أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-14
149
التاريخ: 2024-05-11
760
التاريخ: 22-8-2022
1620
التاريخ: 30-3-2016
2210
|
{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ...}[التوبة/٤٠]
"ومن حكايات الشيخ أدام الله عزه وكلامه» قال الشيخ أدام الله عزه: قال أبو الحسين الخياط (1)، جاءني رجل من أصحاب الإمامة عن رئيس لهم ، زعم أنه أمره أن يسألني عن قول النبي(صلى الله عليه واله وسلم) لأبي بكر: "لا تحزن" اطاعة حزن أبي بكر أم معصية؟ قال: فإن كان طـاعة فقد نهاه عن الطاعة ، و إن كان معصية ، فقد عصى أبو بكر.
قال فـقـلت له: دع الجـواب اليـوم ، ولكـن ارجـع إليـه فأسأله عن قول الله(عزوجل) لموسى(عليه السلام): {لَا تَخَفْ} [طه: 21] ، أيخلو خوف موسى(عليه السلام) من أن يكون طاعة أو معصية؟ فإن يكن طاعة فقد نهاه عن الطاعة ، و إن يكن معصية ، فقد عصى موسى(عليه السلام).
قال فمضى ، ثم عاد إلي ، فقلت له: رجعت إليه؟ قال نعم ، فقلت له: ما قال؟ قال: قال لي لا تجلس إليه.
قال الشيخ أدام الله عـزه: ولست أدري صحة هذه الحكاية ، ولا أبعد أن يكون تخرصها الخياط ، ولو كان صادقاً في قوله: إن رئيساً من الشيعة أنفذ يسأله عـنه السؤال لما سكت عن إسقاط ما أورده من الاعتراض.
ويقوى في النفس أن الخياط أراد التقبيح على أهل الإمامة في تخرص الحكاية ، غير أني أقول له ولأصحابه: الفصل بين الأمرين واضح؛ وذلك أني لو خليت وظاهر قوله تعالى لموسى: {لا تخف} ، وقوله لنبيه(صلى الله عليه واله وسلم): {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: 65].
وما أشبه هذا مما يوجه إلى الأنبياء ، لقطعت على أنه نهى لهم عن قبيح يستحق فاعله الذم عليه؛ لأن في ظاهره حقيقة النهي من قوله لا تفعل ، كما أن في ظاهر خلافه ومقابله في الكلام حقيقة الأمر إذا قال له: افعل ، لكنى عدلت عن الظاهر في مـثـل هـذا ، لدلالة عقلية أوجبت علي العدول عنه ، كما توجب الدلالة على المرور مع الظاهر عند عـدم الدليل الصارف عنه ، وهي ما ثبت من عصمة الأنبياء(عليهم السلام) ، التي تنبئ عن اجتنابهم الآثام.
وإذا كان الاتفاق حاصلاً على أن أبا بكر لم يكن معصوماً كعصمة الأنبياء ، وجب أن يجري كلام الله تعالى فيما ضمنه من قصته على ظاهر النهي وحقيقته ، وقبح الحال التي كان عليها ، فتوجه النهي إليه عن استدامتها؛ إذ لا صارف يصرف عن ذلك من عصمة ولا خبر عن الله تعالى فيه ولا عن رسوله.
فقد بطل ما أورده الخياط ، وهو في الحقيقة رئيس المعتزلة ، وبان وهـن اعـتماده. ويكشف عن صحة ما ذكرناه ما تقدم به مشایخنا ، رحمهم الله تعالى ، وهـو أن اللـه سبحانه ، لم ينزل السكينة قط على نبيه(صلى الله عليه واله وسلم) ، في موطن كان معه فيه أحد من أهل الإيمان ، إلا عمهم في نزول السكينة وشملهم بها. بذلك جاء القرآن ، قال الله(عزوجل): {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 25، 26].
وقال في موضع آخر: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 26].
ولما لم يكن مع النبي(صلى الله عليه واله وسلم) في الغار إلا أبو بكر ، أفرد الله(صلى الله عليه واله وسلم) نبيه بالسكينة دونه وخصه بها ولم يشركه معه.
وقال الله(عزوجل): { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} ، فلو كان الرجل مؤمناً لجرى مجرى المؤمنين في عموم السكينة لهم ، ولولا أنه أحدث بحزنه في الغار منكراً ، لأجله توجه النهي إليه عن استدامته لما حرمه الله تعالى من السكينة ما تفضل به على غيره من المؤمنين الذين كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في المواطن الأخرى ، على ما جاء في القرآن ، ونطق به محكم الذكر بالبيان ، وهذا بين لمن تأمله.
قال الشيخ أيده الله: وقد خير هـذا الكلام جماعة من الناصبة ، وضيق عـليهم صدورهم ، ، فتشعبوا واختلفوا في الحيلة للتخلص منه ، فما اعتمد منهم أحد إلا عـلى ما يدل على ضعف عقله ، وسخف رأيه وضلاله عن الطريق.
