الإمام الرضا ( عليه السّلام ) ومحنة أبيه الكاظم ( عليه السّلام ) |
2285
07:40 مساءً
التاريخ: 30-1-2023
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-8-2016
3597
التاريخ: 16-10-2015
4141
التاريخ: 2-8-2016
4608
التاريخ: 19-05-2015
3487
|
أدرك هارون الرشيد عمق الارتباط بين الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) والمسلمين ، ووجد أنّ القاعدة الشعبية للإمام ( عليه السّلام ) تتوسّع بمرور الزمن ، فما دام الإمام حيّا فإنّ المسلمين يقارنون بين منهجين : منهج الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) ومنهج هارون ، وبالمقارنة يشخّصون النهج السليم المستقيم عن النهج المنحرف .
ومن هنا أدرك خطورة بقاء الإمام ( عليه السّلام ) حرّا نشيطا ، فأخذ يخطط لسجنه ، وتجميد نشاطه والمنع من تأثيره في المسلمين .
إضافة إلى ذلك فإنّ مواجهة الإمام ( عليه السّلام ) له في أكثر من موقف واعتراضه عليه أمر لا يمكن لشخصية مثل هارون أن تسكت عنه ، كما لم يسكت الإمام على تصرفات هارون العدوانية على الأمة الاسلامية وشريعة سيد المرسلين ، وتجلت المعارضة والمواجهة في مواقف وممارسات لم يستطع هارون استيعابها ، فحينما قال له : يا أبا الحسن حدّ فدك حتى أردّها عليك ، فأجابه : « لا آخذها الّا بحدودها » ، وقد حدّدها له ب « عدن ، وسمرقند ، وإفريقية ، وسيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية » ، وقد وضّح الإمام ( عليه السّلام ) بأنّ فدكا هي الخلافة المغتصبة ، وعند ذلك عزم على قتله[1].
وسلّم هارون على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) عند قبره قائلا : السلام عليك يا رسول اللّه يا ابن العم ، فقال الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) : « السلام عليك يا ابه » ، فقال هارون : هذا هو الفخر . ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه في سنة ( 169 ه ) وسجنه فأطال سجنه[2] ثم أفرج عنه بعد ذلك .
وادخل الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) على هارون مرّة ، فقال له ما هذه الدار ؟
فقال ( عليه السّلام ) : « هذه دار الفاسقين »[3].
وكثرت الوشايات ضد الإمام ( عليه السّلام ) عند هارون تحرضه عليه وكانت منها وشاية يحيى البرمكي حيث قال له : إنّ الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب ، وانّ له بيوت أموال[4].
فقام هارون باعتقال الإمام ( عليه السّلام ) سنة ( 179 ه ) وبقي في سجن البصرة سنة كاملة كما تقدم .
وفي سنة ( 180 ه ) سجن ببغداد ، ونقل من سجن إلى آخر حتى اغتاله أحد عملائه وهو في السجن .
وكان الإمام الرضا ( عليه السّلام ) يزوره في السنين الأولى من سجنه كما هو المستفاد من رواية علي بن يقطين حول الوصية له[5].
وأمر الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) الإمام الرضا ( عليه السّلام ) أن : « ينام على بابه في كل ليلة ما كان حيّا إلى أن يأتيه خبره ، فمكث على هذه الحالة أربع سنين ، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عن فراشه ولم يأت فاستوحش العيال ، فلما كان من الغد أتى الدار ودخل إلى العيال وقصد إلى أم أحمد زوجة أبيه ، فقال لها : هات التي أودعك أبي ، فصرخت وقالت : مات واللّه سيدي ، فكفّها وقال لها : لا تكلمي بشيء ولا تظهريه ، حتى يجيئ الخبر إلى الوالي[6].
وقد أوصل محمد بن الفضل الهاشمي خبر استشهاد الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) إلى الإمام الرضا ( عليه السّلام ) بأمر منه ودفع اليه بعض الودائع لإرسالها اليه .
وفي اليوم نفسه ذهب محمّد إلى البصرة ليبلّغ خبر استشهاد الإمام ( عليه السّلام ) ثم تبعه الإمام الرضا ( عليه السّلام ) بعد ثلاثة أيام من وصوله ، فأقرّ له بعض أهل البصرة بالإمامة فرجع في نفس اليوم إلى المدينة .
