أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-09-2015
1760
التاريخ: 24-09-2015
2419
التاريخ: 13-9-2020
20709
التاريخ: 25-03-2015
1431
|
وهو
أن يأتي المتكلم بمعنى في غرض من أغراض الشعر، ثم يعلق به معنى آخر من ذلك الغرض
يقتضي زيادة معنى من معاني ذلك الفن، كمن يروم مدحاً لإنسان بالكرم فيعلق بالكرم
شيئاً يدل على الشجاعة، بحيث لو أراد أن يخلص ذكر الشجاعة من الكرم لما قدر. ومن
ذلك في الكتاب العزيز قوله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) فإنه سبحانه لو اقتصر على وصفهم
بالذل على المؤمنين، لاحتمل أن يتوهم ضعيف الفهم أن ذلهم عن عجز وضعف، فنفى ذلك
عنهم، وكمل المدح له بذكر عزهم على الكافرين، ليعلم أن ذلهم للمؤمنين عن تواضع لله
سبحانه، لا عن ضعف ولا عجز بلفظ اقتضت البلاغة الإتيان به، ليتمم بديع اللفظ كما
تمم المدح، فحصل في هذه الألفاظ الاحتراس مدمجاً في المطابقة، وذلك تبع للتعليق
الذي هو المطلوب من الكلام.
ومن
أمثلة التعليق قول المتنبي [طويل]:
إلى
كم ترد الرسل عما أتوا به ... كأنهم فيما وهبت ملام
فعلق
الكرم بالشجاعة لكونه شبه رسل العدو بالملام في الهبة، فهو كثير ما يردهم عما
يطلبون منه تهاوناً بمرسلهم، وشجاعة عليهم، وتسرعاً إلى حربهم، ورغبة في ما دون
سلمهم، ثم حصل من التشبيه الذي علق به الكرم بالشجاعة وصفه بغاية الكرم، إذ دل على
أنه عاشق في الجود، ولا يسمع فيه ملاماً، ولا يصغي إلى عاذل، وقد يعلق المتكلم
فناً من فنون الكلام بمعنى من معاني البديع، وما سمعت في ذلك أحلى من قول بعض
العراقيين في بعض القضاة، وقد شهد عنده برؤية هلال الفطر، فلم يجز الشهادة [رمل مجزوء]:
أترى
القاضي أعمى ... أم تراه يتعامى
سرق
العيد كأن الـ ... ـعيد أموال اليتامى
فعلق
خيانة القاضي في أموال اليتامى بما قدمه من خيانته في أمر العيد برابطة التشبيه.
ومن
مليح التعليق قول المتنبي في صفة الليل، وهو من الصنف الأول من التعليق [وافر]:
أقلب
فيه أجفاني كأني ... أعد به على الدهر الذنوبا
فإنه
علق فن عتاب الزمان بفن الغزل اللازم من فن الوصف بواسطة أداة التشبيه، فعلق
الافتنان بالتشبيه، فأحسن ما شاء.
ومن
أحسن ما سمعت في التعليق قول أبي نواس، وهو من الصنف الثاني من التعليق [مجزوء الوافر]:
لهم
في بيتهم نسب ... وفي وسط الملا نسب
لقد
زنوا عجوزهم ... ولو زنيتها غضبوا
فإنه
علق هجاءهم بفجور أمهم يدعونهم في النسب، فكان في ذلك هجاء أبيهم، لكونهم لم يرضوا
نسبتهم إليه، فكأن الشاعر رأى هجاءهم بفجور أمهم دون هجائهم بدناءة أبيهم ناقصاً،
فيتم ما أراد من هجائهم بما قال، وظرف ما شاء بقوله: ولو زنيتها غضبوا .
ومثله
قوله أيضاً إلا أن فيه زيادة على كل ما قدمنا لكونه يجمع صنفي التعليق.
أما
التعليق الأول فلأنه علق على التهكم بالهجاء، ولم يقتصر على الهجاء.
وأما
الثاني فكونه علق الافتنان الذي هو الهجاء والفخر على ما بينه بمعنى التشبيه
والإدماج [وافر]:
فأعرض
هيثم لما رآني ... كأني قد هجوت الأدعياء
وقد
آليت لا أهجو دعياً ... ولو بلغت مروءته السماء
ومن
لطيف تهكمه في هذا البيت قوله:
ولو
بلغت مروءته السماء
وقد
أدمج الافتنان في التهكم لأن معناه أني لا أهجو إلا من بلغت مروءته الغاية القصوى.
وكذلك
قصد الشعراء وعقلاء البلغاء، يتخيرون لهجائهم كما يتخيرون لمديحهم.
وقد
وقع لي في هذا الباب من المدح ما لا بأس بذكره، وهو الصنف الأول من التعليق [طويل]:
تخيل
أن القرن وافاه سائلا ... فقابله طلق الأسرة ذا
بشرا
ونادى
فرند السيف دونك نحره ... فأحسن ما تهدي اللآلي إلى
النحر
فإني
علقت ذكر الكرم بذكر الشجاعة، حيث وصفت الممدوح بطلاقته وتهلله استبشاراً بالقرن
لما تخيله سائلاً، واهدائه فرند السيف وهو جوهره إلى نحره لما تخيل الفرند لآلئا،
هذا إلى ما وقع في البيت الثاني من التورية بذكر النحر، والترشيح بذكر اللآلي.
ومن
التعليق العجيب قولي أيضاً مما علقت فيه الاستعطاف بالعتب بطريق الإدماج [طويل]:
أإخواننا
بالله ما لجفائكم ... غدا لي بعد السلم وهو مصالت
أحين
أمنتم من ملامي وأيقنت ... نفوسكم أني مدى الدهر
ساكت
تخليتم
عني وخنتم مواثقاً ... لها بعد توكيد العهود تهافت
وأقررتم
عين الحسود عليكم ... فسرت نفوس بالبعاد شوامت
سأصبر
حتى ينفد الصبر كله ... وينطق حالي والقوافي صوامت
وأعطفكم
بالشعر ما ذر شارق ... وأخلبكم بالنثر ما عجَّ قانت
وأعذر
إن عرضت يوماً بعتبكم ... ليحيا وداد بالتجنب مائت
وهأنا
موصيكم وصية ناصح ... لكم وده عند الحفيظة ثابت
بأن
تتحاموا من فوات بوادري ... فإن بعيداً رد ما هو فائت
وأن
تهدموا ما قد بنيتم وتعطشوا ... من الود غرساً قد غدا وهو
نابت
ومن
التعليق فرع يسمى تعليق الشرط، وهو أن يعلق المتكلم مقصوده على شرط يلزم من تعليقه
مبالغة في ذلك المعنى، أو نوعاً من المحاسن زائداً على وقوع المشروط لوقوع الشرط،
وذلك كقول أبي تمام [طويل]:
فإن
أنا لم يحمدك عنِّيَ صاغراً ... عدوك فاعلم أنني غير حامد
فعلق
صحة حمده لممدوحه على حمد عوده صاغراً إن لم يحمد الممدوح عدوه صاغراً لا يكون
الشاعر له حامداً. وقد استقصيت الكلام على هذا البيت في باب المقارنة والفرق بين
التعليق التكميل شدة ملاحمة الفنين في التعليق، واتحادهما، وإن وجد لفظيهما فيه
وتخليص أحدهما من الآخر في التكميل، ولأن من التعليق تعليق الشرط، ومنه تعليق
الفنون بالمعاني، والله أعلم.