فقال قوم منهم: إن السكينة إنما نزلت على أبي بكر واعتلوا في ذلك بأنه كان خائفاً رعباً ، ورسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) كان آمناً مطمئناً ، وقالوا والأمن غني عن السكينة ، وإنما يحتاج إليها الخائف الوجل.
قال الشيخ أدام الله عزه: فيقال لهم: جنيتم بجهلكم على أنفسكم ، وطعنتم عـلى كتاب الله(عزوجل) بهذا الضعيف الواهي من استدلالكم؛ وذلك أنـه لـو كـان مـا اعـتـللتم بـه صحيحاً ، لوجب أن لا تكون السكينة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في يوم بدر ولا في يوم حنين ، لأنه لم يكن في هذين الموطنين خائفاً ولارعباً ولا جزعاً ، بل كان آمناً مطمئناً متيقنا بكون الفتح له ، وأن الله(عزوجل) يظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وفيما نطق به القرآن من نزول السكينة عليه ، ما يدمر على هذا الاعتلال.
فإن قلتم: إن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) كان في هذين المقامين خائفاً ، و إن لم يـبـد خـوفه ، ولذلك نزلت السكينة عليه فيهما ، وحملتم أنفسكم على هذه الدعوى. قلنا لكم: وهذه كانت قصته(صلى الله عليه واله وسلم) في الغار ، فبم تدفعون ذلك؟
فإن قلتم: إنه(صلى الله عليه واله وسلم) قد كان محتاجاً إلى السكينة فـي كل حال ، لينتفي عـنـه الخوف والجزع ولا يتعلقان به في شيء من الأحوال ، نقضتم ما سلف لكم من الاعتلال ، وشهدتم ببطلان مقالكم الذي قدمناه ، على أن نـص التـلاوة يـدل عـلـى خـلاف ما ذكرتموه ، وذلك أن الله سبحانه قال: { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا } ، فأنبأ الله ، سبحانه خلقه أن الذي نزلت عليه إلى السكينة ، هـو المـؤيد بالملائكة ، إذ كانت الهاء التي في التأييد ، تدل على ما دلت عليه الهاء التـي فـي نـزول السكينة ، وكانت هاء الكناية في مبتدأ قوله: { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ } إلى قوله: { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا } عن مكنى واحد ، ولم يجز أن تكون عن اثنين غيرين ، كما لا يجوز أن يقول القائل: لقيت زيداً ، فكلمته وأكرمته ، فيكون الكلام لزيد بهاء الكناية ، وتكون الكرامة لعمرو أو خالد أو بكر.
وإذا كان المؤيد بالملائكة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) باتفاق الأمة ، فقد ثبت أن الذي نزلت عليه السكينة ، هو خاصة دون صاحبه. وهذا ما لا شبهة فيه.
وقال قوم منهم: إن السكينة و إن اختص بها النبي(صلى الله عليه واله وسلم) ، فليس يدل ذلك ، على نقص الرجل ، لأن السكينة إنما يحتاج إليها الرئيس المتبوع دون التابع.
فيقال لهم: هذا أيضاً رد على الله تعالى؛ لأنه قد أنزلها على الأتباع المرؤوسين ببدر وخنين وغيرهما من المقامات ، فيجب على ما أصلتموه أن يكون الله سبحانه فعل بهم ما لم تكن بهم الحاجة إليه ، ولو فعل ذلك لكان عابئاً ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً.
قال الشيخ: وهاهنا شبهة يمكن إيرادها ، هي أقوى مما تقدم ، غير أن القوم لم يهتدوا إليها ولا أظن أنها خطرت ببال أحد منهم ، وهي أن يقول قائل: قد وجدنا الله سبحانه ذكر شيئين ، ثم عبر عن أحدهما بالكناية ، فكانت الكناية عنهما دون أن تختص بأحدهما ، وهو مثل قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]. فأورد لفظ الكناية عن الفضة خاصة وإنما أرادهما جميعاً معاً وقد قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
وإنما أراد نحن بما عـنـدنـا راضـون وأنت راض بما عـندك ، فذكر أحد الأمرين واستغنى عن الآخر ، كذلك يقول سبحانه: { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } ويريدهما جميعاً دون أحدهما.
والجواب عن هذا وبالله التوفيق: أن الاقتصار بالكناية على أحد الأمرين دون عموم الجميع مجاز واستعارة ، استعمله أهل اللسان في مواضع مخصوصة ، وجاء به القـرآن في أماكن محصورة ، وقد ثبت أن الاستعارة ليست بأصل يجري في الكلام ولا يصح عليها القياس ، وليس يجوز لنا أن نعدل عن ظواهر القرآن وحقيقة الكلام إلا بدليل يلجأ إلى ذلك ولا دليل في قوله تعالى: { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } ، فيتعدى من أجله المكنى عنه إلى غيره.