ثم اتّجه الإمام الرضا ( عليه السّلام ) إلى الكوفة والتقى بأتباع أبيه ثم عاد إلى المدينة[7].
ولمّا شاع خبر رحيل الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) في المدينة اجتمع أتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) على باب أم أحمد ، واجتمعوا مع أحمد ابن الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) فذهب بهم إلى أخيه الإمام الرضا ( عليه السّلام ) فبايعوه على الإمامة[8].
ولم يتصدّ الإمام ( عليه السّلام ) علنا لإمامة المسلمين ، وإنّما كان الأمر سرّيا ولم يعلن عنه الّا بعد أربع سنين طبقا لوصية أبيه .
وقد عاش الإمام الرضا ( عليه السّلام ) محنة أبيه وانتقالاته من سجن إلى سجن حتّى استشهاده ولم تكن الظروف ملائمة ، ولم توجد مصلحة في إعلان المعارضة ، فبقي الإمام ( عليه السّلام ) يتجرّع الألم ومرارة المحنة كاتما أنفاسه مراعيا للظروف العصيبة التي تمر بالمسلمين عموما وبأتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) خصوصا .
الانفراج النسبي في عهد هارون
لقد استشهد الإمام الكاظم مسموما سنة ( 183 ه )[9] وبايعاز من هارون الرشيد ، وكان هارون يخشى تسرّب خبر السم والاغتيال إلى المجتمع الاسلامي . من هنا خطط لتفادي ذلك ، وذلك حين جمع القوّاد والكتّاب والقضاة وبني هاشم ، ثم كشف عن وجه الإمام ( عليه السّلام ) وقال : أترون أنّ به أثرا ما يدلّ على اغتيال ؟ قالوا : لا[10].
وأدخل السندي بن شاهك الفقهاء ووجوه أهل بغداد ، ليتفحصوا في جثمانه ، فنظروا إليه ولا أثر به من جراح أو خنق ، وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه ، فشهدوا على ذلك ، وأخرج الجثمان الطاهر ووضعه على الجسر ببغداد ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه[11].
وبقيت الهواجس محيطة بهارون ، حيث كان يحتمل أن تنفجر الأوضاع متمثلة في حركة شعبية واسعة تهدّد سلطانه ، لذا اتّخذ أسلوب التخفيف من محاصرة الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وأهل بيته لامتصاص النقمة الشعبية وتقليل ردود الأفعال ، ولم يتخذ أيّ إجراء متشدّد مع الإمام ( عليه السّلام ) ، ورفض الاستجابة لمن أراد منه قتله ، كما نلاحظ في موقفه من عيسى بن جعفر حيث قال لهارون : اذكر يمينك التي حلفت بها في آل أبي طالب ، فإنّك حلفت إن ادّعى أحد بعد موسى الإمامة ضربت عنقه صبرا ، وهذا عليّ ابنه يدّعي هذا الأمر ، ويقال فيه ما يقال في أبيه ، فنظر اليه مغضبا فقال : وما ترى ؟ ! تريد أن أقتلهم كلهم ؟ ![12].
وحينما حرّضه خالد بن يحيى البرمكي على قتل الإمام الرضا ( عليه السّلام ) قال هارون : يكفينا ما صنعنا بأبيه ، تريد أن نقتلهم جميعا ؟ ![13].
إن موقف هارون هذا كان ناجما عن رغبته في امتصاص النقمة الشعبية أوّلا ، ولم يلاحظ أيّ نشاط معارض لسلطانه من الإمام الرضا ( عليه السّلام ) على الرغم من كثرة الجواسيس والوشايات وشدّة المراقبة له .
التصدّي للإمامة
وفي الفترة الواقعة بين سنة ( 183 ه ) إلى سنة ( 187 ه ) لم يعلن الإمام الرضا ( عليه السّلام ) عن إمامته ، ولم يظهر له أيّ تحرّك علني في المدينة من خطب أو لقاءات عامّة ، ولم يسجّل عليه أي حضور في المحافل العامة .
