف هو أن نرصد التغيرات الحادثة في الطول بمقدار جزء واحد في كل 1021 أجزاء؛ أو ما يساوي واحدًا على الألف من حجم البروتون. في الوقت الحالي، هناك العديد من مقاييس التداخل الكبيرة هذه، وتديرها فرق أمريكية وفرنسية إيطالية، وألمانية بريطانية، ويابانية. ولا نزال في انتظار أولى عمليات الرصد الإيجابية لموجات الجاذبية. ماذا عن المستقبل؟ هناك بالفعل خطط لإطلاق مقياس تداخل إلى الفضاء، ووقتها لن نكون متحررين من الاضطرابات العشوائية الموجودة هنا على الأرض والتي تحد من حساسية معداتنا وحسب، بل سنكون أيضًا قادرين على أن نزيد على نحو عظيم مسار العودة الذي سيتعين على أشعة الليزر أن تقطعه. يتكون مشروع لاقط مقياس التداخل الفضائي الليزري (المعروف اختصارًا بالاسم ليزا») من ثلاث محطات فضائية حاملة للمرايا، موضوعة على مسافة خمسة ملايين كيلومتر بعضها من بعض.
وبينما تستطيع المعدات العاملة حاليًّا - بمسارات العودة الخاصة بها البالغ طولها كيلومترات عديدة - أن تكشف عن ترددات موجات الجاذبية حتى شدة قدرها نحو 100 هرتز وأكثر من ذلك، تستطيع الأذرع الممتدة للاقط ليزا الكشف عن ترددات أعلى بكثير، تبلغ مثلا ميللي هرتز واحدًا. سيمكنها هذا من استكشاف طيف موجات الجاذبية المتوقع أن يفيد في التحقق من أولى المراحل المبكرة لتطور الكون؛ المرحلة التي سنطلق عليها في القسم التالي اسم «التضخم».
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|