وشيء آخر: وهو أن العرب إنما تستعمل ذلك إذا كان المعنى فيه معروفاً والالتباس منه مرتفعاً ، فتكتفي بلفظ الواحد عن الإثنين للإختصار ، مع الأمن من وقـوع الشبهة والارتياب ، فأما إذا لم يكن الشيء معروفاً ، وكان الالتباس عند أفراده متوهماً ، لم يستعمل ذلك ، ومن استعمله كان عندهم ملغزاً معمياً.
ألا ترى أن الله سبحانه لما قال: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ، علم كل سامع للخطاب أنه أرادهما معاً بما قدمه من كراهة كنزهما ، المانع من إنفاقهما ، فلما عم الشيئين بذكر يتضمنهما في ظاهر المقال بما يـدل عـلى مـعنى ما أخره من ذكر الإنفاق ، اكتفى بذكر أحدهما للاختصار.
وكذلك قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] إنما اكتفى بالكناية عن أحدهما في ذكرهما معاً لما قدمه في ذكرهما من دليل ما تضمنته الكناية ، فـقال تعالى: { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا } ، فأوقع الرؤية على الشيئين جـميعاً وجعلهما سبباً للاشتغال بما وقعت عليه منهما عن ذكر الله(صلى الله عليه واله وسلم) والصلاة ، وليس يجوز أن يقع الالتباس في أنه أراد أحدهما مع ما قدمه من الذكر؛ إذ لو أراد ذلك ، لخلا الكلام عن الفائدة المعقولة ، فكان العلم بذلك يجزي في الاشارة إليه.
وكذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } [التوبة: 62] لما تقدم ذكـر اللـه عـلى التفصيل ، وذكر رسوله على البيان دل على أن الحق في الرضا لهما جميعاً ، وإلا لم يكن ذكرهما جميعاً معاً يفيد شيئاً على الحد الذي قدمناه ، وكذلك قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
لو لم يتقدمه قوله: نحن بما عندنا ، لم يجز الاقتصار على الثاني ، لأنه لو حمل الأول على إسقاط المضمر من قوله راضون ، لخلا الكلام عن الفائدة؛ فلما كان سائر ما ذكرناه معلوماً عند من عقل الخطاب ، جـاز الاقـتصـار فـيـه عـلـى أحـد المذكورين للإيجاز والاختصار.
وليس كذلك قوله تعالى: { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } لأن الكلام يتم فيها ، وينتظم في وقوع الكناية عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) خاصة دون الكائن معه في الغار ، ولا يفتقر إلى رد الهاء عليهما معاً مع كونها في الحقيقة كناية عن واحد في الذكر وظاهر اللسان ، ولو أراد بها الجميع ، لحصل الالتباس والتعمية والألغاز ، لانه كما يكون التلبيس واقعاً عـند دليل الكلام على انتظامها للجميع متى أريد بها الواحدة ، مع عدم الفائدة ، ولو لم يرجع على الجميع؛ كذلك يكون التلبيس حاصلاً إذا أريد بها الجميع عند عدم الدليل الموجب لذلك وكمال الفائدة مع الاقتصار على الواحد في المراد.
ألا ترى أن قائلاً لو قال لقيت زيداً ومعه عمرو ، فخاطبت زيداً وناظرته ، وأراد بذلك مناظرة الجميع ، لكان ملغزاً معمياً؛ لانه لم يكن في كلامه ما يفتقر إلى عموم الكناية عنهما ، ولو جعل هذا نظيراً للآيات التي تقدمه ، لكان جاهلا بفرق ما بينهما وبينه مما شرحناه. فيعلم أنه لا نسبة بين الأمرين.
وشيء آخر: وهو أن الله سبحانه وتعالى ، كنى بالهاء التالية ، للهاء التي في السكينة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) خاصة ، فلم يجز أن يكون أراد بالأولة غير النبي(صلى الله عليه واله وسلم) خاصة ، لأنه لا يعقل في لسان القوم كناية عن مذكورين بلفظ الواحد ، وكناية تردفها على النسق عن واحد من الإثنين ، وليس لذلك نظير في القرآن ولا في الأشعار ولافي شيء من الكلام ، فلما كانت الهاء في قوله تعالى: { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا } ، كناية عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالاتفاق ، ثبت أن التي قبلها من قوله { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } ، كناية عنه(صلى الله عليه واله وسلم) خاصة.
وبأن مفارقة ذلك لجميع ما تقدم ذكره من الآى والشعر الذي استشهدوا به. والله الموفق للصواب بمنه.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ و هو عبدالرحيم بن محمد بن عثمان ، استاذ أبي القاسم البلخي الكعبي من الطبقة الثامنة من المعتزلة.
وكان فقيهاً صاحب حديث ، واسع الحفظ لمذاهب المتكلمين ، وهو من أحفظ الناس لاختلاف المعتزلة في الكلام و أعرفهم بأقوالهم. (طبقات المعتزلة ، أحمد بن يحيى بن المرتضى: 85)
2ـ الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ۲۰ ، والمصنفات ٢: ٤٢.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|