وقد أدرك هارون من خلال أخبار عيونه أنه كان بعيدا عن الأحداث ، وهذا ظاهر من الرواية التالية التي تقول :
« دخل أبو الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) السوق ، فاشترى كلبا وكبشا وديكا ، فلما كتب صاحب الخبر إلى هارون بذلك ، قال : قد أمنّا جانبه »[14].
ولم يصدّق هارون الأخبار الواردة عن غير طريق عيونه السرّيّة ، كالخبر الذي أورده أحد أحفاد الزبير بن العوّام على هارون من أنّه : قد فتح بابه ودعا إلى نفسه ، فقال هارون عند وصول الخبر : واعجبا من هذا ! يكتب أنّ علي بن موسى ( عليه السّلام ) قد اشترى كلبا وكبشا وديكا ، ويكتب فيه ما يكتب[15].
فلم يلتفت إلى قول الزبيري ، وترك الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وشأنه ، إلى أن مضت أربع سنين من استشهاد الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) فقام الإمام الرضا ( عليه السّلام ) بالأمر علنا عملا بوصية من أبيه - كما تقدم - وكان ذلك في سنة ( 187 ه ) وهي السنة التي قام فيها هارون بقتل البرامكة ، وكان لقتلهم دور كبير في خلخلة الأوضاع السياسة لأنّهم كانوا أركان الحكومة ومشيّدي صرحها ، وبقتلهم انتهت أو خفّت الوشايات على الإمام الرضا ( عليه السّلام ) لأنهم كانوا من أشدّ المحرّضين على قتل أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، وهذه الظروف ساعدت الإمام ( عليه السّلام ) على التصدّي للإمامة ، فقام بالأمر وهو مطمئن إلى عدم قدرة هارون على سجنه أو قتله ، وقد حذّره بعض أنصاره من التصدّي للإمامة وقالوا : إنّك أظهرت أمرا عظيما وإنّا نخاف عليك من هذا الطاغية فقال ( عليه السّلام ) : « ليجهدنّ جهده فلا سبيل له عليّ »[16].
وأجابهم في موقف آخر قائلا : « إن خدشت خدشا من قبل هارون فأنا كذّاب »[17].
وتصدّي الإمام الرضا ( عليه السّلام ) لا يعني المعارضة السياسية ، فقد تصدّى الإمام ( عليه السّلام ) لمحاربة الأفكار والعقائد الهدّامة واهتم بنشر الفكر الاسلامي السليم في مجالي العقيدة والشريعة ، وهذا الأمر لا يهمّ هارون ما دام الإمام ( عليه السّلام ) لا يعارض سلطانه .
ومما ساعد على هذا الانفراج النسبي هو انتقال هارون إلى الرّي سنة ( 189 ه ) ، ثم إلى خراسان سنة ( 192 ه ) ، ثم وفاته سنة ( 193 ه ) .
[1] ربيع الأبرار : 1 / 316 وعنه في تذكرة الخواص : 314 .
[2] البداية والنهاية : 10 / 183 .
[3] الاختصاص : 262 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 156 .
[4] مقاتل الطالبيين : 415 .
[5] الكافي : 1 / 311 .
[6] الكافي : 1 / 381 - 382 .
[7] الخرائج والجرائح : 1 / 341 ح 1 وعنه في بحار الأنوار : 49 / 73 .
[8] المختار من تحفة العالم للسيد جعفر بحر العلوم ، الملحق ببحار الأنوار : 48 / 307 - 308 .
[9] مروج الذهب : 3 / 355 .
[10] تاريخ اليعقوبي : 2 / 414 .
[11] الارشاد : 2 / 242 وعنه في إعلام الورى : 2 / 34 وفي كشف الغمة : 3 / 24 .
[12] عيون أخبار الرضا : 2 / 226 .
[13] الفصول المهمة : 245 .
[14] عيون أخبار الرضا : 2 / 205 .
[15] عيون أخبار الرضا : 2 / 226 .
[16] إعلام الورى : 2 / 60 وفي الفصول المهمة : 245 .
[17] عيون أخبار الرضا : 2 / 213 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يصدرُ مجموعةَ أبحاثٍ علميَّةٍ محكَّمةٍ في مجلَّة الذِّكرِ
|
|
|